مشاعر الحرم المكي ( الكعبة والحجران والملتزم والحجر وزمزم )

خالد الشايع
1440/01/25 - 2018/10/05 07:33AM

الخطبة الأولى

تعريف بمشاعر الحرم المكي ( الكعبة والركنين والملتزم والحطيم وزمزم   )  25/1/1440

أما بعد فيا ايها الناس : لقد  حبا الله هذه الأمة بمشاعر عدة ، وجعل لكل آية منها فضلا وشرفا ، غير أنه يخفى على الكثير بعض المشاعر ، والبعض زعم فيها ماليس بحق من الفضل والتقديس ، ولهذا كان لزاما أن نمر عليها مبينين لها ولفضلها وتاريخها ، لنكون على بصيرة .

معاشر المسلمين : المشاعر كثيرة سنمر على أبرزها وهي الكعبة وما حولها من الركنين والملتزم والحطيم وزمزم .

فأولا الكعبة هي بيت الله في الأرض ، من أبرز مقاصده بعد كونه قبلة المسلمين ، أن يكون مثابة للناس وأمنا كما قال سبحانه ( وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا ) ومعنى مثابة كما قال ابن عباس قوله: " وإذ جعلنا البيت مثابة للناس " قال، لا يقضون منه وطرا, يأتونه، ثم يرجعون إلى أهليهم، ثم يعودون إليه.

ولنبدأ الآن في بيان من الذي بنى الكعبة ؟

اختلف العلماء من المفسرين والمؤرخين فيمن بناه أولا ، والصواب أن الذي بناه إما  الملائكة أو آدم عليه السلام ، ولا زال البيت يحج ويطاف به من جميع الأنبياء والمرسلين ، حتى غطته الرمال ، ثم لما بعث إبراهيم أمر ببنائه مرة أخرى على اساساته الأولى ، فرفعها كما ذكر الله ذلك في كتابه .

والكعبة بناها إبراهيم وابنه إسماعيل من حجارة الأرض ليس فيها شيء أمرنا بمسحه إلا الحجران الأسود واليماني ، وسائر أجزائها لا يتمسح به ولا يتعلق بأستارها ، بل عد ذلك العلماء من البدع ووسائل الشرك ، والحجران يمسحان اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وليس تبركا ، فالبعض من الناس يعتقد فيهما وفي سائر الكعبة البركة فيمسح بيده ثم يمسح وجهه وسائر جسده ، وهذا من المحدثات ، كما أخرج الشيخان من حديث عابس بن ربيعة عن عمر رضي الله عنه أنه جاء إلى الحجر الأسود فقبله فقال إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك .

فالتقبيل مجرد اتباع فقط ، وفيه أجر من الله ، وكفارة للذنوب ، فقد أخرج أحمد في مسنده من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "إن مسح الحجر الأسود والركن اليماني يحطان الخطايا حطاً".

وقد صح أنهما أعني الحجرين الأسود واليماني نزلا من الجنة .

ولا يجوز للمسلم أن يزاحم الناس بما يضر نفسه وغيره من أجل التقبيل ، فالتقبيل سنة والمضارة محرمة ، وكذا المرأة لا يجوز لها أن تزاحم الرجال من أجل سنة ، ومخالطة الرجال ومماستهم حرام .

ومن مشاعر البيت (الملتزم) ، وهو المكان بين الباب والحجر الأسود من الكعبة ، جاء عن الصحابة أنهم كانوا يلتزمون فيه ويدعون ، والإلتزام هو إلصاق الوجه والصدر والذراعين بالكعبة في هذا المكان خاصة بين الباب والحجر ، ولم يرد فيه حديث صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك ، لكن من فعل الصحابة فمن فعل فقد أحسن ، ويقال إن الدعاء عنده مستجاب ، كما نص على ذلك من دعا فيه من العلماء ، غير أنه يستحب مالم يكن فيه مضايقة للناس ، ولو وقف بدون إلصاق فحسن كذلك ، نص عليه ابن تيمية رحمه الله .

ومن مشاعر البيت ما يسمى بالحطيم وهو الحجر ، ويخطئ البعض ويقول هو حجر إسماعيل ، وليس لإسماعيل دخل فيه ، فإن الذي وضعه هم كفار قريش لما بنوا  البيت وقصرت بهم النفقة ، وضعوا الحجر علامة أنه من البيت ، والبعض يعتقد أن إسماعيل مدفون فيه ، وهذا باطل لا دليل عليه .

أخرج الثلاثة من حديث عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ أَدْخُلَ الْبَيْتَ فَأُصَلِّيَ فِيهِ فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِي فَأَدْخَلَنِي فِي الْحِجْرِ فَقَالَ( صَلِّي فِي الْحِجْرِ إِذَا أَرَدْتِ دُخُولَ الْبَيْتِ فَإِنَّمَا هُوَ قطْعَةٌ مِنْ الْبَيْتِ فَإِنَّ قَوْمَكِ اقْتَصَرُوا حِينَ بَنَوْا الْكَعْبَةَ فَأَخْرَجُوهُ مِنْ الْبَيْتِ).

وليس كل الحجر من البيت ، إنما هو من جدار الكعبة حتى بداية انحناء الحجر .

اللهم ارزقنا اتباع السنة وجنبنا البدعة يارب العالمين ، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم

                                        الخطبة الثانية

أما بعد فيا أيها الناس لا يزال الحديث موصولا عن مشاعر الحرم ، فمن ذلك بئر زمزم ، فزمزم هبة من الله لمن زار البيت ، من زمن إبراهيم الخليل حتى وقتنا هذا

وهو اسم للبئر المشهورة في المسجد الحرام ، بينها وبين الكعبة المشرفة ثمان وثلاثون ذراعاً.وهي بئر إسماعيل بن إبراهيم عليهما الصلاة والسلام ، التي سقاه الله تعالى منها حين ظمي  وهو رضيع ، فالتمست له أمه الماء فلم تجده ، فقامت إلى الصفا تدعو الله تعالى وتستغيثه لإسماعيل ، ثم أتت المروة ففعلت مثل ذلك ، وبعث الله جبريل فهمز بعقبه في الأرض فظهر الماء .واتفق أهل العلم رحمهم الله إلى أنه يستحب للحاج والمعتمر خصوصاً وللمسلم في جميع الأحوال عموماً أن يشرب من ماء زمزم ، لما جاء في البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم  : " شرب من ماء زمزم "   . وفي صحيح مسلم من حديث أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم  قال في ماء زمزم : " إنها مباركة إنها طعام طعم . زاد الطيالسي  في رواية له : " وشفاء سقم " . أي شرب مائها يغني عن الطعام ويشفي من السّقام لكن مع الصدق كما ثبت عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه أنه أقام شهراً بمكة لا قوت له إلا ماء زمزم .وقال العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه : تنافس الناس في زمزم في زمن الجاهلية حتى كان أهل العيال يفِدون بعيالهم فيشربون فيكون صبوحاً لهم ( شرب أول النهار ) ، وقد كنا نعدّها عوناً على العيال ، قال العباس : وكانت تسمى زمزم في الجاهلية (شباعة) .قال العلامة الأبّي رحمه الله :هو لما شرب له ، جعله الله تعالى لإسماعيل وأمه هاجر طعاماً وشراباً ،ودخل ابن المبارك زمزم فقال : اللهم إن ابن المؤمّل حدثني عن أبي الزبير عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال : " ماء زمزم لما شرب له " فاللهم إني أشربه لعطش يوم القيامة .وقد غسل الملكان قلب النبي صلى الله عليه وسلم بماء زمزم في صغره بعدما استخرجاه ثمّ ردّاه ، قال الحافظ العراقي رحمه الله : حكمة غسل صدر النبي صلى الله عليه وسلم  بماء زمزم ليقوى به صلى الله عليه وسلم  على رؤية ملكوت السموات والأرض والجنة والنار ؛ لأنّ من خواص ماء زمزم أنه يقوّي القلب ويسكّن الرّوع . وخبر غسل صدر النبي صلى الله عليه وسلم  بماء زمزم ثبت من حديث أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم  قال : فرج سقفي وأنا بمكة ، فنزل جبريل عليه السلام ففرج صدري ، ثم غسله بماء زمزم ، ثم جاء بطست من ذهب ممتلئٍ حكمة وإيماناً ، فأفرغها في صدري ، ثم أطبقه ، ثم أخذ بيدي فعرج بي إلى السماء الدنيا "  رواه البخاري 3/429 .ويسنّ للشارب أن يتضلّع من ماء زمزم ، والتضلّع : الإكثار من شربه حتى يمتلئ ، ويرتوي منه شبعا ريّاً .ولا بأس بنقل ماء زمزم كما جاء عن عائشة ، وروى مرفوعا صححه بعض أهل العلم ، ولا تذهب بركته بنقله كما يزعم البعض .

عباد الله : هذه بعض المشاعر والآيات وغيرها كثير مثل المقام والصفا والمروة فلنتعلم ماورد فيها ولا نغلو بالتبرك ولنسر على السنة الصحيحة لنكون من المفلحين .

اللهم ارنا الحق حقا وارزقنا .........

المشاهدات 1093 | التعليقات 0