مدرسة الإجازة.
عاصم بن محمد الغامدي
1437/12/15 - 2016/09/16 06:16AM
[align=justify]مدرسة الإجازة.
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي لا ناقضَ لما بناه، ولا حافظَ لما أفناه، ولا مانعَ لما أعطاه، ولا رادَّ لما قضاه، ولا مُظهرَ لما أخفاه، ولا سَاترَ لِما أبْداه، ولا مُضِلَّ لمنْ هَداه، ولا هاديَ لمن أعماه، بقدرته أنشأَ الكون وما حواه، وصان بكرمه ومَنِّهِ مَن والاه، {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوْا إِلَّا إِيَّاهُ}، أحمدُه حمدًا لا يَنْقضي أُولاه، ولا يَنْفَدُ أُخراه، وصلى الله على محمد ما تحركت الألسن والشفاه، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، صلاة دائمة تدوم بدوام ملك الله، وسلم تسليمًا، أما بعد عباد الله:
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى، فجماع مقاصد العبادات التقوى، فاتقوا الله رحمكم الله، واعتبروا بتصرم الأيام، وابتعدوا عن مواطن الآثام، {يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم * يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد}.
عباد الله:
بنهاية يوم غدٍ تنتهي إجازةٌ دراسيَّةٌ طالَ مدَاها، واتسعَ طرفاها، مَا كأنَّها بدأت إلا بالأمس.
إجازةٌ ملئت بالأحداثِ حُلوِها ومُرِّها، فيها تروَّح قومٌ، ورفهوا عن أنفسهِم وأهلهِم، وآخرون وَدَّعوا هذه الدنيا وانتقلوا إلى جوار ربهِم، إجازة فيها عيدان، وشهران فاضلان، وزواجات ولقاءات ورحلات، مرحى لمن نال منها الفائدة، فكانت له عند الله شاهدة.
الإجازة ميدانُ الانطلاق إلى الأفضل، ووقودُ البذلِ للأكملِ والأجملْ.
يتوقف فيها المجدُّ قليلاً، ليواصل السيرَ والعطاءَ طويلاً.
وهي مليئة بالعبر، فقد تسارعت أيامُها لتنذر من كان له قلبٌ، وتقولَ له:
إِلامَ تُغرُّ بالأملِ الطَّويلِ
وليسَ إلى الإقامةِ منْ سَبيلِ
فدعْ عنكَ التعلُّلَ بالأماني
فما بعد البقاءِ سوى الرحيلِ
تؤملُ أنْ تدومَ عَلى الَّليَالي
وكم خلَّفنَ قبلكَ من قَتيلِ
وما زالتْ بناتُ الدَّهرِ تُفني
بني الأيامِ جيلاً بعدَ جيلِ
تُعلمنَا الإجازةُ أن من حاسب نفسه أكرمها، ومن أعطاها هواها ضيَّعها، الرابح فيها من جعلها محطة انطلاق، لا نقطة وصول، وعاد بعدها إلى ما ينفع الأمة بصدر أرحب، وبذل أوسع، وجهد أكبر، وهمة أرفع.
هنيئًا لطالب العلم حين يعود إلى مقاعد الدراسة مخلص النية، طيب الطوية، بقلب مقبل على الله، شغوف بالعلم، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من سلك طريقًا يطلبُ فيه علمًا سلك الله به طريقًا من طرق الجنة، وإن الملائكة لتضعُ أجنحتها لطالب العلم رضًا بما يصنع". [رواه الترمذي، وصححه الألباني].
يا طالب العلم:
العلمُ يرفع بيتًا لا عمادَ له
والجهلُ يهدمُ بيتَ العز والشرفِ
أترضى أن تكون جليس قومٍ
لهم زادٌ وأنت بغير زادِ؟
يا طالب العلم:
إن مما يبعث الحسرات، ويؤذن بفناء الأمم والحضارات، أن يألف الشباب طول الفراغ، وتضييع الأوقات، وسهر الليالي في غير مفيد، وقضاء الأيام في ما لا ينفع، ومما يُشعرُ الأمة بمكانتها، وينعش التفاؤل بغدٍ أفضل، إقبالُ الشباب على العلم، واستعدادُهم للحفظ والفهم، فالعلم نور الأمة، ووقود الهمة، فيه لكل معضلة جواب، ولكل نازلة كتاب.
ليس التعلِّي بالتمني، والنهايات المشرقة كانت بداياتها محرقة.
في صحيح مسلم، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله يرفع بهذا الكتاب أقوامًا ويضع به آخرين"، وقال عليه الصلاة والسلام: "العلماء هم ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا، إنَّما ورَّثوا العلمَ، فمن أخذَ بِه، فقد أَخذَ بِحَظٍّ وافر". [رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني].
لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عمر ابن عباس ثلاثة عشر عامًا تقريبًا ويحكي هو بنفسه عن إقباله على العلم، وحرصه عليه، فيقول رضي الله عنه: (لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت لرجل من الأنصار: هلم فلنسأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنهم اليوم كثير، فقال: واعجبًا لك أترى الناس يفتقرون إليك؟ قال: فتركت ذلك وأقبلت أسأل، فإنْ كان ليبلغني الحديثُ عن رجلٍ فآتي بابه وهو في قيلولته، فأتوسدُ ردائي على بابه، تُسفي الريح علي من التراب، فيخرج فيراني فيقول: يا ابن عم رسول الله ما جاء بك؟ هلا أرسلت إلي فآتيك، فأقول: لا، أنا أحق أن آتيك، فأسأله عن الحديث .
فعاش الرجل الأنصاري حتى رآني وقد اجتمع الناس حولي ليسألوني، فقال: هذا الفتى كان أعقل مني).
فهنيئًا لمن اقتدى بابن عباس، ولم يكن كصاحبه، وإن غدًا لناظره قريبُ.
لن تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيم أفناه، وشبابه فيم أبلاه، فمرحى لمن أفنى عمره في العلم، وأبلى شبابه في الحفظ والفهم.
يا طالب العلم:
حق المعلِّم عظيم كبير، فهل يستوي من عرف حقَّ معلِّمه فوقَّره، ومن كان من الجاهلين؟
ألم يرفع الله تعالى أولي العلم إذ قال: {يرفعِ اللهُ الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات}، أليس من إكرام النفس توقيرُ من أدى إليها معروفًا، واحترام من بذل لأجلها ولو شيئًا يسيرًا؟
دعك من سخرية الساخرين، وأعرض عن نوادر الفارغين، ولا تكن النملة أعقل منك، فقد قال عليه الصلاة والسلام: "فضلُ العالمِ على العابدِ كفضلي على أدناكم، إن اللهَ وملائكتَه وأهلَ السماواتِ والأرضِ، حتى النملةَ في جُحْرِها، وحتى الحوتَ ليصَلُّونَ على معلِّمِ الناسِ الخيرَ". [رواه الترمذي وصححه الألباني].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدلله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد عباد الله:
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى، فهي وصيته للأولين والآخرين، وبها تكون النجاة في يوم الدين، {ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله}.
عباد الله:
بدأت الإجازة وانتهت، وبعض إخواننا في عمل مستمر، وبذل متواصل، يربطون الليل بالنهار، والصيف بالشتاء، يسهرون لخدمة وطنهم وأمتهم، ورفعة رايتهم وكلمتهم.
جنود مرابطون على الحدود، وساهرون على ضيوف الرحمن، يُؤَمِّنونَ الطرقات، ويصدُّون الهجمات، لهم كلمة في محفل المجد، وبصمة في ساحة العز، وهنيئًا لهم بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "عينان لا تمسهما النار عينٌ بكت من خشية الله، وعينٌ باتت تحرس في سبيل الله". [رواه الترمذي، وصححه الألباني].
وقطاعات مختلفة أفناها التعب، في خدمة قاصدي البيت الحرام، وراحة أهل الصلاة والعمرة والحج، فهنيئًا لهم بقوله صلى الله عليه وسلم: "من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرَّج عن أخيه كربة فرج الله عنه بها كربةً من كرب يوم القيامة"، وقوله: "والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه".
فاللهم أجزل لهؤلاء الثواب، واكتب لهم القبول، وزدهم من فضلك في الدنيا والآخرة.
ثم صلوا وسلموا رحمكم الله على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال عز من قائل: {إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليمًا}.
فاللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة، أصحاب السنة المُتَّبَعة: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الآلِ والصحابة أجمعين، والتابعين لهم وتابعيهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وجُودك يا أرحم الراحمين.
اللهـم أحـسِـن عاقبتنا في الأمـور كلـها، وأجـرِنا من خِـزي الدنيا وعـذاب الآخـرة، اللهـم إنا
نسألك اٍيمانـًا كاملاً، ويقـينـًا صادقـًا، وقـلبًا خاشعًا، ولسانًا ذاكرًا، وتوبة نصوحًة
قبل الموت، وراحة عند الموت، والعـفـو عـند الحساب، ونسألك الجنةَ ونعـيمَها، ونعـوذ
بك من النار، يارب العـالمين.
اللهم أعـنـا على ذكـرك وشكـرك وحـسن عـبادتك.
اللهم اجعـلنا هادين مهتدين، غـير ضالين ولا مُضلين، سـِلمًا لأوليائك، وعـدوًا لأعدائك نحب بحـُبك مَن أحبـك ونعادي بعـداوتك مـَن خالفك.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، واحم حوزة الدين، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًا وسائر بلاد المسلمين.
اللهم أدم على هذه البلاد أمنها وعزها ورخاءها واستقرارها، اللهم من أراد بها سوءًا فأشغله بنفسه، وردَّ كيده في نحره، واجعل تدبيره في تدميره يا قوي يا عزيز.
اللهم زد جنودنا قوة في الحق، وأنزل عليهم سكينة من عندك تنصرهم بها على عدوك وعدوهم، واجزهم والعاملين في خدمة حجاج بيتك خيرًا على بذلهم وعطائهم.
اللهم تقبل من حجاج بيتك حجهم، وردهم إلى أهلهم سالمين غانمين، وأدم علينا نعمة الأمن والإيمان والسلامة والإسلام يا رب العالمين.
اللهم كن لإخواننا المجاهدين في سبيلك في كل مكان، اللهم كن لجنودنا المرابطين على الحدود مؤيدًا ونصيرًا، ومعاونًا وظهيرًا، اللهم ثبت أقدامهم، وسدد سهامهم، وصوب رأيهم ورميهم، واجمع على الحق كلمتهم، واجعل الدائرة على عدوك وعدوهم.
اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان، اللهم ارحم ضعفهم، واجبر كسرهم، وتولَّ جميع أمرهم، اللهم ارحم موتاهم، واشف مرضاهم، وداو جرحاهم، وفك أسراهم، وأمن روعاتهم، واستر عوراتهم يا أرحم الراحمين.
[/align]
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي لا ناقضَ لما بناه، ولا حافظَ لما أفناه، ولا مانعَ لما أعطاه، ولا رادَّ لما قضاه، ولا مُظهرَ لما أخفاه، ولا سَاترَ لِما أبْداه، ولا مُضِلَّ لمنْ هَداه، ولا هاديَ لمن أعماه، بقدرته أنشأَ الكون وما حواه، وصان بكرمه ومَنِّهِ مَن والاه، {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوْا إِلَّا إِيَّاهُ}، أحمدُه حمدًا لا يَنْقضي أُولاه، ولا يَنْفَدُ أُخراه، وصلى الله على محمد ما تحركت الألسن والشفاه، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، صلاة دائمة تدوم بدوام ملك الله، وسلم تسليمًا، أما بعد عباد الله:
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى، فجماع مقاصد العبادات التقوى، فاتقوا الله رحمكم الله، واعتبروا بتصرم الأيام، وابتعدوا عن مواطن الآثام، {يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم * يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد}.
عباد الله:
بنهاية يوم غدٍ تنتهي إجازةٌ دراسيَّةٌ طالَ مدَاها، واتسعَ طرفاها، مَا كأنَّها بدأت إلا بالأمس.
إجازةٌ ملئت بالأحداثِ حُلوِها ومُرِّها، فيها تروَّح قومٌ، ورفهوا عن أنفسهِم وأهلهِم، وآخرون وَدَّعوا هذه الدنيا وانتقلوا إلى جوار ربهِم، إجازة فيها عيدان، وشهران فاضلان، وزواجات ولقاءات ورحلات، مرحى لمن نال منها الفائدة، فكانت له عند الله شاهدة.
الإجازة ميدانُ الانطلاق إلى الأفضل، ووقودُ البذلِ للأكملِ والأجملْ.
يتوقف فيها المجدُّ قليلاً، ليواصل السيرَ والعطاءَ طويلاً.
وهي مليئة بالعبر، فقد تسارعت أيامُها لتنذر من كان له قلبٌ، وتقولَ له:
إِلامَ تُغرُّ بالأملِ الطَّويلِ
وليسَ إلى الإقامةِ منْ سَبيلِ
فدعْ عنكَ التعلُّلَ بالأماني
فما بعد البقاءِ سوى الرحيلِ
تؤملُ أنْ تدومَ عَلى الَّليَالي
وكم خلَّفنَ قبلكَ من قَتيلِ
وما زالتْ بناتُ الدَّهرِ تُفني
بني الأيامِ جيلاً بعدَ جيلِ
تُعلمنَا الإجازةُ أن من حاسب نفسه أكرمها، ومن أعطاها هواها ضيَّعها، الرابح فيها من جعلها محطة انطلاق، لا نقطة وصول، وعاد بعدها إلى ما ينفع الأمة بصدر أرحب، وبذل أوسع، وجهد أكبر، وهمة أرفع.
هنيئًا لطالب العلم حين يعود إلى مقاعد الدراسة مخلص النية، طيب الطوية، بقلب مقبل على الله، شغوف بالعلم، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من سلك طريقًا يطلبُ فيه علمًا سلك الله به طريقًا من طرق الجنة، وإن الملائكة لتضعُ أجنحتها لطالب العلم رضًا بما يصنع". [رواه الترمذي، وصححه الألباني].
يا طالب العلم:
العلمُ يرفع بيتًا لا عمادَ له
والجهلُ يهدمُ بيتَ العز والشرفِ
أترضى أن تكون جليس قومٍ
لهم زادٌ وأنت بغير زادِ؟
يا طالب العلم:
إن مما يبعث الحسرات، ويؤذن بفناء الأمم والحضارات، أن يألف الشباب طول الفراغ، وتضييع الأوقات، وسهر الليالي في غير مفيد، وقضاء الأيام في ما لا ينفع، ومما يُشعرُ الأمة بمكانتها، وينعش التفاؤل بغدٍ أفضل، إقبالُ الشباب على العلم، واستعدادُهم للحفظ والفهم، فالعلم نور الأمة، ووقود الهمة، فيه لكل معضلة جواب، ولكل نازلة كتاب.
ليس التعلِّي بالتمني، والنهايات المشرقة كانت بداياتها محرقة.
في صحيح مسلم، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله يرفع بهذا الكتاب أقوامًا ويضع به آخرين"، وقال عليه الصلاة والسلام: "العلماء هم ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا، إنَّما ورَّثوا العلمَ، فمن أخذَ بِه، فقد أَخذَ بِحَظٍّ وافر". [رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني].
لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عمر ابن عباس ثلاثة عشر عامًا تقريبًا ويحكي هو بنفسه عن إقباله على العلم، وحرصه عليه، فيقول رضي الله عنه: (لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت لرجل من الأنصار: هلم فلنسأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنهم اليوم كثير، فقال: واعجبًا لك أترى الناس يفتقرون إليك؟ قال: فتركت ذلك وأقبلت أسأل، فإنْ كان ليبلغني الحديثُ عن رجلٍ فآتي بابه وهو في قيلولته، فأتوسدُ ردائي على بابه، تُسفي الريح علي من التراب، فيخرج فيراني فيقول: يا ابن عم رسول الله ما جاء بك؟ هلا أرسلت إلي فآتيك، فأقول: لا، أنا أحق أن آتيك، فأسأله عن الحديث .
فعاش الرجل الأنصاري حتى رآني وقد اجتمع الناس حولي ليسألوني، فقال: هذا الفتى كان أعقل مني).
فهنيئًا لمن اقتدى بابن عباس، ولم يكن كصاحبه، وإن غدًا لناظره قريبُ.
لن تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيم أفناه، وشبابه فيم أبلاه، فمرحى لمن أفنى عمره في العلم، وأبلى شبابه في الحفظ والفهم.
يا طالب العلم:
حق المعلِّم عظيم كبير، فهل يستوي من عرف حقَّ معلِّمه فوقَّره، ومن كان من الجاهلين؟
ألم يرفع الله تعالى أولي العلم إذ قال: {يرفعِ اللهُ الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات}، أليس من إكرام النفس توقيرُ من أدى إليها معروفًا، واحترام من بذل لأجلها ولو شيئًا يسيرًا؟
دعك من سخرية الساخرين، وأعرض عن نوادر الفارغين، ولا تكن النملة أعقل منك، فقد قال عليه الصلاة والسلام: "فضلُ العالمِ على العابدِ كفضلي على أدناكم، إن اللهَ وملائكتَه وأهلَ السماواتِ والأرضِ، حتى النملةَ في جُحْرِها، وحتى الحوتَ ليصَلُّونَ على معلِّمِ الناسِ الخيرَ". [رواه الترمذي وصححه الألباني].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدلله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد عباد الله:
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى، فهي وصيته للأولين والآخرين، وبها تكون النجاة في يوم الدين، {ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله}.
عباد الله:
بدأت الإجازة وانتهت، وبعض إخواننا في عمل مستمر، وبذل متواصل، يربطون الليل بالنهار، والصيف بالشتاء، يسهرون لخدمة وطنهم وأمتهم، ورفعة رايتهم وكلمتهم.
جنود مرابطون على الحدود، وساهرون على ضيوف الرحمن، يُؤَمِّنونَ الطرقات، ويصدُّون الهجمات، لهم كلمة في محفل المجد، وبصمة في ساحة العز، وهنيئًا لهم بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "عينان لا تمسهما النار عينٌ بكت من خشية الله، وعينٌ باتت تحرس في سبيل الله". [رواه الترمذي، وصححه الألباني].
وقطاعات مختلفة أفناها التعب، في خدمة قاصدي البيت الحرام، وراحة أهل الصلاة والعمرة والحج، فهنيئًا لهم بقوله صلى الله عليه وسلم: "من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرَّج عن أخيه كربة فرج الله عنه بها كربةً من كرب يوم القيامة"، وقوله: "والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه".
فاللهم أجزل لهؤلاء الثواب، واكتب لهم القبول، وزدهم من فضلك في الدنيا والآخرة.
ثم صلوا وسلموا رحمكم الله على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال عز من قائل: {إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليمًا}.
فاللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة، أصحاب السنة المُتَّبَعة: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الآلِ والصحابة أجمعين، والتابعين لهم وتابعيهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وجُودك يا أرحم الراحمين.
اللهـم أحـسِـن عاقبتنا في الأمـور كلـها، وأجـرِنا من خِـزي الدنيا وعـذاب الآخـرة، اللهـم إنا
نسألك اٍيمانـًا كاملاً، ويقـينـًا صادقـًا، وقـلبًا خاشعًا، ولسانًا ذاكرًا، وتوبة نصوحًة
قبل الموت، وراحة عند الموت، والعـفـو عـند الحساب، ونسألك الجنةَ ونعـيمَها، ونعـوذ
بك من النار، يارب العـالمين.
اللهم أعـنـا على ذكـرك وشكـرك وحـسن عـبادتك.
اللهم اجعـلنا هادين مهتدين، غـير ضالين ولا مُضلين، سـِلمًا لأوليائك، وعـدوًا لأعدائك نحب بحـُبك مَن أحبـك ونعادي بعـداوتك مـَن خالفك.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، واحم حوزة الدين، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًا وسائر بلاد المسلمين.
اللهم أدم على هذه البلاد أمنها وعزها ورخاءها واستقرارها، اللهم من أراد بها سوءًا فأشغله بنفسه، وردَّ كيده في نحره، واجعل تدبيره في تدميره يا قوي يا عزيز.
اللهم زد جنودنا قوة في الحق، وأنزل عليهم سكينة من عندك تنصرهم بها على عدوك وعدوهم، واجزهم والعاملين في خدمة حجاج بيتك خيرًا على بذلهم وعطائهم.
اللهم تقبل من حجاج بيتك حجهم، وردهم إلى أهلهم سالمين غانمين، وأدم علينا نعمة الأمن والإيمان والسلامة والإسلام يا رب العالمين.
اللهم كن لإخواننا المجاهدين في سبيلك في كل مكان، اللهم كن لجنودنا المرابطين على الحدود مؤيدًا ونصيرًا، ومعاونًا وظهيرًا، اللهم ثبت أقدامهم، وسدد سهامهم، وصوب رأيهم ورميهم، واجمع على الحق كلمتهم، واجعل الدائرة على عدوك وعدوهم.
اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان، اللهم ارحم ضعفهم، واجبر كسرهم، وتولَّ جميع أمرهم، اللهم ارحم موتاهم، واشف مرضاهم، وداو جرحاهم، وفك أسراهم، وأمن روعاتهم، واستر عوراتهم يا أرحم الراحمين.
[/align]
المشاهدات 1599 | التعليقات 4
جزاك الله خير وكتب لك الأجر والثواب
أحمد بن علي الغامدي;33097 wrote:
خطبة جميلة ورائعة ووافية وموجزة
نفع الله بكم شيخ عاصم
نفع الله بكم شيخ عاصم
[align=justify]آمين، وبكم وجميع الإخوة.[/align]
عوض بن احمد;33099 wrote:
جزاك الله خير وكتب لك الأجر والثواب
[align=justify]آمين، وإياكم ومن يقرأ.[/align]
أحمد بن علي الغامدي
خطبة جميلة ورائعة ووافية وموجزة
نفع الله بكم شيخ عاصم
تعديل التعليق