مسائل وأخطاء في الصلاة
خالد الشريف
الخطبة الأولـى:
الحَمْدُ للهِ الذي جَعَلَ الصَّلاةَ عَمُودُ الدِّينِ، وحَثَّ على إِقَامَتِهَا في كِتَابِهِ المُبِينِ، وجَعَلَهَا كَبِيرةً إِلا على الخَاشِعِينَ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ،صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَعَلى آلهِ وَصَحْبهِ وسَلَّمَ تَسلِيماً كَثِيراً، أمَّا بَعد :
أُوصِيكُمْ ونَفسـِي بِتقوَى اللهِ تَعالَى فَهِيَ وَصِيَّةُ اللهِ للأَوَّلينَ والآخِرينَ، قال تعالى:﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ﴾.
عباد الله: إنَّ التَّفقُّهَ في الدِّينِ منْ أَجَلِّ العِبَادَاتِ وأَنْفَسِ القُرُبَاتِ، قال ﷺ :" مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيراً يُفَقِّهُهُ في الدِّينِ" والوَاجبُ على المُسلمِ تَعلُّمُ ما لا يَسَعُهُ جَهْلُهُ منْ أُمُورِ دِيْنهِ؛ لِيَتَمَكَّنَّ منْ عِبَادةِ رَبِّهِ على بَصِيرةٍ، ومنَ الأَحْكَامِ الفِقْهِّيةِ التي يَنْبَغِي العِنَايةُ بِها: أَحْكَامُ الصَّلاةِ، قال ﷺ :"صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي".
وهُنَا مَسائِلٌ وأَخْطَاءٌ في الصَّلاةِ، تَخفَى على بَعضِ المُصَلَّينَ مِنْهَا، ما هو وَاجبٌ، ومِنْهَا ما هو سُنَّةٌ، يَجْدُرُ التَّنَبُهَ لهَا :
أولاً: الواجِبُ على المأْمُومِ مُتابعةُ الإِمامِ في صَلاتِهِ، قال النبيُّ ﷺ:"إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ "(رواه البخاري)،
والمُتَابَعَةُ تَكُونُ: بِأَنْ يَشـرَعَ المأْمُومُ في أَفْعَالِ الصَّلاةِ، بعدَ أنْ يَنْقطعَ صَوتُ الإِمامِ مُبَاشرةً، فإنْ كانَ المأمومُ يَرى الإِمامَ، فَلا يُشـْرعْ لهُ الابْتِداءُ في الانْحِناءِ للسُّجُودِ، حتى يَضعَ الإِمامُ جَبهتهُ على الأَرضِ، أمَّا مَنْ كانَ بعيداً عنْ الإِمامِ، فَيَكْفِيهِ المُبَادرةُ بِالسُّجودِ عندَ انْقِطاعِ صَوتِ الإمامِ بِالتكبيرِ.
عباد الله: ويَحْرمُ مُسابَقَةُ الإمَامِ عَمْداً، سَواءً كَانتْ المُسَابَقةُ في الرُّكًوعِ، أو السُّجودِ، أو السَّلامِ، ومنْ فَعَلَهُ سَهْواً فَعَلَيْهِ أنْ يَرْجِعَ لِيَأْتِي بِهِ بَعدَ الإِمامِ، فإِنْ لم يَفْعلْ بَطُلَتْ صَلَاتُهُ.
ويُكرَهُ مُوَافَقَةُ الإِمَامِ في أَفْعَالِ الصَّلاةِ، كالرُّكُوعِ أو السُّجودِ، وهذا خَطَأٌ يُنْقِصُ منَ أَجْرِها .
أمَّا المُوَافَقَةُ في تَكْبِيرةِ الإِحْرَامِ، بِأَنْ يَشـْرَعَ المَأْمُومُ في التَّكْبِيرِ ؛ قَبْلَ أَنْ يَنْقَطِعَ صَوْتُ الإِمَامِ، فَصَلاتُهُ غَيرُ مُنْعَقِدة، وعَلَيِهِ إِعَادَةُ التَّكْبِيرِ لِيُصَحِحَ صَلاتَهُ.
ثانياً: لابُدَّ لِلمُصَلِّي منْ تَحْرِيكِ لِسَانِهِ أَثْنَاءَ القِرَاءةِ، ولا يُعدُّ المُصَلِّي قَارِئاً للقُرآنِ أو الأَذْكَارِ المَشـْرُوعَةِ ؛ إذَا كانَ مُطْبِقاً لِشَفَتَيهِ.
ثالثاً: إذَا فَـرَغَ المُصَلِّي في الصَّلاةِ السِّريَّةِ منْ قِرَاءَةِ الفَاتِحةِ وسَوُرةٍ بَعْدَهَا، ولمْ يَرْكَعْ الإِمَامُ فَلا يَسكُتْ المَأْمُومْ، بَلْ يَسْتَمرُ في القِراءَةِ حتى يَرْكَعْ، حتى ولو كانَ في الرَّكْعَةِ الثَّالِثةِ أو الرَّابِعةِ، وانْتَهى منْ الفَاتِحةِ ولمْ يَرْكعِ الإِمَامُ فَإِنَّهُ يَقْرأُ سُورةً أُخْرَى حتى يَرْكَعْ ؛ ويُكرَهُ لهُ تِكْرارُ الفَاتِحةِ .
رابعاً: إِذا جَاءَ المَسْبوقُ المَسْجِدَ وخَشـيَ رُكُوعَ الإِمَامِ، بَادَرَ بِقِرَاءَةِ الفَاتِحَةِ، وتَرَكَ دُعَاءَ الاسْتِفْتاحِ
لأنَّ قِرَاءَتَها رُكْنٌ في الصَّلاةِ .
خامساً: منْ حَضَـرَ المَسْجِدَ والإِمامُ رَاكِعٌ، فَإِنَّهُ يُكَبِّرُ لِلإِحْرَامِ، ثُمَّ يُكَبِّرُ لِلرُّكُوعِ، فَإنْ خَشـِي فَوَاتَ الرَّكْعةِ ؛ أَجْزَأَتْهُ تَكْبِيرةُ الإِحْرَامِ وَهيَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلاةِ، وَيَجِبُ الإِتْيانِ بِها وَهُوَ قَائِمٌ قَبْلَ انْحِنَائِهِ، فَإِنْ أَتَى بِها في حَالِ انْحِنَائِهِ لِلرُّكُوعِ لمْ تَصِحَّ صَلاتُهُ .
عباد الله: ويُعْتَبَرُ المَأْمُومُ مُدْرِكاً لِلرَّكْعَةِ إذا أَتى بِالرُّكُوعِ المُجْزِئِ، وهوَ الاِنْحِنَاءُ بِحيثْ تَمَسَّ يَداهُ رُكْبَتَيهِ، قَبلَ أنْ يَرفعَ الإِمَامُ عَنْ قَدرِ الِإجْزَاءِ .
سادساً: إِذا دَخَلَ الَمأْمُـــــومُ فــي الصَّلاةِ عندَ قَولِ الإِمَامِ آمِين، فَيُؤَمِّنُ معَ الإِمامِ، ثُمَّ يَأْتِي بِالاِسْتِفْتَاحِ، لِأنَّ التَأْمينَ فَاصِلٌ يَسِيرٌ .
وإِذَا حَضـَرَ المَأْمُومُ بَعدَ الرَّفْعِ منَ الرُّكُوعِ أو عِندَ السُّجودِ، فَيُكَبِّر ولا يَقرَأْ دُعَاءَ الاسْتِفْتاَح ِ، لِفَوَاتِ مَحِلِّهِ، وَيُتَابِعُ الإِمامَ .
وإِنْ حَضَـرَ المَسْجِدَ والإِمَامُ في التَّشَهُدِ الأَخِيرِ وسَلَّمَ الإِمَامُ، قَامَ المَأْمُومُ لِإكْمالِ صَلاتِهِ ولَا يَأْتِي بِدُعَاءِ الاسْتِفْتَاحِ لِفَوَاتِ مَحِلِّهِ.
سابعاً: منْ حَضَـرَ المَسْجِدَ والإِمَامُ سَاجِدٌ ؛ فَكَبَّر المَأْمُومُ لِلسُّجُودِ، ثُمَّ رَفَعَ الإِمَامُ رَأْسَهُ قَبْلَ أَنْ يَضَعَ المَأْمُومُ جَبْهَتَهُ على الأَرضِ، فَيَرْجِعُ مَعَهُ وَلَا يَسْجُدْ .
ثامناً: إِذَا قَامَ المَأْمُومُ لِقَضَاءِ ما فَاتَهُ بَعْدَمَا سَلَّمَ الإِمامُ التَّسْلِيمةَ الأَوْلى، وقَبْلَ التَّسْلِيمةَ الثَّانِيةِ، فَالمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ الحَنَابِلَةِ على بُطْلانِ صَلاتِهِ وانْقِلابِ مَا صَلَّاهُ نَفَلاً، وعَلَيهِ أَنْ يُعِيدَ الصَّلاةَ، قال الشَّيخُ ابنُ بَازٍ رَحِمهُ اللهُ: فَيَنْبَغِي عَلَيهِ أَنْ يُعِيدَ الصَّلاةَ ؛ خُرُوجاً مِنَ الخِلَافِ، واحْتِياطاً لِدِينِهِ.
بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكمْ فِي الْقُرْانِ الْعَظِيمِ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ على إِحسانِهِ، والشُّكرُ لهُ على تَوفِيقهِ وامتِنانهِ، وأَشْهدُ أنْ لَا إِلهَ إِلا اللهُ وحْدهُ لا شَريكَ لهُ، وأَشْهدُ أنَّ مُحمداً عبدهُ ورَسولُهُ، صَلّى اللهُ عَليهِ وعَلى آلهِ وصَحبهِ، وسَلَّمَ تسليماً كثيراً ، أما بعد :عباد الله:
المسْأَلَةُ التاسِعة: الطُّمَأْنِينَةُ رُكْنٌ في الصَّلاةِ، وهِيَ: سُكونُ الأَعْضَاءِ عَنِ الحَرَكَةِ بِقَدْرِ الذِّكْرِ الوَاجِبِ، فَإِذَا انْحَنَى المُصَلِّي لِلرُّكُوعِ، واسْتَقَرَ لَحْظَةً يَسِيرةً، حتى قالَ سُبْحانَ رَبِّي العَظِيمِ مَرَّةً وَاحِدةً، فَقَدْ أَتَى بِالطُّمَأْنِينةِ، وَأَمَّا إِذَا كَانَ رُكُوعُهُ كَهَيْئَةِ المُتَأَرْجِحِ، يَنْحَنِي ثُمَّ يَرْفَعُ بِدُونِ اسْتِقْرَارٍ ولا لَحْظَةً منْ الزَّمَنِ، فَهَذَا لمْ يَأْتِ بِالطُّمَأْنِينَةِ، وصَلَاتُهُ غَيرُ صَحِيحَةً .
العاشرة: وُجُوبُ تَمْكِينِ الأَعْضَاءِ السَّبْعَةِ منَ الأَرْضِ، الجَبْهَةُ معَ الأَنْفِ، واليَدَيْنِ، والرُّكْبَتَيْنِ، وأَطْرَافَ القَدَمَينِ، والحَذَرَ مِنْ رَفْعِ شَيءٍ مِنْهَا .
الحَادِيةُ عَشـَر: يَجِبُ على المُصَلَّي أَنْ يُقِيمَ صُلْبَهُ أَثْنَاءَ القِيامِ، بِأَلَّا يَكُونَ مُنْحَنِياً كَهَيئةِ الرَّاكِعِ، فَإِنْ انْحَنَى حتى وَصَلَ إِلى حَدِّ الرُّكُوعِ أو قَارَبَهُ، بِدُونِ عُذْرٍ ؛ بَطُلَتْ صَلَاتُهُ، وعَلَيْهِ فَمَنْ سَقَطَ مِنْهُ شَيءٌ أَثْنَاءِ قِيَامِهِ فَانْحَنَى لِأَخْذِهِ مِنَ الأَرْضِ مِنْ غَيرِ ضَرُورَةٍ، فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ.
الثَّانيةَ عَشـَر: إِقَامَةُ الصُّلْبِ حَالَ الِاعْتِدَالِ مِنَ الرُّكُوعِ والسُّجُودِ، حتى يَسْتَوِي ويَعُودَ كُلُّ فَقَارٍ مَكَانَهُ ؛ هُوَ مِنْ تَمامِ الرُكُوعِ والسُّجُودِ، لِأَنَّهُ إِذَا رَكَعَ كَانَ الرُّكُوعُ مِنْ حِينِ يَنْحَنِي، إِلى أَنْ يَعُودُ فَيَعْتَدِلَ، وَهكَذَا في السُّجُودِ ، قال ﷺ : "لَا تُجْزِئُ صَلَاةٌ لَا يُقِيمُ الرَّجُلُ فِيهَا صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ " (رواه ابن ماجة وصححه الألباني)
عباد الله: أَمرَ اللهُ تَعالى بِإِقَامَةِ الصَّلاةِ، بِقولهِ ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾، وإِقَامَتُهَا تَكونُ بِالإتيانِ بِها كَامِلةً، بِشـُرُوطِهَا وَأَرْكَانِها وَوَاجِبَاتِها وسُنَنِهَا، ولِيَحْرِصَ المُؤْمِنُ على الإِتْيَانِ بِها كَامِلَةً وقَدْ قَالَ ﷺ : "إِنَّ الْعَبْدَ لَيُصَلِّي الصَّلَاةَ مَا يُكْتَبُ لَهُ مِنْهَا إِلَّا عُشـْرُهَا، تُسْعُهَا، ثُمُنُهَا، سُبُعُهَا، سُدُسُهَا، خُمُسُهَا، رُبُعُهَا، ثُلُثُهَا نِصْفُهَا " (رواه أحمد بسند صحيح ).
عباد الله: إِنَّ مِيزَانَ الصَّلاةِ في الإِسْلَامِ عَظِيمٌ، وَمَنْزِلَتُهَا عِنْدَ اللهِ عَالِيةً ؛ فَاهْتَمُّوا بِشَأْنِهَا غَايَةَ الاِهْتِمَامِ، وَأَدُّوهَا بِالوَفَاءِ والتَّمَامِ ؛ فَالصَّلاةُ مِكْيَالٍ مَنْ وَفَّاهُ وُفِّيَ أَجْرُهُ مِنْ رَبِّ العَالمِين، ومَنْ طَفَّفَ فِيهِ فَقَدْ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ :﴿وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ﴾ .
ثُمَّ صَلُّوا وَسِلِّمُوا.
المرفقات
1736273425_اخطاء ومسائل في الصلاة.pdf