محبة النبي ... اتباع لا ابتداع
إبراهيم بن سلطان العريفان
الحمدُ للهِ الذي خصنَا بخيرِ رسلهِ، وأنزلَ علينَا أكرمَ كتبهِ، وشرعَ لنَا أكملَ شرائعهِ، أحمدهُ سبحانهُ وأشكرهُ، لا أحصي ثناءً عليهِ، أكملَ لنَا الدينَ، وأتمَّ علينَا النعمةَ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُ اللهِ ورسولهُ صلى اللهُ عليهِ وعلى آلهِ وصحبهِ وسلمَ.
إخوة الإيمان والعقيدة ... اتقوا اللهَ حقَّ التقوى. فالتقوى هيَ وصيةُ اللهِ لجميعِ خلقهِ، ووصيةُ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ لأمتهِ ( وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا ).
عبادَ اللهِ: كانَ ثوبانُ مولى رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ شديدَ الحبِّ لهُ، قليلَ الصبرِ عنهُ، فأتاهُ ذاتَ يومٍ وقدْ تغيرَ لونهُ، ونحلَ جسمهُ، يُعرفُ في وجههِ الحزنُ، فقالَ لهُ النبيُّ - صلى اللهُ عليهِ وسلمَ -: مَا غيرَ لونكَ؟! قالَ: يا رسولَ اللهِ، ما بي ضرٌّ ولا وجعٌ غيرَ أني إذا لمْ أركَ اشتقتُ إليكَ واستوحشتُ وحشةً شديدةً حتى ألقاكَ، ثمَّ ذكرتُ الآخرةَ وأخافُ أنْ لا أراكَ هناكَ، لأني عرفتُ أنكَ ترفعُ معَ النبيينَ، وأني إنْ دخلتُ الجنةَ كنتُ في منزلةٍ هيَ أدنى منْ منزلتكَ، وإنْ لمْ أدخلْ لا أراكَ أبدًا، فأنزلَ اللهُ عزَّ وجلَّ قولهُ ( وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا ).
منْ رحمةِ اللهِ بنا أنْ بعثَ فينا محمدًا صلى اللهُ عليهِ وسلمَ وأمرنا بالإيمانِ بهِ وتصديقهِ، واتباعهِ، والاقتداءِ بهِ، والانتصارِ لهُ، ومحبتهِ، وتقديمهِ على النفسِ والمالِ والولدِ؛ فعلى يديهِ كملَ الدينُ، وبهِ ختمتِ الرسالاتُ، وأرسلَ إليهِ أفضلَ الشرائعِ، وأنزلَ إليهِ أفضلَ الكتبِ, فهوَ خليلُ اللهِ، وهوَ كليمُ اللهِ، وهوَ صفيهُ، وهوَ رسولهُ، وهوَ حبيبهُ. ففتحَ اللهُ بهِ أعينًا عميًا، وآذانًا صمًّا وقلوبًا غلفًا، وأخرجَ بهِ الناسَ منَ الضلالةِ إلى الهدى.
إنهُ محمدٌ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ بلغَ الرسالةَ أحسنَ بلاغٍ، وأدى الأمانةَ أحسنَ أداءٍ، ونصحَ الأمةَ، وجاهدَ في اللهِ حقَّ جهادهِ.
إنهُ محمدٌ بنُ عبدِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ أعزُّ الناسِ نسبًا، وأشرفُهمْ مكانةً، أظهرَ اللهُ على يديهِ منَ المعجزاتِ ما أبهرَ العقولَ، ففلقَ لهُ القمرَ فلقتينِ، وتكلمتِ الحيواناتُ بحضرتهِ، وسبحَ الطعامُ وتكاثرَ بينَ يديهِ، وسلمَ عليهِ الحجرُ والشجرُ، وأخبرَ بالمغيباتِ، فما زالتْ تتحققُ في حياتهِ وبعدَ وفاتهِ.
إنهُ محمدٌ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ الذي اختصهُ اللهُ منْ بينِ إخوانهِ المرسلينَ بخصائصَ تفوقُ العدَّ، فلهُ الوسيلةُ والفضيلةُ والمقامُ المحمودُ ولواءُ الحمدِ.
إنهُ محمدٌ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ أولُ منْ تنشقُّ عنهُ الأرضُ يومَ القيامةِ، وأولُ منْ يُفتحُ لهُ بابُ الجنةِ، وأولُ شافعٍ وأولُ مشفَّعٍ، وهوَ سيّدُ ولدِ آدمَ أجمعينَ.
إنهُ محمدٌ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ الذي زكاهُ ربهُ تزكيةً ما عُرفتْ لأحدٍ غيرهُ منَ المخلوقينَ.
نعتهُ بالرسالةِ ( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ﴾، وناداهُ بالنبوةِ ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ ) وشرفهُ بالعبوديةِ ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ وشهدَ لهُ بالقيامِ بالدعوة ( وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا ).
إنهُ محمدٌ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ الذي لا تُحصَى فضائلهُ، ولا تُعدُّ مزاياهُ، فما منْ صفةِ كمالٍ إلا واتّصفَ بها، ولا خصلةِ خيرٍ إلا وتحلى بها. جمعَ اللهُ له أجلَّ المقاماتِ، وأسمى المراتبِ، وأكملَ المناقبِ، بلغَ في الدنيا يومَ المعراجِ مبلغًا ما بلغهُ مخلوقٌ غيرهُ، وخصّهُ اللهُ بالمقامِ المحمودِ يومَ القيامةِ الذي تحمدهُ عليهِ كلُّ الخلائقِ، وأعطاهُ الوسيلةَ في الجنةِ، وهيَ منزلةٌ لا تنبغي إلا لهُ صلى الله عليه وسلم.
إنهُ محمدٌ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ أرسلهُ اللهُ شاهدًا ومبشّرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى اللهِ بإذنهِ وسراجًا منيرًا، شرحَ اللهُ لهُ صدرهُ، ووضعَ عنهُ وزرهَ، ورفعَ لهُ ذكرهُ وأعلى في العالمينَ قدرهُ، ما رآهُ أحدٌ إلا هابهُ، ولا عاشرهُ أحدٌ إلا أحبّهُ حبًّا جمًّا، صاحبُ الوجهِ الوضاءِ، والطهرِ والصفاءِ، دائمُ الابتسامةِ، مليحُ الوجهِ، أكحلُ العينينِ، كالقمرِ ليلةَ البدرِ استنارةً وضِياءً، أشدُّ حياءً منَ العذراءِ في خدرها، يقولُ أنسٌ رضيَ اللهُ عنهُ: مَا مَسَسْتُ حَرِيرًا وَلاَ دِيبَاجًا أَلْيَنَ مِنْ كَفِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
كانَ يُعرفُ بريحِ الطيبِ إذا أقبلَ، أحسنُ الناسِ خَلقًا وخُلقًا، وأتقاهمْ للهِ وأخشاهمْ، أعظمُ الناسِ تواضعًا، يُخالطُ الفقيرَ والمسكينَ، وينطلقُ معَ الجاريةِ الصغيرةِ تأخذُ بيدهِ حيثُ شاءتْ، ولا يتميزُ عنْ أصحابهِ بمظهرٍ، يزورُ كبيرَهمْ ويسلّمُ على صبيانِهمْ، يأتي ضعفاءهمْ ويعودُ مرضاهمْ، ويشهدُ جنائزهمْ، يجلسُ على الأرضِ ويأكلُ عليها، يعقِلُ الشاةَ ويحلبهَا، يخصفُ نعلهُ ويخيطُ ثوبهُ ويخدمُ أهلهُ، يقبلُ الهديةَ ولا يأخذُ الصدقةَ، أشجعُ الناسِ، وأرحمُ الناسِ، وصدقَ اللهُ ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ).
فَمَا أعظمهُ منْ رجلٍ! وما أجلهُ منْ نبيٍّ! وما أعزَّهُ منْ رسولٍ! صلى اللهُ عليهِ وسلمَ.
حُقَّ لنا معشرَ المسلمينَ الفخرُ بهذا النبيِّ الكريمِ ومباهاةُ الأممِ بهذا الرجل العظيم صلى الله عليه وسلم.
أسألُ اللهَ أنْ يعظِّمَ محبةَ رسولهِ في قلوبنا، وأنْ يجعلَ محبتنا لرسولِنا أعظمَ منْ محبةِ أنفسنا وأهلنا، وآبائنا وأمهاتنا، وأزواجنا وبناتنا، وأنْ يجعلها طمأنينةَ قلوبنا، وانشراحَ صدورنا، وأنْ يجعلَ محبتنا له عونًا لنا على الطاعةِ اللهِ وحُسنِ الصلةِ. اللهم اجعلنا من اتباع النبي صلى الله عليه وسلم، اللهم اجمعنا به في دار كرامتك يا رب العالمين.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين ...
الحمد لله رب العالمين ...
معاشر المؤمنين ... لنْ يَكْتملَ الإيمانُ الحقيقيُّ في قلوبنا، ولنْ نذوقَ حلاوتهُ، ونُحسُّ بالراحةِ النفسيةِ والطمأنينةِ؛ حتى نحبَّ النبيَّ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ حبًّا أكثرَ منْ أنفسنا وأهلِينا وأموالنا وكلِّ الدنيا، قال رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ ( لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ).
ومنْ لوازمهِ أنْ تكونَ أوامرُ الرسولِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ ونواهيهِ مقدمةً على كلِّ الأوامرِ والنواهي في جميعِ أحوال حياتنا.
أحبهُ أصحابهُ رضيَ اللهُ عنهمْ حبًّا ما سمعَ التاريخُ بمثلهِ. سئلَ عليٌّ بنُ أبي طالبٍ رضيَ اللهُ عنهُ - كيفَ كانَ حبكمْ لرسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ فقالَ: كانَ واللهِ أحبَّ إلينا منْ أموالنا وأولادنا وأبنائنا وأمهاتنا ومنَ الماءِ الباردِ على الظمإِ.
إنَّ منْ مقتضياتِ هذا الحبِّ أنْ يكثرَ المسلمُ منْ ذكرهِ والصلاةِ والسلامِ عليهِ، وأنْ يتمنى رؤيتهُ، والشوقَ إلى لقائهِ، وسؤالَ اللهِ اللحاقَ بهِ على الإيمانِ، وأنْ يجمعَ بينهُ وبينَ حبيبهِ في مستقرِّ رحمتهِ، وقدْ أخبرَ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ بأنهُ سيوجدُ في هذهِ الأمةِ منْ يودُّ رؤيتهُ بكلِّ ما يملكونَ، فقال رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ ( مِنْ أَشَدِّ أُمَّتِي لِي حُبًّا، نَاسٌ يَكُونُونَ بَعْدِي، يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ رَآنِي بِأَهْلِهِ وَمَالِهِ ).
إنَّ البرهانَ الصادقَ لمحـبةِ النبيِّ صلى اللهُ عليهِ وسـلمَ هوَ تعظـيمهُ وإجـلالهُ وطاعتهُ، وتعظيمُ ما جـاءَ بهِ منَ الشـريعةِ الحـنيفيةِ السمحةِ منْ غيرِ غلوٍ ولا جفاءٍ ( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ).
إنَّ محبةَ الرسولِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ ليستْ مجردَ كلماتٍ ومدائحَ تُلقى الموالد، أوْ في إحياءِ ليلةٍ من الليالي منْ كلِّ عامٍ، تقرأُ فيها الأورادُ، وتنشدُ فيها المدائحُ النـبـويــةُ والأورادُ الصوفيةُ، وتقامُ فيها الحفلاتُ والرقصاتُ.
بلْ هيَ عملٌ واستقامةٌ واقتداءٌ، وبذلٌ وتضحيةٌ لهذا الدينِ؛ وهيَ محبةٌ وشوقٌ وحنينٌ، وحبٌّ لهذا الرسولِ الكريمِ تقتضي طاعتهُ وتعظـيمهُ، والتحـاكمُ إلى شريعتهِ، وإتباعِ هديهِ وسـنتهِ، وتوقـيرهِ، والدفاعِ عنه، ونصرتهِ حـيًا وميتًا، والثـناءِ عليهِ بما هوَ أهلهُ.
إنَّ محمدًا صلى اللهُ عليهِ وسلمَ لا يريدُ بنا أنْ نحتفلَ بمولدهِ، بلْ يريدنا منا أنْ نتبعَ سنتهُ
ثمَّ اعلموا - يا عبادَ اللهِ - أنَّ منْ علاماتِ حبهِ - صلى اللهُ عليهِ وسلمَ -: كثرةُ الصلاةِ والسلامِ عليهِ في كلِّ وقتٍ وحينٍ، ففي الصلاة عليه الراحةُ والطمأنينةُ والأجرُ والثوابُ، وهوَ دليلٌ على هذا الحبِّ.
اللهمَّ وَفِّقْ ولاةَ أمرِنَا لِمَا تُحِبُّ وتَرْضَى، وخُذْ بِنَواصِيهِمْ لِلبِرِّ وَالتَّقْوى، اللهمَّ أَصْلحْ لَهُمْ بِطَانَتَهُمْ يِا ذَا الجَلالِ والإِكْرامِ...
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.