مستقبل الموصل بعد إطلاق قذيفة هاون لإطارة ذبابة! // أمير سعيد
احمد ابوبكر
1438/07/05 - 2017/04/02 09:46AM
لقد أطلقوا قذيفة هاون على وجه "صديقهم" ليخلصوه من ذبابة!
هكذا فعل التحالف الدولي ودولة إيران الكبرى (إيران والعراق) وأدواتها في الموصل، على أنه لم يكن يوماً "صديقهم"، وهم في هذا لم يتصرفوا بغباء وإنما باستغباء.
قدروا عدد مقاتلي داعش في الموصل بنحو خمسة آلاف مقاتل على أقصى تقدير؛ فقصفوا المدينة ودمروها وقتلوا أضعاف هذا الرقم وأخرجوا ثلاثمائة ضعف هذا العدد من أهل الموصل من ديارهم، وأحالوا نحو 90% من المدينة إلى خربات وركام.
مع هذا، لم يدمروا داعش بل أخرجوا قواتها من الموصل، وتلك الأخيرة لم يخرج معظم عناصرها إلا وفق برنامج تدميري واضح للمدن السنية قامت بتنفيذه بامتياز.
مع بدء المعركة، كتب بـ"جولات الموصل": " من شأن معركة حاسمة قصيرة في الموصل ألا تهجر السكان السنة منها؛ لذا فإن الرغبة الطائفية العراقية تدفع باتجاه إطالة أمد المعركة قدر الإمكان، فمهمة تهجير مئات الآلاف من الموصل لن تكون يسيرة (...) ويتوقع أن تساهم داعش في هذا السيناريو بدور يتلخص في ممانعة عالية لمدة طويلة، ثم الانسحاب بحجة تأمين حياة السكان المدنيين بعد أن يرحل الكثير منهم وتتهدم كثير من دور الموصل وأبنيتها".
كلٌّ قام بدوره الوظيفي تماماً: ثلاث فرق عراقية من الجيش العراقي انسحبت من المدينة قبل أقل بقليل من ثلاث سنوات تاركة أسلحة ثقيلة لتقع في يد بضعة آلاف من قوات داعش، لتحتل المدينة بسهولة، وتفرض نموذجها البغيض للحكم، الذي يشوه الشريعة الإسلامية أكثر مما يطبقها أو يتحاكم إليها، آلة إعلامية غربية تضخم قوتها، ومقاطع من التنظيم منفرة لتمنح مبرراً لتغطية أي جرائم حرب قادمة..
ولكي تدمر مدينة بحجم الموصل، أو تهجر كتلة سكانية كبيرة كتلك، كان لابد أن يتوفر ما يلي:
- أسلحة ثقيلة تترك للتنظيم لتغطي عملية التدمير وتفرق المسؤولية عنها.
- مدة طويلة لإبراز صعوبة عملية استعادة المدينة.
- إطالة مدة ما يسمى بالتحرير ليتوفر الوقت الكافي للتهجير والتدمير.
- تحالف متعدد الاتجاهات لتضيع معه مسؤولية هذه الجرائم الإنسانية والحربية.
- إعلام متواطئ، كما ضخم من قوة داعش، يطمر ذكر العمليات، ويعمي على تفاصيل جرائمها.
- أمم متحدة تمهيد ذهنياً لعملية التهجير كما لو كانت قدراً، فتتوقع منذ اللحظة الأولى وصول المخرجين من ديارهم ممن تسميهم بالنازحين لأكثر من مليون.
كل الطرق كانت تؤدي إلى هذه المأساة الهائلة التي هي بحجم أكثر من مليون موصلي ما بين قتيل وجريح ومهجر قسراً، وها قد حصلت بالفعل وفقاً للمخطط المرسوم، الذي لا يمكن وصفه بالسذاجة والتخبط والحماقة في "تحرير" المدينة بتدميرها، وإنقاذ أهلها بقتلهم وتشريدهم، إذ إن هذا هو السيناريو الأسوأ لمحاربة داعش، لا يقل عنه بشاعة إلا احتمال تدمير سد الفرات جزئياً وإغراق الرقة وبعض المدن والبلدات الأخرى، وقتل الملايين أو تشريدهم حالئذ من أجل تهريب مقاتلي داعش من المدينة!
وإذا كان هو التمهيد، وذاك هو "التحرير"؛ فإن توقع مستقبل الموصل لا يعد لغزاً؛ فالذين أخرجوا مئات الآلاف من ديارهم ثم دمروا بيوتهم ثم منعوا من أراد العودة إلى تلك الخرائب من أهلها المحتجزين في مخيمات كالأسرى، لا يمكنه بسهولة أن يفقد هذه "المكتسبات"، تلك التي وضعت خطوطها الرئيسة قبل سنوات:
- إفراغ أكبر مخزون سني في العراق من أهله.
- ضرب الأمن القومي التركي في إحدى أحد مرتكزاته العربية (تقوم العقيدة العسكرية التركية في تأمين الجنوب التركي والتواصل العربي على مرتكزين اثنين هما الموصل وحلب، وها هما قد دمرتا)
- إجهاض أي محاولة لبناء قاعدة مقاومة عراقية قوية في المعقل الأول للمقاومة وبقايا جيش صدام.
تم هذا حتى الآن، بقصف دولي وميليشيات تابعة لإيران وتمهيد داعشي. وإذا كان الأمر كذلك؛ فإن انتظار فقدان هذه المكتسبات الاستراتيجية الكبيرة عبر نية حسنة من مخربي الموصل بإعادة إعمارها وإعادة إسكان أهلها مجدداً فيها هو مسألة تبدو بعيدة كثيراً عن التصورات المستقبلية للمدينة.
دون هذا تساؤلات حول الجهة التي يمكنها أن تمول عملية إعمار كبيرة بهذا الحجم؟ وأغراض هذه الجهة من الإعمار؟ وحكم الإعمار نفسه وهل يشمل مجمل مساحة الموصل أم لا؟ هل من دمر الموصل يريد لها أن تعود كما كانت؟ هل يرغب بتغيير تركيبتها الديموغرافية؟
بمعنى أن الموصل الجديدة إما ستكون أصغر بكثير من حجمها السابق، وبالتالي تفقد معظم مقومات قوتها وحضورها وتأثيرها في الواقع العراقي والإقليمي.
وإما أنها ستكون مدينة مشتركة بين السنة والشيعة استناداً إلى تجارب سابقة، جلبت فيها أعداد غفيرة من المشردين الإيرانيين لاستيطانها على نحو يحاكي ما حصل في فلسطين أيام الاحتلال البريطاني وبعدها.
وإما أنها ستعود تدريجياً لما كانت عليه لكن بعد مدة طويلة جداً تترك فيها مهمة الإعمار للجهود الذاتية الضعيفة، والتي زادها ضعفاً حرمان موظفي الموصل على مدى السنوات الثلاث الماضية من رواتبهم بحجة الاحتلال الداعشي للمدينة.
وإما أن الموصل ستعود إلى سابق عهدها في إطار صفقة إقليمية تعقدها دول إقليمية ودولية، ويمول إعمارها دول خليجية وتنفذ ذلك شركات تركية.. وهذا ربما أضعف الاحتمالات.
مستقبل الموصل يرسمه حاضرها الذي تضافرت فيه كل عناصر الإضعاف والإنهاك لهذه الأمة بضرب مفاصلها القوية وخزائنها البشرية الحاضنة للكفاءات الواعدة، لتتكامل مع جهود مضنية لتغييب هوية الأمة الإسلامية وإضعاف ممانعتها العقدية والقيمية والثقافية.. هذا هو الحصاد، ومن فهم أبعاده تبدأ مهمة البناء من جديد.. لمن أراد.
هكذا فعل التحالف الدولي ودولة إيران الكبرى (إيران والعراق) وأدواتها في الموصل، على أنه لم يكن يوماً "صديقهم"، وهم في هذا لم يتصرفوا بغباء وإنما باستغباء.
قدروا عدد مقاتلي داعش في الموصل بنحو خمسة آلاف مقاتل على أقصى تقدير؛ فقصفوا المدينة ودمروها وقتلوا أضعاف هذا الرقم وأخرجوا ثلاثمائة ضعف هذا العدد من أهل الموصل من ديارهم، وأحالوا نحو 90% من المدينة إلى خربات وركام.
مع هذا، لم يدمروا داعش بل أخرجوا قواتها من الموصل، وتلك الأخيرة لم يخرج معظم عناصرها إلا وفق برنامج تدميري واضح للمدن السنية قامت بتنفيذه بامتياز.
مع بدء المعركة، كتب بـ"جولات الموصل": " من شأن معركة حاسمة قصيرة في الموصل ألا تهجر السكان السنة منها؛ لذا فإن الرغبة الطائفية العراقية تدفع باتجاه إطالة أمد المعركة قدر الإمكان، فمهمة تهجير مئات الآلاف من الموصل لن تكون يسيرة (...) ويتوقع أن تساهم داعش في هذا السيناريو بدور يتلخص في ممانعة عالية لمدة طويلة، ثم الانسحاب بحجة تأمين حياة السكان المدنيين بعد أن يرحل الكثير منهم وتتهدم كثير من دور الموصل وأبنيتها".
كلٌّ قام بدوره الوظيفي تماماً: ثلاث فرق عراقية من الجيش العراقي انسحبت من المدينة قبل أقل بقليل من ثلاث سنوات تاركة أسلحة ثقيلة لتقع في يد بضعة آلاف من قوات داعش، لتحتل المدينة بسهولة، وتفرض نموذجها البغيض للحكم، الذي يشوه الشريعة الإسلامية أكثر مما يطبقها أو يتحاكم إليها، آلة إعلامية غربية تضخم قوتها، ومقاطع من التنظيم منفرة لتمنح مبرراً لتغطية أي جرائم حرب قادمة..
ولكي تدمر مدينة بحجم الموصل، أو تهجر كتلة سكانية كبيرة كتلك، كان لابد أن يتوفر ما يلي:
- أسلحة ثقيلة تترك للتنظيم لتغطي عملية التدمير وتفرق المسؤولية عنها.
- مدة طويلة لإبراز صعوبة عملية استعادة المدينة.
- إطالة مدة ما يسمى بالتحرير ليتوفر الوقت الكافي للتهجير والتدمير.
- تحالف متعدد الاتجاهات لتضيع معه مسؤولية هذه الجرائم الإنسانية والحربية.
- إعلام متواطئ، كما ضخم من قوة داعش، يطمر ذكر العمليات، ويعمي على تفاصيل جرائمها.
- أمم متحدة تمهيد ذهنياً لعملية التهجير كما لو كانت قدراً، فتتوقع منذ اللحظة الأولى وصول المخرجين من ديارهم ممن تسميهم بالنازحين لأكثر من مليون.
كل الطرق كانت تؤدي إلى هذه المأساة الهائلة التي هي بحجم أكثر من مليون موصلي ما بين قتيل وجريح ومهجر قسراً، وها قد حصلت بالفعل وفقاً للمخطط المرسوم، الذي لا يمكن وصفه بالسذاجة والتخبط والحماقة في "تحرير" المدينة بتدميرها، وإنقاذ أهلها بقتلهم وتشريدهم، إذ إن هذا هو السيناريو الأسوأ لمحاربة داعش، لا يقل عنه بشاعة إلا احتمال تدمير سد الفرات جزئياً وإغراق الرقة وبعض المدن والبلدات الأخرى، وقتل الملايين أو تشريدهم حالئذ من أجل تهريب مقاتلي داعش من المدينة!
وإذا كان هو التمهيد، وذاك هو "التحرير"؛ فإن توقع مستقبل الموصل لا يعد لغزاً؛ فالذين أخرجوا مئات الآلاف من ديارهم ثم دمروا بيوتهم ثم منعوا من أراد العودة إلى تلك الخرائب من أهلها المحتجزين في مخيمات كالأسرى، لا يمكنه بسهولة أن يفقد هذه "المكتسبات"، تلك التي وضعت خطوطها الرئيسة قبل سنوات:
- إفراغ أكبر مخزون سني في العراق من أهله.
- ضرب الأمن القومي التركي في إحدى أحد مرتكزاته العربية (تقوم العقيدة العسكرية التركية في تأمين الجنوب التركي والتواصل العربي على مرتكزين اثنين هما الموصل وحلب، وها هما قد دمرتا)
- إجهاض أي محاولة لبناء قاعدة مقاومة عراقية قوية في المعقل الأول للمقاومة وبقايا جيش صدام.
تم هذا حتى الآن، بقصف دولي وميليشيات تابعة لإيران وتمهيد داعشي. وإذا كان الأمر كذلك؛ فإن انتظار فقدان هذه المكتسبات الاستراتيجية الكبيرة عبر نية حسنة من مخربي الموصل بإعادة إعمارها وإعادة إسكان أهلها مجدداً فيها هو مسألة تبدو بعيدة كثيراً عن التصورات المستقبلية للمدينة.
دون هذا تساؤلات حول الجهة التي يمكنها أن تمول عملية إعمار كبيرة بهذا الحجم؟ وأغراض هذه الجهة من الإعمار؟ وحكم الإعمار نفسه وهل يشمل مجمل مساحة الموصل أم لا؟ هل من دمر الموصل يريد لها أن تعود كما كانت؟ هل يرغب بتغيير تركيبتها الديموغرافية؟
بمعنى أن الموصل الجديدة إما ستكون أصغر بكثير من حجمها السابق، وبالتالي تفقد معظم مقومات قوتها وحضورها وتأثيرها في الواقع العراقي والإقليمي.
وإما أنها ستكون مدينة مشتركة بين السنة والشيعة استناداً إلى تجارب سابقة، جلبت فيها أعداد غفيرة من المشردين الإيرانيين لاستيطانها على نحو يحاكي ما حصل في فلسطين أيام الاحتلال البريطاني وبعدها.
وإما أنها ستعود تدريجياً لما كانت عليه لكن بعد مدة طويلة جداً تترك فيها مهمة الإعمار للجهود الذاتية الضعيفة، والتي زادها ضعفاً حرمان موظفي الموصل على مدى السنوات الثلاث الماضية من رواتبهم بحجة الاحتلال الداعشي للمدينة.
وإما أن الموصل ستعود إلى سابق عهدها في إطار صفقة إقليمية تعقدها دول إقليمية ودولية، ويمول إعمارها دول خليجية وتنفذ ذلك شركات تركية.. وهذا ربما أضعف الاحتمالات.
مستقبل الموصل يرسمه حاضرها الذي تضافرت فيه كل عناصر الإضعاف والإنهاك لهذه الأمة بضرب مفاصلها القوية وخزائنها البشرية الحاضنة للكفاءات الواعدة، لتتكامل مع جهود مضنية لتغييب هوية الأمة الإسلامية وإضعاف ممانعتها العقدية والقيمية والثقافية.. هذا هو الحصاد، ومن فهم أبعاده تبدأ مهمة البناء من جديد.. لمن أراد.