محسنون
يوسف العوض
الخطبة الأولى
عِبَادَ اللهِ : لَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ بِالْإِحْسَانِ فِي كُلِّ شَيْءٍ: فِي الْأَفْعَالِ وَالْأَقْوَالِ، مَعَ اللَّهِ وَمَعَ خَلْقِهِ؛فَالْعَبْدُ مَأْمُورٌ بِالْإِحْسَانِ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ؛ قَالَ تَعَالَى: " إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى" ،وَالْإِحْسَانُ: هُوَ إِيقَاعُ الْعَمَلِ عَلَى أَكْمَلِ الْوُجُوهِ وَإِتْقَانِهِ، وَتَحْسِينِهِ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ.
عِبَادَ اللهِ: وَإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ أَنْوَاعِ الْإِحْسَانِ: الْإِحْسَانَ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى فِي التَّوْحِيدِ، وَتَخْلِيصَهُ مِنْ شَوَائِبِ الشِّرْكِ الْأَكْبَرِ وَالْأَصْغَرِ، فَمَنْ كَمُلَ تَوْحِيدُهُ أَوْرَثَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِ النَّارَ؛قَالَ تَعَالَى: "هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ" ، وَمِنَ الْإِحْسَانِ مَعَ اللَّهِ: الْإِحْسَانُ فِي عِبَادَتِهِ، فَيَسْتَحْضِرُ الْعَبْدُ قُرْبَ اللَّهِ مِنْهُ كَأَنَّهُ يَرَاهُ، فَيَبْعَثُهُ ذَلِكَ عَلَى كَمَالِ الْإِخْلَاصِ لِلَّهِ تَعَالَى وَخَشْيَتِهِ وَالْخَوْفِ مِنْهُ، فَمَنِ اسْتَحْضَرَ أَنَّ اللَّهَ يَرَاهُ؛ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَصْرِفَ لِغَيْرِهِ شَيْئًا مِنَ الْعِبَادَةِ، وَيَبْعَثُهُ عَلَى إِتْقَانِ الْعِبَادَةِ وَإِحْسَانِ أَدَائِهَا؛ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَفِي بَيَانِ مَعْنَى الْإِحْسَانِ: »أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ «.
فَمَنْ أَحْسَنَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَوْقَعَهَا عَلَى أَكْمَلِ الْوُجُوهِ مِنَ الْإِخْلَاصِ وَاسْتِحْضَارِ الْقُرْبِ ؛ رَزَقَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْظَمَ نَعِيمٍ، وَهُوَ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِهِ الْكَرِيمِ؛ قَالَ تَعَالَى:"لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ".
عِبَادَ اللهِ: وَمِنْ أَعْظَمِ أَنْوَاعِ الْإِحْسَانِ: الْإِحْسَانُ فِي مُتَابَعَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِأَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ مُوَافِقًا لِمَا شَرَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِهِ، خَالِيًا مِنَ الْبِدَعِ وَالْمُحْدَثَاتِ؛ قَالَ تَعَالَى: "وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا "، فَلَيْسَتِ الْفَضَائِلُ بِكَثْرَةِ الْأَعْمَالِ، لَكِنْ بِكَوْنِهَا خَالِصَةً لِلَّهِ عَزَّوَجَلَّ، صَوَابًا عَلَى مُتَابَعَةِ السُّنَّةِ بِالْقَوْلِ وَالْعَمَلِ.
الخطبة الثانية
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:وَإِنَّ مِنْ أَنْوَاعِ الْإِحْسَانِ الْإِحْسَانَ إِلَى عِبَادِ اللَّهِ تَعَالَى فِي مُعَامَلَتِهِمْ بِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَمَحَاسِنِ الْأُمُورِ، فَيُحْسِنُ إِلَى وَالِدَيْهِ أَعْظَمَ الْإِحْسَانِ، وَيُحْسِنُ إِلَى أَقَارِبِهِ وَجِيرَانِهِ، وَإِلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمُحْتَاجِينَ وَجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ، وَذَلِكَ بِإِيصَالِ الْخَيْرِ إِلَيْهِمْ وَدَفْعِ الشَّرِّ عَنْهُمْ؛ قَالَ تَعَالَى: "وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ".
وَمِنَ الْإِحْسَانِ إِلَى الْخَلْقِ : الْإِحْسَانُ إِلَيْهِمْ بِلِينِ الْقَوْلِ وَالتَّأَدُّبِ فِيهِ؛ قَالَ تَعَالَى: "وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا"، وَالْإِحْسَانُ فِي الْقَوْلِ مَأْمُورٌ بِهِ الْعَبْدُ حَتَّى فِي الْخُصُومَاتِ وَالْمُنَازَعَاتِ؛قَالَ تَعَالَى: "وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ".
فَلْيَجْتَهِدِ الْمُسْلِمُ فِي تَحْصِيلِ هَذِهِ الْمَنْزِلَةِ الْعَظِيمَةِ، الَّتِي يُحِبُّهَا اللَّهُ، وَيَحُثُّ عِبَادَهُ عَلَيْهَا؛ فَبِهَا يَنَالُ الْمَرْءُ الْخَيْرَ الْعَمِيمَ وَالْفَضْلَ الْكَبِيرَ، .