محبة النبي صلى الله عليه وسلم حقًا

عبدالله اليابس
1434/03/12 - 2013/01/24 11:03AM
محبة النبي صلى الله عليه وسلم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، {ياأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}, {ياَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ وٰحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِى تَسَاءلُونَ بِهِ وَٱلأَرْحَامَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً},(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما).
أما بعد:إن الله تعالى أرسل نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم، على حين فترة من الرسل، وانطماس من السبل، أرسله والناس يعيشون في جاهلية جهلاء، وضلالة عمياء، شرك وظلم, وفساد أخلاق، أرسله الله تعالى بالهدى ودين الحق، فأنار به الطريق، وأوضح بهالسبيل، فأشرقت برسالته الأرض بعد ظُلمتِها، وعمَّ فيها العدل، وانتشر العلم، بعدظلمها وجهالتها، كانت بعثته صلوات ربي وسلامه عليه، سببُ هداية من اتبعه إلى طريقالنور والإيمان، والنجاةِ من الكفر والخسران "الذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أُنزلَ معه أولئك هم المفلحون".
يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم.. ببركةِ بعثته صلى الله عليه وسلم، وصدقِ دعوته، وعِظَمِ شفقته ومحبته على أمته، تحمل صنوفالعذاب، وصبر على ما لقي من شديد العقاب، فهو أرفق بنا، وأشفق علينا، من آبائنا وأمهاتنا، أخرجنا الله برسالته من الظلمات إلى النور، ومن الضلالة إلى الهدى، ومنالجهل إلى العلم، فحُقَّ علينا محبته وتعظيمه وتوقيره "النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم" عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا يؤمنأحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين".
فَرْضٌ على كلمؤمن أن يحب النبي صلى الله عليه وسلم، فمحبته عبادة من أعظم العبادات، وقربة إلىرب الأرض والسموات، نرجو بها عظيم الأجر والمكْرُمات، هي أصل عظيم من أصول الدين،ودعامة أساسية من دعائم الإيمان برب العالمين، فَقِهَ ذلك صحابة الرسول الكريم،فأحبوه حبا عظيما، واشتاقوا إليه شوقا كبيرًا، لم يعرف التاريخ له مثيلا، ولا يُذكر له شبيها، قال علي رضي الله عنه : "كان والله أحب إلينا من أموالنا وأولادنا، وآبائنا وأمهاتنا، ومن الماء البارد على الظمأ".
كلُّ القلوب إلى الحبيب تميلُ ***ومعي بهذا شاهد ودليلُ
أما الدليلُ إذا ذَكرت محمدا ***صارت دموع العارفين تسيلُ
تغلغلت محبته في قلوبهم، وتمكّن توقيره من نفوسهم، فكان أحبإليهم من أموالهم وأنفسهم وأهليهم، يأتي عمر رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلمويقول له بكل صراحة: لأنت أحبَ إليّ من كل شيء إلا من نفسي، فيقول له الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا والذي نفسي بيده، حتى أكونَأحبَّ إليك من نفسك" فيتذكر عمر الحقيقة الغائبة ويقول مباشرة: لأنت أحبُّ إليّ من نفسي، فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم عندها: "الآن يا عمر". ثوبان رضي الله عنهمولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ووجهُهُ متغير فقالله الرسول: "ما غير لونَك؟؟" فقال يا رسول الله: مابي وجع، ولا مرض، غير أني إذا لمأراك اشتقت إليك!! واستوحشت وحشة شديدة حتى ألقاك!! ووالله إنك لأحب إلي من نفسي وأهلي وولدي، وأني لأكونُ في البيت، فأذكرك فما أصبر حتى آتيك فأنظر إليك، وإذاذكرت الآخرة عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين، وإذا دخلت الجنة أنا خشيت أن لا أراك فنزل قول الله تعالى: "ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهممن النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا" وعمر الفاروق رضي الله عنه يقول للعباس: "والله لإسلامك يوم أسلمت أحب إلي من إسلام الخطاب لو أسلم، وما بي إلا أني عرفت أن إسلامك كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من إسلامالخطاب لو أسلم.
يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم .. ذو البجادين، صحابي تربى في حجر عمه، فنازعته نفسه إلىالإسلام فقال لعمه: يا عم كنت انتظر سلامتك بإسلامك، فلا أراك تريد محمد، فأذن ليفي الإسلام!! فقال عمه: والله لئن أسلمت لانتزعن كل ما أعطيتك حتى ثوبك. فصاح بأعلى صوته وقال: نظرة من محمد صلى الله عليه وسلم أحبُ إليّ من الدنيا و ما فيها، فجردهعمه من كل شي حتى الثياب،فناولته أمه بجاداً لها – وهو الكساء الغليظ – فقطعه نصفين،اتزر بنصف واشتمل بالآخر، وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما اسمك؟؟ فقال: عبد العزى. فقال عليه الصلاة والسلام: "بل عبد الله ذو البجادين" إنها التضحية فيأسمى معانيها، والحب الصادق في أشرف مراتبه.
روح دعاها للوصال حبيبها *** فأتت إليه تطيعه وتجيبه
يا مدعي صدق المحبة هكذا *** فعل الحبيب إذا دعاه حبيبه
"قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم".
خالد بن معدان رضي الله عنه كان بعد موت النبي صلى الله عليهوسلم يبكي كل ليلة بكاء شديدا، ويقول: هم أصلي وفصلي، اللهم عجل بقبض روحي حتى ماترضي الله عنه. لما قدم عمر إلى الشام لفتح بيت المقدس، نادى بلال بن رباح مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم, وكان بلال قد امتنع عن الأذان بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم, فطلب عمر من بلال أن يؤذن في أرجاء بيت المقدس, ويصدح بالأذان في جنبات المسجد الأقصى شكرًا لله على ما من به من فتح مبين, ويستجيب بلالٌ رضي الله عنه لأمر أمير المؤمنين, ويستقبل القبلة متذكرًا أذانه في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين يديه, يبدأ بلال رضي الله عنه الأذان، الله أكبر .. الله أكبر.. أشهد أن لا إله إلا الله.. أشهد أن لا إله إلا الله.. أشهد أن محمد رسول الله.. فلما أتى على ذكر الحبيب صلى الله عليه وسلم.. تذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فتخنقه عبرته ويبكي ثم لم يستطع أن يكمل أذانه من البكاء ويتذكر الصحابة بأذانه تلك الأيام الخوالي مع رسول الله فيرتج المسجد بالبكاء.
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم, ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم, أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم,إنه هو الغفور الرحيم.
:: الخطبة الثانية ::.

الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض, وجعل الظلمات والنور, ثم الذين كفروا بربهم يعدلون, أحمده تعالى وأشكره, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله, بعثه الله رحمةً للعالمين, بين يدي الساعة بشيرًا ونذيرًا, فبلغ الرسالةَ أحسنَ البلاغ, وأدى الأمانة أتم الأداء, وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين, فصلى الله عليه وسلم, وعلى آله وأصحابه, وعلى سائر عباد الله الصالحين.
أما بعد:فاتقوا الله عباد الله ولا موتن إلا وأنتم مسلمون.
يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم .. أصل محبة النبي صلى الله عليه وسلم اتباعه وطاعته، واقتفاء أثره، ولزوم سنته، وتحكيم شريعته، فليست المحبة دعوة يدعيها كل أحد، ولا نسبة ينتسبإليها، ويفخر بها من أعرض عن هديه، وابتدع في دينه!! قال تعالى: "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم" فالبينةُ الصادقة،والشاهدُ العدل، على محبة الرسول صلى الله عليه وسلم، اتباعه ظاهرًا و باطنا، وذلكبتصديقه فيما أخبر، وطاعته فيما أمر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وأن لا يُعبد اللهإلا بما شرع.
محبة النبي صلى الله عليه وسلم بامتثال شريعته، والعمل بطاعته،قال ابن القيم رحمه الله: (كان عمر رضي الله عنه يهم بالأمر، ويعزمُ عليه، فإذا قيل لم يفعلهالرسول صلى الله عليه وسلم تركه). ا.هـ, لما حاصر الصحابة مع رسول الله عليه الصلاة والسلام اليهود في غزوة خيبر طال عليهم المُكث، وأصابهم جوع شديد،فعمدوا إلى الحُمُر الأهلية فذبحوها، فبينما القدور تغلي بها، إذ جاء نهى النبي صلىالله عليه وسلم عن لحومها!!! فقاموا مباشرة إلى القدور فأكفؤوها، مع ما هم فيه منالجوع!! امتثالا لأمر الله، وعملا وتطبيقا لتوجيه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
يرى النبي صلى الله عليه وسلم في أُصْبُع أحدِ الصحابة خاتما من ذهب فيأخذه ويطرحه ويقول: "يَعْمدُ أحدكم إلى جمرة من نار فيضعها في يده" ثم ينطلق ويترك الرجل، يبقى الخاتم ملقى على الأرض فيقولُ الصحابة لهذا الرجل خذخاتمك، وانتفع به – يعني ببيعه أو إهدائه- فيقول: والله لأرفعه وقد طرحه رسول الله صلىالله عليه وسلم. دعا الناس إلى البيعة في صلح الحديبية فكان أول من وصل إليه سِنانالأسدي فقال: ابْسطْ يدك يا رسول الله أُبايعُك!! فقال: "عَلَامَ تُبايعني؟؟" فقال سنان: "على ما في نفسك يا رسول الله"، الله أكبر .. استجابة كاملة، ويقين بأن ما يأمر به النبي صلىالله عليه وسلم هو الخير والصلاح، والفوز والنجاح، حتى النساء يُبادرن أمر النبيصلى الله عليه وسلم.. عن أبي أُسيد الأنصاري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلموهو خارج من المسجد، وقد اختلط الرجال مع النساء في الطريق فقال: "استأخرن فإنه ليسلكن أن تَحقُقن الطريق، عليكُن بحافات الطريق". قال الراوي: فكانت المرآة تلتصقبالجدار حتى إن ثوبها ليعتلق به من لصوقها به.
محبة النبي صلى الله عليه وسلم، لا تتم ألا بمعرفة سيرته،والعمل بسنته، ودراسة شمائله وأخلاقه، وخصائصه ومعجزاته، وأحواله ومغازيه، يتعلمها الناس، ويعلمونها أبنائهم ونسائهم في كل زمان، وعلى كل حال، وفي كل مكان، فليست مخصوصة بزمن دون زمن، ولا بمكان دون مكان، فعجب والله أن يُحب بعض الناس بعض أصحاب الاهتمامات المحرمة أو الوضيعة ، يتابعون سيرته، ويهتمون بأخباره،ويقتدون بتصرفاته، بل يلاحقونه في كل مكان، يقرأون ما يكتب!! ويستمعون لما يقول!! وإذا ظهر بقناة فضائية تسمروا أمام شاشتها، مشدودين لكلامه، مبتهجين برؤيته،!!! ثم يَدَّعون محبة النبي صلىالله عليه وسلم ولو سئل أحدهم عن أحواله وسيرته، لما عرف عنها إلا نزرًا يسيرًا،وعلمًا قليلاً، وعملاً شكليًا صوريًا!!! فأين الصدق في المحبة؟؟ وأين الاتباع والطاعة؟؟ وأينالإقتداء بالسيرة العطرة، والأيام النضرة؟؟ والتي رتب الله عليها الهداية والرحمة "وأن تُطيعوه تهتدوا وما على الرسول إلا البلاغ المُبين" وقال تعالى: "وأطيعوا اللهوالرسول لعلكم ترحمون"
محبة النبي صلى الله عليه وسلم، عبادة لابد فيها من الإخلاص لله، والمتابعة لرسوله صلى الله عليه وسلم، واقتفاء أثر صحابته،فهم أعلم الناس بدينه، وأشدهم حبا له، فليست محبته عواطف كاذبة، ولا أماني خداعة،يستزلُّ الشيطان أصحابها، فيزين لهم سوء عملهم، فتُحْتكر محبته في قصائد تلقى،أوأغاني تردد، في يوم مولده، ومجالس يُنشد فيها المغنون، عبارات الغلو والإطراء، مع نهيه صلى الله عليه وسلم عنها، وتحذيره منها " لا تطروني كما أطرت النصارىابن مريم، فإنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله". يقول الله تعالى: "فليحذر الذين يُخالفون عنأمره أن تُصيبهمْ فتنةٌ أو يُصيبَهم عذابٌ أليم".
المشاهدات 2572 | التعليقات 1

وهذه الخطبة بصيغة (وورد) جاهزة للطباعة

المرفقات

https://khutabaa.com/wp-content/uploads/attachment/1/6/9/8/محبة%20النبي%20صلى%20الله%20عليه%20وسلم%2011-3-1433.doc

https://khutabaa.com/wp-content/uploads/attachment/1/6/9/8/محبة%20النبي%20صلى%20الله%20عليه%20وسلم%2011-3-1433.doc