مشاعر المؤمنين حمىً حرام
عبدالرزاق بن محمد العنزي
الخطبة الأولى : (10/7/1443هـ) مشاعر المؤمنين حمىً حرام
أيها الناس: إنه من المحزن ومن المؤسف أن أقول لكم بأن هذه هي آخر خطبة! نعم إنها آخر خطبة نتكلم فيها عن الخصال الست المذكورة في حديث: "خصلات سِتٌّ؛ مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ، إِلَّا كَانَ ضَامِنًا عَلَى اللهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ... ومع الخصلة السادسة وهي قوله صلى الله عليه وسلم : وَرَجُلٌ قَعَدَ فِي بَيْتِهِ، لَا يَغْتَابُ مُسْلِمًا، وَلَا يَجُرُّ إِلَيْهِ سَخَطًا، وَلَا يَنْقِمُهُ)، (فَسَلِمَ النَّاسُ مِنْهُ، وَسَلِمَ مِنَ النَّاسِ)، (فَإِنْ مَاتَ فِي وَجْهِهِ، كَانَ ضَامِنًا عَلَى اللهِ").
أيها الإخوة :مشاعر المؤمنين والمؤمنات حمىً حرام ، فالله الله في أن تسبب لهم الآلام.
أذية المؤمنين جرم عظيم وذنب كبير، فقد أخبر ربنا في سورة الأحزاب أن من آذى الله ورسوله فإن حظه الذلة والمهانة في الدنيا والآخرة وإن ظهر أمام الناس بمظهر العزة إلا أن الهوان سيلحقه ولو بعد حين .
وألحق الله حرمة المؤمنين بحرمة رسول رب العالمين تنويهاً بشأنهم .
قال تعالى:(إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا (57) وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا).
الأذى هو الأذى سواء كان من قريب أو بعيد وسواء كان بالكلمة أو بالموقف أو بالنظرة أوغيرها .
وقد يكون الأذى المعنوي أشد وطأة على النفس، وأبقى أثراً في الناس؛ لما فيه من تلويث السمعة، ونشر السوء، ولا سيما إن كان كذباً وبهتاناً، وفيه يقول الله تعالى ﴿ وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ﴾ وفي آية أخرى ﴿ وَكَذَلِكَ نَجْزِي المُفْتَرِينَ ﴾.
والناس كثيراً ما يستهينون بأذية اللسان، مع أنها في كثير من الأحيان أشد مرارة من أخذ المال، أو الاعتداء على الأبدان.
والمخالطون للمرء، والقريبون منه؛ أذيتهم أشد حرمة من أذية غيرهم؛ لحرمة قربهم، وعظمة حقهم؛ ولتوقع تكرار وقوع الأذى عليهم؛ فأذية الوالدين عقوق، وأذية القرابة قطيعة، وأذية الزوج لزوجته سوء عشرة، وأذية الزوجة لزوجها نشوز، وأذية الوالد لولده سوء تربية، وأذية الجار سوء جوار، تذهب أجر كثير من العبادات وتمحو أثرها، ومقتصدٌ محسنٌ لجيرانه، خيرٌ من قانتٍ يسيء جوارهم؛ لما روى أَبو هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: " قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلَاتِهَا وَصِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا، غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا، قَالَ: هِيَ فِي النَّارِ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَإِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ قِلَّةِ صِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا وَصَلَاتِهَا، وَإِنَّهَا تَصَدَّقُ بِالْأَثْوَارِ مِنَ الْأَقِطِ - أي بقطع من الأقط -، وَلَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا، قَالَ: هِيَ فِي الْجَنَّةِ" رواه أحمد.
والجماعة في المسجد يجتمعون للصلاة لا يحل لأحد منهم أن يؤذي غيره بقوله أو بفعله أو نظراته أو حتى برائحته .
ولشدة النهي عن أذية المؤمن فإنه يحرم سب ميت مات على أسوأ حال، إذا كان ثمة حي يتأذى بسب ذلك الميت كأهله أو ولده أو قريبه، وفي ذلك يقول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لَا تَسُبُّوا الْأَمْوَاتَ فَتُؤْذُوا الْأَحْيَاءَ" رواه أحمد.
بارك الله لي ولكم،،،
الخطبة الثانية:
أيقنوا - عباد الله - أن رجلاً دخل الجنة في غصن نحاه عن طريق الناس؛ لتعلموا خطر أذية الناس، وفضل إزالة ما يؤذيهم، ففي حديث أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَرَّ رَجُلٌ بِغُصْنِ شَجَرَةٍ على ظَهْرِ طَرِيقٍ فقال: والله لَأُنَحِّيَنَّ هذا عن الْمُسْلِمِينَ لَا يُؤْذِيهِمْ فَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ" رواه الشيخان واللفظ لمسلم.
ومن سمو الشريعة ورفعتها اهتمام النبي - صلى الله عليه وسلم - بغرس هذا الخلق الجميل في أمته، وعده من محاسن الأعمال، وأن تركه من سوء الإهمال، دل على ذلك حديث أبي ذَرٍّ - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «عُرِضَتْ عَلَيَّ أَعْمَالُ أُمَّتِي حَسَنُهَا وَسَيِّئُهَا فَوَجَدْتُ في مَحَاسِنِ أَعْمَالِهَا الْأَذَى يُمَاطُ عن الطَّرِيقِ وَوَجَدْتُ في مَسَاوِي أَعْمَالِهَا النُّخَاعَةَ تَكُونُ في الْمَسْجِدِ لَا تُدْفَنُ» رواه مسلم.
وإذا عجز المرء عن عمل الخير كان إمساكه عن أذية غيره من الخير إذا احتسب ذلك عند الله تعالى، فقد ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - جملة من خصال الخير يحث أبا ذر - رضي الله عنه - على العمل بها، قال أبو ذر: "فإن لم أَسْتَطِعْ، قال: كُفَّ أَذَاكَ عَنِ الناس فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ تَصَدَّقُ بها عن نَفْسِكَ" رواه أحمد.
فهنيئاً لمن سلم الناس منه وسلم من الناس ...
ثم صلوا وسلموا ،،،