مخالفاتٌ في الصلاة

محمد بن عبدالله التميمي
1445/03/27 - 2023/10/12 20:52PM

 

الخطبة الأولى

الحمد لله الكريم فما أَجْزَلَ عَطِيَّاته، يَهَبُ لأصفياء عبادِه لذةَ مناجاته، ويورِث الخاشعين في صلاتهم المحافظين عليها الفردوسَ الأعلى مِن جناته، أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له في ألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته، وأشهد أن محمدا عبدُه ورسوله المصطفى من أنبيائه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه، أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله، بفعلِ ما أمر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وإنَّ أعظمَ المأموراتِ بعد توحيدِ الله: الصلاة، محافظةً عليها وإقامتَها، وعدمَ تضييعِها وتفويتها، فهي على المؤمنين كتابٌ موقوت، وليس الشأنُ في أنَّ الأجرَ يفوت، بل الساهي عنها متوعَّدٌ بالويل، {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5)} ومضيِّعُها سوف يلقى غيًّا -أي: شرًا وضلالا وخيبةً في جهنم- {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا}، ومَن لم يكن من المصلين فهو من المجرمين {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ (39) فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ (40) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (41) مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ}، وإن المنافقين ليسوا للصلاة تاركين، قال الله تعالى: { إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى} قال صلى الله عليه وسلم: «تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِ، يَجْلِسُ يَرْقُبُ الشَّمْسَ حَتَّى إِذَا كَانَتْ بَيْنَ قَرْنَيِ الشَّيْطَانِ، قَامَ فَنَقَرَهَا أَرْبَعًا، لَا يَذْكُرُ اللهَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا».

وهذه مخالفاتٌ في شروط الصلاة السابقةِ لها في جملة مخالفاتٍ أُخَر كلبس الثوب الرقيق الواصف للعورة، أو القصير، أو ما فيه تصاوير، أو غير الساترِ للعاتقين، وثمتَ مخالفاتٌ في أدائها، واللهُ جل وعلا أمر بإقامتها، لا مجرد فعلِها، وقد سمعتم صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، وإليكم ما خالف ذلك مما يقع في أناسٌ فيجب الحذر.

فمن ذلك: التلفظ بالنية "نويت أن أصلي"، وهذا بدعة، لم يفعله صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه.

ومن ذلك: عدم تحريك اللسان والشفتين في التكبيرِ والذكرِ والقراءة، فلا يسمى كلاما ولا قراءة ما لم يحرك لسانه وشفتيه، وقد كان الصحابة يرون النبي صلى الله عليه وسلم وهم خلفه في الصلاة السرية ولحيته تتحرك، فإنْ أَسْمَعَ المصلي نفسه فقد فعل الأفضل. ولا يتعدى إسماع نفسه إلى المخالفة بإسماع غيره، قال صلى الله عليه وسلم: «إنَّ أحدَكم إذا كان في الصلاةِ فإنما يُناجي ربَّهُ، فلا ترفعوا أصواتَكم بالقرآنِ فتُؤذوا المؤمنين»، وإن من الأذية لأسماع المصلين: أصوات الهواتف المحمولة، ويزداد الإثم إذا كانت نغماتٍ موسيقية، مع ما فيه من ارتكاب محرم وانتهاك لحرمة المسجد.

ومما تكون به الأذيةُ للمصلين والملائكة: رائحةُ البصل والثوم والكُرّاث والدخان في المسجد ففي حديث جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ وَالثُّومَ وَالْكُرَّاثَ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ» -متفقٌ عليه-، والمأمورُ به المسلمُ أنْ يَأخذَ الزينة عند كلِّ صلاة {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ}.

ومن المخالفات: مسابقةُ الإمام وقد ورد الوعيد في قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أَمَا يَخْشَى الَّذِي يَرْفَعُ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ، أَنْ يُحَوِّلَ اللهُ رَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ؟» متفقٌ عليه. وكذلك موافقة الإمام بالانتقال معه قبل انقطاع التكبير، كأنْ يركعَ معه ويرفعَ معه ويُسلمَ معه، وهذا مكروه، وكذلك التأخرُ عنه ولو كان المأموم يقرأ أو يدعو، وإنما الواجب على المأموم: المتابعة فهي واجبة، ومعناها أن يشرع في أفعال الصلاة بعد شروع الإمام، والسنة ألا يبدأ في الانتقال إلى الركن إلا بعد انقطاع صوت الإمام بالتكبير ونحوه، قال البراءُ رضي الله عنه: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، لَمْ يَحْنِ أَحَدٌ مِنَّا ظَهْرَهُ، حَتَّى يَقَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاجِدًا، ثُمَّ نَقَعُ سُجُودًا بَعْدَهُ» رواه البخاري.

ومن المخالفات أيضا: التكبير بعد الانتقال أو قبله، والمشروعُ أن يُكبر حال انتقاله، ففي وَصفِ صلاته صلى الله عليه وسلم: «وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ يُكَبِّرُ».

ومن المخالفات أيضا: كثرةُ الحركة والعبثُ في الصلاة: وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «اسْكُنُوا فِي الصَّلَاةِ» رواه مسلم.

ومن المخالفات أيضا: عدم الطمأنينة في الركوع والسجود وبعد الرفع منهما، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «أَتِمُّوا الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ» متفقٌ عليه. وفي البخاري أنَّ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه رَأَى رَجُلًا لاَ يُتِمُّ رُكُوعَهُ وَلاَ سُجُودَهُ، فَلَمَّا قَضَى صَلاَتَهُ قَالَ لَهُ حُذَيْفَةُ: «مَا صَلَّيْتَ؟» قَالَ: وَأَحْسِبُهُ قَالَ: «لَوْ مُتَّ مُتَّ عَلَى غَيْرِ سُنَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ».

ومن المخالفات أيضا: الالتفات في الصلاة قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الِالْتِفَاتِ فِي الصَّلاَةِ، فَقَالَ: «هُوَ اخْتِلاَسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلاَةِ العَبْدِ» رواه البخاري.

ومن المخالفات التي يقعُ فيها بعضُ المصلين: عدم السجود على الأعضاء السبعة كمن يرفع كفَّه أو طرفَ قدمه عن الأرض ولو استغرق السجدة لم تصح الصلاة، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ عَلَى الجَبْهَةِ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ عَلَى أَنْفِهِ وَاليَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ، وَأَطْرَافِ القَدَمَيْنِ» متفقٌ عليه.

ومن المخالفات: جعلُ الساجد ذراعيه على الأرض، وإلصاق ساقيه بالفخذين، وفخذيه بالبطن، وعد رفع المرفق عن الجنب، قال صلّى الله عليه وسلم قَالَ: «اعْتَدِلُوا فِي السُّجُودِ، وَلاَ يَبْسُطْ ذِرَاعَيْهِ كَالكَلْبِ» متفقٌ عليه، كما كان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى فَرَجَ بَيْنَ يَدَيْهِ حَتَّى يَبْدُوَ بَيَاضُ إِبْطَيْهِ. رواه البخاري.

ومن المخالفات التي تكون من المسبوقين بالصلاة: أن يكبّر تكبيرة الإحرام وهو منحني ولا تصح صلاته إلا إذا كبر للإحرام وهو قائم لقوله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلاَةِ فَكَبِّرْ».

ومن ذلك قيام المسبوق قبل أن يسلم الإمام التسليمتين، ربما بطلت صلاته، وقد قال بعض أهل العلم أن الصلاة تنقلب نافلة، وعليه إعادتها.

ومن ذلك أيضا: الإسراعُ للحاق بالإمام قبل ركوعه، قال صلى الله عليه وسلم: «إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا تَأْتُوهَا تَسْعَوْنَ، وَأْتُوهَا تَمْشُونَ وَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا» متفقٌ عليه.

ومن ذلك أن يكون قضاؤه المسبوق بالصلاة لما فاته سريعا، فيكون جمع بين سيئتين: أنْ تأخرَ وتعجَّل.

بارك الله ولكم في الأعمال الصالحات، ووفقنا لإقامة الصلوات، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم وللمؤمنين والمؤمنات، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.


 

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن الصلاةَ أولُ ما عنه يحاسب العبد، فإن صلَحَتْ صَلَح سائرُ عمله، وإن فَسَدَتْ فَسَدَ سائرُ العمل، والصلاة نورٌ وضياء، وعافيةٌ وشفاء، من الأمراض والأعراض الحسية والمعنوية، والصلاة ناهية عن الفحشاء والمنكر، وأولُ ما يُسألُ عنه العبدُ يوم القيامة، وهي أمانٌ من النار في الحياة الأخروية قال صلى الله عليه وسلم: «لَنْ يَلِجَ النَّارَ أَحَدٌ صَلَّى قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَقَبْلَ غُرُوبِهَا» رواه مسلم.

فأقيموا الصلاة تصلُحُ سائرُ أعمالكم، وتَسعدوا عند لقاء ربكم، وسدوا الخلل والنقص بإقامتها، وإتباعها بنافلتها، قال صلى الله عليه وسلم: «أوَّلُ ما يُحاسَبُ الناسُ بِهِ، يَوْمَ القيامَةِ مِنْ أعمالِهمُ الصلاةُ، يقولُ ربُّنا عزَّ وجلَّ لملائِكَتِهِ وهو أعلمُ: انظروا في صلاةِ عبْدِي أتَمَّها أَمْ نَقَصَها؟ فَإِنْ كانتْ تامَّةً كُتِبَتْ لَهُ تامَّةً، وَإِنْ كان انتقصَ منها شيئًا، قال: انظروا هل لعبدي مِنْ تطَوُّعٍ؟ فإنْ كان له تَطَوُّعٌ قال: أتِمُّوا لعبدي فريضتَهُ، ثُمَّ تُؤْخَذُ الأَعمالُ على ذاكُم».

المرفقات

1697133149_مخالفات في الصلاة.docx

1697133149_مخالفات في الصلاة.pdf

المشاهدات 1136 | التعليقات 0