(مُّحَمَّدࣱ رَّسُولُ ٱللَّهِ) خطبة مجمعة ومعدلة

عبدالرحمن بن محمد التميمي
1443/11/11 - 2022/06/10 05:00AM
(مُّحَمَّدࣱ رَّسُولُ ٱللَّهِۚ) 11/11/1443هـــ الحمدُ للهِ المحمودِ بجميعِ المحامدِ تَعظيماً وتَشريفًا وثَناءً، المتصِّفِ بصفاتِ الكمالِ عزةً وقوةً وكبرياءً، وبه نؤملُ دَفعَ الكروبِ شِدَّةً وبلاءً، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شَريكَ له، وأَشهدُ أن نبيَّنا مُحمدًا عَبدُ اللهِ ورسولُه، أَفضلُ هذه الأمةِ جِهادًا وفِداءً، وأعظمُها قدوةً واصطفاءً، صلى الله عليه وعلى آله وصحبِه والتَّابعينَ ومن تبعَهم وسارَ على نهجِهم اهتداءً واقتفاءً، وسَلمْ تَسليمًا كثيرا، أما بعد:   ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ أيها المسلمون: ﴿مُّحَمَّدࣱ رَّسُولُ ٱللَّهِۚ﴾ هنا تقصُر العباراتُ والمدائحُ، وتغيضُ المعاني والقرائِح، هنا لا تُحصَى الفَضائُل، ولا تُعدُّ الشمائلُ، فما أشرقتِ الشمسُ ولا غربتْ على أطهرَ منه نفْساً ﷺ لم يعرِف العالَم مِن أزَله إلى أبَده بشرًا مُصفَّى المعدِن، زكِيَّ السيرة، بهِيَّ الخلائق، مثلَما عرَفَ عن رسول الله ﷺ ولم يعرِف العالَمُ إنسانًا شقَّ طريقَ الكمالِ، ومهَّده للناس تمهيدًا، ودعاهُم إليه مثلَما عرَفَ عن رسول الله ﷺ خلقه ربه فجمله وكمله فهو في البشر أكملهم وأجملهم وأكرمهم يدا وأحلمهم وأشدهم بربه تعلقا. شَرحَ اللهُ له صَدرَه، ووَضعَ عنه وزرَه، ورَفعَ له ذِكرَه أَحَبَّهُ اللهُ وَاصْطَفَاهُ، وأَكْرَمَهُ وَاجْتَبَاهُ، وَجَعَلَهُ نُوراً يَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ كُلُّ شَيءٍ يَعرِفُ رَسُولَ اللهِ عليه الصلاةُ والسلامُ، كُلُّ شَيءٍ يُؤمِنُ بِنُبُوَّتِهِ وَيُقِرُّ بِرِسالتِهِ: الحجر والبهائم والشجر إِلا مَن أَرَادَ اللهُ ضَلالَتَهُم مِن أَشقِيَاءِ بَني الإِنسانِ قال ﷺ: «ما بَينَ السَّمَاءِ إِلى الأَرضِ أَحَدٌ إِلا يَعلَمُ أَني رَسولُ اللهِ إِلا عاصِي الجِنِّ وَالإِنسِ»   محمدٌ رسول الله ﷺ _بأبي هو وأمي ونفسي_ النبي الكريم والرسول العظيم لن تبلُغ شأوَه المنابِر، ولن تُوفِيَ قدرَه المحابِر. وليست السيرةُ الشريفةُ بحاجةٍ إلى تعريفٍ؛ فالقدرُ عالٍ والشأْوُ منيفٌ. أيها المسلمون: أنبياءُ الله -عليهم السلام- لم يزَالوا يُؤذَون ويُستهزَأُ بهم وبأتباعهم، ويحدثُ هذا في كلِّ عصرٍ ومصرٍ ﴿وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ وإن اللهَ يغارُ على أنبيائه ويُدافِعُ عنهم، ﴿َولَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ وقد وعد الله نبيه ﷺ الكفاية فقال: ﴿إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ﴾ وتوعد سبحانه مبغضيه فقال: ﴿إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ ٱلۡأَبۡتَرُ﴾ فكلُّ من أبغضَ النَّبيَّ ﷺ أو عاداه، فهو المَنسِي المنقطع عن كل خير وإن ذُكِر فإنما يذكر بسوء. عاداهُ مشركو قريشٍ وطردوهُ فأخزاهم اللهُ، ومزَّقَ كِسرى رِسالتَه فمزَّقَ مُلكَه اللهُ، تَطَاوَلَ عَلَيْهِ المتكبرون وَنَبَزُوهُ، فَخَسِرُوا وَقُتِلُوا، وَتَعَدَّى عَلَيْهِ الْمُنَافِقُونَ وَلَمَزُوهُ، فَذَلُّوا وَفُضِحُوا. كم من قصائد للمشركين في ذمه حبّروها وأنشدوها كم دبروا ومكروا وَأعمَلُوا أَفكَارَهُم وَخَطَّطُوا فذهب كل شيء واندثروا وأظهر الله وأبقى من أمر رسوله ﷺ ما كرهوا. ذلك بأن ﴿اللَّهُ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ﴾ دافع عنه حسان رضي الله عنه فأيده جبريل عليه السلام، قال ﷺ لِحَسَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عِندَما هَجَا قُريشَ: (إِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ لَا يَزَالُ يُؤَيِّدُكَ مَا نَافَحْتَ عَنِ اللهِ وَرَسُولِهِ)، فداهُ الصَّحابةُ رضيَ اللهُ عنهم بأرواحِهم وأموالِهم وأعراضِهم، وكانوا يتواصون بذلك مع آخر أنفاسهم.  فَعن زَيدِ بنِ ثَابتٍ رَضيَ اللهُ عَنه أَنَّه قَالَ: بعثني رسُولُ اللهِ ﷺ يوم أُحُدٍ أطلُبُ سعدَ بنَ الرَّبيعِ، وَقَالَ لي: (إنْ رَأَيْتَهُ فأقرئه منِّي السَّلامَ)، وقُلْ لهُ: يقولُ لَكَ رسُولُ اللهِ ﷺ: (كَيْفَ تَجِدُكَ؟)، قالَ: فجعلتُ أطوفُ بَيْنَ القَتْلَى، فأتيتُه، وهو بآخِرِ رَمَقٍ، وفيه سَبعونَ ضَربةً، ما بين طَعنةٍ برُمحٍ، وضَربةٍ بسَيفٍ، ورَميةٍ بسَهمٍ، فقلتُ: يا سَعدُ؛ إنَّ رسولَ اللهِ ﷺ يَقرأُ عَليكَ السَّلامَ، ويَقولُ لكَ: أَخبرني كَيفَ تَجِدُكَ؟، فقال: وعلى رسولِ الله ﷺ، قُلْ لَهُ: يا رسُولَ اللهِ؛ أَجِدُ ريحَ الجَنةِ، وقُلْ لقَومي الأنصارِ: لا عُذْرَ لكم عِندَ اللهِ إن خُلِصَ إلى رَسُولِ اللهِ ﷺ ، وفيكم عَيْنٌ تَطْرِفُ، ثُمَّ فاضَتْ نفسُهُ من وَقتِه،   وها هو خُبيبُ بنُ عَديٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ مَربوطٌ مَصلوبٌ على خَشبةٍ ليُقتلَ، فيُقالُ له: أَتحبُ أنَّ محمداً مَكانَك، وأنتَ سَليمٌ مُعافى في أهلِكَ، فقالَ دونَ تَردِّدٍ: واللهِ ما أحبُّ أَني في أهلي ووَلدي، مَعي عَافيةُ الدُّنيا ونعيمُها، ويُصابُ رسولُ اللهِ ﷺ بشَوكةٍ. أيها المسلمون: أَبشِرُوا وَتَفَاءَلُوا، ولا تَيأَسُوا مِن نَصرِ اللهِ وَلا تَقنَطُوا، فإنَّ اللهَ مُنتَقِمٌ لِرَسولِهِ ممَّن طَعَنَ عَلَيهِ وَسَبَّهُ، قال جل وعلا: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا﴾ و﴿إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدۡ نَصَرَهُ ٱللَّهُ﴾ فسيبقى ﷺ عزيزا بعز الله مرفوعا ذكره على المنائر والمنابر بأمر الله، فخذوا حظكم من نصرته بطاعة أمره والذب عن عرضه ﷺ، ومن أعظمُ النَصر: تَطبيقُ سُنَّتِهِ، وقراءة سيرته، ونشرها وتعليمها. ﴿ فَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَٱتَّبَعُوا۟ ٱلنُّورَ ٱلَّذِیۤ أُنزِلَ مَعَهُۥۤ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ﴾ الخطبة الثانية   الحمد لله حمداً يليق بجلال ربنا وعظيم سلطانه، أحمده حمداً كثيراً، وأشكره شكراً مزيداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه إلى يوم الدين.أما بعد: أيها المسلمون: حق النبيِّ ﷺ علينا عظيم، ومهما عملنا فإننا لا نفيه حقه، فبه ﷺ عرفنا رَبنا، وتعلمنَا أمورَ دينِنا، وما من خير نفعلُه إلا وهو من دلَّنا عليه، ولا من شرٍّ نحذرُه إلا وهو من حذَّرنا منه، ومن كتبَ الله تعالى له الجنة وأنجاه من النار، فإنما دخلَ الجنةَ ونُجي من النار بسبب اتباعه ﷺ. فهل أحدٌ من أمتهِ يجزيه جزاءَه، أو يفيه حقَه مهما قدم لأجلِه، وصدق الله العظيم إذ يقول: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى المُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾   وقال النبي ﷺ للأنصار:  "أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلَّالًا فَهَدَاكُمْ الله بِي وَعَالَةً فَأَغْنَاكُمْ الله بِي وَمُتَفَرِّقِينَ فَجَمَعَكُمْ الله بِي وَيَقُولُونَ الله وَرَسُولُهُ أَمَنُّ "   وروى أبو هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله ﷺ يقول: " إنما مَثَلِي وَمَثَلُ الناس كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا فلما أَضَاءَتْ ما حَوْلَهُ جَعَلَ الْفَرَاشُ وَهَذِهِ الدَّوَابُّ التي تَقَعُ في النَّارِ يَقَعْنَ فيها فَجَعَلَ يَنْزِعُهُنَّ وَيَغْلِبْنَهُ فَيَقْتَحِمْنَ فيها فَأَنَا آخُذُ بِحُجَزِكُمْ عن النَّارِ وأنتم تقَحَّمُون فيها" رواه الشيخان.   فجزاه الله عنا وعن المسلمين خير ما جزى نبيا عن أمته، فيامن تحبون رسول الله صلوا وسلموا عليه كما أمركم الله  
المرفقات

1654837191_﴿مُّحَمَّدࣱ رَّسُولُ ٱللَّهِۚ﴾.docx

المشاهدات 867 | التعليقات 0