محبة النبي صلى الله عليه و سلم

محمد بن خالد الخضير
1432/10/30 - 2011/09/28 17:03PM
الخطبة الأولى

ان الْحَمْد لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ :
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ"
" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا "
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا ، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا " أَمَّا بَعْدُ :
فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ـ وَشَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضلالة و كل ضلالة في النار
عباد الله
لقد بعث الله محمداً إلى الخلق على حين فترة من الرسل ، وقد مقت أهل الأرض عربَهم وعجمَهم إلا بقايا من أهل الكتاب ، ماتوا أو أكثرُهم قبل مبعثه ، والناس إذ ذاك في جاهلية جهلاء ، يعبدون الأصنام ، ويأكلون الميتة، ويأتون الفواحش ، ويقطعون الأرحام ، ويأكل القويُ منهم الضعيف ؛ فبعث الله لهم محمداً يعرفون نسبه ويعرفون صدقه ويعرفون أمانته وعفته ، فهدى اللهُ الناسَ ببركة نبوة محمد هدايةً جلَّت عن وصف الواصفين ، وفاقت معرفة العارفين.
هُوَ ٱلَّذِى بَعَثَ فِى ٱلأُمّيّينَ رَسُولاً مّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ ءايَـٰتِهِ وَيُزَكّيهِمْ وَيُعَلّمُهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِى ضَلَلٍ مُّبِينٍ
إن البريـة يـوم مبعث أحمـدٍ نظـر الإله لهـا فبدّل حالها

بل كرّم الإنسان حين اختار من خير البريـة نجمها وهلالها

لبس المرقّع وهـو قـائد أمـةٍ جبت الكنوز فكسّرت أغلالها

لمـا رآهـا الله تمشـي نحـوه لا تنتظر إلا رضاه سعى لها


كانوا قبل مبعث محمد في غاية من الضلال، لا يعرفون معروفاً، ولا ينكرون منكراً، في جاهلية جهلاء، وضلالة عمياء، نظر الله إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمَهم إلا بقايا من أهل الكتاب.
يقول جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه مخبراً النجاشي لما سأله قال: كنا عبادَ أوثان، نأكل الميتة، ونشرب الخمر، ونقطع الرحم، ونأتي الفواحش، حتى بعث الله فينا محمد صلى الله عليه وسلم فأخرجنا الله به من الظلمات إلى النور.
أيها المسلمون
إن لحبّ النبي صلى الله عليه وسلم رصيدًا في قلب كل مؤمن، فما من مؤمن إلا وله من حبه نصيب، فمستقلٌ ومستكثر، وعلى قدر أمارات المحبة تكون حقيقتها، فسل نفسك وفتَّش في قلبك وعملك. حينها تعرف مقدار حبك .
لقد عرف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قدره وفضله فأحبوه حباً فاق الوصف حتى صار أحبَّ إليهم من أنفسهم وأهليهم وأموالهم ، أحبوه بأقوالهم وأفعالهم ، في يقضتهم ومنامهم في دنياهم وأخراهم ؛فوجدوا بذلك حلاوة الإيمان .
يصف هذا الحب عروة بن مسعود قبل إسلامه كما روى البخاري في صحيحه عن عروةَ بن مسعود أنه قال لقريش وقد بعثته في شأن الصلح: أي قومِ، والله لقد وفدت على الملوك، ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي، والله ما رأيت ملكًا قطّ يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمدٍ صلى الله عليه وسلم محمدًا، والله إن انتخم نخامةً إلا وقعت في كفّ رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلموا خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون إليه النظر تعظيمًا له .
ولما أراد صلى الله عليه وسلم المهاجرة من مكة إلى المدينة أتى الصديق في الظهيرة، فلما قيل للصديق: هذا رسول الله، قال: بأبي وأمي، ما أتى به إلا لأمرٍ جَلَل، فلما دخل عليه قال: ((أُذِن لي بالهجرة))، فقال الصديق: الصحبةَ يا رسول الله؟ فقال: ((نعم))، قالوا: فبكى الصديق رضي الله عنه فرحاً، تقول عائشة: وما كنت أظن الفرح يوجب البكاء بعد الذي رأيت من أبي رضي الله عنه وأرضاه .
وسُئل علي بن أبي طالب رضي الله عنه : كيف كان حبكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال: كان ـ والله ـ أحب إلينا من أموالنا وأولادنا وآبائنا وأمهاتنا ومن الماء البارد على الظمأ.
وعن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه قال: كنا إذا قعدنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم لم نرفع رؤوسنا إليه إعظامًا له. رواه البيهقي.
وعن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: ما كان أحد أحب إلي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا أجل في عيني منه، وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالا له، ولو سئلت أن أصفه ما أطقت لأني لم أكن أملأ عيني منه. رواه مسلم.
وفي غزوة الرجيع لما غدر بنو لحيان بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كان فيمن أسروه زيدُ بن الدِّثِنَة، فابتاعه صفوان بن أمية ليقتله بأبيه، فاجتمع رهطٌ من قريش فيهم أبو سفيان، فقال له حين قُدِّم ليُقتل: أَنشدك بالله يا زيد، أتحبّ أن محمدًا الآن عندنا مكانك نَضرب عُنقَه وأنك في أهلك، قال: والله ما أحبّ أن محمدًا الآن في مكانِه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه وأني جالس في أهلي، قال أبو سفيان: ما رأيت من الناس أحدا يحب أحدا كحب أصحاب محمد محمدًا.
هل رأيتم أعظم من هذا الحب أو أصدق من هذا الوفاء؟!
أيها الأخوة المؤمنون
ويبلغ حب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم له تفكيرهم في الدنيا ألا يجالسوه في الآخرة فعن الشعبي قال: جاء رجل من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لأنت أحب إلي من نفسي وولدي وأهلي ومالي، ولولا أني آتيك فأراك لظننت أني سأموت، وبكى الأنصاري، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((ما أبكاك؟)) قال: ذكرتُ أنك ستموت ونموت، فتُرفع مع النبيين ونحن إن دخلنا الجنة كنا دونك، فلم يخبره النبي صلى الله عليه وسلم بشيء، فأنزل الله عز وجل على رسوله صلى الله عليه وسلم : { وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا *ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنْ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا } [النساء:69، 70]، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ((أبشر))..
فما أعظمها من بشرى نالها هذا الصحابي الذي نزلت هذه الآيات في حقه، وما أعظمه من أجر يناله كل مطيع لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم .
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، متى قيام الساعة؟ فقام النبي صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة، فلما قضى صلاته قال: ((أين السائل عن قيام الساعة؟)) فقال الرجل: أنا يا رسول الله، قال: ((ما أعددت لها؟)) قال: يا رسول الله، ما أعددت لها كبير صلاة ولا صوم إلا أني أحب الله ورسوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((المرء مع من أحب، وأنت مع من أحببت))، قال أنس: فما رأيت فرح المسلمون بعد الإسلام فرحهم بهذا. أخرجه الترمذي.
ولم يكتف سلفنا الصالح بهذه الدعاوى، ولم يتوقفوا عندها، ولم يركنوا إليها، بل برهنوا عليها عمليا بطاعتهم لربهم وتقديم مرضاته على كل ما سواه، وباتباعهم لنبيهم وتقديم أموالهم في سبيل الدعوة ودفاعهم عن النبي وعن الدين في معاركهم مع الكفار رجالاً ونساءً صغاراً وكبارا، وكانوا لا يرضون أن يسوأه صلى الله عليه وسلم مخلوق كائنا من كان.

بارك الله لي ولكم في القرآن، ونفعنا بما فيه من الآياتِ والبيان، أقول هذا القولَ، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كلّ ذنب، فاستغفروه إنّه هو الغفور الرحيم


ا الخطبة الثانية

الحمد لله الذي هدانا للإسلام ، وجعلنا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم خير الأنام ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، خير من صلى وصام .أما بعد:
أيها المسلمون،
لو لم يكن للنبي من الفضل إلا أنه الواسطة في حمل هداية السماء إلى الأرض وإيصال هذا القرآن الكريم إلى العالم لكان فضلاً لا يستقل العالم بشكره، ولا تقوم الإنسانية بكفائه، ولا يُوفي الناس حامله بعض جزائه. ذلك قبس من نور النبوة وشعاع من مشكاة الخلق المحمدي الطاهر، وإن في القول بعد لسَعَة، وفي المقام تفصيلاً.
وسل التاريخ ينبئك: هل مر به عظيم أعظم من النبي محمد ؟! فقد عُصم من النقائص، وعلا عن الهفوات، وجلّ مقامه عن أن تلصق به هفوة.
خُلقتَ مُبرءًا من كل عيب كأنك قد خُلقت كما تشاء

كم ترتقي الروح للمعالي حين يخطر على القلب ولو لبرهة صورة محمد بن عبد الله، رسول رب الأرض والسماء، من هو؟ هو من كان يحلب شاته، هو من كان يخيط ثوبه، خير من خلق الله، هو عينه من كان يقول: ((أنا سيد ولد آدم)). وهو أيضًا من كان يجمع الحطب لأصحابه، وهو نفسه من كان يرتجف ألما وحرقة حين يرى دابة ضعيفة قد حملت من الزاد والراحلة ما لا تحتمل، هو السيد وهو الرحيم وهو الإنسان .
هو من كان يخاطب الملوك ويراسل قياصرة الدنيا، وهو نفسه وهو عينه من كان يُنهِي صلاته على عجل لأنه سمع بكاء طفل رضيع كان قد أتى مع أمه للمسجد.
دخل عليه رجل وهو يرتجف خوفًا وفرقًا من عظيم هيبته ، قال له: ((هون عليك، فإني لست بملِك، إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد بمكة)).

يسأله أعرابي يومًا في بداوة جافة: يا محمد، هل هذا المال مال الله أم مال أبيك؟ ويبتدره عمر يريد أن يؤنبه، فيقول عليه الصلاة والسلام: ((دعه يا عمر، إنّ لصاحب الحق مقالاً)).

عبادَ الله، إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا
اللهمَّ صلِّ على محمّد وعلَى آل محمّد كمَا صلّيت على إبراهيمَ وعلى آل إبراهيم إنّك حميد مجيد،
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين.اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفقهم لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى. اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات.
اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين و نفس كرب المكروبين و شف مرضنا و مرض المسلمين و فك اسرانا و اسرى المسلمين يارب العالمين
اللهم اجعل لنا و للمسلمين من كل همٍ فرجاً، ومن كل ضيقٍ مخرجاً، ومن كل بلاءٍ عافية، اللهم اصرف عنا شر الأشرار، وكيد الفجار، وشر طوارق الليل والنهار.
اللهم إنا نعوذ بك من جَهْد البلاء ، ودرك الشقاء ، وسوء القضاء ، وشماتة الأعداء
اللهم ارفع عنا الغلا و الوبا و الربا و الزنا و الزلازل والمحن و سوء الفتن ما ظهر منها و ما بطن، عن بلدنا هذا خاصة و عن بلاد المسلمين..اللهم افنا بحلالك عن حرامك و بفضلك عمن سواك
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.. عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكَّرون. فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
المرفقات

محبة النبي صلى الله عليه وسلم.doc

محبة النبي صلى الله عليه وسلم.doc

المشاهدات 2332 | التعليقات 0