مرحبا بالشام
إبراهيم بن سلطان العريفان
أَمَّا بَعدُ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ فَاتَّقُوا اللهَ )وَاعلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ المُتَّقِينَ(
أَيُّهَا المُسلِمُونَ .. الأُمَّةُ الإِسلامِيَّةُ اليَومَ جَسَدٌ مُثخَنٌ بِالجِرَاحِ، تَوَالَت عَلَيهِ الطَّعَنَاتُ مِنَ الدَّاخِلِ وَالخَارِجِ، وَتَتَابَعَت عَلَيهِ النَّكَبَاتُ مِن قَرِيبٍ وَبَعِيدٍ، وَبَينَمَا يَشتَكِي بَعضُ أَجزَائِهِ عَدَاوَةَ اليَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالمُلحِدِينَ، تَتَحَمَّلُ أَجزَاءٌ أُخرَى مَا تَتَحَمَّلُ مِن غَدرِ البَّاطِنِيَّةِ والمُنَافِقِينَ.
وَإِنَّ لِبِلادِ الشَّامِ مِن ذَلِكَ نَصِيبًا كَبِيرًا، إِذْ مَا زَالَت تَشكُو إِلى اللهِ يَهُودًا في فِلِسطِينَ يُدَنِّسُونَ مَسرَى رَسُولِهِ، وَرَافِضَةً وَنُصَيرِيَّةً وَدُرُوزًا في سُورِيَّةَ وَلُبنَانَ يُحَارِبُونَ أَولِيَاءَهُ، وَآخَرِينَ مِن دُونِهِم يَتَرَبَّصُونَ بِالمُسلِمِينَ الدَّوَائِرَ وَيَبغُونَهُمُ الفِتنَةَ لا يَعلَمُهُم إِلاَّ اللهُ، وَبَينَ هَذَا وَفي ثَنَايَاهُ ممَّا يَزِيدُ الأَمرَ سُوءًا، تَنَازُلُ بَعضِ المُسْلِمِينَ عَن مَبَادِئِهِم، وَغَفلَتُهُم عَن مَصدَرِ عِزِّهِم، وَاشتِغَالُهُم بِالشَّهَوَاتِ عَلَى اختِلافِ أَنوَاعِهَا، في أُمُورٍ قَد تَقذِفُ بِاليَأسِ في قُلُوبِ بَعضِ المُؤمِنِينَ، فَيَظُنُّونَ أَنَّ دَولَةَ البَاطِلِ في تِلكَ البِلادِ سَتَظَلُّ أَمَدًا طَوَيلاً، في حِينِ أَنَّ العَكسَ مِن ذَلِكَ هُوَ الصَّوَابُ بِإِذنِ اللهِ، إِذْ صَحَّتِ الأَحَادِيثُ وَالآثَارُ في فَضلِ الشَّامِ وَأَهلِهِ ، بما يَدفَعُ المُؤمِنِينَ لِلتَّفَاؤُلِ وَيَزِيدُهُم ثِقَةً بِنَصرِ اللهِ.
فَالشَّامُ أَرضٌ مُبَارَكَةٌ، وَفِيهَا أَجزَاءٌ مُقَدَّسَةٌ، وَصَفَهَا بِذَلِكَ اللهُ الَّذِي يَخلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَختَارُ، وَدَعَا لَهَا بِالبَرَكَةِ مُحَمَّدٌ r، وَأَخبَرَ أَنَّ فِيهَا صَفوَةَ بِلادِ اللهِ وَمُهَاجَرَ خِيرَةِ عِبَادِهِ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ عَلَى لِسَانِ مُوسَى )يَا قَومِ ادخُلُوا الأَرضَ المُقَدَّسَةَ الَّتي كَتَبَ اللهُ لَكُم( وَقَالَ ـ تَعَالى ـ عن إِبرَاهِيمَ وَلُوطٍ ـ عَلَيهِمَا السَّلامُ )وَنَجَّينَاهُ وَلُوطًا إِلى الأَرضِ الَّتي بَارَكنَا فِيهَا لِلعَالمِينَ( وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ )وَلِسُلَيمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجرِي بِأَمرِهِ إِلى الأَرضِ الَّتي بَارَكنَا فِيهَا( وَقَالَ ـ تَعَالى )سُبحَانَ الَّذِي أَسرَى بِعَبدِهِ لَيلاً مِنَ المَسجِدِ الحَرَامِ إِلى المَسجِدِ الأَقصَى الَّذِي بَارَكنَا حَولَهُ( وَقَالَ r "اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا في شَامِنَا" وَقَالَ r "عَلَيكُم بِالشَّامِ ؛ فَإِنَّهَا صَفوَةُ بِلادِ اللهِ، يُسكِنُهَا خِيرَتَهُ مِن خَلقِهِ" وَقَالَ r "سَتُجَنَّدُونَ أَجنَادًا، جُندًا بِالشَّامِ وَجُندًا بِالعِرَاقِ وَجُندًا بِاليَمَنِ" قَالَ عَبدُاللهِ بن حوالة: خِرْ لي يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ "عَلَيكُم بِالشَّامِ ، فَمَن أَبى فَلْيَلْحَقْ بِيَمَنِهِ وَليَسْقِ مِن غُدُرِهِ، فَإِنَّ اللهَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ قَد تَكَفَّلَ لي بِالشَّامِ وَأَهلِهِ".
وَفي الشَّامِ العِلمُ وَالإِيمَانُ، قَالَ رَسُولُ اللهِ r "إِنِّي رَأَيتُ كَأَنَّ عَمُودَ الكِتَابِ انتُزِعَ مِن تَحتِ وِسَادَتي، فَأَتبَعتُهُ بَصَرِي فَإِذَا هُوَ نُورٌ سَاطِعٌ عُمِدَ بِهِ إِلى الشَّامِ، أَلا وَإِنَّ الإِيمَانَ إِذَا وَقَعَتِ الفِتَنُ بِالشَّامِ" وَقَالَ r "وَعُقرُ دَارِ المُؤمِنِينَ الشَّامُ".
وَفي الشَّامِ تَكُونُ قُوَةُ المُسلِمِينَ في زَمَنِ المَلاحِمِ، وَفِيهَا يَكُونُ نُزُولُ عِيسَى عَلَيهِ السَّلامُ ـ في آخِرِ الزَّمَانِ وَمَهلِكُ الدَّجَّالِ، الَّذِي مَا وُجِدَت وَلَن تُوجَدَ عَلَى الأَرضِ فِتنَةٌ هِيَ أَشَدُّ مِنَ فِتنَتِهِ، قَالَ رَسُولَ اللهِ r "فُسطَاطُ المُسلِمِينَ يَومَ المَلحَمَةِ بِالغُوطَةِ ، إِلى جَانِبِ مَدِينَةٍ يُقَالُ لَهَا دِمَشقُ، مِن خَيرِ مَدَائِنِ الشَّامِ".
وَالشَّامُ هِيَ أَرضُ المَحشَرِ وَالمَنشَرِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ r "الشَّامُ أَرضُ المَحشَرِ وَالمَنشَرِ".
أَيُّهَا المُسلِمُونَ .. إِنَّهُ وَإِنْ تَكُنِ الشَّامُ في أَعقَابِ الزَّمَنِ وَمُتَأَخِّرِ السَّنَوَاتِ، قَد نَالَهَا مِنَ الْفِتَنِ مَا نَالَ غَيرَهَا، إِلاَّ أَنَّ النَّبيَّ r قَد مَدَحَهَا بِخَيرِ مَا يُمدَحُ بِهِ، حَيثُ قَالَ "طُوبى لِلشَّامِ" قِيلَ : وَلِمَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ "إِنَّ مَلائِكَةَ الرَّحمَنِ بَاسِطَةٌ أَجنِحَتَهَا عَلَيهَا".
إِذَا كَانَت كُلُّ هَذِهِ الفَضَائِلِ لِلشَّامِ، فَأَينَ كَانَتِ الشَّامُ طِيلَةَ العُقُودِ المَاضِيَةِ؟ وَلِمَاذَا نَامَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ وَبَعْضُ أَهلِهَا ؟ وَكَيفَ لم يَنصُرُوا قَضَايَاهُم وَيَطرُدُوا العَدُوَّ مِن دِيَارِهِم؟!
لاَ شَكَّ أَنَّ مَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ r وَنَطَقَ بِهِ حَقَّ، وَمَا ذَكَرَهُ مِن فَضَائِلِ الشَّامِ وَأَهلِهَا صِدقٌ لا مِريَةَ فِيهِ، وَلَكِنْ نُؤمِنُ بِمَا جَاءَ في كِتَابِ اللهِ )ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ لم يَكُ مُغَيِّرًا نِعمَةً أَنعَمَهَا عَلَى قَومٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِم وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ( وَقَالَ تَعَالى )أَوَلَمَّا أَصَابَتكُم مُصِيبَةٌ قَد أَصَبتُم مِثلَيهَا قُلتُم أَنىَّ هَذَا قُل هُوَ مِن عِندِ أَنفُسِكُم إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ(.
نَعَم ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ لَمَّا عَدَلَ بَعْضُ الْمُسْلِمِين عَن عَقِيدَةِ الإِسلامِ الصَّافِيَةِ، وَاختَارَتِ الشِّعَارَاتِ الجَاهِلِيَّةَ الكُفرِيَّةَ بَعثِيَّةً وَاشتِرَاكِيَّةً، وَجَعَلَت مَكَانَ الهُوِيَّةِ الإِسلامِيَّةِ قَومِيَّاتٍ مُتَعَصِّبَةً وَحِزبِيَّاتٍ ضَيِّقَةً، واستَبدَلَت بِرَايَةِ الجِهَادِ المُقَاومَاتِ الوَطَنِيَّةَ، وَاشتَغَلَ أَهلُهَا بِالدُّنيَا وَانهَمَكُوا في الشَّهَوَاتِ، ضَعُفَت، وَكَانَ الجَزَاءُ أَنْ سَلَبَ اللهُ تَعَالى ذَلِكَ الجِيلَ الخَيرِيَّةَ، وَسَلَّطَ عَلَيهِ شَرَّ البَرِيَّةِ، مِن يَهُودٍ وَنَصَارَى وَرَافِضَةٍ وَنُصَيرِيَّةٍ ، فَذَاقُوا بَعدَ العِزَّةِ ذُلاًّ وَمَهَانَةً، مِصدَاقًا لِقَولِهِ r "إِذَا ضَنَّ النَّاسُ بِالدِّينَارِ وَالدِّرهَمِ وَتَبَايَعُوا بِالعِينَةِ ، وَتَبِعُوا أَذنَابَ البَقَرِ وَتَرَكُوا الجِهَادَ في سَبِيلِ اللهِ، أَدخَلَ اللهُ عَلَيهِم ذُلاًّ لا يَرفَعُهُ عَنهُم، حَتَّى يُرَاجِعُوا دِينَهُم".
نَسْاَلُ اللهَ أَن يَرُدَّنَا إِلَيْهِ رَدًّا جَمِيلاً ...
الْحَمْدُ للهِ ...
مَعَاشِرُ الْمُؤْمِنِينَ ... إِنَّ مَا جَاءَ مِن فَضَائِلَ لِلشَّامِ وَأَهلِهَا لَيسَت قَطعًا لِلقَومِيِّينَ وَلا لِلبَعثِيِّينَ وَلا الاشتِرَاكِيِّينَ ، وَلا لِلبَاطِنِيَّةِ النُصَيرِيَّةِ وَلا لِلرَّافِضَةِ وَالدُّرُوزِ، بَل هِيَ لأَولِيَاءِ اللهِ الصَّالِحِينَ، وَأَهلِ الإِيمَانِ الخَالِصِ، مِنَ المُقِيمِي الصَّلاةِ المُؤتِينَ الزَّكَاةَ، المُجَاهِدِينَ في سَبِيلِ اللهِ، المُنَاصِرِينَ لِلحَقِّ القَائِمِينَ بِهِ، الذَّابِّينَ عَن حِيَاضِ الدِّينِ، الَّذِينَ لا يَبتَغُونَ العِزَّةَ مِن عِندِ غَيرِ اللهِ وَلا يَرضَونَ رَبًّا سِوَاهُ، وَمَا أَكثَرَهُم في الشَّامِ الآنَ، يَعلَمُ بِذَلِكَ مَن زَارَهَا وَاطَّلَعَ عَلَى حَالِ أَهلِهَا.
وَإِنَّ أَرضًا عَاشَ فِيهَا كَثِيرٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَكِبَارِ التَّابِعِينَ، وَثُغُورًا رَابَطَ فِيهَا كَثِيرٌ مِنَ الأَبطَالِ وَالمُجَاهِدِينَ، وَمُدُنًا أَخرَجَت أَفذَاذًا من العُلَمَاءِ وَالمُصلِحِينَ، وَاحتَوَت مَا لا يُحصَى مِن أَربِطَةِ العُلَمَاءِ وَأَوقَافِ المُحسِنِينَ، وَازدَهَرَت بها مَكتَبَاتُ العِلمِ وَحُفِظَت فِيهَا المَخطُوطَاتُ، إِنَّهَا لَن تَعجَزَ أَن تَلِدَ رِجَالاً يُعِيدُونَ لها سَابِقَ مَجدِهَا وَغَابِرَ عِزِّهَا، والأَحَادِيثُ تُبَشِّرُ بِزَوَالِ البَاطِلِ وَظُهُورِ الحَقِّ، وَالأَيَّامُ دُوَلٌ )وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُم في الأَرضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالمَعرُوفِ وَنَهَوا عَنِ المُنكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ(.
وَصَلّى اللهُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمِّد
المرفقات
1734636444_مرحبا بالشام.pdf
1734681871_مرحبا بالشام.pdf
1734681896_مرحبا بالشام.docx