مذكرات أيام الامتحانات
إبراهيم بن سلطان العريفان
الحمد لله ذي الفضل والإحسان خلق الإنسان وجعله عرضةً للابتلاء والامتحان، فمن أحسن فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان! ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك جعل الدنيا دار ابتلاء وامتحان والآخرةَ دار جزاء وحساب ( الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ) وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ﷺ اللهم صلِّ وسلِّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ )
إخوة الإيمان والعقيدة ... في هذه الأيام يستعدّ الطلاب والطالبات ويتهيّؤون لدخول الاختبارات، بعد أن أمضوا شهورًا من العمل والجدّ والاجتهاد، فتجد الكلَّ ينشطون بأنواع النشاط والاستعداد، لأن هذه الاختبارات لها الأثر الأقوى في تحديد مصير عام دراسي، ولذلك فقد أصبحت قلوب أولياء الأمور والطلاب فيها شيء من التوتر، وينتظرون بفارغ الصبر نتائج هذه الاختبارات عسى أن تكون نتائج طيِّبة مشرِّفة.
الوصية لنا جميعاً بتقوى الله عز وجل، فمن اتقى الله جعل له من كلّ هم فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا، ومن اتقى الله جعل له من أمره يسرًا، وجعل له العسير يسيرًا، وآتاه خيرًا كثيرًا.
خذوا - يا من تريدون النجاح والتفوق - بأسباب النجاح والتفوق، وخذوا بأسباب الصلاح والتوفيق والفلاح، استذكروا واجتهدوا، فإن تعبتم اليوم فغدًا الراحة التي تنسيكم التعب؛ حينما تفرحون بالنتائج الطيبة، والمستقبل الزاهر.
ألا وإن أفضل أسباب النجاح وأجمعها وأصلحها أن تعلموا علم اليقين أنه لا حول ولا قوة للعبد إلا بالله رب العالمين، ثم التوكّلَ على الله وتفويضَ الأمور كلِّها له سبحانه، مع الأخذ بالأسباب من المراجعة والمذاكرة والحفظ، ولا تغتروا بالذكاء والحفظ، بل فوّضوا قبل ذلك أموركم لله، والتجئوا إليه، فالذكاء وحده ليس سببًا للنجاح والتفوق، بل إرادةُ الله وتوفيقُه أولاً. ولقد أوصى النبي ﷺ ابنتَه فاطمة أن تقول ( يَا حَيّ يَا قَيُّوم، بِرَحْمَتِك أَسْتَغِيث، أَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلّه، وَلا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَة عَيْن ).
معاشر الأبناء، هذا أَوَانُ الجد والاجتهاد في الدراسة، فاجتهدوا وارفقوا بأنفسكم، ابذلوا ما في وسعكم؛ ولا تحملوا النفوس ما لا تطيق من السهر والتعب؛ فإن الله لا يكلّف الله نفسا إلا وسعها.
وإياكم والغشّ والاعتماد عليه والتخطيط له؛ لأن الغش والخداع والتزوير خيانة وبئست البطانة وليس من خلق المؤمنين، فحبله قصير؛ وعاقبته وخيمة.
معاشر الطلاب والطالبات ... ها هي أيامُ الاختبارات قد أقبلت عليكم فاستعينوا بالله وتراحموا وتعاضدوا، وإياكم والشحناء والبغضاء والحسد، وليحب كل واحد لأخيه ما يحب لنفسه فتعاونوا وتراحموا وتعاطفوا، ومن نفس عن مؤمن كربة نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن أعان أخاه أعانه الله في دنياه وأخراه.
معشر الطلاب والطالبات ... إن لكتاب الله وسنة النبي ﷺ وكتب العلم حرمة عظيمة، لا يجوز امتهانها ولاتدنسيها فاتقوا الله في المقررات الدراسية وكتب العلم فهي محترمة. والقرآنُ الكريم أعظم وأجل وأكرم من أن يهان أو تقطع أوراقه بعد الامتحانات ( ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ) فإنا نسمع عن بعض الطلاب - هداهم الله - أنهم بعد الامتحان يمتهنون هذه الكتب والمذكرات الدراسية برميها في أي مكان، وهذا من المنكر ولا شك.
معشر الطلاب والطالبات ... لا بد من الرضا بقضاء الله والتسليم لأمره، فمن وجد بعد الاختبار خيراً فليحمد الله على فضله، ولا تقولوا: نجحنا بحولنا وجهدنا وذكائنا، فالله له الفضل كله وله الحمد كله، فليشكره على نعمه وليسأله المزيد من جوده وكرمه، ومن وجد غير ذلك فليحمد الله، وليقل: الحمد لله على كل حال، ويستدرك ما يستطيع استدراكَه، وليسأل الله أن يعوضه خيرًا فيما يأتي من أمره.
وإياك إياك .. من السب والشتم والغيبة وأذية المؤمنين، وانتقاص من له عليك فضل كبير من معلمين ومدرسين ومربين، اذكرهم بالجميل ورد إلى نفسك التقصير، وسل الله أن يجبر لك الكسير.
يا معاشر الآباء والأمهات ... رفقًا بالأبناء والبنات ها هي أيامهم قد أقبلت وهمومهم قد عظمت فخذوهم بالعطف والحنان واشملوهم بالمودة والإحسان، وأعينوهم على هموم الاختبار والامتحان يكن لكم في ذلك الأجر عند الكريم المنان، أحسنوا إلى الأبناء والبنات وقوموا بواجبهم عليكم، وخففوا عنهم في التبعات ويسروا عليهم ييسر الله عليكم الأمور.
أسأل الله العلي القدير، أن يوفق أبناءنا وبناتنا في الدنيا والآخرة، اللهم حبب إليهم الإيمان وزيّنه في قلوبهم، وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان، واجعلهم من الراشدين.
أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين...
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
معاشر المؤمنين ... ادعوا لأبنائكم وبناتكم .. فعله يوافق ساعة إجابة فيستجيب الله لكم.
أيها الطلاب والطالبات ... الحذر الحذر من صاحب السوء، إياك من صاحب السوء، حتى لا يأتيَ عليك يوم تقول فيه والعياذ بال ( يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا ) صاحب السوء في هذه الأيام يجد سوقًا مناسبًا للإفساد وترويج المخدرات، من حبوبٍ مسهرة وغيرها، فهذه بداية انجراف إلى الهاوية. وبعض أصحاب السوء في هذه الأيام يستغلون ما يسمى بالمذاكرة الجماعية، فيفسدوا الصالحين ويضيعوا المجتهدين بما لديهم من سوء وإهمال وتضييع للأوقات، وينبه إلى أنه ليس كل مذاكرة جماعية كذلك.
أيها الأب الحريص، هل تعلم أين يكون ابنك بعد الامتحان؟! هل تعلم أن من أفضل أوقات أهل الفساد وكذلك أهل التفحيط والاستعراض هي ما بعد الامتحان؟! كم مات من شابّ بسبب التفحيط، وكم من شاب لم يتعلم التدخين إلا أيام الامتحانات، وأمورًا أخرى أكرم المسجد والحاضرين من ذكرها؛ لذا إذا أردتَ السلامة من هذا كلّه فاحرص أن يكون أبناؤك في البيت بعد الامتحان مباشرة، فهو أحفظ لهم وأسلم.
علّموهم وأرشدوهم واشحذوا هممهم، وشجعوهم، وأكثروا من الدعاء لهم؛ وأسمعوهم بعض دعائكم لهم؛ يأنسوا لكم؛ ويكونوا أكثر اجتهاد وتفوقًا بإذن الله.
اللهم وفق أبناءنا وبناتنا في دينهم ودنياهم. اللهم وفقهم في دراستهم؛ ويسِّر لهم اختباراتهم. اللهم احفظهم بحفظك؛ اللهم اللهم نوِّر قلوبهم بالإيمان؛ واعمر أوقاتهم بما يرضيك يا رحمان. ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين. اللهم قُرَّ أعيننا بصلاحهم يا رب العالمين.
اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذِلَّ الشركَ والمُشرِكين، ودمِّرْ أعداءَ الدين، وانصُرْ عبادَك المُوَحِّدين، واجعلِ اللَّهُمَّ هذا البلدَ آمنًا مُطمئِنًا، وسائرَ بلاد المسلمين، يا ربَّ العالمين، اللَّهمَّ آمِنَّا في أوطانِنا، وأصلحْ أئمتَّنا ووُلاةَ أمرِنا، اللهمَّ وفِّقْهُم لما فيه صلاح الإسلامِ والمُسلمين يا رب العالين.
عباد الله ... صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه ...