مسلمات قرآنية في أحداث غزة
د عبدالعزيز التويجري
13/10/1446هـ
الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلّم تسليماً كثيراً.
لقد عاشت هذه الأمة المجيدة قرونًا طوالاً وهي مرفوعة الهامة، مهيبة الجانب، مرهوبة العدو، يوم أن كانت رايتها التوحيد، وشريعتها القرآن، ومنهجها سنة سيد المرسلين ﷺ.
عاشت الأمة مراحلَ من العز والتمكين، منذ بزوغ فجر النبوة، وامتداد دولة الخلفاء الراشدين، وانطلاق الفتح الإسلامي شرقًا وغربًا، يوم أن كانت القلوب معلّقة بالسماء، والألسن تلهج بـ"الله أكبر"، والسيوف لا تُشهر إلا لرفع لا إله إلا الله.
ثم توالت دول الإسلام، فمضت الدولة الأموية والعباسية والعثمانية، وبلغت الأمة في بعض أطوارها سُدّة المجد، حتى خضعت لها الأمم، وذلّ أمامها الجبابرة، وتحوّل جند الإسلام إلى معبر للرحمة، وسبيل للهداية ، وكان المسلمون أئمة يُقتدى بهم، ودعاة يُهتدى بهم
كانت الأمة تقود الأمم، والمسلمون يحكمون العالم، وهم سادة الدنيا، بالإسلام والنور المبين.
ثم ما لبث المسلمون أن دب فيهم الوهن، وسرى الضعف، حين أعرض أقوامٌ منهم عن هدي نبيهم، وتعلّقوا بزينة الدنيا، ورضوا بالدون، فتفرّق الصف، وتكالب الأعداء، وضاعت الهيبة.
واليوم الأنظار كلها تتجه نحو فصل من فصول الهوان، ومرحلة من مراحل المحنة، نحو أرض فلسطين، والقلوبُ الحية ترى ما يحدث هناك فتتألم، حين تشهد نزفاً لا يلتئم من جراح الأمة، حيث القتل والجوع والدماء على مرأى ومسمع من العالم أجمع.
لن أصف الأحداث فكل أحد يعلم، والجلّ شاهد، والحالُ أشد من أن يصفها واصف، ولكني أقول: بأن أحداث اليوم مع يهود لتجلي وتؤكد لنا مسلماتٍ وسنناً قرآنية لا تتخلف.
فالمسلمة الأولى: أن اليهود قومٌ بهت، أهلُ خيانة وغدر، لا يعرفون للعهود حرمة، ولا للمواثيق قدرًا، يقرر الله ذلك عنهم فيقول: {أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُون}، ويقول: {فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً}.
خانوا أنبياءهم، وقتلوا المرسلين، وغدروا برسولنا ﷺ، وقلّبوا الحقائق، ولبّسوا على الناس، فمزجوا الكذب بالصدق، والباطل بالحق، كلما أُقيم لهم عهد نقضوه، وإن أُعطوا عهدًا أنكروه، فكيف يُرجى منهم عهد أو يُؤمَن جانبهم؟!
وما يحصل في فلسطين ما هو إلا امتداد لتاريخهم الطويل في الخيانة، منذ خيبر وبني قريظة والنضير، إلى مذابح غزة اليوم.
فهم لا يرقبون في مؤمن إلاًّ ولا ذمة، ولا يتورعون عن قتل الأطفال وهدم البيوت وتدنيس المقدسات. هذه حقيقتهم التي ذكرها القرآن وأكدها التاريخ، وأحداث اليوم تؤكد أنه لا ينخدع مسلم بابتسامتهم الكاذبة، أو ادعاءاتهم الزائفة.
والمسلمة الثانية :أن الكفر ملة واحدة، والنصارى واليهود وإن اختلفت شعاراتهم، وتباينت لغاتهم، فهم في خندق واحد إذا كان العدو هو الإسلام، والله قال: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}، وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ بعضهم أولياء بعض}.
وليس أدلّ على ذلك من وقوف الغرب الكافر اليوم، شرقًا وغربًا، موقفَ الداعم المطلق للكيان الصهيوني، دعمًا عسكريًا وسياسيًا واقتصاديًا، بل وحتى إعلاميًا.
وما يُرفع من شعارات الإنسانية والحرية ما هي إلا أكاذيب، تنكشف كلما كان الضحية مسلمًا.
فليُعلم أن من يظن أن النصر سيأتي من الغرب، أو أن العدل سيتحقق على يد الصليبيين، فهو واهم مغرور، بل لا يُرجى منهم إلا مزيدٌ من الغدر والمكر.
ومسلمة ثالثة يا كرام: هي أن الذل والهوان لا يصيب الأمة إلا يوم أن تعرض عن ربها، وتبتعد عن منهجه، وتفرط في دينها، قال الله: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ}
وإن أعظم خطوة للنصرة أن نعود على حالنا بالإصلاح، وتحقيق الدين وإقامة الشريعة، لتحل بنا النصرة، وربنا المولى قال (﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
والمسلمة الرابعة: أن في اقدار الله الحكمة وإن غابت عنا، وحسن التدبير وإن أحزنتنا، إنْ أحسن الناسُ النظر والتعامل مع القدر، وما محنةٌ إلا وفي طياتها منحة، ولا دمعةٌ إلا وتصحبها كفُّ رحمة، ولا ظلمةٌ إلا ويعقبها فجر.
وما يحدث في غزة اليوم، اختبارٌ وتمحيص، وابتلاء وتمييز، ولا يخفى على من يقرأ سنن الله في خلقه أن الله يقدّر البلاء تمهيدًا للفرج، وأن وراء الدماء طهرًا، وفي قلب الظلام يولد الفجر، قال الله (َعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا)
والمسلمة الخامسة: أن أعظم سلاح يمكن أن يغير الموازين، وينصر الجيوش ويغير الأحداث هو بأيدينا، نعم بأيدينا على ضعفنا، إنه سلاح التجاء الضعيف بالقوي، واستعانة العاجز بالقادر الحق، إنه سلاح قلّ من يُتقنه ويُقدّره، سلاحٌ يقصد باليدين الخاليتين إلا من اليقين وحسن الظن بالله القادر القوي، الدعاء، واللجوء إلى من لا يُردّ سائله، ولا يخيب راجيه، والاستغاثة بالذي لا يُعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.
قال تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}
وكم من معركة رُبحت بدعوة خاشعة، وكم من كربة فُرجت بدمعة في السجود، وقد قيل لقُتيبة بن مسلم في غزاةٍ: إن الترك قد كثر عددهم، فقال: أين محمد بن واسع؟ فقالوا: هو في الميمنة قد رفع إصبعه نحو السماء، فقال قتيبة: "تلك الإصبع أحب إلي من مئة ألف سيف شهير وشاب طرير". فيا من تألمتم على المشاهد والأخبار، يا من أقضت مضاجعكم الدماء والأشلاء أين دعاؤكم؟! أين نداء الأسحار؟ وإن عجزت الأيدي عن النصرة، فلا تعجز القلوب، ولا يعجز اللسان
وبعد فالمؤمن يحسن بربه الظنّ، ويوقن بقرب الغِيَر، وله في كل حالٍ عبودية، فإن اصابته الضراء صبر وما ضجر، ورضي وما تسخط.، وإن أصابته السراء شكر وما بطر، فاللهم رضنا ورض إخواننا المسلمين بقضاءك وصبرنا وإياهم على بلائك حتى لا نحب تعجيل ما أخرت ولا تأخير ما عجلت
المرفقات
1744551683_مسلمات قرآنية في أحداث غزة.docx
1744551684_مسلمات قرآنية في أحداث غزة.pdf