مشاعر المؤمنين عند رؤية الجنائز
الشيخ السيد مراد سلامة
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي تفرد بالعز والجلال، وتوحد بالكبرياء والكمال، وجلّ عن الأشباه والأشكال، ودل على معرفة فزال الإشكال، وأذل من اعتز بغيره غاية الإذلال، وتفضل على المطيعين بلذيذ الإقبال، بيده ملكوت السماوات والأرض ومفاتيح الأقفال، لا رادّ لأمره ولا معقب لحكمه وهو الخالق الفعال.
واشهد أن لا اله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد وهو علي كل شيء قدير
هو الأول والآخر والظاهر والباطن الكبير المتعال، لا يحويه الفكر ولا يحده الحصر ولا يدركه الوهم والخيال.
الذي أيده بالمعجزات الظاهرة، والآيات الباهرة، وزينه بأشرف الخصال
ورفعه إلى المقام الأسنى، فكان قاب قوسين أو أدنى، وخلع الجمال.
وعلى اله وأصحابه ومن سار على نهجه وتمسك بسنته واقتدى بهديه واتبعهم بإحسان إلي يوم الدين ونحن معهم يا أرحم الراحمين
ثم أما بعد:
إخوة الإسلام: نعيش في هذ اللقاء مع {مشاعر المؤمنين عند رؤية الجنائز} في لنرى الفرق بين ما كان عليه السلف من الخوف والخشية وما نحن عليه من سكرة وغفلة فالذي ينظر إلى أحوالنا عند تشييع الجنائز لتستقر في مخيلته حقيقة مرة وهي أن قلوبنا قد ماتت لا نتأثر ولا نتعظ ترى ذلك في أحوال المشيعين المنهمكين في الحديث عن الدنيا والانشغال بها وترى الضحك والانشغال بالهاتف الجوال وغير ذلك من أمور يندى لها الجبين
لذا كان لزاما وأجل مسمى أن نقف مع سير الصالحين لعلنا نقتدي بهم ونهتدي بهديهم
أيها الأحبة: إن من شهد جنازة فلم يتأثر، ووقف على شفير قبر فلم يتأثر، فليعلم أن قلبه ليس من قلوب هم الآخرة، فليعالج هذا القلب، وليعلم أنه مريض، بل إن المرض مستحكم فيه، إن الموت عبرة، وإن الموت آية: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ * كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} ([1]){أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ}([2]) و قال سبحانه {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا}([3]) إن الذي لا يعتبر بالموت ولا يتأثر به ليس من أصحاب هم الآخرة.
تأثر النبي – صلى الله عليه وسلم
عن البراء بن عازب، قال: أقبلت مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض المدينة فبصر بجماعة فقال: " على ما اجتمع هؤلاء؟ " قيل: على قبر يحفرونه، قيل: ففزع النبي صلى الله عليه وسلم فبدر بين يدي أصحابه مسرعا حتى انتهى إلى القبر، فحثا عليه، قال البراء فاستقبلته من بين يديه لأنظر ما يصنع فرأيته بكى حتى بل الثرى من دموعه، ثم أقبل علينا فقال: " أي إخواني، لمثل هذا فادعوا "([4])
تأثر أسيد بن حضير-رضي الله عنه-
قَالَ أسيد بن حضير: "مَا شهِدت جَنَازَة وَحدثت نَفسِي بِشَيْء، سوى مَا يفعل بِالْمَيتِ، وَمَا هُوَ صائر إِلَيْهِ". ([5])
تأثر أبي هريرة – رضي الله عنه-كان أبو هُرَيْرَة -رَضِي الله عَنهُ-إِذا رأى جَنَازَة، قَالَ: "امْضِ وَنحن على أثرك".([6])
تأثر أبي أمامة-رضي الله عنه-
عن سليم بن عامر قال: خرجنا في جنازة على باب دمشق ومعنا أبو أمامة الباهليّ فلمّا صلّى على الجنازة وأخذوا في دفنها قال أبو أمامة: إنّكم قد أصبحتم وأمسيتم في منزل تغنمون فيه الحسنات والسّيّئات توشكون أن تظعنوا منه إلى منزل آخر وهو هذا-يشير إلى القبر-بيت الوحشة وبيت الظّلمة وبيت الضّيق إلّا ما وسّع الله ثمّ تنتقلون منه إلى يوم القيامة) ([7])
تأثر مكحول رحمه الله عنه-
كَانَ مَكْحُول الدِّمَشْقِي-رَحمَه الله-إِذا رأى جَنَازَة قَالَ: "اغْدُ فَإنَّا رائحون، موعظة بليغة، وغفلة سريعة، يذهب الأول، وَالْآخر لَا عقل لَهُ".([8])
تأثر الحسن البصري – رحمه الله-
وَمَرَّتْ بالْحسنِ الْبَصْرِيّ-رَحمَه الله-جَنَازَة فَقَالَ: "يَا لَهَا موعظة مَا أبلغهَا، وأسرع نسيانها! يَا لَهَا موعظة لَو وَافَقت من الْقُلُوب حَيَاة"، ثمَّ قَالَ: "يَا غَفلَة شَامِلَة للْقَوْم، كَأَنَّهُمْ يرونها فِي النّوم، ميت غَدا يدْفن ميت الْيَوْم". ([9])
تأثر مالك بن دينار – رحمه الله-
وَلما مَاتَ أَخُو مَالك بن دِينَار، خرج مَالك فِي جنَازَته، فَوقف على قَبره وَبكى، ثمَّ قَالَ: "وَالله يَا أخي لَا تقر عَيْني بعْدك، حَتَّى أعلم إِلَى مَا صرت إِلَيْهِ، وَلَا وَالله لَا أعلم ذَلِك مَا دُمتُ حَيًّا".([10])
تأثر مطرف بن عبد الله بن الشخير-رحمه الله
وَقَالَ مطرف بن عبد الله بن الشخير، عَن أَبِيه: "أَنه كَانَ يلقى الرجل فِي الْجِنَازَة من خَاصَّة إخوانه، قد بعد عَهده بِهِ، فَلَا يزِيدهُ على السَّلَام، حَتَّى يظنّ الرجل أَن فِي صَدره عَلَيْهِ موجدة، كلّ ذَلِك لانشغاله بالجنازة، وتفكره فِيهَا وَفِي مصيرها، حَتَّى إِذا فرغ من الْجِنَازَة لقِيه، وَسَأَلَهُ، ولاطفه، وَكَانَ مِنْهُ أحسن مَا عهد".([11])
تأثر عمر بن عبد العزيز – رحمه الله-
عن ميمون بن مهرة رحمه الله قال: خرجت مع عمر بن عبد العزيز إلى المقبرة، فلما نظر إلى القبور بكى ثم أقبل عليّ فقال: يا أبا أيوب! هذه قبور آبائي بني أمية، كأنهم لم يشاركوا أهل الدنيا في لذتهم وعيشهم، أما تراهم صرعى قد حلت بهم المثلات؟ واستحكم فيهم البلى؟ وأصابت الهوام في أبدانهم مقيلا؟ ثم بكى حتى غشي عليه، ثم أفاق فقال: انطلق بنا، فوالله ما أعلم أحدا انعم ممّن صار إلى هذه القبور وقد أمن من عذاب الله.
نظر عمر بن عبد العزيز وهو في جنازة إلى قومٍ قد تلثموا من الغبار والشمس، وانحازوا إلى الظل، فبكى وقال:
من كان حين تصيب الشمس جبهته *** أو الغبار يخاف الشين والشعثا
ويألف الظل كي تبقى بشاشته*** فسوف يسكن يوماً راغماً جدثا
في قعر مظلمةٍ غبراء موحشةٍ*** يطيل في قعرها تحت الثرى اللبثا
تجهزي بجهازٍ تبلغين به *** يا نفس قبل الردى لم تخلقي عبثا([12])
تأثر السلف
وَقَالَ الْأَعْمَش: "كُنَّا نشْهد الْجِنَازَة، وَلَا نَدْرِي مَن المعَزَّى فِيهَا -أي لا يعرف أهل الميت- لِكَثْرَة الباكين، وَإِنَّمَا بكاؤهم على أنفسهم لَا على الْمَيِّت". ([13])
وَقَالَ ثَابت الْبنانِيّ: "كُنَّا نشْهد الْجِنَازَة، فَلَا نرى إِلَّا باكيًا". ([14])
وَقَالَ إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ: "كَانُوا يشْهدُونَ الْجِنَازَة، فَيُرَى فيهم ذَلِك أَيَّامًا، كَأَن فيهم الفكرة فِي حَال الْمَوْت، وَفِي حَال الْمَيِّت". ([15])
تأثر ذَر بن عمر-رحمه الله-
وَلما مَاتَ ذَر بن عمر، وَوضع فِي قَبره، قَالَ أَبوهُ: "يَا ذَر لقد شغلنا الْحزنُ لَك عَن الْحزنِ عَلَيْك، فليت شعري! مَاذَا قلتَ وماذا قيل لَك؟" ثمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ إِن هَذَا وَلَدي ذَر، متعتني بِهِ مَا متعتني، ووفيته أَجله ورزقه، وَلم تنقصه حَقه، اللَّهُمَّ وَقد كنت ألزمته طَاعَتك وطاعتي، وَإِنِّي قد وهبت لَهُ مَا فرط فِيهِ من طَاعَتي، فَهَب لَهُ مَا فرط فِيهِ من طَاعَتك، اللَّهُمَّ وَمَا وَعَدتنِي عَلَيْهِ من الْأجر فِي مصيبتي، فقد وهبت ذَلِك لَهُ، فَهَب لي عَذَابه وَلَا تعذبه، وَأَنت أَجود الأجودين، وَأكْرم الأكرمين"، قَالَ: فأبكى النَّاس، ثمَّ قَالَ عِنْد انْصِرَافه: "يَا ذَر مَا علينا بعْدك من خصَاصَة، وَمَا بِنَا مَعَ الله إِلَى إِنْسَان من حَاجَة، يا ذر مضينا وتركناك، وَلَو أَقَمْنَا عنْدك مَا نفعناك". وتأمل -يا عبد الله-أَلا ترى إِلَى هَذَا؟ لم يشْغلهُ الْحزن على وَلَده وَثَمَرَة كبده عَن الْحزن بِمَا قَالَ وَبِمَا قيل لَهُ؛ لأَنهم إِنَّمَا كَانُوا يقدمُونَ الأهم فالأهم، ويبدؤون بالأعظم فالأعظم. ([16])
تأثر امرأة بدوية
ويرْوى عَن الْأَصْمَعِي قَالَ: حجت امْرَأَة من الْعَرَب وَمَعَهَا ابْن لَهَا، فأُصيبت بِهِ، فَلَمَّا دُفن قَامَت على قَبره وَهِي موجعة، فَقَالَت: "يَا بني: وَالله لقد غذوتك رضيعًا، وفقدتك سَرِيعًا، وَكَأن لم يكن بَين الْحَالَتَيْنِ مُدَّة ألتذ فِيهَا بعيشك، وأتمتع فِيهَا بِالنّظرِ إِلَى وَجهك، وَبقيت مُدَّة أتذكرك فِيهَا، وأذوب فِيهَا بالحزن عَلَيْك"، ثمَّ قَالَت: "اللَّهُمَّ مِنْك الْعدْل، وَمن خلقك الْجُود، اللَّهُمَّ وهبتني قُرَّة عَيْني فَلم تمتعني بِهِ كثيرًا، بل سلبتنيه وشيكًا، ثمَّ أَمرتنِي بِالصبرِ عَلَيْهِ، ووعدتني الْأجر، فصدّقت وَعدك، ورضيت قضاءك، اللَّهُمَّ ارْحَمْ غربته، واستر عَوْرَته يَوْم تنكشف العورات، وَتظهر السوآت، فرحم الله من ترحم على من استودعته الرَّدْم، ووسدته الثرى"، فَلَمَّا أَرَادَت الْخُرُوج إِلَى أَهلهَا، وقفت على قَبره وَقَالَت: "أَي بني قد تزودت لسفري من الدُّنْيَا، فليت شعري مَا زادك لسفرك وَيَوْم معادك، اللَّهُمَّ أَسأَلك الرضا لَهُ برضاي عَنهُ"، ثمَّ قَالَت: "أستودعك من استودعنيك جَنِينًا فِي الأحشاء، وأذاقني عَلَيْهِ غُصَّة الثكلى، واثكل الوالدات! مَا أقل أنسهن، وَأَشد وحشتهن"، وصلت عِنْد قَبره رَكْعَتَيْنِ وانصرفت. ([17])
روى البراء بإسناده عن الفضيل بن عياض قال: رأيت رجلا يبكي، قلت: وما يبكيك؟
قال: أبكاني كلامه. قلت: ما هو؟ قال: كنّا وقوفا في المقابر فأنشدوا:
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما.
أما بعد:
علاج قسوة القلب
أخي المسلم بعدما رأينا أحوال السلف في التأثر بذلك المشهد مشهد الجنازة نأتي الى سؤال ما هو علاج تلك القسوة؟
وكيف نخرج من تلك الغلفة؟
الجواب بحول الملك الوهاب-: إن رقة قلب و غزارة دمعة منة و عطية نعمة من نعم الله تعالى {فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ} (الزمر:22)
1-المعرفة بالله تعالى:
اعلم أن من تعرف على الله تعالى حق المعرفة رق قلبه و دمعت عيناه من خشية ربه و مولاه قال الله تعالى {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28]
يقول ابن كثير –رحمه الله-
أي: إنما يخشاه حق خشيته العلماء العارفون به؛ لأنه كلما كانت المعرفة للعظيم القدير العليم الموصوف بصفات الكمال المنعوت بالأسماء الحسنى -كلما كانت المعرفة به أتم والعلم به أكمل، كانت الخشية له أعظم وأكثر.
عن أبي حيان [التميمي] عن رجل قال: كان يقال: العلماء ثلاثة: عالم بالله عالم بأمر الله، وعالم بالله ليس بعالم بأمر الله، وعالم بأمر الله ليس بعالم بالله. فالعالم بالله وبأمر الله: الذي يخشى الله ويعلم الحدود والفرائض. والعالم بالله ليس بعالم بأمر الله: الذي يخشى الله ولا يعلم الحدود ولا الفرائض. والعالم بأمر الله ليس بعالم بالله: الذي يعلم الحدود والفرائض، ولا يخشى الله عز وجل. ([19]).
2-تذكر الموت وما بعده:
ومما يعين على التأثر والخشية والإنابة أن تكثر من تذكر الموت وأنه أقرب إليك فلا تدري متى يأتيك.
3-زيارة القبور والتفكر في حال أهلها:
واعلموا أن العبرة من زيارة القبور أخذ العظة والعبر من المقبور وأن يدرك المرء أنه إلى الله تعالى راجع وإن هذا هو مسكنه
كان لبعض العصاة أم تعظه ولا ينثني فمر يوماً بالمقابر فرأى عظما نخرا فمسه فانفت في يده فأنفت نفسه فقال لنفسه أنا غدا هكذا فعزم على التوبة فرفع رأسه إلى السماء وقال يا إلهي اقبلني وارحمني ثم رجع إلى أمه حزينا فقال يا أماه ما يصنع بالآبق إذا أخذه سيده فقالت يغل قدميه ويديه ويخشن ملبسه ومطعمه قال يا أماه أريد جبة من صوف وأقراصا من شعير وافعلي بي ما يفعل بالعبد الآبق من مولاه لعل مولاي يرى ذلي فيرحمني ففعلت به ما طلب فكان إذا جن عليه الليل أخذ في البكاء والعويل فقالت له أمه ليلة يا بني ارفق بنفسك فقال يا أماه إن لي موقفاً طويلا بين يدي رب جليل فلا أدري أيؤمر بي إلى ظل ظليل أو إلى شر مقيل إني أخاف عناء لا راحة بعده أبداً وتوبيخاً لا عفو معه قالت فاسترح قليلاً فقال الراحة أطلب يا أماه كأنك بالخلائق غداً يساقون إلى الجنة وأنا أساق إلى النار فمرت به ليلة في تهجده هذه الآية { فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [الحجر: 92، 93]
فتفكر فيها وبكى واضطرب وغشي عليه فجعلت أمه تناديه ولا يجيبها فقالت له قرة عيني أين الملتقى فقال بصوت ضعيف إن لم تجديني في عرصة القيامة فسلي مالكاً عني ثم شهق شهقة فمات رحمه الله فخرجت أمه تنادي أيها الناس هلموا إلى الصلاة على قتيل النار فلم ير أكثر جمعا ولا أغزر دمعا من ذلك اليوم هذه ([20])
4-تذكر الآخرة والتفكر في القيامة وأهوالها:
ومما يعينك على إذابة قسوة القلب أن تتفكر في ذلك اليوم الرهيب الذي يفر المرء فيه من أبيه و امه واخيه أن تتفكر و أن تتوهم أنك موقوف بين يدي الله تعالى و انه سيحاسبك على أعمالك و أقوالك
وهذا أبو الدرداء كان يقول: إن أشد ما أخاف على نفسي يوم القيامة أن يقال لي : يا أبا الدرداء ، قد علمت ، فكيف عملت فيما علمت ؟ وكان يقول: لو تعلمون ما أنتم لاقون بعد الموت لما أكلتم طعاما على شهوة، ولا شربتم شرابا على شهوة، ولا دخلتم بيتا تستظلون فيه ، ولخرجتم إلى الصعدات تضربون صدوركم ، وتبكون على أنفسكم ، ولوددت أني شجرة تعضد ثم تؤكل .
وكان عبد الله بن عباس أسفل عينيه مثل الشراك البالي من الدموع.
وكان أبو ذر يقول: يا ليتني كنت شجرة تعضد، ووددت أني لم أخلق وعرضت عليه النفقة، فقال: ما عندنا عنز نحلبها وحمر ننقل عليها، ومحرر يخدمنا، وفضل عباءة، وإني أخاف الحساب فيها.
عن محمد بن المنكدر أنه بينا هو ذات ليلة قائم يصلي إذ استبكى وكثر بكاؤه حتى فزع أهله وسألوه ما الذي أبكاه فاستعجم عليهم وتمادى في البكاء فأرسلوا إلى أبي حازم فأخبروه بأمره فجاء أبو حازم إليه فإذا هو يبكي قال يا أخي ما الذي أبكاك قد رعت أهلك أفمن علة أم ما بك قال فقال إنه مرت بي آية في كتاب الله عز وجل قال وما هي قال قول الله تعالى وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون قال فبكى أبو حازم أيضا معه واشتد بكاؤهما قال فقال بعض أهله لأبي حازم جئنا بك لتفرج عنه فزدته قال فأخبرهم ما الذي أبكاهما ([21])
كان يزيد الرقاشي -رحمه الله-: يقول لنفسه: ويحك يا يزيد من ذا يترضى عنك ربك الموت؟ ثم يقول: أيها الناس ألا تبكون وتنوحون على أنفسكم باقي حياتكم؟ من الموت طالبه والقبر بيته و التراب فراشه و الدود أنيسه و هو مع هذا ينتظر الفزع الأكبر يكون حاله؟ ثم يبكي حتى يسقط مغشيا عليه ([22])
قال عبد الرحمن بن يزيد بن جابر –رحمه الله-:قلت ليزيد بن مرثد: ما لي أرى عينيك لا تجف؟ قال: وما مسألتك عنه؟ قلت: عسى الله أن ينفعني به،
قال: يا أخي، إن الله قد توعدني إن أنا عصيته أن يسجنني في النار، والله لو لم يتوعدني أن يسجنني إلا في الحمام لكنت حريا أن لا تجف لي عين
قال: فقلت له: فهكذا أنت في خلواتك؟ قال: وما مسألتك عنه؟ قلت: عسى الله أن ينفعني به، فقال: والله إن ذلك ليعرض لي حين أسكن إلى أهلي، فيحول بيني وبين ما أريد، وإنه ليوضع الطعام بين يدي، فيعرض لي فيحول بيني وبين أكله، حتى تبكي امرأتي ويبكي صبياننا، ما يدرون ما أبكان
ولربما أضجر ذلك امرأتي فتقول يا ويحها: ما خصصت به من طول الحزن معك في الحياة الدنيا، ما تقر لي معك عين. ([23])
5-مجاهدة النفس ومحاسبتها ومعاتبتها:
ومما يجعلك تتأثر ويجعل قبلك يلين وعينك تدمع المحاسبة أن تحاسب نفسك على أعمالك وأقوالك قبل أن تحاسب عليها يوم القيامة.
قال خويل بن محمد: "كأن خويلاً قد وُقف للحساب فقيل له: يا خويل بن محمد! قد عمّرناك ستين سنة فما صنعت فيها؟ فجمعت نوم ستين سنة مع قائلة النهار، وإذا قطعة من عمري نوم، وجمعت ساعات أكلي فإذا قطعة من عمري قد ذهبت في الأكل، ثم جمعت ساعات وضوئي، فإذا قطعة من عمري قد ذهبت فيها، ثم نظرت في صلاتي، فإذا صلاة منقوصة وصومٌ منخرق، فما هو إلا عفو الله أو الهلكة"
قال إبراهيم التيمي: "مثّلت نفسي في الجنة أكل ثمارها، وأشرب من أنهارها، وأعانق أبكارها، ثم مثّلتُ نفسي في النار آكل من زقومها، وأشرب من صديدها، وأعالج سلاسلها وأغلالها، فقلت لنفسي: أي شيء تريدين؟ قالت: أريد أن أرد إلى الدنيا فأعمل صالحاً فقلت: فأنت في الأمنية فاعملي" ([24])
الدعاء ..............................................................
[1] - [الأنبياء:34 - 35]
[2] - [النساء:78]
[3] - [الزمر:42]
[4] - أخرجه أحمد (4/294، رقم 18624) ، وابن ماجه (2/1403 ، رقم 4195) قال المنذري (4/120) : إسناده حسن . وقال البوصيري (4/234) : هذا إسناد ضعيف . وأخرجه أيضًا: ابن أبى شيبة (7/79، رقم 34331)، والبيهقي في شعب الإيمان (7/350، رقم 10547) والديلمي (1/426،
[5] - العاقبة في ذكر الموت (ص: 153)
[6] - العاقبة في ذكر الموت (ص: 153)
[7] - أهوال القبور 57
[8] - العاقبة في ذكر الموت (ص: 153)
[9] - العاقبة في ذكر الموت (ص: 153)
[10] - العاقبة في ذكر الموت (ص: 153)
[11] - العاقبة في ذكر الموت (ص: 153)
[12] - نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم (3/ 962)
[13] - العاقبة في ذكر الموت (ص: 153)
[14] - العاقبة في ذكر الموت (ص: 153)
[15] - العاقبة في ذكر الموت (ص: 153)
[16] - إحياء علوم الدين ومعه تخريج الحافظ العراقي (7/ 212)و العاقبة في ذكر الموت (ص: 154)
[17] - العاقبة في ذكر الموت (ص: 155)
[18] - أهوال القبور (144) .
[19] - تفسير ابن كثير-ط دار طيبة (6/ 544)
[20] - التبصرة ـ لابن الجوزى (1/ 18)
[21] - حلية الأولياء (3/ 146)
[22] - التذكرة للقرطبي ص (124)
[23] - حلية الأولياء [5/164
[24] - محاسبة النفس لابن أبي الدنيا (ص: 26)
المرفقات
المؤمنين-عند-رؤية-الجنائز
المؤمنين-عند-رؤية-الجنائز