مراجعات واجبة

حسن الخليفة عثمان
1438/03/05 - 2016/12/04 07:28AM

عندما تنحصر خيارات التغيير في بعض الأوطان بين الثورات والانقلابات المدمّرة للأوطان، وتصبح تلك الخيارات هي الفكرة المحورية التي يرتكز عليها منهج التفكير، الذي يصيغ مشروعاً تحفيزياً يتخذ من التكفير والتشكيك، أو القتل والإبادة خطاباً يحشد به الأنصار والجماهير، ويصم آذانهم، ويُغلق ألبابهم عن النظر في خيارات أخرى، وبدائل أكثر رشداً؛ فإن الأمر يكون بحاجة إلى مراجعةِ تلك المنهجيةِ، أكثر من حاجتنا لمراجعة المواقف، والرؤى، والاستراتيجيات، والمشروعات.
كما إن الإسراف في تغييب الشعوب العربية عن الحقائق، وإلهائها بالمُلهيات التي تحبسها في دائرة الهموم وهدر الطاقات والموارد اعتقاداً بأن ذلك يُسهّل الوصول لحلول الأزمات، أو مواجهة التحديات، أو الخروج من المآزق، ليس من الحكمة في شيء؛ ذلك أن التجارب أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك أن ما تزرعه من تجهيل للشعوب اليوم، تحصده انتقاماً ووبالاً غداً، عندما تتحول الشعوب إلى دببة تريد نفع صاحبها فتقتله.
لقد بات معلوماً من الواقع بالضرورة فشل المعادلة الصفرية، والتي كانت في أغلب المواضع المنهج الذي له الصدارة في إدارة الصراع الذي اندلع بقيام الثورات التي سُميت بالربيع العربي، والتي نجح أعداؤها في أدلجتها، وتحويل مسارها الإنساني النبيل، الذي كان يكفل العيش والرخاء للجميع، إلى مسار دموي مُعتم، خلّف من المحن والإحن ما يحتاج إلى ما يشبه المعجزات لعلاجه ومحو آثاره.
غير أن ذلك لا ينبغي أن يقودنا بحال إلى اليأس والإحباط، وإنما يدعونا إلى تأمّل رشيد، يُفضي إلى مراجعات راشدة، لا أقصد اقتصارها على أهمية المصالحة الشاملة داخل البيت العربي وإعادة ترتيبه فحسب؛ بل أعني مراجعاتٍ تثمر منهجيةً تفكيرٍ إبداعي جديد، يعالج آثار الماضي، ويناسب تحديات الحاضر، ويرسم خريطة المستقبل، بجيل جديد، ووعي وفكر جديد، يجمع بين الأصالة والتجديد ويحشد الطاقات نحو الاتجاه الصحيح.
إن أكثر ما يؤلم المرء -بعد الخلل الذي أصاب تفكيرنا وغياب الرؤية الجامعة- هو افتقادنا في كثير من المواضع لقيمة المبادرة الملهمة للحكام وولاة الأمر الذين يحظون بثقة شعوبهم، والتي تدعم وحدة المصير، والعيش المشترك، والسير جميعا نحو المستقبل، وليس أدل على ذلك من تأخر إتمام إجراءات الاتحاد الخليجي وإعلانه بالصورة المخطط لها منذ وقت طويل، ذلك الاتحاد الذي سيؤثر تأثيرا إيجابيا كبيرا ليس فقط على الوطن العربي، بل على استقرار الشرق الأوسط لاسيما حين يعقبه مجلس تعاون استراتيجي تركي خليجي.
إن العلاقة بين الرياض وطهران، وأنقرة والقاهرة لا ينبغي بحال أن تظل على وضعها السلبي القائم، أو أن تتطور إلى السيء الذي يمكن أن تقود إليه منهجية التفكير، التي أوصلت إقليم الشرق الأوسط إلى ما وصل إليه.
كما إن الإغراق في العموميات لم يعد يتسع له الزمان؛ إذ بتنا في مسيس الحاجة إلى إطلاق مبادرات جريئة، قائمة على محددات، وغايات، وأهداف، بعيدا عن سماسرة الكوارث والمصائب، تثمر تواصلا حضارياً ينزع فتيل الانفجار، ويفتح الطريق نحو الحوار، وبوسع الشباب الذي يملك إرادته وعقله وقراره في العالم العربي والاسلامي أن يتقدم لهذا الإنجاز من خلال تصور مناسب وعمل مدروس؛ لعلنا نتناوله قادما بإذن الله.

المشاهدات 1352 | التعليقات 0