مراتب الدين في حديث جبريل

عايد القزلان التميمي
1446/04/21 - 2024/10/24 13:23PM
إنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾
أَمَّا بَعْدُ:
فيا أيها المؤمنون : روى مسلم في صحيحه عن ( عُمَر بْن الْخَطَّابِ قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ لاَ يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ وَلاَ يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ وَقَالَ يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنِ الإِسْلاَمِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « الإِسْلاَمُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَتُقِيمَ الصَّلاَةَ وَتُؤْتِىَ الزَّكَاةَ وَتَصُومَ رَمَضَانَ وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلاً. قَالَ صَدَقْتَ. قَالَ فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ. قَالَ فَأَخْبِرْنِي عَنِ الإِيمَانِ. قَالَ « أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ ». قَالَ صَدَقْتَ. قَالَ فَأَخْبِرْنِي عَنِ الإِحْسَانِ. قَالَ « أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ ». قَالَ فَأَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ. قَالَ « مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ ». قَالَ فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَتِهَا. قَالَ « أَنْ تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَهَا وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ ». قَالَ ثُمَّ انْطَلَقَ فَلَبِثْتُ مَلِيًّا ثُمَّ قَالَ لِي « يَا عُمَرُ أَتَدْرِى مَنِ السَّائِلُ ». قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ « فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ ».
يَشتمِلُ هذا الحَديثُ الجليلُ على شَرحِ وَظائفِ العِباداتِ الظَّاهرةِ والباطنةِ؛ فقد اشتَمَلَ على مراتب الدين الثلاثة: وهي: الإسلام, والإيمان, والإحسان.
أما الإسلام, فهو الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة والبراءة من الشرك وأهله، ،
فالإسلام معناه: ذل لله، وانقياد لله بتوحيده، والإخلاص له، وطاعة أوامره، وترك نواهيه، هذا هو الإسلام،
ويُطلق الإسلام على جميع ما أمر الله به ورسوله من صلاة وصوم وحج وإيمان وغير ذلك، كله يسمى إسلام،
كما قال الله (( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ )) وقال تعالى: ((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا ))وقال سبحانه(( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ )).
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَفِي الحَدِيثِ العَظِيمِ: بَيَانُ الإِيمَانِ، وَهُوَ الْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ مِن مَرَاتِبِ الدِّينِ وهو: الإقرار باللسان والتصديق بالجنان ـ أي: القلب ـ والعمل بالأركان ، يزيد هذا الإيمان بالطاعة، وينقص بالمعصية.
واعلموا أن الله تعالى قرن الإيمان في أغلب الآيات بالأعمال الصالحة ،كقوله تعالى: (( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً )) وقوله: وَالْعَصْرِ  إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ  إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ))
فلا بد أن نفهم هذه الحقيقة حتى نكون مؤمنين حقا.
وأصول الإيمان ستة وهي أركانه التي لا يتم إيمان العبد إلا بها، ومن جحد واحداً منها فهو مشرك كافر،
وهذه الأركان هي أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره.
عباد الله والإيمان بالله منزلة عالية، ولذا فليس كل من ادَّعى الإيمان مؤمنا (( قَالَتِ ٱلْأَعْرَابُ ءَامَنَّا ۖ قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَٰكِن قُولُوٓاْ أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ ٱلْإِيمَٰنُ فِى قُلُوبِكُمْ ۖ )).
وأهل الإيمان هم المحافظون على الأعمال القولية والفعلية قال الله تعالى (( قَدۡ أَفۡلَحَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ﴿١﴾ ٱلَّذِينَ هُمۡ فِي صَلَاتِهِمۡ خَٰشِعُونَ ﴿٢﴾ وَٱلَّذِينَ هُمۡ عَنِ ٱللَّغۡوِ مُعۡرِضُونَ ﴿٣﴾ وَٱلَّذِينَ هُمۡ لِلزَّكَوٰةِ فَٰعِلُونَ ﴿٤﴾ وَٱلَّذِينَ هُمۡ لِفُرُوجِهِمۡ حَٰفِظُونَ ﴿٥﴾ إِلَّا عَلَىٰٓ أَزۡوَٰجِهِمۡ أَوۡ مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُهُمۡ فَإِنَّهُمۡ غَيۡرُ مَلُومِينَ ﴿٦﴾ فَمَنِ ٱبۡتَغَىٰ وَرَآءَ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡعَادُونَ ﴿٧﴾ وَٱلَّذِينَ هُمۡ لِأَمَٰنَٰتِهِمۡ وَعَهۡدِهِمۡ رَٰعُونَ ﴿٨﴾ وَٱلَّذِينَ هُمۡ عَلَىٰ صَلَوَٰتِهِمۡ يُحَافِظُونَ )).
بارك الله لي ولكم ....
الخطبة الثانية
الحمدُ لله الذي أكمل لنا الدين وأتمّ علينا النعمة، وأشهد أن لا إلهَ إلاّ الله وحدَه لا شريكَ له وأشهد أنّ نبيّنا محمدًا عبد الله ورسوله صلّى الله وسلّم عليه وعلى آله وصحبِه وسلم تسليما كثيرا
أما بعد
فيا عباد الله : أما المرتبة الثالثة من مراتب الدين هي الإحسان ،
فالإحسان أعلى وأعظم مراتِب الدين. وحقيقةُ الإحسان الكامِل ما بيّنه نبينا محمّداً صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل لمّا سأله قال: يا محمّد، ما الإحسان؟ قال: ((أن تعبدَ الله كأنّك تراه، فإن لم تكن تراه فإنّه يراك)) ،
وقال تعالى (( إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ )).
عباد الله : وأهلُ الإحسانِ هُمُ الذين يُكَمِّلُون أعمالَهم على أفضلِ ما يريدُ الله، يقومون بالواجبِ وبالمستحبِّ، ويتركون الحرامَ والمكروه، ويتورّعون عن المشتَبِهَات. ويجتهدون في وجوه الخير، وأعمال الخير التي لا تجب عليهم يجتهدون فيها حتى يستوفوا منها الخير الكثير
. فالمحسنُون هُم أحسنُ النّاسِ دِينًا، كما قال تعالى (( وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا)).
والمحسنون هُم أهلُ معيّةِ اللهِ تعالى، كما قالَ جلّ وعلا: ﴿وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ )).
ورحمةُ اللهِ سبحانه أقربُ ما تكونُ إلى أهلِ الإحسانِ، كما قالَ جلّ وعلا: ((إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ.))
والمحسنون أهلُ محبّةِ اللهِ والقُربِ منه، كما قال: ((وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)).
والواجب على العاقل أن يجاهد نفسه على تحقيق الإحسان في عبادة الخَالق جلّ وعلا وفي معاملته لخلق الله يرجو بذلك رحمة الله وثوابه .
عباد الله صلوا وسلموا على رسول الله ......
المرفقات

1729765390_مراتب الدين في حديث جبريل.docx

1729826739_مراتب الدين في حديث جبريل.docx

المشاهدات 612 | التعليقات 0