مرضت فلم تعدني

عبدالله اليابس
1434/04/04 - 2013/02/14 08:57AM
عيادة المريض الجمعة 5/4/1434هـ
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، {ياأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}, {ياَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ وٰحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِى تَسَاءلُونَ بِهِ وَٱلأَرْحَامَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً},(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما).
أما بعد: فاتقوا الله معشر المسلمين، واستعينوا بخالقكم في كل أموركم واستنيروا بسنة نبيكم، فقد كان أنفع الناس للناس, وأكثرَهم برا وصلة, لاسيما عندما يعتريهم أمر الله وقدره من موت أو مرض، فقد كان يعود المريض مسلما أو يهوديا، وكذلك كل من تربطه به صله إذا مرض لا تمنعه كثرة مشاغله عن هذا الواجب ولا إدارة الدولة الإسلامية عن ذلك، مع أنه كان كثير الأهل, عظيم العشيرة, محبوبا إن تكلم أو سكت، محاطا بالناس إذا قام أو قعد, عظيم الذكر والعبادة, بأبي هو وأمي صلوات الله وسلامه عليه.
يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم.. لقد بين لنا الرسول صلى الله عليه وسلم حق المسلم على المسلم فقال: ((حق المسلم على المسلم رد السلام, وعيادة المريض, واتباع الجنائز, وإجابة الدعوة, وتشميت العاطس)) رواه الشيخان.
وكما هو ظاهر من الحديث لا يلزم أن يكون المسلم من معارفه وإنما يكفى وصف الإسلام لقيام هذه الحقوق لإخواننا المسلمين علينا: ((حق المسلم على المسلم))، فإذا كانت صلة قرابة أو صلة جوار أو أخوة أو معرفة فإن ذلك الحق يعظم بمقدار عظم تلك الصلة.
حديث آخر يرويه البراء بن عازب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول:((أمرنا رسول الله بعيادة المريض, واتباع الجنازة, وتشميت العاطس, وإبرار القسم, ونصرة المظلوم, وإجابة الداعي, وإفشاء السلام)) رواه الشيخان.
ومن فضائل زيارة المريض أن الزائر يحظى ويتمتع بثمار الجنة حتى يرجع من زيارته قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((إن المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع. قيل: يا رسول الله وما خرفة الجنة؟ قال: جناها)) رواه مسلم.
وفى فضل زيارة المريض يروي علي رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: ((ما من مسلم يعود مسلما غدوة إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي، وإن عاده عشية إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح وكان له خريف فى الجنة)) رواه الترمذي, والخريف الثمر المخروف أي المجتنى.
يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم.. إن لزيارة المريض آدابًا ومن آدابها المسارعة إلى عيادته وهذا يفهم من قوله صلى الله عليه وسلم: ((إذا مرض فعده)) فإن الفاء في اللغة العربية تدل على التعقيب كما يذكر ذلك أهل اللغة.
وهناك أحاديث تدل على أن زيارة المريض تكون بعد ثلاثة أيام من مرضه كما روى ابن ماجه والبيهقى قال: ((كان النبى صلى الله عليه وسلم لا يعود مريضا إلا بعد ثلاث)).
وعلى ذلك فإذا كان المرض خطيرًا ويخشى على المريض من جرائه الموت ولم يتأذ من الزيارة تكون الزيارة مباشرة.
أما إذا كان المرض عاديا فتكون الزيارة بعد ثلاث.
وقد يقال بأن الأمر يترك بحسب سعة حال المريض وبحسب رغبته في قدوم الزوار من عدمها وبحسب ما تمليه الظروف من سرعة فى العيادة أو تأخيرها بعد ثلاث أيام, والله أعلم.
ومن السنة تخفيف العيادة ولاسيما عند ضعف المريض أو عند كثرة الزوار أو عند ضيق المكان، ويكون الدخول إلى المريض بحسب حالته واحتياجه لما روي عنه صلى الله عليه وسلم عند الحاكم أنه قال: ((زر غبا تزدد حبا)).
ومن أعظم ما يهدى للمريض عند الدخول عليه الدعاء له، ويفعـل الزائر كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم فيمسح يده اليمنى عليه ويقول كما في الحديث المتفق على صحته: ((أذهب البأس, رب الناس, واشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقما)) أو يقول كما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من عاد مريضاً لم يحضر أجله فقال عنده سبع مرار: أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك إلا عافاه الله من ذلك المرض))، رواه أبو داود.
ومما يهدى إلى المريض تذكيره بوصية النبي صلى الله عليه وسلم في الاستشفاء فقد جاء عثمان بن أبي العاص إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكوه وجعا في جسده فقال له: ((ضع يدك على الذي يألم من جسدك وقل: بسم الله ثلاثا, وقل سبع مرات: أعوذ بالله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر)) رواه مسلم.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا جاء يعود مريضاً فليقل: اللهم اشف عبدك ينكأ لك عدواً أو يمشي لك إلى جنازة)) أخرجه أبو داود والحاكم وابن حبان.
بارك الله لي ولكم بالقرآن والسنة, ونفعنا بما فيهما من الآيات والحكمة, قد قلت ما قلت وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على خاتم النبيين, وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد: فاتقوا الله عباد الله ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.
يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم.. ومن الود والأدب أن يسأل المسلم أهل المريض عن حاله، فقد سأل الناس عليًا لما خرج من عند النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه فأجابهم رضي الله عنه بقوله: (يصبح بحمد الله بارئًا).
عيادة المريض تنفيذ لأمر الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله عز وجل يقول يوم القيامة: يا ابن آدم مرضت فلم تعدني قال: يارب كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده، أما علمت أنك عدته لوجدتني عنده)) رواه مسلم.
ويستحب قعود الزائر عند رأس المريض، ويستحب تطييب نفس المريض بالشفاء العاجل والعمر الطويل ففي الحديث: ((إذا دخلتم على مريض فنفسوا له في أجله (أي منوه بطول العمر) فإن ذلك لا يرد شيئا ويطيب بنفسه)) رواه ابن ماجه والترمذي.
ويستحب لزائر المريض أن يقول الدعاء الوارد في ذلك فيقول: ((لا بأس طهور إن شاء الله تعالى)).
دعاء المريض حري بالإجابة, وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بطلب الدعاء من المريض كما جاء في الحديث: ((إذا دخلت على مريض فمره أن يدعو لك، فإن دعاءه كدعاء الملائكة)) رواه ابن ماجة والنسائي.
ويستحب لزائر المريض الوضوء لحديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من توضأ فأحسن الوضوء وعاد أخاه المسلم محتسباً بُوعِد من جهنم مسيرة سبعين خريفاً)) فقلت: يا أبا حمزة ما الخريف؟ قال العام أخرجه أبو داود.
والأفضل المشي في العيادة لحديث جابر رضي الله عنه: (عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم ماشيًا وأبو بكر وأنا في بني سلمة) ولا بأس بالركوب لاسيما إذا كان منزل المريض بعيداً.
وليعلم المريض أن الله تعالى لا يريد به إلا خيراً كما جاء في حديث الشيخين عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من يرد الله به خيراً يصب منه)) ولحديث عائشة وأبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه)).
قال يزيد بن ميسرة رحمه الله: "إن العبد ليمرض وماله عند الله من عمل خير فيُذَكِّرُهُ الله سبحانه بعض ما سلف من خطاياه فيخرج من عينه مثل رأس الذباب من الدمع من خشية الله فيبعثه الله مطهَرًا أو يقبضه مطهرًا" قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "مصيبة تقبل بها على الله خير لك من نعمة تنسيك ذكر الله".
ومن فوائد المرض طهاره القلب من الأمراض فإن الصحة تدعو إلى الأشر والبطر والإعجاب بالنفس لما يتمتع به المرء من نشاط وقوة وهدوء بال، فإذا قيده المرض وتجاذبته الآلام انكسرت نفسه ورق قلبه وتطهر من الأخلاق الذميمة والصفات القبيحة، قال العلامة ابن القيم رحمه الله: "لولا محن الدنيا ومصائبها لأصاب العبد من أدواء الكبر والعُجب والفرعنة وقسوة القلب ما هو سبب هلاكه عاجلاً وآجلاً، فمن رحمة أرحم الراحمين أن يتفقده في الأحيان بأنواع من أدوية المصائب تكون حمية له من هذه الأدواء وكما قيل:
قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت ويبتلى الله بعض القوم بالنعم
وينبغي على الزائر أن يُذكِّر المريض بالله تعالى وبإقامة الصلاة إذا رأى منه استعداداً لذلك لكن برفق ولين.
فعن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: كانت بي بواسير فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فقال:((صل قائماً فإن لم تستطع فقاعداً فإن لم تستطع فعلى جنب)).
فاتقوا الله عباد الله واتبعوا هذه الآداب في زيارة المريض سواء كان مسلماً أو كافرًا فقد أخرج البخاري وأبو داود والنسائي عن أنس رضي الله عنه أن غلاماً من اليهود مرض فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده فقعد عند رأسه فقال له: ((أسلم)) فنظر إلى أبيه وهو عند رأسه فقال له أبوه: أطع أبا القاسم، فأسلم فقام النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: ((الحمد لله الذي أنقذه بي من النار)).
يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم.. اعلموا أن الله تعالى قد أمرنا بالصلاة على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وجعل للصلاة عليه في هذا اليوم والإكثار منها مزية على غيره من الأيام, فللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
عباد الله .. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى, وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي, يعظكم لعلكم تذكرون, فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم, واشكروه على نعمه يزدكم, ولذكر الله أكبر, والله يعلم ما تصنعون.
المرفقات

عيادة المريض 5-4-1434.doc

عيادة المريض 5-4-1434.doc

المشاهدات 2361 | التعليقات 0