مَحَاسِنُ الزَّوَاجِ وَمَفَاسِدِ الطَّلَاقِ 24 رَبِيعٍ الثَّانِي 1444هـ
محمد بن مبارك الشرافي
الْحَمْدُ للهِ الذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا، وَجَعَلَ فِي الْعِلَاقَةَ الزَّوْجِيَّةِ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً وَبِرًّا، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ وَأَشْكُرُهُ عَلَى نِعَمِهِ التِي تَتْرَى, وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ الْعَالِمُ بِمَا فِي الصُّدُورِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الْهادِي إَلَى خَيْرِ الأُمُورِ, اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ النُّشُور.
أَمَّا بَعْدُ : فَاتَّقُوا اللهَ واعْلَمُوا أَنَّ مِنْ نِعَمِ اللهِ أَنْ شَرَعَ الزَّوَاجَ وَأَحَلَّهُ وَجَعَلَهُ مِنْ دَلَائِلِ حِكْمَتِهِ وَرَحْمَتِهِ, فَقَالَ اللهُ تَعَالَى {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون}, فَجَعَلَ اللهُ الزَّوْجَةَ سَكَنا لِلرَّجُلِ وَرَاحَةً لَهُ وَمَحَلًّا لقَضَاءِ وَطَرِهِ, فَهِيَ شَرِيكَةُ حَيَاتِهِ, وَصَاحِبَتُهُ فِي دُنْيَاهُ وَرُبَّمَا فِي أُخْرَاهُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ, وَالزَّوَاجُ سَبَبٌ لِعِفَّةِ الرَّجُلِ وَتَحْصِينٌ لِفَرْجِهِ, فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ, مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ, فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ, وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ) مُتَّفَقٌ عَلَيْه.
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: وَلَمَّا كَانَتِ الْمَرْأَةُ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ وَهَذِهِ الأَهَمِّيَّةِ جَاءَتِ النُّصُوصُ الْكَثِيرَةُ فِي تَنْظِيمِ الْحَيَاةِ الزَّوْجِيِّةِ, فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِحْسَانِ الاخْتِيَارِ وَجَعَلَ الْخَصْلَة الأُولَى التِي يَجِبُ أَنْ يَبْحَثَ عَنْهَا مَنْ يُرِيدُ الزَّوَاجَ أَنْ تكون صَاحِبَةَ دِينِ, فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا, وَلِحَسَبِهَا , وَلِجَمَالِهَا, وَلِدِينِهَا, فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ) مُتَّفَقٌ عَلَيْه, وَجَعَلَ مِقْيَاسَ خَيْرِيَّةِ الرَّجُلِ بِحُسْنِ مُعَامَلَتِهِ لِأَهْلِهِ, عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (خَيْرُكُمْ خَيْرَكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ. وَأَمَرَ صلى الله عليه وسلم, بِأَنْ لَا يَتَطَلَّبَ الزَّوْجُ فِي الْمَرْأَةِ الْكَمَالَ, لِأَنَّ هَذَا غَيْرُ مُمْكِنٍ, فَكُلُّ أَحَدٍ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فِيْهِ نَقْصٌ, وَالْكَرِيمُ مَنْ نَظَرَ لِلْمَحَاسِنِ وَتَغَاضَى عَنِ الْعُيُوبِ, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ مَا سَمِعْتُمْ قَلِيلٌ مِنْ كَثِيرٍ مِمَّا جَاءَ بِهِ دِيْنُنَا لِتَثْبِيتِ أَرْكَانِ الْأُسْرَةِ الَّذِي يَكُونُ سَبَبًا فِي اسْتِقْرَارِ حَيَاةِ الزَّوْجَيْنِ وَحَيَاةِ أَوْلَادِهِمْ مِنْ بَنِينَ وَبَنَاتٍ, لِيَكُونَ الْبَيْتُ مُحَضَنًا لِتَرْبِيَةِ النَّشْأِ وَمَكَانًا لِانْطِلَاقِهِمْ فِي عِمَارَةِ الْأَرْضِ وَتَكْوِينِ مُجْتَمَعٍ مُتَرَابِطٍ مُتَمَاسِكٍ, وَلِذَلِكَ كَانَ الطَّلَاقُ مُبْغَضًا عِنْدَ اللهِ وَمَكْرُوهًا لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنَ الْمَفَاسِدِ وَالْأَضْرَارِ, مِنْ تَشَتُّتِ الْأُسْرَةِ، وَضَيَاعِ الْمَرْأَةِ وَكَسْرِ قَلْبِهَا, فَعَنِ اِبْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (أَبْغَضُ الْحَلَالِ عِنْدَ اللَّهِ الطَّلَاقُ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَقَوَّاهُ الشَّيْخُ ابْنُ بَازٍ, فَيَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ آخِرَ مَا يَنْظُرُ إِلَيهِ فِي حَلِّ مَشَاكِلِ بَيْتِهِ, فَيَعِظُ زَوْجَتَهُ فِيْمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَيَتَكَلَّمُ مَعَهَا بِرِفْقٍ وَشَفَقَةٍ, وَالْمَرْأَةُ قَرِيْبَةٌ بِطَبْعِهَا وَلَيِّنَةٌ, ثُمَّ إِنْ تَأَزَّمَتِ الْأُمُورُ فَيُنْظَرُ عُقَلَاءُ أَهْلِهِ أَوْ أَهْلِهَا فِي الْإِشْكَالَاتِ وَالسَّعْيِ فِي تَقْرِيبِ وُجْهَاتِ النَّظَرِ, قَالَ اللهُ تَعَالَى {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا * وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا}.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَاعْلَمُوا أَنَّ مِنْ أَسْبَابِ كَثْرَةِ الطَّلَاقِ الَّتِي صِرْنَا نَسْمَعُ عَنْهَا فِي هَذَا الزَّمَانِ عَدَمَ مَعْرِفَةِ الزَّوْجَيْنِ لِحُقُوقِ بَعْضِهِمَا, وَلِلْجَهْلِ مِنَ الزَّوْجِ بِخُصُوصِهِ بِأَحْكَامِ الطَّلَاقِ, وَلِذَلِكَ فَسَوْفَ أَذْكُرُ فِي هَذِهِ الْخُطْبَةِ بَعْضَ الْأَحْكَامِ الْمُهِمَّةِ فِي شَأْنِ الطَّلَاقِ.
(فَأَوَّلًا) اعْلَمُوا أَنَّ الطَّلَاقَ يَصِحُّ فِي حَالَيْنِ وَيَحْرُمُ فِي حَالَيْنِ, فَيَجُوزُ إِذَا كَانَتِ الْمَرْأَةُ حَامِلَاً أَوْ فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيهِ, وَيَحْرُمُ إِنْ كَانَتْ حَائِضَاً أَوْ فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ.
(ثَانِيًا) يَحْرُمُ أَنْ يُطَلِّقَ الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ ثَلاثَ تَطْلِيقَاتٍ جَمِيعًا, وَهُوَ أَمْرٌ شَنِيعٌ, وُمِمَّا يُؤْسَفُ لَهُ أَنَّهُ يَكْثُرُ عِنْدَ بَعْضِ الْأَزْوَاجِ, فَعَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ جَمِيعًا، فَقَامَ غَضْبَانَ، ثُمَّ قَالَ (أَيُلْعَبُ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ)، حَتَّى قَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا أَقْتُلُهُ? رَوَاهُ النَّسَائِيُّ.
(ثَالِثًا) إِذَا تَمَّ الطَّلَاقُ فَإِنَّ الْوَاجِبَ أَنْ تَبْقَى الْمَرْأَةُ فِي بَيْتِهَا وَلا يَحِلُّ لَهَا الْخُرُوجُ, كَمَا لا يَحِلُّ لِلزَّوْجِ إِخْرَاجُهَا مِنْ بَيْتِهَا, وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ قَدْ خَالَفَهَا النَّاسُ إِلَّا الْقَلِيلَ, فَبُمُجَرَّدِ أَنَّهُ يُطِلِّقُهَا يَقُولُ: اذْهَبِي لِأَهْلِكِ أَوْ هِيَ تَخْرُجُ لِبَيْتِ أَهْلِهَا, وَهَذَا كُلُّهُ مُخَالِفٌ لِلشَّرْعِ الصَّرِيحِ, قَالَ اللهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ, وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا}. فَتَأَمَّلُوا هَذِهِ الآيَةَ الْعَظِيمَةَ فِي سُورَةِ الطَّلَاقِ التِي تُسَمَّى: سُورَةَ النِّسَاءِ الصُّغْرَى, فَرَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَ أَنْ تُطَلَّقَ النِّسَاءُ لِلْعِدَّةِ , وَذَلِكَ بِأَنْ يُطَلِّقَهَا طَاهِرًا أَوْ حَامِلًا, ثُمَّ نَهَى عَنْ إِخْرَاجِهِنَّ مِنَ الْبُيُوتِ, ثُمَّ نَهَى الْمَرْأَةَ نَفْسَهَا أَنْ تَخْرُجَ, ثُمَّ بَيَّنَ الْحِكْمَةَ مِنْ ذَلِكَ وَهِيَ: لَعَلَّ الزَّوْجَ يُرَاجِعُهَا, وَالْمُشَاهَدُ أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا خَرَجَتْ لِبَيْتِ أَهْلِهَا صَعُبَتْ رَجْعَتُهَا لِأَنَّ الْخَبَرَ يَنْتَشِرُ, وُرُبَّمَا تَشَاجَرَ أَهْلُهَا مَعَ الزَّوْجِ وَمَنَعُوهُ مِنْ أَخْذِهَا, وَلِذَلِكَ فَمَا أَجْمَلَ اتَّبَاعَ الشَّرْعِ وَمَا أَحْسَنَ نَتَائِجَهُ.
(رَابِعًا) يَجُوزُ لِلْمُطَلِّقِ أَنْ يُرَاجِعَ امْرَأَتَهُ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ التَّطْلِيقَةَ الأُولَى أَوِ الثَّانِيَةَ, وَلا خِيَارَ لِلْمَرْأَةِ وَلا لِوَلِيّهَا فِي أَمْرِ الرَّجْعَةِ, قَالَ تَعَالَى {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا}, فَالْأَمْرُ بِيَدِ الزَّوْجِ.
(خَامِسًا) إِنَّ الْمَشْرُوعَ فِي حَقِّ الرَّجُل ِإِذَا طَلَّقَ زَوْجَتَهُ وَإِذَا رَاجَعَهَا أَنْ يُشْهِدَ رَجُلَيْنِ عَلَى ذَلِكَ, سَوَاءً أَكَانُوا مِنْ أَقَارِبِهِ أَوْ مِنْ أَقَارِبِ الزَّوْجَةِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ, لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ الطَّلَاقِ {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ}, وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يُطَلِّقُ ثُمَّ يُرَاجِعُ، وَلَا يُشْهِدُ، فَقَالَ: أَشْهِدْ عَلَى طَلَاقِهَا وَعَلَى رَجْعَتِهَا. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ. أَقُولُ قَولِي هَذَا وأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِيْ ولَكُمْ فاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُوْرُ الرَّحِيْمُ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ القَوِيُّ الْمَتِينُ، وَأُصَلِّي وَأُسَلِّمُ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الأَمِينِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ: ف(سَادِسًا) مِنَ الْمَسَائِلِ الْمُهِمَّةِ فِي مَوْضُوعِ الطَّلَاقِ: أَنَّهُ لا يُجُوزُ حَالَ الْغَضَبِ, بَلْ وَلا يَنْفُذُ إِذَا كَانَ الْغَضَبُ تَامًّا, فَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ (لَا طَلَاقَ وَلَا عَتَاقَ فِي إِغْلَاقٍ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ. وَلِذَلِكَ إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تُطَلِّقَ فَانْتَظِرْ حَتَّى يَذْهَبَ غَضَبُكَ ثُمَّ طَلِّقْ زَوْجَتَكَ, وَالْوَاقِعُ أَنَّ أَكْثَرَ الْمُطَلِّقِينَ كَانُوا في حَال غَضَبٍ ثُمَّ يَنْدَمُونَ بَعْدَ ذَلِكَ, وَرُبَّمَا يَكُونُ فَاتَ الْوَقْتُ, فَكُنْ عَلَى حَذَرٍ.
(سَابِعًا) أَنَّهُ إِذَا تَمَّتْ ثَلاثُ تطْليقَاتٍ حَرُمَتِ الْمَرْأَةُ عَلَى مُطَلِّقِهَا حَتَّى يَتَزَوَّجَها رَجُلٌ آخَرُ وَيُجَامِعَهَا, قَالَ اللهُ تَعَالَى {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ, فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ}, ثُمَّ إِنَّ الْوَاجِبَ أَنْ يَكُونَ زَوَاجُ الثَّانِي عَنْ رَغْبَةٍ فِي الْمَرْأَةِ, وَأَمَّا مَنْ يَتَزَوُّجُهَا لِيُحَلِّلَهَا لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ ثُمَّ يُطَلِّقُهَا, فَإِنَّهَا لا تَحِلُّ بِذَلِكَ وَقَدْ وَقَعَ هَذَا الرَّجُلُ فِي مَعْصِيَةٍ عَظِيمَةٍ, فَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ) رواه التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ هُوَ وَالْأَلْبَانِيُّ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: هَذِهِ بَعْضُ الْمَسَائِلِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهَذَا الْمَوْضُوعِ الْعَظِيمِ , وَالْوَاجِبُ عَلَى كُلٍّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ تَعْظِيمُ أَمْرِ النِّكَاحِ وَاحْتَرَامُ كُلٍّ مِنْهُمَا الآخَرَ وَمَرَاعَاةُ مَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَوْلَادِ وَالْأَقَارِبِ الذِينَ يَتَأَثَّرُونَ بِطَلاقِهِمَا, فَلا يَكُونُ الطَّلَاقُ أَوَّلَ الْحُلُولِ عِنْدَ حُصُولِ الْمَشَاكِلِ, وَإِنَّمَا يَنْظُرَا فِيهَا بِتَعَقُّلٍ وَبِقَصْدِ الإِصْلَاحِ لِكَيْ يُوفِّقَهُمَا اللهُ جَمِيعًا.
وإن مِنَ الأُمُورِ الجَيِّدَةِ: مَا تَعْقِدُهُ بَعْضُ الجَمْعِيَاتِ مِنْ بَرَامِجَ تَدْرِيْبِيَّةٍ لِتَثْقِيفِ الشَّبَابِ الْمُقْبِلِينَ عَلَى الزَّوَاجِ, فَيَسْتَفِيدُونَ آدَابًا نَافِعَةً فِي حَيَاتِهِمُ الزَّوْجِيَةِ, وَتَكُونُ بِإِذْنِ اللهِ مِنْ أَسْبَابِ اسْتِقَامَةِ حَيَاةِ الزَّوْجَيْنِ.
اللَّهُمَّ انْفَعْنَا بِمَا عَلَّمْتَنَا وَعَلِّمْنَا مَا يَنْفَعُنَا وَارْزُقْنَا عِلْمًا يَنْفَعُنَا, اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنِ اسْتَمَعَ الْقَوْلَ فَاتَّبَعَ أَحْسَنَهُ, اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنا دِينَنا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنا وَأَصْلِحْ لَنا دُنْيَانا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنا وَأَصْلِحْ لَنا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنا وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنا فِي كُلِّ خَيْرٍ وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنا مِنْ كُلِّ شَرٍّ, والْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
المرفقات
1668604131_مَحَاسِنُ الزَّوَاجِ وَمَفَاسِدِ الطَّلَاقِ 24 رَبِيعٍ الثَّانِي 1444هـ.doc
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق