مدح الله تعالى
هلال الهاجري
إنَّ الْحَمْدَ لِلهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِىَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) .. أما بعد:
عِندَما تَسمعُ قولَ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَيْسَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ الْمَدْحُ مِنَ اللهِ)، ثُمَّ تَنظرُ في المَدحِ الذي بِينَ النَّاسِ، شِعرَاً كَانَ أو نَثراً، وتَرى فيهِ مِنَ المُبالغةِ والكَذِبِ مَا هُو ظَاهِرٌ لِلجَميعِ، بَلْ حتى لِلمَادِحِ والمَمدوحِ، فَتَسألُ نَفسَكَ مُتَعَجِّباً: أينَ النَّاسُ عَن مَدحِ رَبِّ العَالمينَ، إلَهِ الأوَّلينَ والآخِرينَ، ذِي الْجَبَرُوتِ وَالْمَلَكُوتِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ، أَينَ الشُّعراءُ، وأَينَ الأدباءُ، وأَينَ الخُطباءُ، وَاينَ البُلغاءُ، فَهَلْ يَستَحِقُّ كَمالَ المَدحِ إلا هُو؟، وهَلْ يَملِكُ وَاسعَ العَطاءِ إلا هُو؟، وَصَدقَ اللهُ تَعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ).
إليكَ وإلا لا تُشَـدُّ الرَّكَائبُ *** وَمِنكَ وإلا فالمُـؤمِلُ خَـائـبُ
وفِيكَ وإلا فَالغَرامُ مُضَيَّـعٌ *** وعَنكَ وإلا فَالمُحَدِّثُ كَاذِبُ
فَمَا أَجملَ المَدحُ إذا كَانَ لِذي الجَلالِ، ومَا أَصدقَ المَدحُ فِي صَاحِبِ الكَمالِ، ومَا أَعظمَ المَدحُ لِخَالقِ الجَمالَ، أَسبَغَ بالإنعَامِ والإفْضَالِ، وَمَنَّ بالإحْسَانِ والنَّوالِ، كُلُّ شَيءٍ خَاشِعٌ لَهُ، وكُلُّ شَيءٍ قَائِمٌ بِهِ، غِنَى كُلِّ فَقِيرٍ، وعِزُّ كُلِّ ذَلِيلٍ، وقُوَّةُ كُلِّ ضَعِيفٍ، ومَفْزَعُ كُلِّ مَلْهُوفٍ، مَنْ تَكَلَّمَ سَمِعَ نُطْقَهُ، ومَنْ سَكَتَ عَلِمَ سِرَّهُ، ومَنْ عَاشَ فَعَلَيْهِ رِزْقَهُ، ومَنْ مَاتَ فَإِلَيْهِ مُنْقَلَبُهُ، (أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالأمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ).
إذا مُدِحَ اللهُ تَعَالى، أَشرَقَتِ الحُروفُ، وأَنارَتِ الكَلِماتُ، وتَلأَلأَتِ المَعاني، وأَصبحَ لِلكَلامِ تَأَثيرٌ عَجيبٌ، فَارتَفعَ قَدرُ المَادحِ، وزَادَ إيمانُ السَّامعُ، وحَفَّتِ المَلائكةُ، وغَشيَتِ الرَّحمَةُ، وتَنَزَّلَتْ السَّكينةُ، كَيفَ لا، وَهو نُورُ الأَنوارِ، عَالمُ الأَسرارِ، مُدَبِّرُ اللَّيلِ والنَّهارِ، المَلِكُ العَزيزُ القَهَّارُ، الرَّحيمُ الوَدودُ الغَفَّارُ، عَلاَّمُ الغُيوبِ، سَتَّارُ العُيوبِ، مُقلِّبُ القُلوبِ، غَفَّارُ الذُّنوبِ، (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَاّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَاّ يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَاّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ).
مَدحُ اللهِ تَعالى، يَنبغي أنْ يُستَفتَحَ بِهِ كُلُّ كِتَابٍ، ويُصَّدَرَ بِهِ كُلُّ خِطَابٍ، فَهوَ الذي عَليهِ يَتَوكَّلُ المُتَوكِّلونَ، وإليهِ يَلجأُ الخَائفونَ، وبِكَرَمهِ يَتَعلَّقُ الرَّاجونَ، وبِعَظيمِ قُدرَتِهِ يَستَغيثُ المُضطَرونَ، وَمِنْ واسعِ عَطائهِ يَسأَلُهُ السَّائلونَ، فَهلْ في الوجودِ ربٌّ سِواهُ فيُدعى، أَمْ هَلْ في الكَونِ إلهٌ غَيرُهُ فيُرجَى، (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الَمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ).
نَمدَحُ اللهَ تَعالى لأنَّهُ الواَحدُ الذي تُطْلَبُ مِنهُ الحَاجاتُ، وتُرْفَعُ إليهِ الدَّعواتُ، فَمَنْ نَقصِدُ وَهُوَ المَقصودُ، وإلى مَنْ نَتَوجَّهُ وَهُوَ المَوجودُ، ومَنْ ذَا الذي يُعطي وَهُوَ صَاحبُ الكَرمِ والجُودِ، مَنْ ذَا الذي يُسأَلُ وَهُوَ الرَّبُّ المَعبودُ، إِلى مَنْ نَشتَكي وَهُوَ العَليمُ القَادرُ، وإلى من نَلتجئ وَهُوَ الكَريمُ السَّاترُ، وبِمنْ نَستَنصرُ وَهُوَ الوَليُّ النَّاصرُ، وبِمنْ نَستغيثُ وَهُوَ القَويُّ القَاهرُ، مَنْ ذَا يَجبرُ كَسرَنا وَهُوَ للقُلوبِ جَابرٌ، ومَن ذَا يَغفرُ ذَنبَنا وَهُوَ الرَّحيمُ الغَافرُ.
يَا مَنْ يَرى مَا فِي الضَّمِيرِ وَيَسمعُ *** أَنْتَ المُعَدُّ لِكُلِّ مَا يُتَوقَّعُ
يَا مَن يُرَجَّى لِلشَّدَائدِ كُلِّهَا *** يَا مَنْ إِلَيْهِ المُشتَكَى والمَفزَعُ
يَا مَنْ خَزَائِنُ رِزقِهِ فِي قَولِ كُنْ *** اُمْنُنْ فَإنَّ الْخَيْرَ عِنْدَكَ أَجمَعُ
أَقولُ مَا تَسمعونَ، وأَستغفرُ اللهَ لي ولكم ولجميعِ المسلمينَ مِنْ كُلِّ ذَنبٍ، فَاستغفروه إنَّهُ هو الغَفورُ الرَّحيمُ.
الخطبة الثانية:
الحَمدُ للهِ حَمدًا يَليقُ بجَلالِ وَجهِهِ وعَظيمِ سُلطانِه، وأَشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وَحدَه لا شَريكَ لَه، وأَشهدُ أنَّ محمدًا عَبدُ اللهِ ورَسولُه، صَلواتُ اللهِ وسَلامُه عَليه وعلى آلِهِ وأَصحابِه وأَتباعِه، أمَا بَعدُ:
كَيفَ لا يُمدحُ ربُّنا عَزَّ وجَلَّ، وَقد ابتَدأنا نِعَماً لا تُحصى قَبلَ أن نَسألَ، وأَعطَانا مِن جُودِ فَضلِه فَوقَ مَا نأمَلُ، تَمَّ نُورهُ فَهدَى فَلَهُ الحَمدُ، وَعَظُمَ حِلمُهُ فَعفَى فَلَهُ الحَمدُ، وَبَسَطَ يَدَهُ فَأَعَطَى فَلَهُ الحَمدُ، وَجهُهُ أَكرمُ الوُجوهِ، وَجَاهُهُ أَعظمُ الجَاهِ، رَبُّ البَرايا، غَافِرُ الخَطايا، وَاسِعُ العَطَايا، يُطاعُ فَيَشكرُ، ويُعصى فَيَغفِرُ، ويُجيبُ المُضطرَ، ويَكشفُ الضُّرَ، ويَشفي السَّقيمَ، ويَرزقُ العَقيمَ، بِاسمِهِ يُشفى كُلُّ دَاءٍ، وبِهِ يُكشفُ كُلُّ بَلاءٍ، وإليهِ تُرفعُ الأَيدي بالدُّعاءِ، في الشِّدةِ والرَّخاءِ، والسَّراءِ والضَّراءِ، ولا يَبلغُ مَدحَهُ قَولُ قَائلٍ، (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ).
ألا إنَّ ربِّي قَويٌّ مَجيـدُ *** لَطيفٌ جَليلٌ غَنـيٌّ حَميدُ
رأيتُ المُلوكَ وإنْ عَظُمَتْ *** فإنَّ المُلـوكَ لرَبِّي عَبيـدُ
لَو كَانَ الحِبرُ مِلءُ البِحارِ، وكَانتْ الأقلامُ عَددَ الأشجارِ، وكُتِبَتْ بِها مَدائحُ ذِي الجَلالِ والإكرامِ، لَنَفِدَتِ البِحارُ وتَقطَّعَتِ الأقلامِ، ولَم تَبلُغْ شَيئاً مِن مَدحِهِ ووَصفِهِ الذي يَليقُ بِجَلالِهِ وعَظَمةِ سُلطَانِهِ، بَل لَقدْ عَجَزَ عَن الثَّناءِ عَليهِ أعلمُ النَّاسِ بِهِ عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، فَقَالَ: (لا أُحصي ثناءً علَيكَ أنتَ كما أثنَيتَ علَى نفسِك)، (فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
اللهمَّ أَنتَ أَحقُّ مَنْ ذُكرَ، وأَحَقُّ مَنْ عُبدَ، وأَنصرُ من اُبتغيَ، وأَرأَفُ مَنْ مَلكَ، وأَجوَدُ من سُئلَ، وأَوسعُ من أَعطَى، أَنتَ المَلكُ لا شَريكَ لَكَ، كُلُّ شَيءٍ هَالكٌ الا وَجهَكَ، أَقربُ شَهيدٍ، وأَدنى حَفيظٍ، القُلوبُ لَكَ مُفضيةٌ، والسِّرُ عِندَكَ عَلانيةٌ، الحَلالُ مَا أَحللتَ، والحَرامُ مَا حَرَّمتَ، والدِّينُ مَا شَرعتَ، والأَمرُ مَا قَضيتَ، والخَلقُ خَلقُكَ، والعَبدُ عَبدُكَ، نَسألُكَ بنُورِ وَجهِكَ، الذي أشرقَتْ لَهُ السَّماواتُ والأرضُ، أَنْ تُصْلِحَ لنا دينَنا الذي هو عِصْمَةُ أَمرِنا، وتُصْلِحَ لنا دنيانا التي فيها مَعَاشُنا، وتُصلحَ لنا آخرتَنا التي فيها مَعَادُنا، وتَجْعَلَ الحياةَ زيادةً لنا في كلِّ خيرٍ، وتَجْعَلَ الموتَ راحةً لنا مِنْ كلِّ شرٍ، اللهم يا مُقَلِبَ القُلُوبِ ثَبِّتْ قُلُوبَنا على دينِكَ، ويا مُصَرِّفَ القلوبِ صَرِّفَ قُلُوبَنا على طاعتِكَ، اللهم أصلحْ أحوالَ المسلمينَ في كلِّ مكانٍ، وفرِّج كربَهم، وأرغدْ عيشَهم، وارفعْ بلاءَهم، وأصلح قادتَهم، واجمعهم على الكتابِ والسنةِ يا ربَّ العالمينَ.
المرفقات
1688524212_مدح الله تعالى.docx
1688524221_مدح الله تعالى.pdf