مُخَالَفَاتٌ تَقَعُ مِنْ بَعْضِ الرُّقَاةِ فكونوا عَلَى حَذَرٍ وَعِلْمٍ

محمد البدر
1440/06/15 - 2019/02/20 11:55AM
الْخُطْبَةِ الأُولَى:
عِبَادَ اللَّهِ: قَالَ تَعَالَى :﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا﴾.
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «الشِّفَاءُ فِي ثَلَاثَةٍ فِي شَرْطَةِ مِحْجَمٍ أَوْ شَرْبَةِ عَسَلٍ أَوْ كَيَّةٍ بِنَارٍ وَأَنَا أَنْهَى أُمَّتِي عَنْ الْكَيِّ » رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
عِبَادَ اللَّهِ: اعلموا أن من شروط الرقية الشرعية:
أن تكون من القرآن الكريم والسنة النبوية.
وأن تكون باللغة العربية.
وأن يعتقد الراقي والمسترقي أن الشفاء من الله حقيقة فالرُّقْيَةُ الشَّرْعِيَّةُ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْخَيْرِ، وَمِنْ أَبْوَابِ النَّفْعِ، وَمِنْ أَبْوَابِ الْبَرَكَةِ، وَمِنْ أَبْوَابِ الرَّحْمَةِ الإِلَهِيَّةِ، فالرُّقْيَةُ الشَّرْعِيَّةُ تُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهَا الْعِلاَجُ وَالتَّدَاوِي بِالْقُرْآنِ الْكَرِيمِ وَبِالأَدْعِيَةِ النَّبَوِيَّةِ الصَّحِيحَةِ فَقَط، الرُّقْيَةُ الشَّرْعِيَّةُ، غَفَلْنَا عَنْها وَتَنَاسَيْنَاهُا، والله المستعان.
يَقُولُ ابنُ القَيِّمِ رَحمهُ اللهُ: (فَالْقُرْآنُ هُوَ الشِّفَاءُ التَّامُّ مِنْ جَمِيعِ الْأَدْوَاءِ الْقَلْبِيَّةِ وَالْبَدَنِيَّةِ، وَأَدْوَاءِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ, وَكَيْفَ تُقَاوِمُ الْأَدْوَاءُ كَلَامَ رَبِّ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ الَّذِي لَوْ نَزَلَ عَلَى الْجِبَالِ لَصَدَّعَهَا، أَوْ عَلَى الْأَرْضِ لَقَطَّعَهَا) اهـ. إِنَّ الاِسْتِشْفَاءَ بِالرُّقْيَةِ الشَّرْعِيَّةِ لَيْسَ دَرْوَشَةً، وَلَيْسَ خَاصاً بِالْبُسَطَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، بَلْ هُوَ هِدَايَةٌ رَبَّانِيَّةٌ, وَعِبَادَةٌ وَقُرْبَةٌ إلَهِيَّةٌ يَفْعَلُهَا وَيَأْخُذُ بِهَا كُلُّ عَبْدٍ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، فَقَدْ رَقَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفْسَهُ وهو خير قدوة لنا تَقولُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: كَانَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :«إِذَا اشْتَكَى يَقْرَأُ عَلَى نَفْسِهِ بالمُعَوِّذَاتِ، وَيَنْفُثُ، فَلَمَّا اشْتَدَّ وَجَعُهُ كُنْتُ أَقْرَأُ عَلَيهِ، وَأَمْسَحُ عَنْه بِيدِهِ، رَجاءَ بَرَكَتِهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
عِبَادَ اللَّهِ: هناك ثَمَّةَ مُخَالَفَاتٌ وَأَخْطَاءٌ تَقَعُ مِنْ بَعْضِ الرُّقَاةِ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَوا عَلَى وَعْيٍ بِهَا وَ الحْذَر والتَّحْذِيرِ مِنْهَا.
فَمِنْهَا:  الْمُبَالَغَةُ فِي الأَمْوَالِ الَّتِي يَأْخُذُونَهَا مِنَ الْمَرضَى، سَواءٌ كَانَ لِلْقِرَاءةِ أَوْ لِمَا يَبِيعُهُ مِنْ مَاءٍ أَوْ زَيْتٍ أَوْ أَدوية شَعبية أَوْ نَحْوِهِ.
وَمِنْهَا: الضَّرْبُ الْمُبَرِّحُ لِلْمَرِيضِ، وَاسْتِخْدامُ أَدَوَاتٍ فِي ذَلِكَ كَالْعُصِيِّ، وَالْكَيِّ بِالْكَهْرَبَاءِ.
وَمِنْهَا: اقْتِصَارُ الْبَعْضِ عَلَى إِسْماعِ الْمَرِيضِ آيَاتِ الرُّقْيَةِ مِنْ شَرِيطٍ مُسَجَّلٍ، دُونَ الْقِرَاءةِ الْمُبَاشِرَةِ عَلَى الْمَرِيضِ، قالت اللَّجْنَةُ الدَّائِمَةُ لِلإفْتَاءِ بِأَنَّ الرُّقْيَةَ لاَبُدَّ أَنْ تَكُونَ عَلَى الْمَرِيضِ مُبَاشَرَةً، وَلَا تَكُونَ بِوَاسِطَةِ مُكَبِّرِ الصَّوْتِ وَلَا بِوَاسِطَةِ الْهَاتِفِ، لَأَنَّ هَذَا يُخَالِفُ مَا فَعَلَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْه فَهُوَ رَدٌّ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَمِنْ أَشَدِّ الْأَخْطَاءِ وأشنعها: الْخَلْوَةُ بِالْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ، وَمَسُّ شَيءٍ مِنْ جَسَدِهَا؛ بِأَيِّ حُجَّةٍ كَانَتْ؛ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « لَأَنْ يُطْعَنَ فِي رَأْسِ أَحَدِكُمْ بِمِخْيَطٍ مِنْ حَدِيدٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمَسَّ امْرَأَةً لَا تَحِلُّ لَهُ» رَواهُ الطَّبرانِيُّ وصَحَّحهُ الأَلبَانِيُّ. والرقية الشرعية فيها أجر عظيم لمن احتسب الأجر في ذلك، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. ولكن في الآونة الأخيرة انتشر الرقاة بكثرة عجيبة، وفتحوا دورا للرقية الشرعية، وتفرغ البعض للرقية و المبالغة في أخذ المال عليها سواء بالحق أو بالباطل بل أن الأمر تطور حتى فتحت قنوات للرقية وعرضة خدماتها بالقراءة على المريض وارسال وصفات بالبريد واستخدام وسائل التواصل الحديثة للقراءة عن بعد وهذا لم يكن معروفًا في عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا أصحابه ولا في عهد السلف الصالح، وقد افتتن الناس بهذا وأقبلوا علي هذه القنوات وبعض الرقاة استغل ذلك في الكذب على الناس وجمع أموالهم والعبث بمحارمهم، وربما يكون بعض الرقاة ليسوا على عقيدة سليمة، وربما تعاطوا السحر والاستعانة بالجن، وخلطوا القرآن مع السحر؛ ليخدعوا الناس وليلبسوا عليهم دينهم. فَلْنَكُنْ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ عَلَى حَذَرٍ وَعِلْمٍ.
..أَقُولُ قَوْلِي هَذَا...
الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ:
عِبَادَ اللَّهِ: اعلموا أن من أعظم الأسباب التي تعين على الشفاء بإذن الله استشعار عظمة آيات الله والتوكل على الله جل وعلا، والثقة بأن النفع والضر بيده وحده ومن الأفضل للمريض أن يقرأ على نفسه ولا يطلب ذلك من غيره، فَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ الثَّقَفِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ شَكَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعًا يَجِدُهُ فِي جَسَدِهِ مُنْذُ أَسْلَمَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « ضَعْ يَدَكَ عَلَى الَّذِي تَأَلَّمَ مِنْ جَسَدِكَ وَقُلْ بِاسْمِ اللَّهِ. ثَلاَثًا. وَقُلْ سَبْعَ مَرَّاتٍ أَعُوذُ بِاللَّهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ وَأُحَاذِرُ »رَوَاهُ مُسْلِمٌ. لأن المريض هو الذي يقاسي الألم ويعانيه وليس الراقي، فدعاؤه يكون أقرب لكونه يظهر الحاجة والفقر إلى مولاه سبحانه، وكلما كان العبد في حالة ذلّ وفقر وحاجة إلى مولاه كان أقرب للإجابة. الا وصلوا ..
المشاهدات 843 | التعليقات 0