مَدْحُ رَبِّنَا

راشد بن عبد الرحمن البداح
1442/07/13 - 2021/02/25 12:27PM
الحمدُ للهِ نحمدُه حَمْدًا كثيرًا طيبًا مبارَكًا فيهِ كما يُحبُ ربُنا ويَرضَى، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه شهادةً فرضًا، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه؛ خيرُ أهلِ الأرضِ  طُولاً وعَرْضًا، فصلَّى اللهُ وسلمَ عليهِ تسليمًا أَحْضَى وأَمْضَى. أما بعدُ: فَمَنِ الذي رَزَقَنا الإسلامَ، ولمْ نَسألْهُ، وسيَهَبُنا الجنةَ بفضلِهِ ونحنُ نسألُهُ؟! {مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ}. ومنِ الذيْ آمَنَنَا بِمَمْلَكَتِنا، وجعلَ لنا حَرَمًا آمِنًا، ويُتَخَطَّفُ الناسُ منْ حولِنا؟! {مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ}. منِ الذيْ سَقَى أرضَنا الشَهْبَاءَ بماءِ السماءِ، فأنبتَ {بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا} فصارَ كلُّ مُتنزِّهٍ يُحدِّثُ بالرِّيِّ والخِصْبِ، بَدَلَ القَحْطِ والجَدْبِ. منِ الذيْ ابتلانَا بكورُونا طيلةَ سَنَةٍ بقُدرتِهِ، ولكنهُ لطُفَ بنا، وسَيَفْرُجُها برحمتهِ. مَن قَدَّر أنْ تُكَمَّمَ وجوهُنا، وعن بُعْدٍ دراستُنا، وعنْ بُعْدٍ لقاءَاتُنا، وألا نُسافِرَ إلى ما بَعُدَ، ولا يُسافِرَ إلينا مَنْ بَعُدَ؟! {مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ}. (الْجَبَّارِ الذيْ جَبَرَ خَلْقَهُ عَلَى مَا شَاءَ مِنْ أَمْرِهِ)([1]). استعرِضْ ابتلاءَاتِكَ في كلِ سنواتِكَ. أينَ هيَ الآنَ، ومنِ الذي كشَفَها؟! إِذا بُلِيْتَ فَثِقْ بِاللهِ وَارْضَ بِهِ ... إنّ الَّذِي يَكْشِفُ الْبَلْوَى هُوَ اللهُ ([2]). {إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ} حَتَّى إذَا ابْتَلَى أَفَاضَ رَحْمَةً وَرَوْحًا. {وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ} الْغَفُورُ لِلْمُؤْمِنِينَ، الْوَدُودُ لِأَوْلِيَائِهِ([3]). {إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ} «غَفُورٌ لِلْكَثِيرِ مِنْ ذُنُوبِنَا، شَكُورٌ لِلْقَلِيلِ مِنْ أَعْمَالِنَا»([4]). {وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ} مِنْ كَرَمِهِ أَنْ يَرْزُقَ عَبْدَهُ الَّذِي يعْبُدَ غَيْرَهُ. وَمِنْ كَرَمِهِ عَفَا عَنِ السَّيِّئَةِ، وَجَعَلَهَا حَسَنَةً([5]). إِذَا ذَكَرَ –سُبحانَهُ- عَبْدًا بِأَحْسَنِ عَمَلِهِ، قَالَ لِأَهْلِ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ: فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ عَمِلَ كَذَا وَكَذَا مِنْ طَاعَتِي، صَلَوَاتِي عَلَيْهِ. ثُمَّ أَهْلُ السَّمَاواتِ السَبْعِ كُلُّهم يَقُولُ: ذَكَرَ رَبُّنَا فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ بِأَحْسَنِ عَمَلِهِ فَصَلَّى عَلَيْهِ، صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ([6]). ألمْ تَسْمَعْ بِقِصةِ آخِرَ رَجُلٍ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ؟! يقولُ لربِّ العالَمينَ: لَمْ يَكُنْ هَذَا ظَنِّي بِكَ يَا رَبِّ، قَالَ: فَمَا كَانَ ظَنُّكَ؟ قَالَ: كَانَ ظَنِّي حَيْثُ أَخْرَجْتَنِي مِنْهَا أَنَّكَ لَا تُعِيدُنِي إِلَيْهَا، قَالَ: إِنِّي عِنْدَ ظَنِّكَ بِي. وَأَمَرَ بِصَرْفِهِ إِلَى الْجَنَّةِ [وَأَعْطَاهُ عَشَرَةَ أَضْعَافِ الدُّنْيَا]([7]). في القيامةِ والجنةِ لا شمسَ ولا قمرَ، أَتَدْرِيْ بِمَ يَستنيرونَ؟{وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا}. مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ-، قَالَ لَهُ قَوْمُهُ: أَيَنَامُ رَبُّكَ؟ قَالَ: (اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ). فَأَوْحَى اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-إِلَى مُوسَى أَنْ: خُذْ قَارُورَتَيْنِ فَامْلَأْهُمَا مَاءً، ثُمَّ أَمْسِكْهُمَا. فَفَعَلَ فَنَعَسَ فَنَامَ، فَسَقَطَتَا مِنْ يَدِهِ فَانْكَسَرَتَا، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى مُوسَى: إِنِّي كَذَلِكَ، أُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا، وَلَوْ نِمْتُ لَزَالَتَا. وأَنْزَلَ عَلَى نَبِيِّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- {لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ}([8]). (فَيَا رَبَنا مَا أَعْلَى مَكَانَكَ، وَأَقْرَبَكَ مِنْ عِبَادِكَ. رَبَنا مَا أَجْزَلَ عَطَاءَكَ، وَمَا أَحْسَنَ بَلَاءَكَ. رَبَنا مَا أَسْرَعَ فَرَجَكَ، وَأَحْلَى ذِكْرَكَ)([9]).
الحمدُ للهِ الداعِيْ إلى جَنتهِ،  وصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، أما بعدُ: فـ«إِنَّ حُقُوقَ اللَّهِ –تَعَالَى- أَعْظَمُ مِنْ أَنْ نَقُومَ بِهَا، وَإِنَّ نِعْمَةَ اللَّهِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى، وَلَكِنْ لِنُصْبِحْ تَائِبِينَ، وَلْنُمْسِ تَائِبِينَ»([10]) فَلا يَدرِيْ أحدُنا مَتى يَفجَؤُهُ الموتُ صَباحًا أو مَسَاءً: {وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}. أتدْرِيْ مَاذَا يُحِبُ ربُكَ؟! {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ}. ومِنْ حُبِّهِ للتوبَةِ فقدْ عَرَضَها –جلَّ جلالُهُ- عَلَى النَصَارَى الكَفَرَةِ{الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ} فَقَالَ:  {أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}. وعَرَضَ التوبةَ عَلَى المُنافِقِينَ الَّذِينَ{قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ} فَقَالَ:  {فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ}. وعرَضَها عَلى أهلِ الأخدودِ المُجْرِمِيْنَ الذينَ أحرَقُوا المؤمنينَ وهمْ أحياءُ: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا}. أفَلا نَتوبُ ونحنُ الذينَ أسلَمْنَا وصَلينَا، وإنِ اقْتَرَفْنا ما اقْتَرَفْنا؟! فيَا شَبابًا وَلَغَ بالشهواتِ، وفَرّطَ في الصَلواتِ، وقَصَّرَ بِحَقِّ الأمَّهَاتِ: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ} تُوبُوا:{فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ}. وإلى مَن غَفَلَتْ قُلُوبُهُمْ، فَلا أذكارَ ولا نَوافِلَ ولا قُرْآنَ، ولا إحْسَانَ: {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ}. ·       فيَا مَنْ أَظْهَرَ الْجَمِيلَ، وَسَتَرَ الْقَبِيحَ، يَا عَظِيمَ الْعَفْوِ، يَا وَاسِعَ الْمَغْفِرَةِ، نَسْأَلُكَ أَنْ تَتُوبَ علينَا، وتَغفِرَ لنا وتَرزُقَنا الفِردوسَ. ·       اللهمَ إنا عاجِزونَ عن شُكركَ، فنُحيلُ إلى علمِكَ وفضلِكَ. ·       اللهمَ أعنَّا على أنْ نشكُرَكَ على لُطفِكَ في بلائِكَ، وأن علمتَنا سبيلَ دفعهِ، ورفعهِ. ·       اللهم ارفعِ الضُرَّ عن المتضررينَ ومن لا يَجِدُ مأوىً ومأمَنًا ومَدْفَأ. ·       اللهمَ لكَ الحمدُ على تَتَابُعِ بركاتِك منَ السماءِ، وبَديعِ نَبْتِكَ في الرياضِ والفِياضِ.وإنه لاغِنَى لنا عنْ مَزيدِ فضلِكَ. ·       اللهمَ باركْ في أوقاتِنا وأقواتِنا، وحسِّنْ أخلاقَنا، وبارِكْ أرزاقَنا. ·       اللهم سلِّمْنا إلى رمضانَ ونحنُ في إيمانٍ وأمنٍ وصحةٍ ورغدٍ. ·       اللهمَ ارحمْنا ووالِدِينا، واحفظْ دينَنَا وأعراضَنا وأولادَنا وتعليمَنا وصحتَنا وحدودَنا وجنودَنا. ·       اللهمَ وآمنْ أوطانَنا، واحفظْ وسدِدْ إمامَنا، ونحمدُك على شفاءِ وليِ عهدِهِ. ·       اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَاةً تَرْضَاهَا عَنَّا، وتُؤَدِّي بِهَا حَقَّهُ عَنَّا([11]). ·       فاللهمَ صلِ وسلِمْ على نبيِنا محمدٍ.

([1])العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني (1/ 342)
([2])المحاسن والأضداد (ص: 157)
([3])العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني (2/ 522)
([4])السابق (2/ 531)
([5])السابق (2/ 527)
([6])العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني (2/ 503)
([7])حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (5/ 226) وأصله في صحيح مسلم (321) وما بين المعقوفتين في صحيح مسلم (309 )
([8])العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني (2/ 424)
([9])المصدر السابق (1/ 396)
([10]) بتصرف من الزهد والرقائق لابن المبارك (1/ 101)
([11])معجم ابن المقرئ (ص: 289)
المرفقات

1614255999_مَدْحُ رَبِّنَا.pdf

1614256023_مَدْحُ رَبِّنَا.docx

المشاهدات 1349 | التعليقات 0