مرحباً بشهر تفتح فيه أبواب الجنان
عبد الله بن علي الطريف
1435/09/07 - 2014/07/04 02:39AM
[مرحباً بشهر تفتح فيه أبواب الجنان 6/9/1435هـ
أيها الإخوة: لَمَّا حَضَرَ رَمَضَانُ بَشر رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَصحَابَهُ فقَالَ: قَدْ جَاءَكُمْ رَمَضَانُ شَهْرٌ مُبَارَكٌ افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ الشَّيَاطِينُ، فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ. رواه أحمد وغيره وهو حديث صحيح الإسناد. رواه أبو هريرة..
أيها الأحبة: تُفْتَحُ فِي رمضان أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وهي «..ثَمَانِيَةُ أَبْوَابٍ وفِيهَا بَابٌ يُسَمَّى الرَّيَّانَ لَا يَدْخُلُهُ إِلَّا الصَّائِمُونَ» رواه البخاري عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتفتح تلك الأبواب على مصراعيها، والمصراع: أحد شقي الباب وجمعه مصاريع. قال عُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ: «..لَقَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ مَا بَيْنَ مِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ مَسِيرَةُ أَرْبَعِينَ سَنَةً وَلَيَأْتِيَنَّ عَلَيْهَا يَوْمٌ وَهُوَ كَظِيظٌ مِنْ الزِّحَامِ» رواه مسلم.
نعم أيها الأحبة تفتح أبواب الجنة التي قال عنها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « قَالَ اللَّهُ أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ). [السجدة:17]» رواه البخاري ومسلم
أجل تفتح أبوابها في هذا الشهر فلا يغلق منها باب.. تفتح أبوابها تَقْرِيْباً للرحمة إلى العباد.. وتفتح أبوابها تنشيطا للعاملين وتحفيزا لهم على مزيد العمل والصبر عليه..
وتزين الجنة إضافة إلى جمالها وحسنها ترغيبا للعباد.. واحتفاء بهذا الشهر وما يكون فيه من الأعمال الصالحة.. فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: وَيُزَيِّنُ اللهُ كُلَّ يَوْمٍ جَنَّتَهُ " ثُمَّ قَالَ: " يُوشِكُ عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ أَنْ يُلْقُوا عَنْهُمُ الْمُؤْنَةَ وَالْأَذَى، وَيَصِيرونَ إِلَيْكَ. رواه البيهقي في شعب الإيمان وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه.
فهنيئا لمن وفق للعمل الصالح.. وهنيئا لمن فاز بالقبول فكان من أهلها.. جعلنا الله وولدينا وأزواجَنا وذرياتنا منهم..
وكما فتح الله أبواب الجنة في هذا الشهر الكريم تقريبا للرحمة إلى العباد، فقد فتح سبحانه لمن أراد العلم بما في الجنة من النعيم الأبواب.. فهذا كتاب ربنا يزخر بأوصافِها العِذَاب، وتسهب سُنَّته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأوصاف نعيمها وفيها مما لذ وطاب.. واطلاع المؤمن على ذلك يدفعه لمزيد الطاعة.. ويشوقه إلى لقاء ربه.. ويُزَهِدَهُ في نعيم الدنيا مهما كان؛ لعلمه أن ما في الدنيا من نعيم الآخرة إلا الأسماء..
أحبتي: أشجار الجنة وثمارها كثيرة طيبة متنوعة، وقد أخبر سبحانه أن فيها أشجار العنب والنخل والرمان والسدر والطلح، قال الله تعالى:
(إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا، حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا) [النبأ:31،32] وقال: (فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ) [الرحمن:68]. وما ذكر الله من أشجار الجنة شيء قليل مما تحويه تلك الجنان، ولذا قال سبحانه: (فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ) [الرحمن:52]. ولكثرتها فإن أهلها يدعون منها بما يريدون، ويتخيرون منها ما يشتهون (مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ) [ص:51] ، وقال عن هذه الفاكهة: (وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ) [الواقعة:20] وقال في موضع آخر: (وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ، كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [المرسلات:41-43] بل جمع لهم سبحانه مع ما تشتهيه الأنفس ما تلذ به الأعين فقال: (يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [الزخرف:71]. قال السعدي: قوله (مَا تَشْتَهِيهِ الأنْفُسُ وَتَلَذُّ الأعْيُنُ) وهذا اللفظُ جامعٌ، يأتي على كلِّ نعيمٍ وفرحٍ، وقُرَّةِ عين، وسرور قلب، فكلُّ ما اشتهته النُّفُوسُ، من مطاعم، ومشارب، وملابس، ومناكح، ولَذَّتْهُ العيون، من مناظر حسنةٍ، وأشجارٍ محدقةٍ، ونعمٍ مونقةٍ، ومبانٍ مزخرفةٍ، فإنه حاصلٌ فيها، معدٌ لأهلِها، على أكمل الوجوه وأفضلها، كما قال تعالى: (لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ) (وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) وهذا هو تمامُ نعيم أهل الجنة، وهو الخلدُ الدائمُ فيها، الذي يتضمَّن دوام نعيمِها وزيادته، وعدم انقطاعه.
وأشجارها دائمة العطاء، دائمة الإثمار والظلال قال تعالى: (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ) [35:الرعد] وقال: (وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ، لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ) [الواقعة:33]. أي دائمة مستمرة.
وأشجارها كذلك عظيمة الحجم، قَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ الْجَوَادَ الْمُضَمَّرَ السَّرِيعَ مِائَةَ عَامٍ مَا يَقْطَعُهَا. والمضمر: المعد للسباق بالعلف والتمرين. رواه مسلم عن أَبُي سَعِيدٍ الْخُدْرِىُّ رضي الله عنه. وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ثُمَّ رُفِعَتْ إِلَيَّ سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى فَإِذَا نَبْقُهَا مِثْلُ قِلَالِ هَجَرَ وَإِذَا وَرَقُهَا مِثْلُ آذَانِ الْفِيَلَةِ. رواه البخاري في حديث المعراج: عن أنس رضي الله. ومن عجيب خلق هذه الأشجار أن ما في الجنة شجرة إلا وساقها من ذهب. رواه الترمذي وغيره وصححه الألباني عن أبو هريرة عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقال بن كثير رحمه الله: وقد سبق أن تربة الجنة من مسك وزعفران، وأنه ما في الجنة شجرة إلا ولها ساق من ذهب فإذا كانت تربة الجنة هذه، والأصول كما ذكرنا، فما ظنك بما يتولد منها، من الثمرة الرائقة، الناضجة، الأنيقة، التي ليس في الدنيا منها إلا الأسماء? قال ابن عباس رضي الله عنه: ليس في الجنة من الدنيا إلا الأسماء. ، قد ذللت قطوفها تذليلا، إن قام تناولها بسهولة وإن قعد تناولها بسهولة وإن اضطجع تناولها بسهولة، كلما قطع منها شيئا خلفه آخر، (كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا) [البقرة:25] في اللون والهيئة مختلفاً في الطعم. (وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا) [مريم:62]. (يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ) [الدخان:55] من الموت آمنين من الهرم آمنين من المرض آمنين من كل خوف ومن كل نقص في نعيمهم أو زوال. (خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) [هود:108].
أيها الإخوة وهناك عمل خفيف يحصل المؤمن بسببه على عدد كبير من هذه الأشجار: عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "لَقِيتُ إِبْرَاهِيمَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَقْرِئْ أُمَّتَكَ مِنِّي السَّلَامَ وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ الجَنَّةَ طَيِّبَةُ التُّرْبَةِ عَذْبَةُ المَاءِ، وَأَنَّهَا قِيعَانٌ، وَأَنَّ غِرَاسَهَا سُبْحَانَ اللَّهِ وَالحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ". رواه الترمذي وحسنه الألباني. (جمع قاع وهي الأرض المستوية الخالية من الشجر)
أيها الأحبة: ويدخل أهل الجنةِ الجنةَ على أكملِ صورةٍ وأجملِها، على صورة أبيهم آدم عليه السلام فلا أكمل ولا أتم من تلك الصورةِ والخِلْقَةِ التي خلق الله عليها أبا البشر آدم عليه السلام فقد خلقه الله بيده فأتم خلقه، وأحسن تصويره، وكلُ من يدخل الجنة يكون على صورة آدم وخلقته، وقد خلقه الله طِوالاً كالنخلة السحوق، قال رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ، طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا.. فَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ آدَمَ وَطُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا فَلَمْ يَزَلِ الْخَلْقُ يَنْقُصُ بَعْدَهُ حَتَّى الآنَ. رواه مسلم عن أبي هُرَيْرَةَ. (خلق في أول نشأته على صورته التي كان عليها في الأرض وفي الجنة وتوفي عليها لم يتغير)
ويَدْخُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ جُرْدًا مُرْدًا بِيضًا جُعْدًا مُكَحَّلِينَ ، أَبْنَاءُ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِينَ ، عَلَى خَلْقِ آدَمَ ، طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا فِي عَرْضِ سَبْعَةِ أَذْرُعٍ. رواه أحمد وابن أبي الدنيا والطبراني والبيهقي قال الألباني حديث حسن لغيره عن أبي هريرة.
وإذا كان خلقهم الظاهري متفق فكذلك خلقهم في باطنهم واحد، نفوسهم صافية، وأرواحهم طاهرة زكية.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَلِجُ الْجَنَّةَ صُورَتُهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْر،ِ لَا يَبْصُقُونَ فِيهَا وَلَا يَمْتَخِطُونَ، وَلَا يَتَغَوَّطُونَ، آنِيَتُهُمْ فِيهَا الذَّهَبُ، أَمْشَاطُهُمْ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَمَجَامِرُهُمْ الْأَلُوَّةُ، وَرَشْحُهُمْ الْمِسْكُ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ يُرَى مُخُّ سُوقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ مِنْ الْحُسْنِ، لَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ وَلَا تَبَاغُضَ، قُلُوبُهُمْ قَلْبٌ وَاحِدٌ يُسَبِّحُونَ اللَّهَ بُكْرَةً وَعَشِيًّا. رواه البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَأْكُلُونَ فِيهَا وَيَشْرَبُونَ وَلاَ يَتْفُلُونَ وَلاَ يَبُولُونَ وَلاَ يَتَغَوَّطُونَ وَلاَ يَمْتَخِطُونَ. قَالُوا أي الصحابة فَمَا بَالُ الطَّعَامِ.؟ قَالَ: جُشَاءٌ وَرَشْحٌ كَرَشْحِ الْمِسْكِ يُلْهَمُونَ التَّسْبِيحَ وَالتَّحْمِيدَ كَمَا يُلْهَمُونَ النَّفَسَ. رواه مسلم عن جابر. يطوف عليهم ولدان مخلدون، إذا رأيتهم حسبتهم في جمالهم وانتشارهم في خدمة أسيادهم لؤلؤا منثورا، يطوفون عليهم بكأس من معين بيضاء لذة للشاربين، بآنية من فضة وأكواب كانت قواريرا، قواريرا من فضة قدروها تقديرا، يعطى الواحد منهم قوة مئة في الطعام والشراب ليأكلوا من جميع ما طاب لهم ويشربوا من كل ما لذ لهم.. لهم فيها أزواج مطهرة من الحيض والنفاس والبول وكل أذى وقذر، هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون، لهم فيها فاكهة ولهم ما يدعون سلام قولا من رب رحيم..
أسأل الله بمنه وكرمه أن يدخلنا الجنة... فمَنْ سَأَلَ اللَّهَ الْجَنَّةَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، قَالَتِ الْجَنَّةُ: اللَّهُمَّ أَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ.. حديث صحيح رواه ابن حبان.. وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
الثانية:
أيها الأحبة: أما قصور الجنة، وأماكن الجلوس في حدائقها وبساتينها فقد أعدت بألوان فاخرة رائعة من الفرش للجلوس والاتكاء ونحو ذلك، فالسرر كثيرة راقية والفرش عظيمة القدر بطائنها من الاستبرق فما بالك بظاهرها.. فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ، وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ، وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ، وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ.. عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ، مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ.. وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ.. مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ. النمارق هي الوسائد والمساند، والزابي البسط، والعبقري البسط الجياد، والرفرف رياض الجنة...
أيها الأحبة: وبينما أهل الجنة في نعيمهم إذ بربهم (.. يَقُولُ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ فَيَقُولُونَ: لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ.. فَيَقُولُ: هَلْ رَضِيتُمْ.؟ فَيَقُولُونَ: وَمَا لَنَا لَا نَرْضَى يَا رَبِّ وَقَدْ أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ.! فَيَقُولُ: أَلَا أُعْطِيكُمْ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ.؟ فَيَقُولُونَ: يَا رَبِّ وَأَيُّ شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ.؟ فَيَقُولُ: أُحِلُّ عَلَيْكُمْ رِضْوَانِي فَلَا أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا. رواه البخاري ومسلم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وأعظم من ذلك كله ما يحصل لهم من النعيم برؤية ربهم البر الرحيم، الذي منّ عليهم حتى أوصلهم بفضله إلى دار السلام والنعيم فإنهم يرونه عيانا بأبصارهم كما قال تعالى: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) [القيامة:22،23] وقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ الْقَمَرَ لَيْلَةَ البَدْرِ.. فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لاَ تُغْلَبُوا عَلَى صَلاَةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا. متفق عليه.
أحبتي: هذا وصف موجز لبعض نعيم الجنة التي أشرعت أبوابها في هذا الشهر العظيم.. أسأل الله أن يمن علينا بدخولها ووالدينا... من أراد الاستزادة فاليرجع لكتاب العقيدة في ضوء الكتاب والسنة اليوم الآخر للأشقر، وحادي الأرواح لابن القيم وغيرها كثير..
أيها الإخوة: لَمَّا حَضَرَ رَمَضَانُ بَشر رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَصحَابَهُ فقَالَ: قَدْ جَاءَكُمْ رَمَضَانُ شَهْرٌ مُبَارَكٌ افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ الشَّيَاطِينُ، فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ. رواه أحمد وغيره وهو حديث صحيح الإسناد. رواه أبو هريرة..
أيها الأحبة: تُفْتَحُ فِي رمضان أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وهي «..ثَمَانِيَةُ أَبْوَابٍ وفِيهَا بَابٌ يُسَمَّى الرَّيَّانَ لَا يَدْخُلُهُ إِلَّا الصَّائِمُونَ» رواه البخاري عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتفتح تلك الأبواب على مصراعيها، والمصراع: أحد شقي الباب وجمعه مصاريع. قال عُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ: «..لَقَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ مَا بَيْنَ مِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ مَسِيرَةُ أَرْبَعِينَ سَنَةً وَلَيَأْتِيَنَّ عَلَيْهَا يَوْمٌ وَهُوَ كَظِيظٌ مِنْ الزِّحَامِ» رواه مسلم.
نعم أيها الأحبة تفتح أبواب الجنة التي قال عنها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « قَالَ اللَّهُ أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ). [السجدة:17]» رواه البخاري ومسلم
أجل تفتح أبوابها في هذا الشهر فلا يغلق منها باب.. تفتح أبوابها تَقْرِيْباً للرحمة إلى العباد.. وتفتح أبوابها تنشيطا للعاملين وتحفيزا لهم على مزيد العمل والصبر عليه..
وتزين الجنة إضافة إلى جمالها وحسنها ترغيبا للعباد.. واحتفاء بهذا الشهر وما يكون فيه من الأعمال الصالحة.. فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: وَيُزَيِّنُ اللهُ كُلَّ يَوْمٍ جَنَّتَهُ " ثُمَّ قَالَ: " يُوشِكُ عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ أَنْ يُلْقُوا عَنْهُمُ الْمُؤْنَةَ وَالْأَذَى، وَيَصِيرونَ إِلَيْكَ. رواه البيهقي في شعب الإيمان وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه.
فهنيئا لمن وفق للعمل الصالح.. وهنيئا لمن فاز بالقبول فكان من أهلها.. جعلنا الله وولدينا وأزواجَنا وذرياتنا منهم..
وكما فتح الله أبواب الجنة في هذا الشهر الكريم تقريبا للرحمة إلى العباد، فقد فتح سبحانه لمن أراد العلم بما في الجنة من النعيم الأبواب.. فهذا كتاب ربنا يزخر بأوصافِها العِذَاب، وتسهب سُنَّته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأوصاف نعيمها وفيها مما لذ وطاب.. واطلاع المؤمن على ذلك يدفعه لمزيد الطاعة.. ويشوقه إلى لقاء ربه.. ويُزَهِدَهُ في نعيم الدنيا مهما كان؛ لعلمه أن ما في الدنيا من نعيم الآخرة إلا الأسماء..
أحبتي: أشجار الجنة وثمارها كثيرة طيبة متنوعة، وقد أخبر سبحانه أن فيها أشجار العنب والنخل والرمان والسدر والطلح، قال الله تعالى:
(إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا، حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا) [النبأ:31،32] وقال: (فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ) [الرحمن:68]. وما ذكر الله من أشجار الجنة شيء قليل مما تحويه تلك الجنان، ولذا قال سبحانه: (فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ) [الرحمن:52]. ولكثرتها فإن أهلها يدعون منها بما يريدون، ويتخيرون منها ما يشتهون (مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ) [ص:51] ، وقال عن هذه الفاكهة: (وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ) [الواقعة:20] وقال في موضع آخر: (وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ، كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [المرسلات:41-43] بل جمع لهم سبحانه مع ما تشتهيه الأنفس ما تلذ به الأعين فقال: (يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [الزخرف:71]. قال السعدي: قوله (مَا تَشْتَهِيهِ الأنْفُسُ وَتَلَذُّ الأعْيُنُ) وهذا اللفظُ جامعٌ، يأتي على كلِّ نعيمٍ وفرحٍ، وقُرَّةِ عين، وسرور قلب، فكلُّ ما اشتهته النُّفُوسُ، من مطاعم، ومشارب، وملابس، ومناكح، ولَذَّتْهُ العيون، من مناظر حسنةٍ، وأشجارٍ محدقةٍ، ونعمٍ مونقةٍ، ومبانٍ مزخرفةٍ، فإنه حاصلٌ فيها، معدٌ لأهلِها، على أكمل الوجوه وأفضلها، كما قال تعالى: (لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ) (وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) وهذا هو تمامُ نعيم أهل الجنة، وهو الخلدُ الدائمُ فيها، الذي يتضمَّن دوام نعيمِها وزيادته، وعدم انقطاعه.
وأشجارها دائمة العطاء، دائمة الإثمار والظلال قال تعالى: (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ) [35:الرعد] وقال: (وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ، لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ) [الواقعة:33]. أي دائمة مستمرة.
وأشجارها كذلك عظيمة الحجم، قَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ الْجَوَادَ الْمُضَمَّرَ السَّرِيعَ مِائَةَ عَامٍ مَا يَقْطَعُهَا. والمضمر: المعد للسباق بالعلف والتمرين. رواه مسلم عن أَبُي سَعِيدٍ الْخُدْرِىُّ رضي الله عنه. وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ثُمَّ رُفِعَتْ إِلَيَّ سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى فَإِذَا نَبْقُهَا مِثْلُ قِلَالِ هَجَرَ وَإِذَا وَرَقُهَا مِثْلُ آذَانِ الْفِيَلَةِ. رواه البخاري في حديث المعراج: عن أنس رضي الله. ومن عجيب خلق هذه الأشجار أن ما في الجنة شجرة إلا وساقها من ذهب. رواه الترمذي وغيره وصححه الألباني عن أبو هريرة عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقال بن كثير رحمه الله: وقد سبق أن تربة الجنة من مسك وزعفران، وأنه ما في الجنة شجرة إلا ولها ساق من ذهب فإذا كانت تربة الجنة هذه، والأصول كما ذكرنا، فما ظنك بما يتولد منها، من الثمرة الرائقة، الناضجة، الأنيقة، التي ليس في الدنيا منها إلا الأسماء? قال ابن عباس رضي الله عنه: ليس في الجنة من الدنيا إلا الأسماء. ، قد ذللت قطوفها تذليلا، إن قام تناولها بسهولة وإن قعد تناولها بسهولة وإن اضطجع تناولها بسهولة، كلما قطع منها شيئا خلفه آخر، (كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا) [البقرة:25] في اللون والهيئة مختلفاً في الطعم. (وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا) [مريم:62]. (يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ) [الدخان:55] من الموت آمنين من الهرم آمنين من المرض آمنين من كل خوف ومن كل نقص في نعيمهم أو زوال. (خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) [هود:108].
أيها الإخوة وهناك عمل خفيف يحصل المؤمن بسببه على عدد كبير من هذه الأشجار: عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "لَقِيتُ إِبْرَاهِيمَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَقْرِئْ أُمَّتَكَ مِنِّي السَّلَامَ وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ الجَنَّةَ طَيِّبَةُ التُّرْبَةِ عَذْبَةُ المَاءِ، وَأَنَّهَا قِيعَانٌ، وَأَنَّ غِرَاسَهَا سُبْحَانَ اللَّهِ وَالحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ". رواه الترمذي وحسنه الألباني. (جمع قاع وهي الأرض المستوية الخالية من الشجر)
أيها الأحبة: ويدخل أهل الجنةِ الجنةَ على أكملِ صورةٍ وأجملِها، على صورة أبيهم آدم عليه السلام فلا أكمل ولا أتم من تلك الصورةِ والخِلْقَةِ التي خلق الله عليها أبا البشر آدم عليه السلام فقد خلقه الله بيده فأتم خلقه، وأحسن تصويره، وكلُ من يدخل الجنة يكون على صورة آدم وخلقته، وقد خلقه الله طِوالاً كالنخلة السحوق، قال رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ، طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا.. فَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ آدَمَ وَطُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا فَلَمْ يَزَلِ الْخَلْقُ يَنْقُصُ بَعْدَهُ حَتَّى الآنَ. رواه مسلم عن أبي هُرَيْرَةَ. (خلق في أول نشأته على صورته التي كان عليها في الأرض وفي الجنة وتوفي عليها لم يتغير)
ويَدْخُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ جُرْدًا مُرْدًا بِيضًا جُعْدًا مُكَحَّلِينَ ، أَبْنَاءُ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِينَ ، عَلَى خَلْقِ آدَمَ ، طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا فِي عَرْضِ سَبْعَةِ أَذْرُعٍ. رواه أحمد وابن أبي الدنيا والطبراني والبيهقي قال الألباني حديث حسن لغيره عن أبي هريرة.
وإذا كان خلقهم الظاهري متفق فكذلك خلقهم في باطنهم واحد، نفوسهم صافية، وأرواحهم طاهرة زكية.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَلِجُ الْجَنَّةَ صُورَتُهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْر،ِ لَا يَبْصُقُونَ فِيهَا وَلَا يَمْتَخِطُونَ، وَلَا يَتَغَوَّطُونَ، آنِيَتُهُمْ فِيهَا الذَّهَبُ، أَمْشَاطُهُمْ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَمَجَامِرُهُمْ الْأَلُوَّةُ، وَرَشْحُهُمْ الْمِسْكُ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ يُرَى مُخُّ سُوقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ مِنْ الْحُسْنِ، لَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ وَلَا تَبَاغُضَ، قُلُوبُهُمْ قَلْبٌ وَاحِدٌ يُسَبِّحُونَ اللَّهَ بُكْرَةً وَعَشِيًّا. رواه البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَأْكُلُونَ فِيهَا وَيَشْرَبُونَ وَلاَ يَتْفُلُونَ وَلاَ يَبُولُونَ وَلاَ يَتَغَوَّطُونَ وَلاَ يَمْتَخِطُونَ. قَالُوا أي الصحابة فَمَا بَالُ الطَّعَامِ.؟ قَالَ: جُشَاءٌ وَرَشْحٌ كَرَشْحِ الْمِسْكِ يُلْهَمُونَ التَّسْبِيحَ وَالتَّحْمِيدَ كَمَا يُلْهَمُونَ النَّفَسَ. رواه مسلم عن جابر. يطوف عليهم ولدان مخلدون، إذا رأيتهم حسبتهم في جمالهم وانتشارهم في خدمة أسيادهم لؤلؤا منثورا، يطوفون عليهم بكأس من معين بيضاء لذة للشاربين، بآنية من فضة وأكواب كانت قواريرا، قواريرا من فضة قدروها تقديرا، يعطى الواحد منهم قوة مئة في الطعام والشراب ليأكلوا من جميع ما طاب لهم ويشربوا من كل ما لذ لهم.. لهم فيها أزواج مطهرة من الحيض والنفاس والبول وكل أذى وقذر، هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون، لهم فيها فاكهة ولهم ما يدعون سلام قولا من رب رحيم..
أسأل الله بمنه وكرمه أن يدخلنا الجنة... فمَنْ سَأَلَ اللَّهَ الْجَنَّةَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، قَالَتِ الْجَنَّةُ: اللَّهُمَّ أَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ.. حديث صحيح رواه ابن حبان.. وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
الثانية:
أيها الأحبة: أما قصور الجنة، وأماكن الجلوس في حدائقها وبساتينها فقد أعدت بألوان فاخرة رائعة من الفرش للجلوس والاتكاء ونحو ذلك، فالسرر كثيرة راقية والفرش عظيمة القدر بطائنها من الاستبرق فما بالك بظاهرها.. فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ، وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ، وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ، وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ.. عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ، مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ.. وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ.. مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ. النمارق هي الوسائد والمساند، والزابي البسط، والعبقري البسط الجياد، والرفرف رياض الجنة...
أيها الأحبة: وبينما أهل الجنة في نعيمهم إذ بربهم (.. يَقُولُ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ فَيَقُولُونَ: لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ.. فَيَقُولُ: هَلْ رَضِيتُمْ.؟ فَيَقُولُونَ: وَمَا لَنَا لَا نَرْضَى يَا رَبِّ وَقَدْ أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ.! فَيَقُولُ: أَلَا أُعْطِيكُمْ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ.؟ فَيَقُولُونَ: يَا رَبِّ وَأَيُّ شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ.؟ فَيَقُولُ: أُحِلُّ عَلَيْكُمْ رِضْوَانِي فَلَا أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا. رواه البخاري ومسلم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وأعظم من ذلك كله ما يحصل لهم من النعيم برؤية ربهم البر الرحيم، الذي منّ عليهم حتى أوصلهم بفضله إلى دار السلام والنعيم فإنهم يرونه عيانا بأبصارهم كما قال تعالى: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) [القيامة:22،23] وقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ الْقَمَرَ لَيْلَةَ البَدْرِ.. فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لاَ تُغْلَبُوا عَلَى صَلاَةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا. متفق عليه.
أحبتي: هذا وصف موجز لبعض نعيم الجنة التي أشرعت أبوابها في هذا الشهر العظيم.. أسأل الله أن يمن علينا بدخولها ووالدينا... من أراد الاستزادة فاليرجع لكتاب العقيدة في ضوء الكتاب والسنة اليوم الآخر للأشقر، وحادي الأرواح لابن القيم وغيرها كثير..
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق