مرحبا برمضان

خالد الشايع
1439/08/17 - 2018/05/03 16:59PM

الخطبة الأولى ((مرحبا رمضان )) 23/8/1438
أما بعد فيا أيها الناس : ما أعظمه من دين ، وما أسمحها من شريعة ، امتن الله بها علينا في هذه الأمة ، فالله جل وعلا كلفنا بتكاليف فيها الخير والهدى والنور , وعليها يصلح أمر الدنيا والآخرة ، ورتب عليها لمن أداها أجورا عظيمة ، كما رتب عليها عقابا لمن قصر في أدائها ، وعلم الرب أن التقصير من عادة البشر ، فجعل لهم أوقاتا تمحى فيها تلك الذنوب ، وتحط عنهم آصارهم ، وتنير قلوبهم ، وتجدد إيمانهم ، وتطهر نفوسهم ، وتغسل ذنوبهم ، فيعودون كما ولدتهم أمهاتهم ، ومن تلك الأوقات موسم رمضان الذي ملئ بالخيرات والرحمات والعتق من النيران ، موسم كل من تاجر فيه فهو رابح ، حقا إنه موسم لا يخسر فيه إلا محروم .
معاشر المسلمين . بقي أيام قليلة ، ثم ندخل هذا الموسم العظيم ، بإذن الله ، فيا لها من نعمة عظيمة أن ندرك هذا الموسم ، فمجرد بلوغك وصومك له ، دلالة على محبة الله لك ، وإيرادتُه لك الخير ، فإياك والإعراضَ والكسل ، هي كما أخبر المولى عنها ( أياما معدودات ) ستمر سريعا كما مر غيرها ، فكن فيها من المسابقين ، ليكن شعار أحدنا في هذا الشهر وعجلت لك ربي لترضى ، وشعار لن يسبقني إلى الله أحد .
عباد الله : الطاعة في هذا الشهر ميسرة ، بل إنك لتجد نفسك تدعوك لها وتحبها وما ذاك إلا لما وضع الله في هذا الشهر من الإعانة للناس ، فأهل الشر خاملون ، والشياطين مسلسلة ، وأبواب الجنان مفتوحة ، وأبواب النيران مغلقة ، فروحانيات رمضان ترفع النفوس عن السفاسف ، وتدعوهم إلى المعالي
جاء في " الصحيحين " ، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الجَنَّةِ ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ ، وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ )
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" وَمَا ذَاكَ إلَّا لِأَنَّهُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ تَنْبَعِثُ الْقُلُوبُ إلَى الْخَيْرِ وَالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الَّتِي بِهَا وَبِسَبَبِهَا تُفَتَّحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ ، وَيُمْتَنَعُ مِنْ الشُّرُورِ الَّتِي بِهَا تُفَتَّحُ أَبْوَابُ النَّارِ ، وَتُصَفَّدُ الشَّيَاطِينُ فَلَا يَتَمَكَّنُونَ أَنْ يَعْمَلُوا مَا يَعْمَلُونَهُ فِي الْإِفْطَارِ ؛ فَإِنَّ الْمُصَفَّدَ هُوَ الْمُقَيَّدُ ، لِأَنَّهُمْ إنَّمَا يَتَمَكَّنُونَ مِنْ بَنِي آدَمَ بِسَبَبِ الشَّهَوَاتِ ؛ فَإِذَا كَفُّوا عَنْ الشَّهَوَاتِ صُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ " .
انتهى من "مجموع الفتاوى" (14/167) .
وقال أيضا :
" وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " { إذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ وَصُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ } ؛ فَإِنَّ مَجَارِيَ الشَّيَاطِينِ ، الَّذِي هُوَ الدَّمُ ، ضَاقَتْ ؛ وَإِذَا ضَاقَتْ انْبَعَثَتْ الْقُلُوبُ إلَى فِعْلِ الْخَيْرَاتِ ، الَّتِي بِهَا تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ ، وَإِلَى تَرْكِ الْمُنْكَرَاتِ الَّتِي بِهَا تُفْتَحُ أَبْوَابُ النَّارِ ، وَصُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ فَضَعُفَتْ قُوَّتُهُمْ وَعَمَلُهُمْ بِتَصْفِيدِهِمْ ، فَلَمْ يَسْتَطِيعُوا أَنْ يَفْعَلُوا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ فِي غَيْرِهِ ، وَلَمْ يَقُلْ إنَّهُمْ قُتِلُوا وَلَا مَاتُوا ؛ بَلْ قَالَ: " صُفِّدَتْ " وَالْمُصَفَّدُ مِنْ الشَّيَاطِينِ قَدْ يُؤْذِي ، لَكِنَّ هَذَا أَقَلُّ وَأَضْعَفُ مِمَّا يَكُونُ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ ؛ فَهُوَ بِحَسَبِ كَمَالِ الصَّوْمِ وَنَقْصِهِ ؛ فَمَنْ كَانَ صَوْمُهُ كَامِلًا : دَفَعَ الشَّيْطَانَ دَفْعًا لَا يَدْفَعُهُ دَفْعُ الصَّوْمِ النَّاقِصِ ؛ فَهَذِهِ الْمُنَاسَبَةُ ظَاهِرَةٌ فِي مَنْعِ الصَّائِمِ مِنْ الْأَكْلِ " .
انتهى من "مجموع الفتاوى" (25/246) .
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" وقيل : في هذا " إِشَارَة إِلَى رَفْعِ عُذْرِ الْمُكَلَّفِ ، كَأَنَّهُ يُقَالُ لَهُ: قَدْ كُفَّتِ الشَّيَاطِينُ عَنْكَ ؛ فَلَا تَعْتَلَّ بِهِمْ فِي تَرْكِ الطَّاعَةِ ولا فِعْلِ الْمَعْصِيَةِ " انتهى من " فتح الباري" لابن حجر (4/ 114).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
"وهَذَا مِنْ مَعُونةِ الله للمسلمين ، أنْ حَبَسَ عنهم عَدُوَّهُمْ الَّذِي يَدْعو حزْبَه ليكونوا مِنْ أصحاب السَّعير، ولِذَلِكَ تَجدُ عنْدَ الصالِحِين من الرَّغْبةِ في الخَيْرِ والعُزُوْفِ عَن الشَّرِّ في هذا الشهرِ أكْثَرَ من غيره " أهـ
عباد الله : لا عذر للبليد الكسلان ، فإن الخير كثير والمعطي كريم ، وما بقي إلا التعرض لأسباب المغفرة
أخرج البخاري في الأدب المفرد وأحمد في المسند من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ؛ أَنّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَقِيَ الْمِنْبَرَ ، فَقَالَ : آمِينَ ، آمِينَ ، آمِينَ ، قِيلَ لَهُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، مَا كُنْتَ تَصْنَعُ هَذَا ؟ فَقَالَ : قَالَ لِي جِبْرِيلُ : رَغِمَ أَنْفُ عَبْدٍ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا لَمْ يُدْخِلْهُ الْجَنَّةَ ، قُلْتُ : آمِينَ ، ثُمَّ قَالَ : رَغِمَ أَنْفُ عَبْدٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ لَمْ يُغْفَرْ لَهُ ، فَقُلْتُ : آمِينَ ، ثُمَّ قَالَ : رَغِمَ أَنْفُ امْرِئٍ ذُكِرْتَ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْكَ ، فَقُلْتُ : آمِينَ. أخرجه البخاري في \"الأدب المفرد\" 646 و\"ابن خزيمة\" (1888)
اللهم بلغنا رمضان وارزقنا فيه صالح الأعمال ، أقول قولي هذا ....
الخطبة الثانية
أما بعد فيا أيها الناس : هذا شهر رمضان أقبل فماذا أعددنا له ، فلقد كان السلف يتلقون الشهر بمزيد من الأعمال والنيات ، وهكذا كل موسم عظيم كانوا يحتفون به ويستعدون له ، ليكونوا من الفائزين فيه ، فالخيل إذا لم يدربها صاحبها قبل السباق تعجز عن المسابقة وتَنبّتُ في أوله ، وهكذا النفس البشرية إذا لم يتعاهدها صاحبها قبل رمضان ، ويدربها على شيء من العبادة ، ويطهرها من الذنوب بالتوبة ، فإنها تعجز عن العمل وتنفر منه .
عباد الله : إن أهل الشر يستعدون ويتهيئون بما استطاعوا لإفساد الشعوب المسلمة بأنواع الشهوات في ليالي رمضان فالحذر الحذر من حبائلهم وشهواتهم فلقد وصفهم الله في كتابه فقال ( والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما )
فلنعتزل قنواتِهم ومواقعَهم ولنهرب إلى الله الذي بيده السعادة وقد حكم بأنها لا تنال إلا بالطاعة فقط فقال سبحانه ( من عمل صالحا من ذكر أو انثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة )
من الآن لنعتزل المعاصي والذنوب ولنقبل على ربنا غفار الذنوب ، ولا نحتقر أي ذنب فلا تدري أي ذنب يوبقك ويصرفك عن الخير ، ولنعمل الخير كله فهو عنوان الفلاح ( وافعلوا الخير لعلكم تفلحون )
لنطهر نفوسنا ولنقطع متعلقاتها بالشهوة والمعصية قبل الولوج في شهر رمضان ، ولنهيئ أنفسنا للمسابقة للخيرات بالمكث في المساجد وتلاوة القرآن والصدقة وبر الوالدين وقيام الليل ، والبعد عن الذنوب كالغيبة والنميمة والبهتان ، وسوء الأخلاق .
عباد الله : في شهر رمضان نلحظ شبابنا يذرعون الشوارع ويزعجون الناس ويؤذونهم ، وأصوات الغناء صارخة ، والنساء في الأسواق ناهيك عن التبرج والسفور ، والرجال في الاستراحات سهر على المباحات والمحرمات إلا من رحم الله ، فلماذا يقتل الوقت في شهر فضيل بهذه المعاصي ، ونهاره يقتل بالنوم ، ألا فلنتق الله ولنعد العدة لهذا الشهر ولنرتب جداولنا في فعل الخيرات والمسابقة لرب الأرض والسموات ، فوالله إنها للذة الحقيقية ، والسعادة الأبدية ، كما قال بعض السلف : مساكين أهل الدنيا خرجوا منها وما ذاقوا أحسن مافيها ، قالوا وما أحسن مافيها ، قال : طاعة الله
أيها الآباء إن عليكم مهمة صعبة في هذه الإجازة ، ألا وهي التربية والنصح للأسرة ، وإنه لبلاء وامتحان فعلينا أن نسأل الله الإعانة والتوفيق ، أخي لا تنشغل عن أسرتك في رمضان ، عليك أن تحوطهم بنصحك ، اجعل لهم جوائزَ ومحفزاتٍ ليتسابقوا في الخيرات ، من ختم القرآن فله كذا ومن حفظ سورة من القرآن فله كذا ، ضع لهم مسابقة في كتاب نافع وأجزل عليه المكافأة ، اجعل بيتك شعلة من النشاط في الخير لينشغلوا عن الشر وأهله ، واعلم أن ماتنفقه في هذا لباب من أعظم الصدقات ، ودرب أمهم على ذلك لتعينك على الخير .
اللهم وفقنا لغتنام الأوقات بفعل القربات
اللهم وفقنا لهداك ....اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات ....

المشاهدات 1041 | التعليقات 0