مسئولية التـــعليم وعاشوراء

عبدالرحمن بن محمد التميمي
1442/01/09 - 2020/08/28 06:24AM
مسئولية التـــعليم وعاشوراء
جمعت من متفرقات
9/1/1442هــــ
الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْأَعْلَى؛ خَلَقَ فَسَوَّى، وَقَدَّرَ فَهَدَى، وَإِلَيْهِ الرُّجْعَى، نَحْمَدُهُ حَمْدًا كَثِيرًا، وَنَشْكُرُهُ شُكْرًا مَزِيدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أَرْسَلَهُ اللَّهُ -تَعَالَى- بِدِينِ الْحَقِّ؛ لِيُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، فَفَتَحَ بِهِ أَعْيُنًا عُمْيًا، وَآذَانًا صُمًّا، وَقُلُوبًا غُلْفًا، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
 
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَتَعَلَّمُوا الْعِلْمَ وَعَلِّمُوهُ؛ فَلَأَنْ يَمُوتَ الْمَرْءُ عَالِمًا أَوْ مُتَعَلِّمًا خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَمُوتَ جَاهِلًا ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾.
 
عبادَ الله: طَلَبُ العِلْمِ وتَعْلِيْمُه؛ مِنْ أَفْضَلِ العِبَادَاتِ، وَأَجَلِّ الطَّاعَات؛ قال ابنُ المبارك: (لا أَعْلَمُ بَعْدَ النُّبُوَّةِ أَفْضَل مِنْ بَثِّ العِلْم!)
وَمَا أَمَرَ اللهُ رَسُوْلَهُ بِطَلَبِ الزيادَةِ في شيءٍ إلا في العِلْمِ! ﴿وَقُل رَّبّ زِدْنِي عِلْما﴾؛ قال العلماء: (وَكَفَى بهذا شَرَفًا للعِلْمِ، أَنْ أَمَرَ نَبِيَّه أَنْ يَسْأَلَه المزيدَ مِنْه)
العلمُ – عباد الله - يُجلِس صاحبَه مجالسَ الملوك، وإذا اقترن بالإيمان رفعَه الله في الدنيا والآخرة، (يَرْفَع اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ)
و نَشْرُ العِلْمِ النَّافِع مِنْ أَسْبَابِ الأَمنِ في الأَوطانِ، فالعِلْمُ حِجَابُ الفِتْنَةِ، وأَسَاسُ الحِكْمَة، قال ابنُ القيّم: (وَإِذَا ظَهَرَ الْعِلْمُ فِي بَلَدٍ أَوْ مَحَلَّةٍ: قَلَّ الشَّرُّ فِي أَهْلِهَا، وَإِذَا خَفَى الْعِلْمُ هُنَاكَ: ظَهَرَ الشَّرُّ وَالْفَسَادُ)
 
عباد الله:
التَّعْلِيمِ والتدريس؛ مِهْنَةٌ شَرِيْفَةٌ، وأَمَانَةٌ عَظِيْمَةٌ والتعليمُ مَسْؤُوْلِيَّةٌ مُشْتَرَكَةٌ بين المُعَلِّمِ والأُسْرَةِ والمُجْتَمَع؛ فَكُلُّ مَنْ لَهُ رَعِيَّةٌ؛ فَعَلَيِه مَسْؤٌوليّة! قال ﷺ: (كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا)
 وَمَنْ أَهْمَلَ تَعْلِيمَ رَعِيَّته مَا يَنْفَعُهُم؛ فَقَد أسَاءَ إليهِم غَايَةَ الإِساءَة؛ فَلَمْ يَنْتَفِعُوا بأَنفسِهِم، ولم يَنْفَعُوا غَيْرَهُم!
 
 
وإنَّ الأبَوَين المستحقَّين للدّعاء هما من أحسن التربيةَ (وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا)، ولا أحسن في التربية من تعليم الأبناء أمور دينهم ودنياهم وحمايتهم من جهل يطبق عليهم فيغويهم ويعميهم ويفسد دينهم ودنياهم
عباد الله:
إنه ومع تعذر ذهاب الأبناء للمدارس بداية هذا العام وتحول التعليم إلى تعليم غير مباشر فإن الواجب على الأبوين عظيم في رفع الجهل عن أبنائهم وإعانة من هيئوا الأسباب لتعليمهم فالهمّ واحد والهدف مشترك وحياة العقول تعليمها والْجَهْل قَبِيحٌ بِأَصْحَابِهِ
فيجِبُ عَلَى الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ أَنْ يُتَابِعُوا أَوْلَادَهُمْ فِي دُرُوسِهِمْ عَنْ بُعْدٍ ؛ فَهُمْ أَمَانَةٌ فِي أَعْنَاقِهِمْ ، وَتَعْلِيمُهُمْ واجب عَلَيْهِمْ إذ لا تمكن وقايتهم من النار إلا بتربيتهم وتعليمهم وتأديبهم ،
قال اللَّهِ تَعَالَى:(يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة)
 
أيها الآباء: قد أحسن أرباب التعليم فأحسنوا وقد بذلوا فشمروا فهؤلاء أبناؤنا قد بَعُد بالتعليم عهدهم فمزق العبث والشتات أوقاتهم وسلبت الأجهزة عقولهم، أفلا يرحمون!
وأي فلاح يرجى مع الإهمال!
فحفزوا وتابعوا وحببوا إليهم العلم وأهله ولا تكثروا القدح وهم يسمعون أو تكثروا اللوم وهم منصتون
 وإنه لعيب على عاقل أن يرقد أبناؤه والناس يكدحون أو يلعب أطفاله والناس يَجِدّون
فالجَدُّ في الجدِّ والحِرمانُ في الكَسَلِ
فكن يا ولي الأمر على حذر من التفريط فقد بُذلت الأسباب وهُيئت السبل ولم يبق إلا  حرصك وحزمك وحكمتك والموفق الله
ومن أهمل فليتحمل العواقب فليس من عَلِم كمن جَهِل وليس من جَدّ كمن رَقَد   
" قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ"
وَيَجِبُ عَلَى الطُّلَّابِ ألا يفرحوا ببلاء عن المدارس أبعدهم وعليهم أَنْ يَعْلَمُوا أن الفراغ مفسدة لشبابهم وأعمارهم وأخلاقهم وأن المدارس نعمة فلا يكفروها
وليعلموا أَنَّ الْعِلْمَ النَّافِعَ، وَالْمَعْرِفَةَ الصَّحِيحَةَ، تنير عقولهم وترفع من شأنهم وتَنْفَعُهُمْ فِي دُنْيَاهُمْ بِبِنَاءِ أَنْفُسِهِمْ بِنَاءً صَحِيحًا، وَبِنَاءِ بُلْدَانِهِمْ وَأُمَّتِهِمْ، وَتَنْفَعُهُمْ فِي أُخْرَاهُمْ إذا صَحّت النوايا وصَلُح العمل
اللهم أصلح ذرياتنا وارزقهم علما نافعا يدركون به الفلاح في الدنيا والآخرة ياكريم
 
 
الخـــــطبــــــة الــــــــــــــــــــــــثانــــيـــــــــــة
 
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده أما بعد:
 فاعلموا عباد الله أنه لما قَدِمَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- المَدِينَةَ فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ: «مَا هَذَا؟» قَالُوا: هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ، هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ، فَصَامَهُ مُوسَى، قَالَ: «أَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ» فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ (رَوَاهُ الشَّيْخَانِ).
 
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: حِينَ صَامَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «فَإِذَا كَانَ الْعَامُ المُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ» قَالَ: فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ المُقْبِلُ، حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-. وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: «لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ» (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
فَالسنة صِيَام يَوْمِ عَاشُورَاءَ، مَعَ مُخَالَفَةِ الْيَهُودِ بِصِيَامِ يَوْمٍ قَبْلَهُ، وَذَلِكَ أَفْضَلُ، أَوْ يَوْمٍ بَعْدَهُ؛ حَتَّى تَتَحَقَّقَ المُخَالَفَةُ، قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «خَالِفُوا الْيَهُودَ، وَصُومُوا التَّاسِعَ وَالْعَاشِرَ». وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى: قَالَ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: «صُومُوا يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَخَالِفُوا فِيهِ الْيَهُودَ، وَصُومُوا قَبْلَهُ يَوْمًا أَوْ بَعْدَهُ يَوْمًا».
 
 
فَاحْرِصُوا رَحِمَكُمُ اللهُ -تَعَالَى- عَلَى صِيَامِ عاشورا والذي يوافق غدا السبت فقد جَاءَ فِي فَضْلِ صِيَامِه أَنَّهُ يُكَفِّرُ سَنَةً كَامِلَةً؛ ففِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- سُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ: «يُكَفِّرُ السَّنَةَ المَاضِيَةَ»، وَفِي رِوَايَةٍ: «صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ» (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: «مَنْ صَامَ عَاشُورَاءَ غَفَرَ اللهُ لَهُ سَنَةً».
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ، كَمَا أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ رَبُّكُمْ…
المرفقات

مسئولية-التـــعليم-وعاشوراء

مسئولية-التـــعليم-وعاشوراء

المشاهدات 817 | التعليقات 0