محاسن ربنا جل جلاله-خطبة للشيخ محمد ابن قاسم رحمه الله
محمد بن عبدالله التميمي
الحمد لله المتفرد بالعظمة والجلال، الكبير المتعال، حي قيوم لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الكبرياء رداؤه، والعظمة إزاره. وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله القائل: «اللهم لك الحمد كله، ولك الملك كله، وبيدك الخير كله، وإليك يرجع الأمر كله» اللهم صلِ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه، المعظمين لأمر الله ونهيه. أما بعد: فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى، واحمدوه أن عرفكم بنفسه في كتابه وعلى لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - لتقدروه حق قدره. وتنالوا القرب إليه والفوز بثوابه. أَخبرَكُم سبحانه أنه «الأول» بلا بداية، فقال {هو الأول والآخر والظاهر والباطن} روى البخاري عن عمران بن حصين رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كان الله ولم يكن شيء قبله، وكان عرشه على الماء، ثم خلق السموات والأرض، وكتب في الذكر كل شيء»، وفي الدعاء المشهور الذي رواه مسلم: «أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء» فأوليته سبحانه سابقة على أولية ما سواه، وآخريته بقاؤه بعد كل شيء، وظاهريته سبحانه فوقيته وعلوه على كل شيء، وبطونه سبحانه إحاطته بكل شيء بحيث يكون أقرب إليه من نفسه. ولنستمع يا عباد الله إلى ذكر بعض محاسن ربنا جل وعلا المتمثلة في صفاته العليا وأسمائه الحسنى: إنه {الْحَيُّ الْقَيُّومُ} الذي لكمال حياته وقيوميته لا تأخذه سنة ولا نوم. «مالك السماوات والأرض» الذي لكمال ملكه لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه. «العالِمُ بكل شيء» الذي لكمال علمه يعلم ما بين أيدي الخلائق وما خلفهم، فلا تسقط ورقة إلا بعلمه، ولا تتحرك ذرة إلا بإذنه، يعلم دبيب الخواطر في القلوب حيث لا يطلع عليها الملك، ويعلم ما سيكون منها حيث لا يطلع عليه القلب. «البصير» الذي لكمال بصره يرى تفاصيل خلق الذرة الصغيرة وأعضاءها ولحمها ودمها ومخها وعروقها، ويرى دبيبها على الصخرة الصماء، في الليلة الظلماء، ويرى ما تحت الأرضين السبع كما يرى ما فوق السماوات السبع. «السميع» الذي قد استوى في سمعه سرُّ القول وجهرُه، وَسِعَ سمعُه الأصواتَ، فلا تختلفُ عليه ولا تشتبه، ولا يشغله منها سمع عن سمع، ولا تُغلِّطه المسائل، ولا يُبْرِمُه كثرةُ السائلين. «القدير» سبحانه الذي لكمال قدرته يهدي من يشاء ويضل من يشاء، ولكمال «غناه» استحال إضافة الولد والصاحبة والشريك والشفيع بدون إذنه إليه. ولكمال «عظمته وعلوه» وسع كرسيه السماوات والأرض، ولم تسعه أرضه ولا سماواته ولم تحط به مخلوقاته، بل هو العالي على كل شيء وهو بكل شيء محيط، ولا تَنفَدُ «كلماتُه» ولا تبدل، ولو أن البحر يمده سبعة أبحر مدادًا وأشجار الأرض أقلامًا فكتب بذلك المداد وبتلك الأقلام لنفد المداد وفنيت الأقلام ولم تنفد كلماته، إذ هي غير مخلوقة، ويستحيل أن يَفْنَى غيرُ المخلوق بالمخلوق. الله سبحانه يحب رسله وعبادَه المؤمنين، ويحبونه، بل لا شيء أحب إليهم منه، ولا أشوق إليهم من لقائه، ولا أقر لأعينهم من رؤيته، ولا أحظى عندهم من قربه. الله جل جلاله أَرحمُ بعباده من الوالدة بولدها، وأنه أفرح بتوبة عبده من واجد راحلته التي عليها طعامه وشرابه في الأرض المهلكة بعد فقدها واليأس منها. الله جل جلاله حليم، كريم، واجد، محسن، ودود، صبور، شكور، يطاع فيشكر، ويعصى فيغفر، لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله، ولا أحب إليه المدح منه، ولا أحب إليه العذر منه، محسن يحب المحسنين، شكور يحب الشاكرين، جميل يحب الجمال، طيب يحب كل طيب، نظيف يحب النظافة، بَرٌّ يحب الأبرار، عدل يحب أهل العدل، حيي ستير يحب أهل الحياء والستر، عفو غفور يحب من يعفو عن عباده ويغفر لهم، صادق يحب الصادقين، رفيق يحب الرفق، جواد يحب الجود، رحيم يحب الرحماء، وِتر يحب الوِتر. وبعدُ عباد الله.. فكل صفة عُليا، واسم حسن، وثناء جميل، وكل حمد ومدح وتسبيح وتنزيه وتقديس وجلال وإكرام فهو لله - عز وجل - على أكمل الوجوه وأتمها وأدومها. وجميع ما يوصف به ويذكر به ويخبر عنه به فهو محامد له وثناء عليه وتسبيح وتقديس- فسبحانه وبحمده لا يحصى أحد من خلقه ثناءً عليه لكثرة صفاته وكمالها، بل هو كما أثنى على نفسه وفوق ما يثني به عليه خلقه، فله الحمد أولاً وآخرًا، حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله، ورفيع مجده وعلوِّ جَدِّه. فاتقوا الله عباد الله واقدروه حق قدره. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}. الخطبة الثانية الحمد لله حمدًا كثيرًا على نعمائه، وكما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقرارًا بإلهيته، واعترافًا بما يجب على الخلق من الأذعان لربوبيته. وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وخليله أكرم الخلق وأزكاهم، وأعرفهم بالله وأتقاهم، صلوات الله وسلامه عليه وعلى إخوانه النبيين، والصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله قد ذم الله من لم يقدره حق قدره في ثلاثة مواضع من كتابه فأخبر أنه لم يقدره حق قدره من أنكر إرساله للرسل وإنزال كتبه عليهم، ولم يقدره حق قدره من عبد معه إلهًا آخر، ولم يقدره حق قدره من جحد صفات كماله ونعوت جلاله. والإيمان به سبحانه لا يتم إلا بتعظيمه، ولا يتم تعظيمه إلا بتعظيم أمره ونهيه فعلى قدر تعظيم العبد لله سبحانه يكون تعظيمه لأمره ونهيه، وتعظيم الأمر يدل على تعظيم الآمر. وأول مراتب تعظيم الآمر التصديق به، ثم العزم الجازم على امتثاله، ثم المسارعة إليه والمبادرة إليه رغم القواطع والموانع، ثم بذل الجُهْدِ والنصح في الإتيان به على أكمل الوجوه، ثم فعله لكونه مأمورًا به سواء ظهرت له حكمته أو لم تظهر.
المرفقات
1627591065_محاسن ربنا جل جلاله-خطبة لمحمد القاسم رحمه الله.docx
1627591066_محاسن ربنا جل جلاله-خطبة لمحمد القاسم رحمه الله.pdf