مشاهد وأهوال
احمد ابوبكر
1434/05/23 - 2013/04/04 02:56AM
إنَّ المتدبر في سورة التكوير يجد أن هناك ثمة مشاهد وأهوال لا تفارق ورقة المصحف مع دمعات تطهر القلب وإيمان يزداد ونعيم للروح , والموفق في الحقيقة مَنْ اهتم مع تدبره بما يعينه – أكثر - على فهم الآيات التي يقرؤها , وفي سياق كلامنا عن سورة التكوير يتضح لمن قرأ تفسيرها أن من أوائل الأحاديث ما رواه الترمذي وصححه الألباني – رحمهما الله تعالى - عن عبدالله بن عمر - رضي الله تعالى عنهما – قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : ((من سرَّه أن ينظر إلى يوم القيامة فلْيقرأ : ((إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ)) ، ((إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ)) ، ((إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ)).
ومن اليقين عند كل مؤمن أن الله – تعالى - يوم القيامة يعيد خلق العباد ويبعثهم ويوقفهم بين يديه – تبارك وتعالى - ويحاسبهم على ما قدموه في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها , وهذا الحدث العظيم يتقدمه تغيرات كونية منها عندما تتغير الأرض غير الأرض والسموات , وتصاب الأرض بالزلازل وتندك , وتتشقق السماء وتمور , وتُسيَّر الجبال وتُنسف , وتُفجّر البحار وتُسجَّر , وتكوَّر الشمس , ويُخسف القمر , وتنكدر النجوم ويذهب ضوؤها وينفرط عقدها , وغيرها من الأهوال والمشاهد العظيمة.
وذلك اليوم يشهده الأولون والآخرون ويحشر فيه الملوك والفقراء وغيرهم حُفاة عُراة غُرلاً بُهماً ، لا ينفعهم مالهم ولا جاههم ولا سلطانهم وتستوي الخلائق وكلهم عبادٌ لله – جلا وعلا – : ((إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا)) , وعن عائشة - رضي الله تعالى عنها - أن النبي – صلى الله عليه وسلم - قال : ((يا أيها الناس إنكم تحشرون إلى الله حُفاة عُراة غُرلاً)) ثم قرأ : ((كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ)) , فقالت عائشة يا رسول الله النساء والرجال , فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : ((يا عائشة الأمر أشد من أن ينظر بعضهم بعضاً)).
وتدنو الشمس على أهل المحشر بمقدار ميل كما قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((تدنى الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم كمقدار ميل)) , قال التابعي سُليم بن عامر - رحمه الله تعالى - : (فوالله ما أدري ما يعني بالميل أمسافة الأرض أم الميل الذي تكتحل به العين) , وقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : ((فيكون الناس على قدر أعمالهم من العرق , فمنهم ما يكون إلى كعبيه , ومنهم ما يكون إلى ركبتيه , ومنهم من يكون إلى حقويه , ومنهم من يلجمه العرق إلجاماً)) , وفي رواية أن النبي – صلى الله عليه وسلم - أشار بيده إلى فيه.
وفي هذا المشهد أناس - نسأل الله تعالى أن نكون جميعاً منهم - تحت ظل عرش الرحمن وهم من أطاعوه في السرِّ والعلانية حيث جاءت بعض صفاتهم كما في حديث أبي هريرة – رضي الله تعالى – قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : ((سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله إمام عادل وشاب نشأ في عبادة ربه ورجل قلبه معلق بالمساجد ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله ورجل تصدق بيمينه فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه)).
وفي مشهد آخر من هذه المشاهد يبدأ الحساب والجزاء بالعدل كما قال تعالى : ((وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)) فلا تخفى صغيرةٌ ولا كبيرةٌ إلا أحصاها الله - عز وجل - ويحاسب عليها العبد , وقد سُئل علي بن أبي طالب – رضي الله تعالى عنه - كيف يحاسب الله – تعالى - العباد يوم القيامة في يوم واحد ؟ فقال : (كما يرزقهم في يوم) , وقال الحسن البصري - رحمه الله تعالى - : (الحساب أسرع من لمح البصر) , وأول ما يحاسب به العبد فريضة الصلاة كما قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : ((إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته فإن صلحت فقد أفلح وأنجح وإن فسدت فقد خاب وخسر)) , ويُسأل ابن آدم عن أمور مهمة في حياته كما جاء في حديث أبي برزة – رضي الله تعالى عنه – قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : ((لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يُسأل عن خمس عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه وعن ماله فيما اكتسبه وفيما أنفقه وعن علمه فيما عمله به)).
والمشاهد العظيمة يصعب وصفها ويعجز حصرها في هذه الكلمات اليسيرة وتبقى الحقيقة أن الدنيا فانية زائلة منتهية لا محالة وتبدأ الرحلة الحقيقية إلى حياة الآخرة من الموت ثم القبر ثم البعث ثم الحشر ثم العرض والحساب ثم الميزان ثم صحائف الأعمال ثم الصراط ثم الحوض ثم القنطرة ثم الجنة أو النار ثم الشفاعة ولكن من أطاع الله ورسوله – صلى الله عليه وسلم - فإن له الفوز بجنات النعيم : ((وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا)).
نسأل الله العلي القدير أن يأمِّنا يوم الفزع الأكبر ويجعلنا من الآمنين , ويظلنا في ظله يوم لا ظل إلا ظله , ويرزقنا الجنة وما قرب إليها من قول وعمل , ونعوذ بالله من النار وما قرب إليها من قول وعمل , وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ناصر بن سعيد السيف
ومن اليقين عند كل مؤمن أن الله – تعالى - يوم القيامة يعيد خلق العباد ويبعثهم ويوقفهم بين يديه – تبارك وتعالى - ويحاسبهم على ما قدموه في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها , وهذا الحدث العظيم يتقدمه تغيرات كونية منها عندما تتغير الأرض غير الأرض والسموات , وتصاب الأرض بالزلازل وتندك , وتتشقق السماء وتمور , وتُسيَّر الجبال وتُنسف , وتُفجّر البحار وتُسجَّر , وتكوَّر الشمس , ويُخسف القمر , وتنكدر النجوم ويذهب ضوؤها وينفرط عقدها , وغيرها من الأهوال والمشاهد العظيمة.
وذلك اليوم يشهده الأولون والآخرون ويحشر فيه الملوك والفقراء وغيرهم حُفاة عُراة غُرلاً بُهماً ، لا ينفعهم مالهم ولا جاههم ولا سلطانهم وتستوي الخلائق وكلهم عبادٌ لله – جلا وعلا – : ((إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا)) , وعن عائشة - رضي الله تعالى عنها - أن النبي – صلى الله عليه وسلم - قال : ((يا أيها الناس إنكم تحشرون إلى الله حُفاة عُراة غُرلاً)) ثم قرأ : ((كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ)) , فقالت عائشة يا رسول الله النساء والرجال , فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : ((يا عائشة الأمر أشد من أن ينظر بعضهم بعضاً)).
وتدنو الشمس على أهل المحشر بمقدار ميل كما قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((تدنى الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم كمقدار ميل)) , قال التابعي سُليم بن عامر - رحمه الله تعالى - : (فوالله ما أدري ما يعني بالميل أمسافة الأرض أم الميل الذي تكتحل به العين) , وقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : ((فيكون الناس على قدر أعمالهم من العرق , فمنهم ما يكون إلى كعبيه , ومنهم ما يكون إلى ركبتيه , ومنهم من يكون إلى حقويه , ومنهم من يلجمه العرق إلجاماً)) , وفي رواية أن النبي – صلى الله عليه وسلم - أشار بيده إلى فيه.
وفي هذا المشهد أناس - نسأل الله تعالى أن نكون جميعاً منهم - تحت ظل عرش الرحمن وهم من أطاعوه في السرِّ والعلانية حيث جاءت بعض صفاتهم كما في حديث أبي هريرة – رضي الله تعالى – قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : ((سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله إمام عادل وشاب نشأ في عبادة ربه ورجل قلبه معلق بالمساجد ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله ورجل تصدق بيمينه فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه)).
وفي مشهد آخر من هذه المشاهد يبدأ الحساب والجزاء بالعدل كما قال تعالى : ((وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)) فلا تخفى صغيرةٌ ولا كبيرةٌ إلا أحصاها الله - عز وجل - ويحاسب عليها العبد , وقد سُئل علي بن أبي طالب – رضي الله تعالى عنه - كيف يحاسب الله – تعالى - العباد يوم القيامة في يوم واحد ؟ فقال : (كما يرزقهم في يوم) , وقال الحسن البصري - رحمه الله تعالى - : (الحساب أسرع من لمح البصر) , وأول ما يحاسب به العبد فريضة الصلاة كما قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : ((إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته فإن صلحت فقد أفلح وأنجح وإن فسدت فقد خاب وخسر)) , ويُسأل ابن آدم عن أمور مهمة في حياته كما جاء في حديث أبي برزة – رضي الله تعالى عنه – قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : ((لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يُسأل عن خمس عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه وعن ماله فيما اكتسبه وفيما أنفقه وعن علمه فيما عمله به)).
والمشاهد العظيمة يصعب وصفها ويعجز حصرها في هذه الكلمات اليسيرة وتبقى الحقيقة أن الدنيا فانية زائلة منتهية لا محالة وتبدأ الرحلة الحقيقية إلى حياة الآخرة من الموت ثم القبر ثم البعث ثم الحشر ثم العرض والحساب ثم الميزان ثم صحائف الأعمال ثم الصراط ثم الحوض ثم القنطرة ثم الجنة أو النار ثم الشفاعة ولكن من أطاع الله ورسوله – صلى الله عليه وسلم - فإن له الفوز بجنات النعيم : ((وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا)).
نسأل الله العلي القدير أن يأمِّنا يوم الفزع الأكبر ويجعلنا من الآمنين , ويظلنا في ظله يوم لا ظل إلا ظله , ويرزقنا الجنة وما قرب إليها من قول وعمل , ونعوذ بالله من النار وما قرب إليها من قول وعمل , وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ناصر بن سعيد السيف