مضى ثلث رمضان

بسم الله الرحمن الرحيم

إخوة الإيمان والعقيدة ... هذا شهر الصيام، وشهر القيام، وشهر تلاوة القرآن، شهر تاقت له أفئدة الصالحين، واشتاق إليه قلوب المتقين، ونصبت فيه أبدان العابدين.

سلام على شهر الصيام فإنه *** أمان من الرحمن أي أمان

فإن فنيت أيامك الغر بغتة *** فما الحزن من قلبي عليك بفان

مضى الثلث، والثلث كثير، بالأمس القريب كنا ننتظر إعلان دخول شهر رمضان، واليوم قد مضى ثلث الشهر والثلث كثير.

يا لهناءِ من استغل ليالي وأيام رمضان بالأعمال الصالحة، فجد وشد، وبالصدقات يده تمتد، وبالقيام جسده اشتد، فنال الخير والسعد، وقد مضى الثلث، والثلث كثير.

سَعِد أناس فيما مضى من ليالي وأيام، وينادي مناد كل ليلة: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة.

أفلح من أعتقه الله من النار في الثلث الذي انتهى، أفلح من أقبل على الخير في الثلث الذي انقضى، أفلح من انتهى عن الشر في الثلث الذي مضى، والثلث كثير.

ويا من فرط في ما مضى من أيام هذا الشهر، وتساهل في استغلال أيامه ولياليه، مازال في الشهر سعة، وما زال في العمر بقية، ولعلك لا تدرك رمضان بعد عامك هذا، بقي في الشهر ثلثيه، وبقيت العشر الأواخر، وبقيت ليلة القدر، ومن حرم خيرها فقد حرم.

إلحق بركب الصالحين، وعد إلى مولاك الكريم، والزم عتبة العبودية، فإن رمضان فرصة لإصلاح النفس، وتهذيب الذات، وإصلاح ما قطعته من حبالٍ مع الله، وقد مضى الثلث والثلث كثير.

يا أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-: قرن الله - تعالى -رمضان بالقرآن، فقال (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) فرمضان شهر القرآن، والقرآن شهره الأخص رمضان، وإنَّ القُرآنَ يَلْقى صاحِبَه يَومَ القيامةِ حين يَنشَقُّ عنه قَبرُه كالرَّجُلِ الشَّاحِبِ، فيقولُ له: هل تَعرِفُني؟ فيقولُ: ما أعرِفُكَ، فيقولُ: أنا صاحِبُكَ القُرآنُ الذي أظْمأتُكَ في الهَواجِرِ، وأسْهَرتُ لَيْلَكَ، وإنَّ كُلَّ تاجِرٍ مِن وَراءِ تِجارَتِه، وإنَّك اليَومَ مِن وَراءِ كُلِّ تِجارٍة، فيُعْطى المُلْكَ بيَمينِه، والخُلْدَ بشِمالِه، ويُوضَعُ على رَأسِه تاجُ الوَقارِ، ويُكْسى والِداهُ حُلَّتينِ لا يُقوَّمُ لهما أهْلُ الدُّنيا، فيقولانِ: بِمَ كُسِينا هذا؟ فيُقال: بأخْذِ وَلَدِكما القُرآنَ، ثم يُقالُ له: اقْرَأْ واصْعَدْ في دَرَجِ الجَنَّةِ وغُرَفِها، فهو في صُعودٍ ما دامَ يَقرَأُ؛ هذًّا كان أو تَرتيلًا.

قال وهيب بن الورد: قيل لرجل: ألا تنام؟ فقال: إن عجائب القرآن قد أطرن نومي.

وقال آخر: وأعجب من حفاظ القرآن كيف يهنيهم النوم، ويسعهم أن يشتغلوا بشيء من الدنيا، وهم يتلون كلام الله، أما إنهم لو فهموا ما يتلون، وعرفوا حقه، وتلذذوا به، واستَحْلَوا المناجاة به، لذهب عنهم النوم فرحا بما قد رزقوا.

منع القران بوعده ووعيده *** مقل العيون بليلها لا تهجع

فهموا عن الملك العظيم كلامه *** فهمًا تذل له الرقاب وتخضع

فيا من فرط في قراءة القرآن في رمضان، مضى الثلث، والثلث كثير، وبقي الثلثان، والثلثان أكثر.

كان بعض السلف يختم القرآن في قيام رمضان في كل ثلاث ليال، وبعضهم في كل سبع، وبعضهم في كل عشر، وكان الأسود: يختم في كل ليلتين في رمضان. وكان قتادة: يختم في كل سبع دائمًا، وفي رمضان في كل ثلاث، وفي العشر الأواخر كل ليلة. وكان للشافعي: في رمضان ستون ختمة.

وكان قتادة: يَدرُس القرآن في شهر رمضان. وكان الزهري: إذا دخل رمضان قال: إنما هو تلاوة القرآن، وإطعام الطعام.

كان سفيان الثوري: إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة، وأقبل على قراءة القرآن.

أولئك آبائي فجئني بمثلهم *** إذا جمعتنا يا جرير المجامعُ

بارك الله لي ولكم بالقرآن، ونفعنا بما فيه من المواعظ والبيان. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الحمد لله الكريم الوهاب، خلق خلقه من تراب، غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب، ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، خير من صلى لربه وأناب، صلى الله عليه وعلى آله والأصحاب، ومن سار على نهجهم واتبع طريقهم إلى يوم الحساب، وسلم تسليما كثيرا.

معاشر المؤمنين .. اتقوا الله حق التقوى، فقد بقي من رمضانَ أغلبَه، وويحَ من شيطانُه قد غَلَبه، يا من كنت مفرطًا فيما فات، عد إلى ربك قبل أن يقال قد مات.

في رمضان فضائل عظيمة: من قام مع إمامه حتى ينصرف كتب له قيام ليلة، ومن قرأ القرآن فله بكل حرف حسنة، ومن فطر صائمًا فله مثل أجره، ومن تصدق بصدقة فأخفاها أظلَّه الله في ظله، والله يضاعف لمن يشاء، والله واسع عليم، والله ذو الفضل العظيم.

عباد الله .. شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن، وفي بقيته للعابدين مستَمتَع، وهذا كتاب الله يتلى فيه بين أظهركم ويسمَع، وهو القرآن الذي لو أنزل على جبل لرأيته خاشعًا يتصدع، ومع هذا فلا قلب يخشع، ولا عين تدمع، ولا صيام يصان عن الحرام فينفع، ولا قيام استقام فيُرجى في صاحبه أن يشفع، قلوب خلت من التقوى فهي خراب بلقع، وتراكمت عليها ظلمة الذنوب فهي لا تبصر ولا تسمع، كم تتلى علينا آيات القرآن وقلوبنا كالحجارة أو أشد قسوة، وكم يتوالى علينا شهر رمضان وحالنا فيه كحال أهل الشقوة، لا الشاب منا ينتهي عن الصبوة، ولا الشيخ ينزجر عن القبيح فيلتحق بالصفوة، أين نحن من قوم إذا سمعوا داعي الله أجابوا الدعوة، وإذا تليت عليهم آيات الله جلت قلوبَهم جلوة، وإذا صاموا صامت منهم الألسنة والأسماع والأبصار أفما لنا فيهم أسوة؟

اللهم أيقظ قلوبنا من الغفلات، وطهر جوارحنا من المعاصي والسيئات، ونق سرائرنا من الشرور والبليات.

اللهم باعد بيننا وبين ذنوبنا كما باعدت بين المشرق والمغرب، ونقنا من خطايانا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، واغسلنا من خطايانا بالماء والثلج والبرد.

وصلى الله على نبينا محمد

 

المرفقات

1711074019_ثلث رمضان.pdf

1711074028_ثلث رمضان.docx

المشاهدات 1777 | التعليقات 0