محبة النبي ﷺ والإستجابة له 24-2-1443هـ

محمد آل مداوي
1443/02/23 - 2021/09/30 10:46AM

إنَّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.. أما بعد: فاتَّقوا الله عبادَ اللهِ حقَّ التقوى؛ فخَيرُ الزَّادِ ما صَحِبَهُ التقوى، وخَيرُ العمَلِ ما قارَنَهُ الإخلاصُ للمولَى.

أيها المسلمون: كلُّ خَيرٍ في الأرضِ فإنَّه بسَببِ طَاعةِ اللهِ ورسولِه r، وبذلك تحيا النفوس؛ قال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ). قال ابنُ القيِّمِ رحمه الله: "ومَنْ تَدَبَّرَ العالمَ والشُّرورَ الواقِعةَ فيهِ عَلِمَ أنَّ كُلَّ شَرٍّ في العالَمِ سَبَبُه مُخالَفةُ الرسولِ r والخروجُ عن طاعتِه".

ومَنْ بادَرَ إلى الاستجَابةِ لأمرِ اللهِ ورسولِه؛ حازَ الإيمان، ونالَ الفلاح، (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ). قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيمية رحمه الله: "وكُلَّما كانَ الرَّجلُ أَتْبَعَ لمحمدٍ r كانَ أعظمَ توحِيدًا للهِ وإخلاصًا له في الدِّين، وإذا بَعُدَ عن مُتابعتِه نَقَصَ مِنْ دينِه بحسَبِ ذلك".

وقد نالَ الصَّحابةُ y الفضلَ لِصُحْبَتِهِم وسَبْقِهم في الاستِجَابةِ للهِ ولرسولِه، فزادَتْ رِفعتُهم عندَ الله؛ أُمِرُوا باستِقبالِ الكعبَةِ فحَوَّلُوا وِجْهَتَهُم مِنْ بيتِ المَقدِسِ إليها حينما سَمِعوا بتغييرِها وهُمْ في الصلاة، ولم يُؤخِرُوا الامتِثالَ إلى الصلاةِ التي تَليهَا.

وندَبَ النبيُّ r إلى الصَّدَقة، فبذَلُوا نَفِيسَ أموَالِهم؛ فأنفَقَ عمرُ بن الخطاب t نِصفَ مالِه، وأنفقَ أبو بكرٍ الصدِّيقُ t مالَهُ كلَّه. ونَزَلَ قولُ الله: (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) فقامَ أبو طلحةَ t إلى النبيِّ r فقال: "يا رسولَ الله، إنَّ أَحَبَّ أموالي إليَّ بَيْرُحَاء، وإنها صَدَقةٌ لله" رواه البخاري.

وكَفَّ الصَّحابةُ عن أقوالٍ وأفعالٍ حين سمِعوا النبيَّ r ينهَى عنها، ولم يُرَاجِعُوه فيها؛ استِجابةً له، ومحبَّةً وطاعة؛ كانوا في الجاهليةِ يَحلِفونَ بآبائِهم، فقال النبيُّ r: (إنَّ اللهَ يَنْهَاكُم أنْ تَحلِفُوا بآبائِكم). قال عُمر t: "فواللهِ ما حَلَفتُ بها منذ سمِعتُ النبيَّ r، لم أحلِفْ بها ذَاكِرًا ولا آثِرًا" أي: ولا ناقِلاً هذا الحلف عن غيري. رواه مسلم.

وقال جابرُ بن سُلَيم t: أتيتُ النبيَّ r فقلتُ: يا رسولَ الله، إنِّي مِنْ أهلِ البادِيَةِ وفِيَّ جَفَاؤُهم، فأوصِني. قال: (لا تَسُبَّنَّ أحدًا) قال: فما سَبَبْتُ بعدَ قَولِ رسولِ اللهِ r أحدًا ولا شاةً ولا بعيرًا. رواه أحمد.

ولما نَزَلَ فَرْضُ الحِجَابِ على الصحابيَّات؛ بَادَرْنَ إلى شَقِّ ثيابٍ لهنَّ امتِثالاً لأمرِ الله، وغَطَّينَ بهِ وجوهَهُنَّ. قالت عائشةُ رضي الله عنها: "يَرْحَمُ اللهُ نساءَ المُهاجِراتِ الأُوَل، لما أنزلَ الله: (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) ، شَقَقْنَ مُرُوطَهُنَّ فاخْتَمَرنَ بها" رواه البخاري.

وكان اتِّبَاعُهم للنبيِّ r في الأوَامرِ والنواهي؛ عن إيمانٍ ويقينٍ راسِخ؛ قال رَافِعُ بن خُدَيجٍ t: "نهانا رسولُ اللهِ r عن أَمْرٍ كان لنا نَافِعًا، وطَوَاعِيَةُ اللهِ ورسولِه أنفَعُ لنا" رواه مسلم.

وبعدُ أيها المسلمون: فطاعةُ اللهِ ورسُولِه؛ تحقيقٌ للشَّهادَتَين، وكمَالٌ في العُبودِية؛ إنْ طَرَقَ سَمعُكَ أمرٌ فسَارِعْ لامتِثالِه وأنتَ فَرِحٌ بعِبَادَةِ ربِّك، مَسْرورٌ بما هَدَاكَ إليه، وإنْ كان نهيًا فاجْتَنِبْهُ وابتَعِدْ عنه مُوقِنًا بضَرره، طالِبًا مَرْضَاةَ خَالقِك.. (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ).

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنَّه كان غفَّارا.

 

الخطبة الثانية

 

الحمد لله على إحسانه، والشكرُ له على توفيقِهِ وامتِنانِه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنِه، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبِه، وسلَّم تسليمًا مزيدًا.

أما بعدُ أيها المسلمون: أكمَلُ الناسِ حياةً: أكمَلُهم استِجابة، ومَنْ فاتَهُ جُزءٌ منها فاتَهُ جزءٌ مِنَ الحياة، ومَنْ لم يَستجِبْ للهِ استَجَابَ لغيرِه مِنَ المخلوقينَ وأذَلَّه، واللهُ حذَّرَ مِنْ عِصيَانِه فقال: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)

قال أبو بكرٍ رضي الله عنه: "لستُ تارِكًا شيئًا كانَ رسولُ الله r يَعْمَلُ بهِ إلَّا عَمِلتُ به، إني أخشَى إنْ تَرَكْتُ شيئًا مِنْ أَمرِه أنْ أزيغ" متفق عليه.

ألَا فاتَّقوا الله عبادَ الله، اسْتَجِيبُوا للهِ ولرسُولِه، امْتَثِلوا ما أمَر، وانتهوا عمَّا نهى عنهُ وزَجَر، أقْبِلوا على ربِّكم الكريم بقُلوبٍ سليمَة، فمَنْ تقرَّبَ إلى اللهِ شِبرًا، تقرَّبَ إليه ذِراعًا، ومَن تقرَّبَ إليهِ ذِراعًا، تقرَّب منه باعًا، ومَن أتى إلى اللهِ يَمشي، أتاهُ هَرْوَلَة، يَدُهُ سَحَّاءُ الليلِ والنَّهار، لا تَغِيضُها نفَقَة.

فاللهمَّ يا حيُّ يا قيُّوم، يا ذا الجلال والإكرام: أعِنَّا على ذِكرِكَ وشُكرِكَ وحُسنِ عبادتك، واملأ قلوبَنا مِن محبَّتِك ومحبَّةِ رسولِك، حَبِّبْ إلينا الإيمانَ وزيِّنهُ في قلوبِنا، وكَرِّه إلينا الكُفرَ والفسوقَ والعِصيان، واجعلنا مِن الراشِدين، أكْرِمْنا يا كريمُ ولا تُهنَّا، وأعْطِنا يا واسِعَ العطاءِ ولا تحرِمنا، زِدنا يا وهَّابُ ولا تُنقِصنا، آثِرنا يا حليمُ ولا تُؤثِر علينا، برحمتك يا أرحمَ الراحمين.

هذا؛ وصلُّوا وسلِّموا -رحمكم الله- على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال جل وعلا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الذِيْنَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيْمًا) .

اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون -أبي بكر وعمرَ وعثمانَ وعليٍّ- وعن سائر الصحابة أجمعين، وعنا معهم بجودك وكرمك يا أكرم الأكرمين.

 

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمِّرْ أعداء الدين، واجعلِ اللهم هذا البلد آمنًا مطمئنًا، وسائرَ بلاد المسلمين.

اللهم يا قوي يا عزيز، أنْجِ المُستضعفين من المُسلمين في كل مكان، اللهم كن لهم فوق كل أرض وتحت كل سماء، يا رب العالمين.

اللهم وفّق إمامنا لهداك، واجعل عمله في رضاك، وأعنه وولي عهده على ما فيه صلاح الإسلام والمسلمين.. اللهم ووفق جميع ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك، وتحكيم شرعك يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم احفَظ رجال أمننا واحفظ جنودنا المرابطين على حدود بلادنا، اللهم يا رب احفَظهم بحفظك، وأيدهم بتأييدك، وانصُرهم على القوم المعتدين، اللهم عاف جريحهم، وتقبل شهيدهم، واخلفهم في أهليهم بخير يا رب العالمين.

اللهم ارحم موتانا وموتى المسلمين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، وفرّج هم المهمومين، واقض الدين عن المدينين، برحمتك يا أرحم الراحمين.

(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

المشاهدات 921 | التعليقات 0