مُحَرَّمُونَ عَلَى النَّارِ
مبارك العشوان 1
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاجْتَهِدُوا - وَفَّقَكُمُ اللهُ - غاَيَةَ جُهْدِكُمْ فِي طَاعَةِ رَبِّكُمْ وَرِضَاهُ، وَاحْذَرُوا أشَدَّ الحَذَرِ مَعْصِيَتَهُ وَسَخَطَهُ اِسْعَوا حَثِيْثًا فِي فَكَاكِ أَنْفُسِكُمْ مِنَ النَّار؛ اِجْتَهِدُوا فِيمَا يُنْجِيكُمْ مِنَ النَّارِ: { فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ }آل عمران 185
مَنْ أَدْخَلَهُ اللهُ الجَنَّةَ فَازَ فَوزًا عَظِيمًا، وَمَنْ أَدْخَلَهُ النَّارَ أُخْزِيَ خِزْيًا عَظِيمًا، وخَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا: { رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ }آل عمران 192
{ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ، لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ } الزمر 15 ـ 16
عِبَادَ اللهِ: جَاءَتِ الآيَاتُ وَالأَحَادِيثُ مُبَيِّنَةً لِوَصْفِ النَّارِ وَأهْوَالِهَا وَشَدَائِدِهَا، مُخَوِّفَةً مِنْهَا، مُحَذِّرَةً مِمَّا يُؤَدِّي إِلَيْهَا قَالَ تَعَالَى: { فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ } البقرة 24 وَقَالَ تَعَالَى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } التحريم 6
عِبَادَ اللهِ: وَهَكَذَا جَاءَتِ النُّصُوصُ بِالحَثِّ عَلَى أَعْمَالٍ صَالِحَةٍ؛ مَنْ عَمِلَهَا حَرَّمَهُ اللهُ عَلَى النَّارِ.
وَلَعَلَّنَا نَتَذَاكَرُ فِي هَذِهِ الخُطْبَةِ شَيْئًا مِنْ تِلْكَ الأَعْمَالِ.
فَأَوَّلُ ذَلِكَ وَأَعْظَمُهُ: تَوحِيْدُ اللهِ تَعَالَى، وَإِخْلَاصُ الدِّينِ لَهُ وَالبُعْدُ كُلَّ البُعْدِ عَنِ الإِشْرَاكِ بِهِ، أَيًّا كَانَ هَذَا الشِّرْكُ صَغِيْرًا أَوْ كَبِيْرًا، خَفِيًّا أوْ ظَاهِرًا؛ يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ( فَإِنَّ اللهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللهِ ) رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.
وَيَقُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( وَحَقَّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَ مَنْ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ) رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
وَيَقُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَنْ لَقِيَ اللَّهَ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ وَمَنْ لَقِيَهُ يُشْرِكُ بِهِ دَخَلَ النَّارَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَيَقُولُ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ( مَا مِنْ عَبْدٍ يَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا حَـرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ ) رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.
التَّوحِيْدُ - رَحِمَكُمُ اللهُ - أَهَمُّ المُهِمَّاتِ، وَالعِلْمُ بِهِ مِنْ أَوْجَبِ الوَاجِبَاتِ، وَالحَاجَةُ لَهُ شَدِيْدَةٌ؛ فَمَا خُلِقَ الجِنُّ وَالإِنْسُ إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ وَيُوَحِدُّوهُ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } الذاريات 56
عِبَادَ اللهِ: وَمِمَّنْ حُرِّمَ عَلَى النَّارِ: صَاحِبُ الصَّلَاةِ؛ المُحَافِظُ عَلَيْهَا؛ وَقَدْ أَخَبَرَ اللهُ تَعَالَى أَنَّ أَصْحَـــابَ اليَمِينِ: { فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ، عَنِ الْمُجْرِمِينَ، مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ }
أَجَابَ المُجْرِمُونَ أَنَّ تَرْكَهُمْ لِلصَّلَاةِ سَبَبٌ لِدُخُولِ النَّارِ.
فَاللهَ اللهَ - عِبَادَ اللهِ - فِي صَلَاتِكُمْ؛ صَلَاتُكُمْ فَلَاحُكُمْ وَنَجَاتُكُمْ، حَافِظُوا عَلَيْهَا، حَافِظُوا عَلَى وَقْتِهَا، حَافِظُوا عَلَى جَمَاعَتِهَا، حَافِظُوا عَلَى خُشُوعِهَا؛ { قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ، الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ }.
وَمِمَّنْ حُرِّمَ عَلَى النَّارِ: المُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ؛ الَّذِي يُحِبُّ لِلنَّاسِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ؛ وَيُعَامِلُ النَّاسَ بِمَا يُحِبُّ أَنْ يُعَامِلُوهُ بِهِ؛ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ، وَيُدْخَلَ الْجَنَّةَ، فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَهَذَا مَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَيهِ المُسْلِمُ مَعَ إِخْوَانِهِ؛ يَنْصَحُ وَلَا يَغُشُّ، يَسْتُرُ وَلَا يَفْضَحُ، يُيَسِّرُ وَلَا يُعَسِّرُ، يَعْفُو وَيَصْفَحُ وَيُحْسِنُ.
جَعَلَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِمَّنْ يُحْسِنُ فِي عِبَادَةِ اللهِ، وَيُحْسِنُ إِلَى عِبَادِ اللهِ.
وَبَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ العَظِيمِ، وَنَفَعَنَا بِمَا فِيْهِ مِنَ الْآيِ وَالذِّكْرِ الحَكِيْمِ، وَأَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ مِمَّنْ حُرِّمَ عَلَى النَّارِ: صَاحِبُ الصِّيَامِ؛ فَفِي الحَـدِيثِ: ( مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَعَّدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنْ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا ) رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
وَمِنْهُمُ البَاكِي مِنْ خَشْيَةِ اللهِ: كَمَا فِي حَدِيثِ السَّبْعَةِ الَّذينَ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلّـُهُ؛ وَمِنْهُمْ: ( رَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ ) رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.
وَالصَّدَقَةُ - وَفَّقَكُمُ اللهُ - تَقِي صَاحِبَهَا مِنَ النَّارِ، وَقَدْ ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّارَ فَتَعَوَّذَ مِنْهَا وَأَشَاحَ بِوَجْهِهِ ثَلَاثَ مِرَارٍ، ثُمَّ قَالَ: ( اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
عِبَادَ اللهِ: وَمِمَّنْ حُرِّمَ عَلَى النَّارِ؛ مَنْ رَزَقَهُ اللهُ بَنَاتٍ فَرَبَّاهُنَّ وَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ؛ تَقُولُ عَائِشَةُ، رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: جَاءَتْنِي امْرَأَةٌ مَعَهَا ابْنَتَانِ تَسْأَلُنِي، فَلَمْ تَجِدْ عِنْدِي غَيْرَ تَمْرَةٍ وَاحِدَةٍ، فَأَعْطَيْتُهَا فَقَسَمَتْهَا بَيْنَ ابْنَتَيْهَا، ثُمَّ قَامَتْ فَخَرَجَتْ، فَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلى الله عَلَيهِ وسَلمَ فَحَدَّثْتُهُ، فَقَالَ: مَنْ يَلِي مِنْ هَذِهِ البَنَاتِ شَيْئًا، فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ، كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ ) رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.
وَالصَّبْرُ عَلَى فَقْدِ الوَلَدِ مِنْ أَسْبَابِ السَّلَامَةِ مِنَ النَّارِ؛ يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّـمَ: ( لَا يَمُوتُ لأَحَدٍ مِنَ المُسْلِمِينَ ثَلَاثَةٌ مِنَ الوَلَدِ تَمَسُّهُ النَّارُ، إِلَّا تَحِلَّةَ القَسَمِ ) رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
جَعَلَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنَ الشَّاكِرِينَ لِلنَّعْمَاءِ، الصَّابِرِينِ عَلَى البَلَاءِ، وَحَرَّمَ وُجُوهَنَا عَلَى النَّارِ، وَرَزَقَنَا الاِجْتِهَادِ فِيمَا يُبَاعِدُنَا عَنْهَا.
ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ - عَلَى مَنْ أَمَرَكُمُ اللهُ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيهِ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }الأحزاب 56
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.
اللَّهُمَّ أصْلِحْ أئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، اللَّهُمَّ خُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا وَإِيَّاهُمْ لِهُدَاكَ، واجْعَلْ عَمَلَنَا فِي رِضَاكَ، اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَنَا وَدِينَنَا وَبِلَادَنَا بِسُوءٍ فَرُدَّ كَيْدَهُ إِلَيهِ، وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ تَدْمِيرًا عَلَيهِ، يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ.
عِبَادَ اللهِ: اُذْكُرُوا اللهَ العَلِيَّ الْعَظِيْمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.
المرفقات
1676501149_محرمون على النار.pdf
1676501168_محرمون على النار.doc
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق