مشاريع الناجحين في رمضان

عاصم بن محمد الغامدي
1438/08/30 - 2017/05/26 07:45AM
[align=justify]الخطبة الأولى:
الحمدلله اللطيف الرؤوف المنان، الحليم الرحيم الرحمن، الأولِ فلا سابق لسبقِه، المنعمِ فما قام مخلوقٌ بحقه،أشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله بالهدى ودين الحق أرسله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على سنته وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد عباد الله:
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى، فهي الوصية الجامعة، والذخيرةُ النافعة، واستعدوا للمنايا فهي لابدَّ واقعة، واحذروا زخارف الدنيا المضلَّة، فمن استكثر منها فما ازداد إلا قلَّة، وليكن استكثاركم وازديادكم من التقوى، فهي خير زاد، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}.
عباد الله:
«أَتَاكُمْ رَمَضَانُ شَهْرٌ مُبَارَكٌ فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ، لِلَّهِ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ». [حديث رواه النسائي وصححه الألباني].
يَا بَاغَيَ الخَيْرِ هَذَا شَهْـرُ مَكْرُمَـةٍ *** أقْبِلْ بِصِـدْقٍ جَـزَاكَ اللهُ إحْسَانَـا
كان السلف رحمهم الله يفرحون بمقدِم رمضان، ويهنئون به أنفسهم، كيف لا، ولله فيه منحٌ عظيمةٌ، وعطايا كبيرة.
َقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: الصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَأَكْلَهُ وَشُرْبَهُ مِنْ أَجْلِي، وَالصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَلِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ حِينَ يُفْطِرُ، وَفَرْحَةٌ حِينَ يَلْقَى رَبَّهُ، وَلَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ المِسْكِ». [رواه البخاري ومسلم].
عباد الله:
استغلال مواسم الخيرات، من علامات التوفيق، فالتاجر الناجح لا يضيِّع الفرص، ولو عُرِضَ عليهِ ربحٌ غيرُ محدودٍ ففرَّطَ فيه فهو خَاسِرٌ، قال صلى الله عليه وسلم: «رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ». [رواه الترمذي، وقال: حديث حسن غريب].
وشهر رمضان مليء بالفرص للصالحين، ومشاريع النجاح فيه كثيرة للمشمرين.
وأول هذه المشاريع الصوم الخالص لله تعالى، فهو عبادة الشهر، التي تكفل الله لصاحبها بالأجر، سأل أحدُ الصحابة رضي الله عنهم رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: «عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا عِدْلَ لَهُ». [رواه النسائي وصححه الألباني].
والمعنى الصحيح للصوم، أشمل من الامتناع عن الطعام والشراب، قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ وَالجَهْلَ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ». [رواه البخاري].
ومن المشاريعِ العظيمةِ، الإقبالُ على كتاب اللهِ تدبرًا وقراءةً وحفظًا وفهمًا، فشهر رمضان هو شهر القرآن، فيه نزل من السماء، وفيه تدارسه أعظم ملك وأعظم بشر، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «كَانَ جِبْريلُ عليه السلام يَلْقَى النبي صلى الله عليه وسلم فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ». [رواه البخاري ومسلم].
ومن المشاريع العظيمة الإكثار من الصدقات، وبذل المال في وجوه الخير، فقد «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَأَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ، حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ». [رواه البخاري ومسلم].
ومما يشرع له الاجتماع، ويحسن فيه التنافس، صلاةُ القيامِ، التي جعلها الله علامة للمتقين، {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ* آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ* كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ* وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}.
وفي الحديث الصحيح، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ».
عباد الله:
هل تأملتم كيف يستقبل المبطلون شهر رمضان بالتفاهات، ويعلنون ذلك في قوالبَ ظاهرها الفرح والسرور، وباطنها التساهل بالمحظور، فلدينا في كل عام مسلسلات رمضانية، ومسابقات رمضانية، وأكلات رمضانية، في محاولات شيطانية لتفريغ الشهر من معانيه الحقيقية، وربطه بالأمور الجاهلية والدونية، وإهالة الحجب على المعاني الإيمانية والروحانية.
وخيرُ ما نواجه به هؤلاء، معاملَتُهم بنقيض قصدهم، فهم يريدون إشغالنا بالشهوات، والله سبحانه يريد أن يتوب علينا، وشهرُ رمضان من أعظم مواسم التوبة، قال عليه الصلاة والسلام: «الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ». [رواه مسلم].
فأقبل على الله أيها الموفق، واحذر من الانسياق خلف أولئك الفارغين، وتذكر أن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، يقول سبحانه في الحديث القدسي: «يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ، وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً». [رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب].
ولا يصدنك عن التوبة عظم ذنبك، ألم تسمع قوله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}.
ألم تسمع قوله صلى الله عليه وسلم: «لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ أَحَدِكُمْ، مِنْ أَحَدِكُمْ بِضَالَّتِهِ، إِذَا وَجَدَهَا». [رواه مسلم].
اللهم وفقنا لاغتنام هذا الشهر، واجعلنا فيه من المقبولين، برحمتك يا أرحم الراحمين.

الخطبة الثانية:
الحمدلله وحده، نصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، وصلى الله وسلم على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه، أما بعد أيها المسلمون:
فما أسعد المؤمن إذا اصطحب أهله معه لجنات النعيم: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ}.
والاهتمام برفع مستوى إيمان الأسرة، من أعظم المشاريع الرمضانية، فلله درُّ كثيرٍ من إخواننا، رتبوا أنفسهم وأهليهم للعبادة في رمضان، فكلفوا أحد أفراد الأسرة كلَّ يوم بتفسير آية من كتاب الله تعالى، وشرحها للباقين.
وحددوا مبلغًا ماليًا يجمع كل يوم من أفراد الأسرة، ليتصدق به أحدهم في أي مشروع خيري.
وحددوا أحد كتب التفسير المختصرة لقراءته في هذا الشهر أو جزء منه.
واتفقوا على المحافظة على صلاة القيام، والانصراف عن الترهات والمبطلات، وإشغال أوقاتهم بالأمور النافعات، والمؤمن يسعى ليكون يومه القادم خيرًا من ماضيه، ومن يرى أنه حُرم من ذلك، شمر عن ساعديك فأنت في أول الطريق، ونافس من حولك من الصالحين، حتى لا تتخلف عنهم في يوم الدين.
فكونوا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، واستشعروا مراقبة السميع البصير، الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، ثم اعلموا أن ثمرةَ الاستماع الاتباع، وثمرة العلم العمل، فتقربوا إلى ربكم بعبادته، وأكثروا في هذه الأيام من طاعته، وصلُّوا وسلِّموا على خير الورى طُرًّا، فمن صلَّى عليه صلاةً واحدةً صلَّى الله عليه بها عشرًا.[/align]
المشاهدات 875 | التعليقات 0