مشروعيّة وأنواع وفوائد تطبيق العقوبات الشرعيّة- ومرحلة ذلّة إيران 28-3-1437

أحمد بن ناصر الطيار
1437/03/27 - 2016/01/07 11:50AM
الحمد لله الذي أمر بتطبيقِ الحدودِ والأحكام, لِمَا فيها من المصالح العظيمةِ للأنام, وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له, ولا ندّ ولا مثيل له, وأشهد أن محمدًّا عبدُه ورسولُه, أقام الحدود والتعزيرات, كما أقام بقيّةَ الأركان والواجبات, دون حيفٍ أو مُحاباة, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه, وسلم تسليمًا كثيرًا إلى أنْ يرث الله الأرضَ والسموات.
أما بعد, فاتقوا الله أمة الإسلام, واعلموا أنّ سِمَةَ الشريعةِ الإسلاميةِ السماحةُ واللين, والرفقُ والرحمة, ولكنّ هذا لا يعني بأنها تتهاون مع المجرمين, بل إنها تُوقع بهم أشدّ العقوبات وأغلظها.
قَدِمُ قومٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلمّا مكثوا في المدينةِ أصابهم مرضٌ، فَأَمَرَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلِقَاحٍ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا، فَانْطَلَقُوا بهذه الإبل يشربون منها ويداوون بها, فَلَمَّا صَحُّوا وزال عنهم ما ألمّ بهم, قَتَلُوا رَاعِيَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاسْتَاقُوا النَّعَمَ لهم، فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرُهُمْ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ، فَأَرْسَلَ فِي آثَارِهِمْ، فَمَا ارْتَفَعَ النَّهَارُ حَتَّى جِيءَ بِهِمْ، فَأَمَرَ بِهِمْ فَقُطِعَتْ أَيْدِيهِمْ، وَأَرْجُلُهُمْ وَفُقئتْ أَعْيُنُهُمْ، وَأُلْقُوا فِي الْحَرَّةِ يَسْتَسْقُونَ فَلَا يُسْقَوْنَ ".
قَالَ أَبُو قِلَابَةَ: «فَهَؤُلَاءِ قَوْمٌ سَرَقُوا وَقَتَلُوا، وَكَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَحَارَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ». متفق عليه

ومن أعظم الجرائم التي لا يجوز التهاون فيها: الإخلال بالأمن, فلولا الأمن ما اسْتمتعنا بعيشة, ولا ذقنا الراحة ولو ملكنا كنوز الدنيا.
وكلّ من يُثير الفرقة في الأمة, ويدعو إلى الخروج على وليّ الأمر المسلم, وجب على وليّ الأمر تعزيرُه وردعُه, ولو وصل الأمر إلى قتله فله قتلُه, فقد ثبت عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: «إِنَّهُ سَتَكُونُ هَنَاتٌ وَهَنَاتٌ - أي فتنٌ وأمور حادثة- ، فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُفَرِّقَ أَمْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَهِيَ جَمِيعٌ، فَاضْرِبُوهُ بِالسَّيْفِ كَائِنًا مَنْ كَانَ». رواه مسلم
قال النووي رحمه الله: فِيهِ الْأَمْرُ بِقِتَالِ مَنْ خَرَجَ عَلَى الْإِمَامِ, أَوْ أَرَادَ تَفْرِيقَ كَلِمَةِ الْمُسْلِمِينَ وَنَحْوَ ذَلِكَ, وَيُنْهَى عَنْ ذَلِكَ, فَإِنْ لَمْ يَنْتَهِ قُوتِلَ, وَإِنْ لَمْ يَنْدَفِعْ شَرُّهُ إِلَّا بِقَتْلِهِ قُتِلَ. ا.ه

وقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا بُويِعَ لِخَلِيفَتَيْنِ فَاقْتُلُوا الْآخَرَ مِنْهُمَا». رواه مسلم
هذا إذا كان هناك خليفتان, فكيف إذا لم يكن إلا حاكمٌ واحدٌ, وخرجتْ عليه فئةٌ ضالّةٌ تريد زعزعة الأَمْن, وأخذ الحكم منه؟ فقتلُه من باب أولى.

أمة الإسلام: لقد منّ الله تعالى على حُكَّامِ هذه البلاد الْمُباركة, بتطبيق الشريعة الإسلاميّة, والحدود الشرعيّة, لا سيّما على المفسدين في الأرض, كمروجيّ المخدرات, وقاطعي الطرقات, والقتلةِ ومُثيري الفتن والْفُرْقة, وذلك اتّباعًا للكتاب والسنة, فقد قال تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33)}.
وهذا ما يُسمّيه العلماء: حدّ الحرابة, والحرابة في الاصطلاح الشرعي: هي قيام طائفةٍ مسلحةٍ بإحداث الفوضى أو القتل، أو النهب والسلب، أو الإرهاب أو هتك الأعراض، اعتمادًا على القوة، وهي بمعنى قطعِ الطريق.

فالْمُحاربون لله ولرسوله، هم الذين بارزوه بالعداوة، وتمرّدوا على الشريعةِ السمحة, وأفسدوا في الأرض بالكفر والقتل، وأخذِ الأموال، وإخافةِ السبل, والخروج على وليِّ الأمرِ الْمُسلم.
فجزاءُ هؤلاءِ ونكالُهم -عند إقامة الحد عليهم- أنْ يُفعل بهم ما نصّت عليه الآية, وهي من أغلظ العقوبات, فدل على أنَّ جريمتهم من أعظم وأخطر الجرائم.
والقصاص من الجناةِ فيه حياةٌ للأمة بأسرها, قال تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ ياأُولِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} لأن الذي يرغب في أن يقتل, سَيَرْتدعُ حينما يعلم أنَّ هناك من سيقتص منه.
وفي هذا أكبر ردٍّ على الذين يتشدقون ويقولون: إنَّ القصاصَ وحشيةٌ وإهدارٌ لآدمية الإنسان، ونسألهم: لماذا غِرْتم لإنسانٍ يُقتص منه بحق وقد قَتَل غيرَه بالباطل؟
إنَّ العقوبة حين شرعها الله لم يشرعها لتقع، وإنما شرعها لِتَمْنَع.
ونحن حين نقتص من القاتل, نحمي سائر أفراد المجتمع مِن أن يوجد بينهم قاتل لا يحترم حياة الآخرين.
فالقصاص من القاتل عبرة لغيره، وحماية لسائر أفراد المجتمع.
فهذه العقوباتُ إنما هي رحمةٌ للناس ولِلْجناة.
فأما كونُها رحمةً لعموم الناس, فلأنها تشفي صدورهم وتُذهبُ غيظ قلوبهم, وخاصةً مِمَّنْ اكتوى بنار أفعالهم, كمن قُتل ابنه أو قريبه من هؤلاء.
وهي رحمةٌ للمجتمع كلّه بدوام الأمن, والخوفِ من الإقدام على الجرائم.
وأما كونُها رحمةً للجناة, فلأنها تكفّ أذاهم عن الناس, ولأنها كفارةٌ لهم, فقد ثبت في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ومن أتى منكم حدًّا فأقيم عليه فهو كفارة".

إِخْوَةَ الإيْمَان: لقد أَقامت الدولةُ رعاها الله تعالى, هذه العقوباتِ على مُثيري الفتنة والخارجين على وليّ الأمر, فأقامتْ إيران الداعمةُ للإرهاب الدنيا وأقعدتها, على قتل أخطر زارع للفتنة في هذه البلاد الطاهرة, وسمحت للناس بحرق سفارتي بلادنا, فلم يُراعوا حقّ الجوار ولا حق الضيافة, وتدخلوا في شؤوننا, وظنوا ردّةَ فعلنا ستكون يسيرةً وعابرة, ولكنها كانت قويّةً فوق ما ظنُّوا, حيث كانت بقطعِ العلاقات معهم تمامًا, وإيقافِ الطيران منها وإليها, بل ومِمَّا زاد ألَمَهُم وجُرْحَهُم, قطعُ بعضِ الدول علاقتهم معهم تضامنًا معنا, فهكذا هي الأمة المسلمةُ كالجسد الواحد.
بهذه العزةِ والقوّة في اتخاذ القرارات, نجحنا في قطعِ أيدي الأخطبوط الإيرانيّ الطائفيّ, واسْتعادت الأمة السنيّةُ كرامتها وعزتها, وتضامنت الشعوب وكثيرٌ من الدول معها.
وهي أكبر الخاسرين من ذلك, فاقتصادُها مُعتمدٌ على كثير من هذه الدول, وخسرت سمعتها وكثيرًا من هيمَنِتِها.

أمة الإسلام: إنّ المملكة لا تُفرق في تعاملها بين أحدٍ من مُواطنيها على أساسٍ مذهبيّ, فالنظام يُطبَّقُ على الجميع, وبهذا يسود العدل, ويدوم الْمُلك زمنًا طويلاً.
فالعقوبات الشرعيَّةُ لا مُحاباة فيها, ولا يُقبل فيها الشفاعات ونحوها.
فهذا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, شفع في امرأةٍ شريفةٍ سرقت في ألا يُقيم الحد عليها, فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وقَالَ: «أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ؟»، فَقَام في الناس خطيبًا وقَالَ: «إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمِ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمِ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَإِنِّي وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا». متفق عليه

نسأل الله تعالى أنْ بحمي بلادنا وبلاد المسلمين من كيد الأعداء, وأنْ يُجنبها الفتن والبلاء, إنه سميعٌ قريب مُجيب.

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين, وسلَّم تسليما كثيرا إلى يوم الدين..
أما بعد: معاشر المسلمين: لقد شرع الله العقوبات في الإسلام, وجعلَها ثلاثةَ أنواع:
القِصاص, والحدود, والتعزيرات.
فأما القِصَاصُ, فهو أنْ يجني أحدٌ على أحد في بدنِه, فيُقتصُّ منه, ويُفعلُ به مِثْلَمَا فَعَل, كما قال تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ}.
والحدود: هي كلّ عقوبةٍ على جريمةٍ نصّ الشارع عليها, كحدّ الزنى والسرقةِ ونحوها.
والتعزيرُ هو تأديبٌ على ذنوبٍ وجرائمَ, لم يُنَصّ في الشريعة على بيانِ عقوبتِه,كقتلِ مُرَوِّجي الْمُخدّرات, فإنه لم يأت نصٌّ بقتلهم, ولكنّ المصلحةَ أوجبت قتلتهم دفعًا لشرّهم.

نسأل الله تعالى داوم الأمن والسلامة, وأنْ يمنّ علينا بجوده وكرمه, إنه على كلّ شيءٍ قدير.
المشاهدات 1740 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا