مشابهة الكفار ومشاركتهم اعيادهم

عبدالله الجارالله
1432/01/24 - 2010/12/30 21:23PM
حكم التشبه بالكفار ومشاركتهم أعيادهم مع الاختصار وبعض الاضافه 25/1/1432هـ

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره؛ ونعوذ بالله من شرور أنفسنا؛ ومن سيئات أعمالنا؛ من يهده الله فلا مضل له؛ ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.( يَا أَيُّهَا الَّذِين ءَامَنُواْ اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا )
أمّا بعد: فيا أيّها المسلمون، أوصيكم ونفسِي بتقوَى الله جلّ وعلا؛ فطاعته هي النِّعمة العظمى، ومعصيته هي الخسارةُ الكبرَى.
أيّها المسلمون، في مَنظومَةِ تيَّارات العَولمة التي تحمِل الغثَّ والسمين، وتحمِل في طيَّاتها نَسفَ قِيَم المسلمين ومبادئ دينهم وثوابتِ شريعتهم، وتحتَ شعاراتٍِ برَّاقة تتضمَّن بثَّ عَفَن المدنيّة الغربية، وتسعى لإذابة الفوارق الدينيَّة ومَسخِ الشخصيّة الإسلامية، في خِضَمّ هذا البحر الذي لا ساحِلَ له يتسارَع إلى مجتمعاتِ المسلمين ظواهِرُ خطيرة وسلوكيّاتٌ قبيحة، تنذِر بخطرٍ عظيم وتهدِّد بشرٍّ جسيم، إنها ظواهِر التشبُّه بغير المسلمين من الأمَم الكافرة أو المبادئ الإلحاديّة الخاوِيَة، ظواهِرُ متنوِّعة المجالات ومختَلِفة الاتجاهات، ومنها التشبُّه بالكفار في الأفكار والثَّقافات، وفي السُّلوكيّات والعادات، حتى صدق في مِثلِ هذه الظواهر قولُ المصطفى عليه الصلاة والسلام: ((لَتتَبَّعُنَّ سننَ من كان قبلكم حذوَ القذّة بالقذّة حتى لو دخلوا جحرَ ضبٍّ لدخلتموه))، قالوا: يا رسول الله، اليهود والنّصارى؟ قال: ((فمن؟!)) متفق عليه.
إنَّ من المصائبِ التي تطالِع مجتمعاتِنا الإسلاميةَ تَسارُعُ شبابنا المسلم إلى تقليدِ الكفار في السّلوكيات ومحاكاتهم في الهيئات والحرَكات والصِّفات ممّا لا تُحصى أشكاله ولا تُعَدّ أنواعُه من تقليعاتٍ وموضات؛ ظنًّا أنّ ذلك من التحضُّر والتمدُّن والأناقة والتجمّل، وهو في الحقيقةِ تضييعٌ للشّخصيّة وإذابة للهويّة، من باب تبعيّة المغلوب للغالب والضعيفِ للقوي، جرَّه ضعفُ الإيمان وانحرافُ التربية ونقصان التعليم.
وإنَّ من المصائبِ في أمّةِ الإسلام في هذا العَصرِ أن تتهافَتَ نِساءُ بعضِ المسلمين إلى محاكَاةِ النساء الكافِراتِ في كثيرٍ منَ الصفات المنكَرَة والخصال المستَقبَحَة التي جرَّت إليهنَّ السفور والتبرج وأسبابَ الشرّ والفجور، وصُورٌ تَطالعنا بها بعض مجتمعاتِ المسلمين وللأسف.
إخوةَ الإسلام، المتأمِّل في كلامِ الله جلّ وعلا يجِد النَّهيَ الصريح عن التشبُّه بالكفّار بِصيغٍ مختلفة وطرق متعدِّدَة في القرآن، فالله جل وعلا يقول في حقِّ موسى وهارون عليهما السلام: (فَاسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ) [، ويقولُ سبحانه لنبيِّه محمَّدٍ عليه الصلاة والسلام: (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ). قال ابن تيمية رحمه الله: "وأهواؤُهم ما يهوَونه وما عليه المشركون من هديِهم الظاهر الذي هو مِن موجباتِ دينهم الباطل" انتهى.
عباد الله، وعن التشبُّه بأعيادِ المشركين بشتَّى أشكالِها وصوَرِها يقول ربُّنا جلّ وعلا في حقّ عباده المؤمنين: (وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ) ، قال غير واحد من السَّلَف: الزور هو عيد المشركين.
وفي السنَّة النبويَّة المطهَّرة النهيُ الأكيدُ والزَّجر الشديدُ عن التشبُّه بالكفَّار وبيانُ خطورة ذلك وسوءِ عاقبته على الأفرادِ وعلى الأمّة، فقد اهتمَّ النبيُّ عليه الصلاة والسلام للصلاةِ كيف يجمع الناسَ للصلاة؟ فقيل له: انصب رايةً عند حضور الصلاة، فإذا رأوها آذن ـ أي: أعلم ـ بعضهم بعضا، فلم يُعجبه ذلك، قال: فذكر له القنع ـ وهو من أمور اليهود ـ فلم يعجبه ذلك، فقال: ((هو من أمر اليهود))، قال: فذُكر له الناقوسُ أي: الجرس، فقال: ((هو من أمر النصارى)) الحديث. قال أهل العلم: وهذا الحديث يقتضي نهيَه عليه الصلاة والسلام عن كلِّ ما هو من أمرِ اليهودِ وأمرِ النصارى.
أيها المسلمون، وفي مقام النهيِ عن مشابهةِ الكفّار حتى ولو في مجرَّد الصوَر الظاهرة يقول عليه الصلاة والسلام حينما صلَّى بالصحابةِ قاعدًا فصلّوا خلفه قيامًا، أشار إليهم أن أقعدوا، ثم قال لهم: ((إن كِدتم آنفا لتفعلون فعلَ فارس والروم؛ يقومون على ملوكهم وهم قعودٌ، فلا تفعلوا)). وفي مقام الترهيب عن التشبّه بالكفار مطلقًا يشدِّد النبي عليه الصلاة والسلام في ذلك ويحرِّم ذلك تحريما أكيدًا في حديث طويل، فيقول: ((ومَن تشبَّه بقوم فهو منهم)).
عباد الله، السيرةُ النبويّة القوليّة والعمليّة تؤصِّل قاعدةً في مقصودِ الشارع وأنها مخالفةُ الكفار في الظاهر والباطِن، يقولُ عليه الصلاة والسلام: ((خالِفوا اليهودَ؛ فإنهم لا يصلّون في خفافهم ولا في نعالهم)) ، ويقولُ عليه الصلاة والسلام: ((خالِفوا المشركين؛ وفِّروا اللِّحى وأحفُوا الشوارب)) متفق عليه،. ومن هنا فهِم السلفُ الصالح من الصّحابة والتابعين من هذه النصوصِ وغيرِها تحريمَ التشبُّه بالكفار بأيّ حالٍ وعلى أيِّ صورة ولو لم يرِد في تعيين حكمِ التشبّه بهم في ذلك الفعلِ بعينِه نصٌّ خاصّ. حكى إجماعَهم على ذلك شيخ الإسلام وغيرُه من أهل العلم.
أيّها المسلمون، هذه النّصوص الشرعيّةُ تشمَل النهيَ عن محاكاةِ الكفار والتشبّه بهم في العقائد والعادات وفي التزيي بزيّهم والتخلُّق بأخلاقهم والسَّير بسِيرتِهم وهديهم وهيئاتهم وحِليتهم وصفاتهم فيما اختَصّوا به من عاداتٍ وأشكال وصُوَر وأنماطِ سلوك، والتحريمُ للتشبّه بهم فيما هو مِن خَصائصهم واقعٌ شَرعًا، سَواء كانَ ذلك الفعلُ مما قَصَد فاعلُه التشبّهَ بهم أو لم يقصِد، لكن الجاهلُ لاَ إثمَ عليه قبلَ العلمِ والبيان.
إخوةَ الإسلام، هذه النصوصُ لا تشمَل في تحريمِ التشبّه بهم ما يكون في الأمور النافعة للمسلمين، والتي تحقِّق المصالح والمنافع والفوائد، كالأمور التنظيميّة لحياة الناس ومعائشهم، وهو لا يخالِف نصًّا شرعيًّا ولا أصلاً كلّيًّا من أصول الشريعة.
فاتقوا الله أيها المسلمون، وتمسكوا بهديِ وسيرة نبيِّنا محمّدٍ؛ تفلِحوا وتسعَدوا وتفوزُوا في الدنيا وفي الآخرة.أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانِه، والشكر له على توفيقِه وامتنانِه، وأشهد أن لا إلهَ إلاَّ الله وحدَه لا شريكَ له تعظيمًا لشأنه، وأشهَد أنَّ نبيَّنا محمّدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، اللّهمّ صلِّ وسلِّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه.
أمّا بعد: فيا أيّها المسلمون، أوصيكُم ونفسي بتقوى الله جلّ وعلا؛ فمن اتَّقاه وقاه وأسعده ولا أشقاه.
عباد الله سئل العلامة ابن باز رحمه الله عن حكم مشاركة الكفار في أعيادهم؟ فأجاب رحمه الله: لا يجوز للمسلم ولا للمسلمة مشاركة النصارى, أو اليهود, أو غيرهم من الكفرة في أعيادهم, بل يجب ترك ذلك؛ لأن من تشبه بقوم فهو منهم, والرسول - صلى الله عليه وسلم - حذرنا من مشابهتهم والتخلق بأخلاقهم, فعلى المؤمن وعلى المؤمنة الحذر من ذلك, وأن لا يساعد في إقامة هذه الأعياد بأي شيء؛ لأنها أعياد مخالفة لشرع الله, ويقيمها أعداء الله فلا يجوز الاشتراك فيها, ولا التعاون مع أهلها, ولا مساعدتهم بأي شيء . إلى آخر كلامه رحمه الله
واجاب الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: تهنئة الكفار بعيد الكريسماس أو غيره من أعيادهم الدينية حــرام بالاتفاق ، كما نقل ذلك ابن القيم - رحمه الله - في كتابه ( أحكام أهـل الذمـة ) ، حيث قال : ( وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق ، مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم ، فيقول : عيد مبارك عليك ، أو : تهنأ بهذا العيد ونحوه ، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات ، وهو بمنـزلة أن يهنئه بسجوده للصليب ، بل ذلك أعظم إثمـاً عند الله ، وأشد مقتـاً من التهنئة بشرب الخمر وقتـل النفس ، وارتكاب الفرج الحرام ونحوه ، وكثير ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك ، ولا يدري قبح ما فعل ، فمن هنأ عبداً بمعصية أو بدعة أو كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه . انتهى ابن القيم - رحمه الله
وإنما كانت تهنئة الكفار بأعيادهم الدينية حرامًا وبهذه المثابة التي ذكرها ابن القيم ، لأن فيها إقراراً لما هم عليه من شعـائر الكفر ، ورضىً به لهم ، وإن كان هو لا يرضى بهذا الكفر لنفسه ، لكن يحـرم على المسلم ان يرضى بشعائر الكفر أو يهنئ بها غيره، لأن الله تعالى لا يرضى بذلك ، كما قال الله تعالى: { إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم) إلى آخر كلامه رحمه الله
ثم اعلموا إنَّ الله جلَّ وعلا أمرَنا بأمرٍ عظيمٍ تزكُو به حياتُنا وتعظُم به أجورنا، ألا وهو الإكثارُ من الصلاة والتَّسليم على النبيّ الكريم. اللّهمّ صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ على نبيِّنا محمّدٍ، وارض اللّهمّ عن الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن جميع الصحابة ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَالْمُؤْمِنِينَ وِالْمُؤْمِنَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا لَكَ شَاكِرِينَ، لَكَ ذَاكِرِينَ، إِلَيْكَ مُخْبِتِينَ أَوَّاهِينَ مُنِيبِينَ، رَبَّنَا تَقَبَّلْ تَوْبَتَنَا، وَاغْسِلْ حَوْبَتَنَا، وَأَجِبْ دَعْوَتَنَا، وَثَـبِّتْ حُجَّتَنَا، وأهد قُلُوبَنَا، وَسَدِّدْ أَلْسِنَتَنَا، وَاسْلُلْ سَخِيمَةَ قُلُوبِنَا، اللَّهُمَّ ابْسُطْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَتِكَ وَرَحْمَتِكَ وَفَضْلِكَ وَرِزْقِكَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ النَّعِيمَ الْمُقِيمَ، الَّذِي لاَ يَحُولُ وَلاَ يَزُولُ، اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا وَأَصْلِحِ اللَّهُمَّ وُلاَةَ أُمُورِنَا اللهم وارزقهم البطانةَ الصالحةَ الناصحةَ
اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء، والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين.
(رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ).


المشاهدات 3177 | التعليقات 0