مُشَاهَدَاتِي في حجِّ عَامِ 1445هـ
أ.د عبدالله الطيار
الحمدُ للهِ الْوَاحِدِ الدَّيَّانِ، الرَّحِيمِ الرَّحْمَانِ، مَنَّ علينَا بالأمنِ والإيمانِ، وجعلَ بلادَنَا مَحْضَنَ الإِسْلامِ، وَمَهْوَى الأَفْئِدَةِ، ومُلْتَقَى الأَبْدَانِ، فَلَهُ الْحَمْدُ الْحَسَنُ، والثَّنَاءُ الْجَمِيلُ فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، وَأَشْهَدُ ألّا إِلَهَ إِلّا اللهُ، وحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنّ محمدًا عَبْدُهُ ورسولُه صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وصحبِهِ وسلّمَ تسليمًا كثيرًا، أمّا بعدُ: فاتّقُوا اللهَ عبادَ اللهِ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) البقرة: [21].
أيُّهَا المؤمنُونَ: إن تَقْوَى اللهِ عزَّ وجَلَّ غَايَةُ الْغَايَاتِ، وَمُنْتَهَى الْعِبَادَاتِ، وأَعْظَمُ مَا يَتَقَرَّبُ بِهِ المُسْلِمُ إِلَى مَوْلاهُ، وَيَتَزَوَّد بِهِ لِأُخْرَاهُ، والتقوى ثمرةُ كلّ العبادات على وجهِ العمومِ، وفريضةِ الحجِّ على وجهٍ خاصٍّ، فقد أوصى اللهُ عزَّ وجلَّ الحجيجَ بتحقيقِهَا، والتزوُّدِ بِهَا بِقَوْلِهِ: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) البقرة [197] وَبَعْدَ أَنْ شَرَعَ لَهُم ذَبْحَ الْهَدْي بَيَّنَ الْحِكْمَةَ بِقَوْلِهِ: (لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ) الحج: [37].فالتَّقْوَى هي الغَنِيمَةُ البَاقِيَةُ، وَالمُتَّقُونَ هُمُ الأَعْلَوْنَ في الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ.
عبادَ اللهِ: أحمدُ اللهَ عزَّ وجلَّ على عظيمِ الفضلِ والإنعَامِ، وما امتَنَّ بهِ على بلادِنَا من الأمْنِ والأَمَانِ، والرِّيَادَةِ والإِحْسَانِ، وما اختصَّ بهِ هذهِ البلادِ المباركةِ منْ نِعَمٍ عظيمةٍ، وآلاءٍ جسيمةٍ، مِنْهَا: أنْ جعلهَا مهدَ الدِّينِ، وقبلةَ المسلمينَ، وشرَّفَهَا بخدمَةِ الحجَّاجِ والمعتَمِرِينَ، وزُوَّاِر مسجدِ رسولِهِ الكريمِ ﷺ، وهذه نعمةٌ من اللهِ عزَّ وجلَّ تستوجبُ شُكْرَهَا، والقيامَ بحقِّهَا.
عبادَ اللهِ: ومِنْ شُكْرِ هذهِ النِّعْمَةِ رعايةُ الحجَّاجِ والمعتَمِرِينَ، والقيامُ على خدمتِهِم، وتسهيلُ المناسِكِ، وتذليلُ الصِّعَابِ، وهذ ما تقومُ به بلادُنَا- حفظَهَا اللهُ-، ويتشَرَّفُ بهِ ولاةُ أَمْرِنَا -وفَّقَهُمُ اللهُ-بدءً من قدومِ الحجَّاجِ للمملكةِ عَبْرَ الموانِئِ البرِّيَّةِ والبحريَّةِ والجوِّيَّةِ، وحتى وصولِهِم إلى بلدانِهِم سالمينَ، يَرْوُونَ لمن خَلْفَهُم مَشَاهِدَ سَطَّرَتْهَا أَذْهَانُهُم، تَنُمُّ عن حُبٍّ لهذهِ البلادِ المبارَكَةِ، وقيادَتِهَا الحكيمةِ.
أيُّهَا المؤمنونَ: ولمّا امتنَّ اللهُ عزَّ وجلَّ على هذهِ البلادِ المباركةِ بخدمَةِ ضيوفِهِ، ورِعَايَةِ مقدَّسَاتِهِ، امتنَّ عليها بالخيرِ العميمِ؛ لتقومَ بتلكَ المهمةِ المنوطَةِ بها خيرَ قيامٍ، فَغَمَرَهَا بالبرَكَةِ، وحَفِظَهَا بالأمْنِ، مُنْذُ أن وَطِئَتْهَا أَقْدامُ أبي الأنبياءِ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، وحتى تشرَّفَتْ بأنْ تكونَ وطنًا لخَاتَمِهِمْ ﷺ قَالَ تعالَى: (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ) البقرة: [126].
عبادَ اللهِ: إنَّ هذهِ البلادَ المباركةَ أَنْفَقَتْ، وتُنفقُ، وسَتنفقُ على الحرمينِ الشَّريفينِ، والمشاعرِ المقدسةِ كلِّها، أموالًا طائلةً، وتُؤَسِّسُ لمشاريعَ عِمْلاقَةٍ تَوْسِعَةً، وتطويرًا، وتهيئةً لحُجَّاجِ بيتِ اللهِ الحرامِ، ومسجدِ رسولِه عليه الصلاةُ والسلامُ، وتَبذلُ بسخاءٍ لا مَثِيلَ لَهُ، في سبيلِ التيسيرِ على الحجيجِ، وخدمتِهم، ورعايتِهم، مستخدمةً أحدثَ الأساليبِ التَّقَنِيِّةِ، والخَدَماتِ الرَّقمِيِّةِ، التي تُسهِّلُ على الحجِيجِ أداءَ مناسكِهم بيسرٍ وسهولةٍ.
أيُّهَا المؤمنونَ: ومن ثِمَارِ تلكَ الجهودِ المُضْنِيَةِ ما أنْعَمَ اللهُ عزَّ وجلَّ بهِ على بلادِنَا مِنْ نَجاحِ موسمِ حجِّ هذا العامِ 1445هـ، نجاحًا لمسَهُ كُلُّ حاجٍّ ومعتمرٍ، وشاهدَهُ المسلمونَ في مشارِقِ الأرضِ ومَغَارِبِهَا.
عِبَادَ اللهِ: شَاهَدْتُ فِي حَجِّ هَذا الْعَامِ 1445هـ جهودًا مباركةً، واستنفارًا للكوادرِ الأمنيةِ، والصحيةِ، والإرشاديةِ، والدَّعَوِيَّةِ المجهَّزَةِ على أعلى المستوياتِ، وخَدَمَاتٍ عظيمةً تَضَافَرَتْ فيها جهودُ المخلصينَ العاملينَ في قطاعاتِ الحجِّ المختلفةِ، فأثمرتْ نجاحًا باهرًا، وتنظيمًا دقيقًا، يُثْلِجُ قلوبَ المؤمنينَ الصَّادِقِينَ، ويُخْرِسُ أَبْوَاقَ الْكَذَبَةِ والْحَاقِدِينَ، فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
وإنِّي بهذهِ المناسبَةِ العظيمَةِ، أَحْمَدُ اللهَ عز وجل وأشكرُه، وأسألُه المزيدَ من فضلِهِ، وأرفعُ التَّهْنِئَةَ لِخَادِمِ الْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ وسُموِّ وليِّ عهدهِ وسائرِ قياداتِ الحجِّ والعاملينَ لخدمةِ الحُجَّاجِ، على نجاحِ موسمِ الحجِّ هذا العامِ 1445هـ، وأقولُ للجميعِ: أبْشِرُوا، فَلَكُم أَجْرُ كُلِّ حاجٍ ومعتمرٍ وزائرٍ أدُّوا حجَّهم وعُمرتَهم وزيارَتَهم لمسجدِ رسولِ اللهِ ﷺ بيُسرٍ وسهولةٍ، وألسنتُهم تَلْهَجُ بالدُّعَاءِ لِهَذَا الْبَلَدِ المِعْطَاءِ.
أَعُوذُ باللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَاب) البقرة: [197]. بَارَكَ اللهُ لي ولكم فِي الْوَحْيَيْنِ، وَنَفَعَنَي وَإِيَّاكُم بِهَدْيِ خَيْرِ الثَّقَلَيْنِ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي ولَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ، وتوبوا إليه، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، والشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وأَشْهَدُ ألا إِلَهَ إلا الله وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، الدَّاعِي إلى رِضْوَانِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وصحبِهِ وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا أمَّا بــــــعــــــــــدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ: واعْلَمُوا أَنَّ مِنْ شُكْرِ النِّعَمِ التَّحَدُّثَ بِهَا، والثَّنَاءَ عَلى المُنْعِمِ سُبْحَانَهُ، قالَ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ) المائدة: [11]. فَاحْمَدُوا اللهَ عزَّ وجلَّ على مَا أَوْلاكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى مَا هَدَاكُمْ، (فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) الأعراف: [69].
ويَا مَنْ يَسَّرَ اللهُ عزَّ وجلَّ لَهُ الحجَّ هذا العامَ، فَوَطِئَتْ أقْدَامُهُ أَرْضَ الْحَرَمِ، والمشَاعِرَ المقَدَّسَةِ، واكتحلَتْ عينُهُ بِمَرْأَى الْكَعْبَةِ المُشرَّفَةِ، وبَلَّغَهُ اللهُ هذا البيتَ العتيقَ، وأتمَّ عليهِ مناسِكَ الحجِّ: احْمَدُوا اللهَ واشْكُرُوهُ، واسْأَلُوهُ المَزِيدَ مِنْ فَضْلِهِ، واللهَ أسأل أنْ يُتِمَّ علينَا وعلى حُجَّاجِ بيتِ اللهِ الحَرَام النِّعْمَةَ، ويَتَفَضَّل علينَا وعليهِم بِالْقَبُولِ والرِّضَا.
أيُّهَا الإِخْوة: يَا مَنْ كَتَبَ اللهُ لَكُمْ الْحَجَّ هَذَا الْعام: اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ، وأَلِظُّوا بِشُكْرِهَا، وحَافِظُوا عَلَيْهَا، بِلُزُومِ الْعِبَادَاتِ، وتَكْرَارِ الطَّاعَاتِ، وأَيْقِنُوا بِالْقَبُولِ، وأَبْشِرُوا بِالْخَيْرِ، فَرَبُّنَا حَيِيٌّ كَرِيمٌ، قَرِيبٌ مُجِيبٌ.
اللَّهُمَّ اقْبَلْ مِنَ الْحَجِيجِ حَجَّهُمْ، وَاخْلُفْ نَفَقَتَهُمْ، وَاغْفِر ذُنُوبَهُمْ، وَرُدَّهُمْ سَالِمِينَ غَانِمِينَ، فَرِحِينَ مُطْمَئِنِّينَ، بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
اللَّهُمَّ أَدِمْ عَلَى بِلادِ الْحَرَمَيْنِ أَمْنَهَا وَإِيمَانَهَا، وَعِزَّهَا وَرَخَاءَهَا يَا رَبَّ الْعَالمِينَ.
اللَّهُمَّ أمِّنا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللهم وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا خَادِمَ الْحَرَمَينِ الشَّرِيفَيْنِ سلمانَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى مَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وخُذْ بِنَاصِيَتِهِ إِلَى اَلْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَأَلْبِسْهُ لِبَاسَ الْعَافِيَةِ اللَّهُمَّ وَفِّقْهُ لِهُدَاكَ وَاجْعَلْ عَمَلَهُ فِي رِضَاكَ، وَأَتِمَّ عَلَيْهِ الشِّفَاءَ عَاجِلًا يَا رَبَّ الْعَالمِينَ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ عَهْدِهِ إِلَى كُلِّ خَيْرٍ، وَاحْفَظْهُ مِنْ كُلِّ سوءٍ وَشَرٍّ، واجْعَلْهُ مُبَارَكًا أَيْنَمَا حَلَّ.
اللَّهُمَّ احْفَظْ رجالَ الأمنِ، والمُرَابِطِينَ، وَرِجَالَ أَمْنِ الْحَجِّ والْعُمْرِةِ والطُّرُقِ، اللَّهُمَّ احْفَظْهُمْ مِنْ بينِ أيديهِم ومِنْ خَلْفِهِمْ وعنْ أيمانِهِمْ وعنْ شمائِلِهِمْ ومِنْ فَوْقِهِمْ، ونعوذُ بعظَمَتِكَ أنْ يُغْتَالُوا مِنْ تَحْتِهِمْ.
اللَّهُمَّ ارْحَمْ هذَا الْجَمْعَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِهِمْ وآَمِنْ رَوْعَاتِهِمْ وارْفَعْ دَرَجَاتِهِمْ، واغْفِرْ لَهُمْ ولآبَائِهِمْ وأُمَّهَاتِهِم، واجْمَعْنَا وإيَّاهُمْ ووالدِينَا وإِخْوَانَنَا وذُرِّيَّاتِنَا، وأزواجًنا، وجيرانَنَا، وَمَشَايِخنَا، ومَنْ لهُ حقٌّ علينَا في جَنَّاتِ النَّعِيمِ. وَآخِرُ دَعْوَانا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين، وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّد، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
الجمعة 15/12 / 1445هـ