مجموعة خطب في شرح ( المستظلين بظل عرش الله)

حسين عامر
1433/07/21 - 2012/06/11 07:48AM
في ظلال عرش الله
(المقدمة )

دخل الصيف علينا واشتدت حرارة الشمس والإنسان مع هذا الحر وتلكم الحرارة يبحث عن ظل يأوي إليه أو ماء بارد يشربه فقلت في نفسي يا سبحان الله هذا حالنا في الدنيا فما بالنا غدا يوم العرض على الله حينما يحشر الناس حفاة عراة

كما في صحيح مسلم من حديث عائشة: (يحشر الناس يوم القيامة حفاةً عراةً غُرلاً(أي :غير مختونين قطعة اللحم التي قطعت عند الختان تعاد )، قالت عائشة: يا رسول الله! الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض؟! قال: يا عائشة! الأمر أشد من أن يهمهم ذلك).

وتدنو الشمس من رؤوس الخلائق فقد روى المقداد بن عمرو قال: سمعت رسول الله يقول: "تدنو الشمس يوم القيامة من الخلق؛ حتى تكون منهم كمقدار ميل؛ فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق، فمنهم من يكون إلى كعبيه، ومنهم من يكون إلى ركبتيه، ومنهم من يكون إلى حقويه، ومنهم من يلجمه العرق إلجاماً" وأشار رسول الله بيده إلى فيه"· رواه الإمام مسلم·

تكون الشمس فوق الرؤوس بمقدار ميل، ولولا أن الله قدر ألا نموت بعد الموت، لمتنا جميعا من حرارة الشمس، لصهرت الشمس رؤوسنا وعظامنا، الشمس تبعد عنا مسافة تقدر بحوالي ثلاثة وتسعين مليون ميل، ولا تستغرق ذروة أشعتها أكثر من ثماني ساعات يومياً على سطح الأرض، خلال فصل الصيف.
ولكن كيف نوفق بين حديث اقتراب الشمس من الرؤوس وماورد من تكوير الشمس يوم القيامة ؟
قال الإمام الرازي في تفسير أول سورة التكوير واعلم أن هذه العلامات الستة يمكن وقوعها في أول زمان تخريب الدنيا ، ويمكن وقوعها أيضاً بعد قيام القيامة ، وليس في اللفظ ما يدل على أحد الاحتمالين .
وكذلك قال القرطبي بعد روايات عديدة
ويمكن أن يقال أنه لامانع من وجود الشمس حال الموقف ودنوها من الرؤوس ثم بعد الانتهاء من الموقف تكور الشمس ويلقى بها في النار ، أو يطفأ نورها على الروايات التي جاءت في هذا كله ، والله أعلم .

50 ألف سنة تحت الشمس
وإنك تسمع الناس، يوصي بعضهم بعضاً، بعدم المشي في الشمس لكيلا يتعرض الواحد منهم لضربة شمس ؛ بل ويوصي دولياً وعلى مستوى العالم عبر منظمات حقوق الإنسان؛ بمنع تشغيل العمال ميدانياً؛ إذا تجاوزت الحرارة خمسين درجة مئوية؛ حفاظاً على صحة الإنسان وعقله من حرارة الشمس الشديدة والملتهبة صيفاً .

ونسي أولئك الناس أن هذه الشمس التي يهربون منها، أنهم ملاقوها يوم القيامة بأشد وأقرب ما يكون؟! ألا ينبغي أن نسأل عما يقينا من حر تلك الشمس التي سنقف تحت وهجها ليس ليوم أو يومين ولا لسنة أو سنتين، وإنما لخمسين ألف سنة، نعم لخمسين ألف سنة .
لكن كيف تدنو الشمس من رؤوس الخلائق يوم القيامة بهذه المسافة ، ثم يبقى الناس لحظة واحدة دون أن يحترقوا ؟ !!
هناك فارق عظيم بين أحوال الناس في الدنيا وأحوالهم في الآخرة ، بحيث لا يمكن أن نقيس أحوال الدنيا بأحوال الآخرة ؛ لوجود هذا الفارق العظيم ، فنحن نعلم أن الناس يقفون يوم القيامة خمسين ألف سنة !! وعلى مقياس ما في الدنيا ، فهل يمكن أن يقف أحد من الناس خمسين ألف ساعة ؟ فضلا عن أن يقف خمسين ألف سنة ، وكيف يقفون بلا طعام ولا شراب ولا نوم طوال هذه المدة ولا يموتون ؟!!
إذن فقوانين الدنيا لا تسري على قوانين الآخرة .
فما أحوجنا جميعاً أن نستظل في عرش الرحمن في يوم عصيب كهذا اليوم
ومن رحمته سبحانه أن أبان لنا على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم سبيل النجاة والخلاص، ومنها هذا الحديث:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله:
الإمام العادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق، بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه ) رواه البخاري ومسلم

قال الإمام ابن عبد البر (هذا أحسن حديث يروى في فضائل الأعمال وأعمها وأصحها إن شاء الله ، وحسبك به فضلا ؛لأن العلم محيط بأن كل من كان في ظل الله يوم القيامة لم ينله هول الموقف )
وقال الألباني : وقد ورد في ظل العرش أحاديث تبلغ التواتر .

المعاني المشتركة بين الأجناس السبعة :
إيراد هذه الأصناف السبعة بهذا السياق يدل على أنها تشترك في معان ٍعدة وهي:


1) الرغبة في الله والرهبة منه.


2) مراقبة الله والإخفاء عن الناس .


· فالإمام العادل لم تتحقق عدالته إلا بتقوى الله ورعايته لحقوق العباد وخوفه من المظالم
· وكذلك الشاب وهو في سن الصحة والقوة وعل الرغم من هذا فإنه نشأ ملازما لطاعة الله كما في الحديث (عجب ربنا من شاب ليست له صبوة )حسنه الهيثمي في مجمع الزوائد وقال الألباني إسناده جيد
· والرجل المعلق قلبه بالمسجد إنما دفعه لذلك حبه لعبادة ربه في رحاب السكينة بالمسجد ونلاحظ (قلبه معلق ) إشارة إلى استشعاره حلاوة الإيمان
· وأما المتحابون في الله فلم تجمعهم قرابة ولانسب ولا تجارة إنما حبهم لله جمعهم فاجتمعوا بلا نفاق ولا رياء ولا مجاملات باردة باهتة اجتمعوا لله وتفرقوا عليه .
· والمتصدق في خفاء تغلب على شح نفسه في ماله وتخطى حب الثناء والمدح ، وبذل الصدقة لله وأخفاها ليطهرها من شائبة الرياء قصد بذلك وجه الله .
· وأما المتعفف عن المرأة فالأمر واضح جدا فهي ذات منصب وجاه وعلى جمال والفتنة الأشد أنها هي الداعية الباذلة لنفسها تقول له (هيت لك ) ولسان حاله يقول (معاذ الله) دفعه لذلك مراقبته لله .
· وأما الباكي من خشية الله فهو يذكر الله في خلوة بينه وبين ربه ومع ذكر الله في الخلوة يستشعر العبد تقصيره في حق ربه وجنايته على نفسه بالذنوب والمعاصي ويستحضر القلب عظمة الله وجلاله فيقشعر بدنه ويلين قلبه وتفيض عيناه من خشية الله .

3)اشتراكهم في مخالفة هواهم :
كما قال ابن القيم رحمه الله (إنك إذا تأملت السبعة الذين يظلهم الله عز وجل في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله ،وجدتهم إنما نالوا ذلك الظل بمخالفة الهوى.
· فالإمام لا يكون عادلا إلا بمخالفة هواه .
· والشاب المؤثر لعبادة ربه حقق ذلك بمخالفة هواه
· والرجل المعلق قلبه بالمساجد حمله على ذلك مخالفة الهوى الداعي إلى الكسل أو إلى أماكن اللذات .
· وكذا الحال في المتحابين في الله خالفوا هواهم ولو شاء أحدهم لجعل علاقته بمن تدر عليه نفعا أو تدفع عنه ضرا فخالف كل منهما هواه
· والمتصدق في خفاء خالف هواه في حب الظهور والمدح من الناس بالإضافة إلى أن الإنسان جبل على حب المال .
· والمتعفف عن المرأة ثبت عند أشد فتنة على الرجال وخالف هواه وقال (معاذ الله ) .
· و الباكي من خشية الله لم يخلُ بمعصية ولا بإثم إنما أنس بالله وبذكره حتى فاضت عيناه .

4) الجزاء من جنس العمل :
فهؤلاء فعلوا ذلك كله مخافة الله فأمنهم الله يوم الفزع وقابل خوفهم بالأمن كما في الحديث القدسي (و عزتي لا أجمع لعبدي أمنين و لا خوفين ، إن هو أمنني في الدنيا أخفته يوم أجمع فيه عبادي ، و إن هو خافني في الدنيا أمنته يوم أجمع فيه عبادي) صححه الألباني

ما سر العدد سبعة ومضاعفاته في القرآن الكريم والسنة النبوية؟
تعرض ابن القيم رحمه الله في كتابه "زاد المعاد في هدى خير العباد" (4/90)
للعدد سبعة عند كلامه على حديث الصحيحين : (من تصبح بسبع تمرات من تمر العالية لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر) فقال : وأما خاصية السبع فإنها وقعت قَدَراً وشرعاً ، فخلق الله عز وجل السموات سبعا ، والأرضين سبعا ، والأيام سبعا ، والإنسان كمل خلقه في سبعة أطوار، وشرع الله لعباده الطواف سبعا ، والسعي بين الصفا والمروة سبعا ، ورمي الجمار سبعا سبعا ، وتكبيرات العيدين سبعا في الأولى، وقال صلى الله عليه وسلم: (مروهم بالصلاة لسبع) وإذا صار للغلام سبعُ سنين خُيِّر بين أبويه في رواية ، وفى رواية أخرى : أبوه أحق به من أمه وفى ثالثة : أمه أحق به ، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه أن يصب عليه من سبع قرب ، وسخَّر الله الريح على قوم عاد سبع ليال ، ودعا النبي صلى الله عليه وسلم أن يعينه الله على قومه بسبع كسبع يوسف ، -أي سبع سنوات من الجدب - ومَثَّل الله سبحانه ما يضاعف به صدقة المتصدق بحبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة، والسنابل التي رآها صاحب يوسف سبعا، والسنين التي زرعوها سبعا ، وتضاعف الصدقة إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة ، ويدخل الجنة من هذه الأمة بغير حساب سبعون ألفا .ثم عَلَّق ابن القيم قائلا : فلا ريب أن لهذا العدد خاصية ليست لغيره ، والسبعة جمعت معاني العدد كله وخواصه ، فإن العدد شفع ووتر، والشفع أول وثان ، والوتر كذلك ، فهذه أربعة مراتب ، شفع أول وثان ، ووتر أول وثان ، ولا تجتمع هذه المراتب فى أقل من سبعة ، وهى عدد كامل جامع لمراتب العدد الأربعة ، ثم قال : والله تعالى أعلم بحكمته وشرعه وقَدَره في تخصيص هذا العدد هل هو لهذا المعنى أو لغيره" انتهى .وعلى هذا ؛ فالصواب التوقف عن الخوض في علة تخصيص هذا العدد بالذكر إلا بدليل صحيح صريح .

هل هذا الحديث خاص بالذكور أم تدخل فيه النساء ؟

ليس هـذا الفضل المذكور في هـذا الحديث خاصاً بالرجال ، بل يعم الرجال والنساء ، فالشابة التي نشأت في عبادة الله داخـلة في ذلك ، وهكـذا المتـحابات في الله من النساء داخـلات في ذلك ، وهكـذا كـل امـرأة دعاها ذو منصب وجمال إلى الفاحشة فقالت: إني أخاف الله ، داخلة في ذلك ، وهكذا من تصدقت بصدقة من كسب طيب لا تعلم شمالها ما تنفق يمينها داخلة في ذلك ، وهكذا من ذكر الله خالياً من النساء داخل في ذلك كالرجال،ومن الممكن أن تدخل المرأة في معنى الإمام العادل كأن تكون ذات عيال فتعدل فيهم ،وأما خصلة المسجد فالمرأة يصعب عليها ذلك خاصة أنها مرتبطة ببيتها وأولادها ؛وإن كانت لا تمنع من الصلاة بالمساجد .

هل السبعة الذين يظلهم الله اجتمعن في يوسف ؟

يقال أن هذه السبعة تحققت في يوسف فقد كان إماما عادلا، وشابا نشأ في عبادة الله، و قلبه معلق بمواطن العبادة ، و تحاب هو ووالده في الله، ، و طلبته امرأة العزيز وكانت ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، و تصدق على إخوته سرا حين قال لفتيانه (اجعلوا بضاعتهم في رحالهم )يوسف 62، ولا يخفى كونه نبيا أنه ذكر الله خاليا ففاضت عيناه .

معنى ظل عرش الله

هذا الظل إنما هو ظل العرش وإضافته إلى الله إنما هو من باب إضافة الشئ إلى مالكه ، وكل ظل فهو ملك الله ، أو من باب إضافة المخلوق إلى خالقه إضافة تشريف مثل: قول الله تعالى : (نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا )،وقولنا بيت الله وعبد الله فإضافة هذه الناقة إلى الله إضافة تشريف, وكذلك إضافة البيت إلى الله ،وكل أولئك مخلوقون وإضافتهم إلى الله إضافة تشريف .
والمؤدى واحد فسواء كانت الإضافة للملكية أم للتشريف فالعلماء متفقون على أن المراد هو ظل عرش الله .

معنى يوم لا ظل إلا ظله

في الدنيا؛ نحن نبني الظل لنا، لكن يوم القيامة؛ لا ظل إلا الظل الذي أذن الله سبحانه وتعالى به(وهو ظل العرش )

ما هو العرش ؟

العرش هو أعظم المخلوقات ، وعليه استوى ربنا استواءً يليق بجلاله ، وله قوائم ، ويحمله حملة من الملائكة عظام الخلق .
والكرسي هو موضع قدمي الرحمن عز وجل على أصح الأقوال فيه ، والعرش أكبر من الكرسي . وقد أخطأ من جعلهما شيئاً واحداً .
عن ابن مسعود قال : بين السماء الدنيا والتي تليها خمسمائة عام وبين كل سماء خمسمائة عام ، وبين السماء السابعة والكرسي خمسمائة عام ، وبين الكرسي والماء خمسمائة عام ، والعرش فوق الماء ، والله فوق العرش لا يخفى عليه شيء من أعمالكم . رواه ابن خزيمة في " التوحيد " ، والبيهقي في " الأسماء والصفات ".
قال الشيخ ابن عثيمين :
هذا الحديث موقوف على ابن مسعود ، لكنه من الأشياء التي لا مجال للرأي فيها ، فيكون لها حكم الرفع ، لأن ابن مسعود لم يُعرف بالأخذ من الإسرائيليات .
وعرش الرحمن هو أعظم المخلوقات ، وأوسعها .
قال تعالى : { فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش العظيم } [ المؤمنون / 116 ] ، وقال تعالى { وهو رب العرش العظيم } [ التوبة / 129 ] ، وقال تعالى { ذو العرش المجيد } [ البروج / 15 ] .
قال القرطبي : خصَّ العرش لأنه أعظم المخلوقات فيدخل فيه ما دونه .
وقال ابن كثير : { وهو رب العرش العظيم } أي : هو مالك كل شيء وخالقه ؛ لأنه رب العرش العظيم الذي هو سقف المخلوقات ، وجميع الخلائق من السموات والأرضين وما فيهما وما بينهما تحت العرش مقهورين بقدرة الله تعالى ، وعلمه محيط بكل شيء ، وقدره نافذ في كل شيء ، وهو على كل شيء وكيل .
وقال رحمه الله : { ذو العرش } أي : صاحب العرش العظيم العالي على جميع الخلائق ، و{ المجيد } : فيه قراءتان : الرفع على أنه صفة للرب عز وجل ، والجر على أنه صفة للعرش ، وكلاهما معنى صحيح .
والمجيد : المتسع عظيم القدر .
عن أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الناس يُصعقون يوم القيامة فأكون أول من يفيق فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور " . رواه البخاري.

وللعرش حملة يحملونه ؛ قال تعالى : ( الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلماً فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم ) [ غافر / 7 ] .
وهم على خِلقة عظيمة ؛عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أُذِن لي أن أحدِّث عن ملَك من ملائكة الله من حملة العرش ، إنَّ ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام " . رواه أبو داود.
والحديث : قال عنه الحافظ ابن حجر : وإسناده على شرط الصحيح .
والعرش فوق الكرسي بل فوق كل المخلوقات .
وأما الكرسي فقال تعالى : { وسع كرسيه السموات والأرض } [ البقرة / 255 ] ، وقد قيل : هو العرش ، والصحيح : أنه غيره ، نُقل ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما وغيره روى ابن أبي شيبة في كتاب " صفة العرش " والحاكم في " مستدركه " وقال : إنه على شرط الشيخين ولم يخرجاه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى : { وسع كرسيه السموات والأرض } أنه قال : " الكرسي موضع القدمين ، والعرش لا يقدر قدره إلا الله تعالى " .
وقد روي مرفوعاً ، والصواب : أنه موقوف على ابن عباس ...
قال أبو ذر رضي الله عنه : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما الكرسي في العرش إلا كحلْقة من حديد أُلقيت بين ظهري فلاة من الأرض " .
ونلتقي في المرة القادمة إن شاء الله مع هذه الأصناف السبعة واحدا تلو الآخر وأولهم إمام عادل
المشاهدات 20756 | التعليقات 8

" الإمام العادل "
الإمام العادل هو :الذي يتبع أمر الله بوضع كل شئ في موضعه من غير إفراط ولا تفريط ، وهو العدل في نفسه العادل في حكمه
قال تعالى :
(الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (٤١الحج
المراد بالإمام العادل :
والإمامة هنا الإمامة الكبرى وهى ولاية الأمر العام على المسلمين .
والإمام العادل مسئول أمام الله عن سياسة الدنيا وحراسة الدين

كما في الحديث (أهل الجنة ثلاثة : سلطان مقسط ، ورجل رحيم القلب بكل ذي قربى ومسلم ، ورجل غني عفيف متصدق ) . رواه مسلم عن عياض بن حمار
وهو راع ومسئول عن رعيته كما في الحديث (إِنْ شِئْتُمْ أَنْبَأْتُكُمْ عَنِ الإِمَارَةِ وَمَا هِيَ؟ وَمَا هِيَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قال : أَوَّلُهَا مَلامَةٌ، وَثَانِيهَا نَدَامَةٌ، وثَالِثُهَا عَذَابٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلا مَنْ عَدَلَ) رواه البزار والطبراني، وحسنه الألباني.
ولذا كان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يقول للبعير الأجرب من إبل الصدقة وهو يطليه ويداويه: "إني أخاف أن أسأل عنك يوم القيامة".
و قال الحافظ ابن رجب في الفتح :وأول هذه السبعة : الإمام العادل .وَهُوَ أقرب النَّاس من الله يوم القيامة ، وَهُوَ عَلَى منبر من نور عَلَى يمين الرحمن - عز وجل - ، وذلك جزاء لمخالفته الهوى ، وصبره عَن تنفيذ مَا تدعوه إليه شهواته وطمعه وغضبه ، مَعَ قدرته عَلَى بلوغ غرضه من ذَلِكَ ؛ فإن الإمام العادل دعته الدنيا كلها إلى نفسها ، فقالَ : إني أخاف الله رب العالمين .
وهذا أنفع الخلق لعباد الله ، فإنه إذا صلح صلحت الرعية كلها .وقد روي أَنَّهُ ظل الله فِي الأرض ؛ لأن الخلق كلهم يستظلون بظله ، فإذا عدل فيهم أظله الله فِي ظله )اهـ.وأمر النبي - صلى الله عليه وسلم بتوقيره وإجلاله، )من أجلَّ سلطان الله أجله الله يوم القيامة) رواه الطبراني، وحسنه الألباني.
و دعا له النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال : (وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ)رواه مسلم.


- وجعل الله له دعوة مستجابة(ثلاثة لا يرد الله دعاءهم: الذاكر الله كثيرًا والمظلوم والإمام
المقسط) رواه البيهقي، وحسنه الألباني.


- ورغبنا النبي -صلى الله عليه وسلم- في الدعاء له، فقال (أَلا أُخْبِرُكم بِخِيارِ أُمَرَائِكُم وَشِرَارِهم؟ خيَارُهم: الذين تُحِبُّونَهم، ويُحِبُّونَكُم، وَتَدْعُونَ لَهُمْ ويَدْعُونَ لَكُمْ، وشِرَارُ أُمَرائِكم: الذين تُبْغِضُونَهُمْ ويُبْغِضُونَكم، وَتَلْعَنُونَهُمْ، ويَلْعَنُونَكُمْ) رواه الترمذي، وصححه الألباني.


ويلتحق به كل من ولي شيئا من أمور المسلمين فعدل فيه كولاية رب الأسرة على بيته وولاية رئيس العمل على مرؤوسيه(أفاده ابن حجر بمعناه كما في فتح الباري )
ويفسر هذا ويؤيده قوله عليه الصلاة السلام :"إن المقسطين عند الله على منابر من نور ، الذين يعدلون فى حكمهم وأهليهم وما ولوا"رواه مسلم عن ابن عمر
حتى قالوا من لزمه الحكم بين اثنين فعدل بينهما كان ممن يظلهم الرحمن في ظل عرشه كما في الحديث (ما من أمير عشرة ، إلا وهو يؤتى به يوم القيامة مغلولا حتى يفكه العدل أو يوبقه الجور(.رواه أحمد وصححه الألباني
انتبه أيها الأب في البيت! ويا أيها الرئيس في القسم! ويا أيها الصاحب للعمل وتحته عمال! (ما من أمير عشرة...)
و( إِنَّ اللَّهَ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا اسْتَرْعَاهُ، أحَفِظَ ذَلِكَ أَمْ ضَيَّعَ، حَتَّى يَسْأَلَ الرَّجُلَ عَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ) رواه ابن حبان، وقال الألباني: حسن صحيح
صفات الإمام العادل :
أولا /هو الذي يشمل عدله كل الرعية ولا يختص بشخص أو بأسرة أو جماعة
قال تعالى :( يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (٢٦) ص
وقال تعالى مخاطبا جموع المسلمين (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (١٣٥)) النساء

وقدوته في ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم عن عائشة أن قريشاً أهمّهم المرأة المخزومية التي سرقت ، فقالوا : من يكلم فيها رسول الله ، ومن يجترىء عليه إلا أسامة ، فكلمه أسامة ، فقال الرسول : أتشفع في حد من حدود الله ، ثم خطب فقال : إنما أهلك من كان قبلكم إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحد ، وأيم الله ! لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ، فأمر النبي بقطع يدها .رواه البخاري ومسلم
بل وكان يقتص من نفسه ‏فقد كان صلى الله عليه وسلم في بدر يعدل الصفوف ويقوم بتسويتها لكي تكون مستقيمة متراصة، وبيده سهم لا ريش له يعدل به الصف، فرأى رجلاً اسمه سواد بن غزية، وقد خرج من الصف فطعنه صلى الله عليه وسلم في بطنه، وقال له: «استوِ يا سواد» فقال: يا رسول الله أوجعتني، وقد بعثك الله بالحق والعدل فأقدني، فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بطنه وقال: «استقد» فاعتنقه فقبل بطنه، فقال: «ما حملك على هذا يا سواد» قال: يا رسول الله حضر ما ترى فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك، فدعا له رسول الله بخير.


- دخلت فاطمة بنت عبد الملك على زوجها عمر بن عبد العزيز وهو يبكي، فسألته عن سرِّ بكائه، فقال:

إني تَقَلَّدْتُ(توليت) من أمر أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- أسودها وأحمرها، فتفكرتُ في الفقير الجائع، والمريض الضائع، والعاري والمجهود، والمظلوم المقهور، والغريب الأسير، والشيخ الكبير، وذوي العيال الكثيرة، والمال القليل، وأشباههم في أقطار الأرض وأطراف البلاد، فعلمتُ أن ربي سائلي عنهم يوم القيامة، فخشيتُ ألا تثبتَ لي حجة فبكيتُ.

ثانيا /حرصه على أموال المسلمين :
فهو مؤتمن عليها لا يمنع ويقتر على رعيته ولا يسرف إسرافا بينا فيما لا نفع فيه
طُلب من عمر بن عبد العزيز أن يأمر بكسوة الكعبة،كما جرت العادة بذلك كل عام، فقال: إني رأيت أن أجعل ذلك في أكباد جائعة،فإنه أولى بذلك من البيت.
وترك عمر زينة الحياة الدنيا، ورفض كل مظاهر الملك التي كانت لمن قبله من الخلفاء، وأقام في بيت متواضع بدون حـرس ولا حجاب، ومنع نفسه التمتع بأمواله، وجعلها لفقراء المسلمين،


كما جرَّد زوجته فاطمة بنت الخليفة عبد الملك بن مروان من حليها وجواهرها الثمينة، وطلب منها أن تعطيها لبيت المال، فقال لها:اختاري..إما أن تردي حليك إلى بيت المال، وإما أن تأذني لي في فراقك، فإني أكره أن أكون أنا وأنت ومعك هذه الجواهر في بيت واحد، فأنت تعلمين من أين أتى أبوك بتلك الجواهر، فقالت: بل أختارك يا أمير المؤمنين عليها وعلى أضعافها لو كانت لي، فأمر عمر بتلك الجواهر فوضعت في بيت المال.
وبلغه أن أحد أولاده اشترى خاتمًا له فصٌّ بألف درهم، فكتب إليه يلومه، ويقول له: بِعه وأشبع بثمنه ألف جائع، واشترِ بدلاً منه خاتمًا من حديد، واكتب عليه: رحم الله امرءًا عرف قدر نفسه.
وبعد فترة حكمه التي دامت تسعة وعشرين شهرًا، اشتد عليه المرض، فجاءه ابن عمه مسلمة بن عبد الملك، فقال له: يا أمير المؤمنين، ألا توصي لأولادك، فإنهم كثيرون، وقد أفقرتهم، ولم تترك لهم شيئًا؟!فقال عمر: وهل أملك شيئًا أوصي لهم به، أم تأمرني أن أعطيهم من مال المسلمين؟ والله لا أعطيهم حق أحد، وهم بين رجلين: إما أن يكونوا صالحين فالله يتولاهم، وإما غير صالحين فلا أدع لهم ما يستعينون به على معصية الله، وجمع أولاده، وأخذ ينظر إليهم، ؛ حتى ملئت عيناه بالدموع، ثم قال: يا بَنِي، إن أباكم خُيِّر بين أمرين: بين أن تستغنوا )أي تكونوا أغنياء) ويدخل أبوكم النار، وبين أن تفتقروا، ويدخل أبوكم الجنة، فاختار الجنة.. يا بَنِي، حفظكم الله ورزقكم، وقد تركتُ أمركم إلى الله وهو يتولى الصالحين.

ثالثا / يرد المظالم ويمنع وقوع الظلم وكل الناس عنده سواء
قال أبو بكر في أول خطاب له بعد مبايعته بالخلافة :
(أما بعد أيها الناس فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني، الصدق أمانة والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي حتى أرجع عليه حقه إن شاء الله، والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه إن شاء الله، لايدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل، ولا تشيع الفاحشة في قومٍ إلا عمّهم الله بالبلاء، أطيعوني ماأطعت الله ورسوله فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم، قوموا الى صلاتكم يرحمكم الله.)


وقصة عمر رضي الله عنه وجبلة بن الأيهم من الأمثلة التاريخية الهامة التى نستدل بها على عدم الهوادة عند الإمام العادل في تطبيق المساواة.


كان جبلة (آخر أمراء بني غسان وكان الغساسنة يعيشون في الشام تحت إمرة دولة الروم ثم مع انتشار الإسلام انضمت للمسلمين) أسلم وفرح عمر بإسلامه وقدومه، إلى المدينة ،ثم بدا له أن يخرج إلى الحج، وفي أثناء طوافه بالبيت الحرام وطئ إزاره رجل من بني فزارة فحله، وغضب الأمير الغساني لذلك- وهو حديث عهد بالإسلام- فلطمه لطمة قاسية هشمت أنفه، فأسرع الفزاري إلى أمير المؤمنين يشكو إليه ما حل به، فأرسل الفاروق إلى جبلة يدعوه إليه، ثم سأله فأقر بما حدث، فقال له عمر: ماذا دعاك يا جبلة لأن تظلم أخاك هذا فتهشم أنفه؟ فأجاب بأنه قد ترفق كثيرا بهذا البدوي وأنه لولا حرمة البيت الحرام لقتله، فقال له عمر: لقد أقررت، فإما أن ترضي الرجل، وإما أن أقتص له منك.
قال: وكيف ذلك وهو سوقة وأنا ملك.
فقال عمر: إن الإسلام قد سوى بينكما.
فقال الأمير الغساني: لقد ظننت يا أمير المؤمنين أن أكون في الإسلام أعز مني في الجاهلية.
فقال الفاروق: دع عنك هذا فإنك إن لم تُرضِ الرجل اقتصصت له منك.
فقال جبلة: إذا أتَنَصّر.
فقال عمر: إذا تنصرت ضربت عنقك، لأنك أسلمت فإن ارتددت قتلتك.
وهنا أدرك جبلة أن الجدال لا فائدة منه، وأن المراوغة مع الفاروق لن تجدي، فطلب من الفاروق أن يمهله ليفكر في الأمر، فأذن له عمر بالانصراف، وفكر جبلة بن الأيهم ووصل إلى قرار، وكان غير موفق في قراره، فقد آثر أن يغادر مكة هو وقومه في جنح الظلام، وفر إلى القسطنطينية، فوصل إليها متنصرا.
وفي هذه القصة نرى حرص الفاروق على مبدأ المساواة أمام الشرع، فالإسلام قد سوى بين الملك والسوقة، ولا بد لهذه المساواة أن تكون واقعا حيا وليس مجرد كلمات توضع على الورق أو شعار تردده الألسنة.

رابعا /صلاح الرعية وانتشار الأمن بينها :
- وقد جاء عن
الإمام أحمد: "لو كانت لي دعوة مستجابة لجعلتها للسلطان؛ لأنه بصلاحه صلاح الأمة". وقال سفيان الثوري -رحمه الله: "صنفان إذا صلحا صلحت الأمة وإذا فسدا فسدت الأمة: السلطان والعلماء
صفة الإمام العادل

كتـب عمر بن عبد العـزيز رضي اللـه عنه لما وليَ الخلافة إلى الحسن البصري أن يكتب إليه بصفة الإمام العادل فكتب إليه الحسن رحمه اللـه:أعلم يا أمير المؤمنين أن اللـه جعل الإمام العادل قَوامَ كل مائل وقصـد كـل جائر، وصـلاح كل فاسـد، وقوة كل ضـعيف، ونَـصَـفَـةَ كل مظلوم، ومَفْزَعَ كل ملهوف.

والإمام العادل يا أمير المؤمنين كالراعي الشفيق على إبله الرفيق بها، الذي يرتاد لها أطيب المرعى، ويذودها عن مراتع الهَلَكة، ويحميها من السباع، ويكنُّها من أذى الحَرّ والقُرَ.
والإمام العادل يا أمير المؤمنين كالأب الحاني على ولده، يسعى لهم صغاراً ويعلمهم كباراً، يكتسب لهم في حياته ويدّخر لهم بعد مماته.

والإمام العادل يا أمير المؤمنين كالأم الشفيقة البَرّة الرفيقة بولدها، حملته كُرْهاً ووضعته كرهاً، وربّته طفلاً، تسهر بسهره، وتسكن بسكونه، ترضعه تارة وتفطمه أخرى، وتفرح بعافيته وتغتمّ بشكايته.

والإمام العادل يا أمير المؤمنين، وصيّ اليتامى، وخازن المساكين، يربّي صغيرهم، ويُمَوِّنُ كبيرَهم.
والإمام العادل يا أمير المؤمنين كالقلب بين الجوارح تصلح الجوارح بصلاحه وتفسد بفساده.
والإمام العادل يا أمير المؤمنين، هو القائم بين اللـه وبين عباده، يسمع كلام اللـه ويسمعهم، وينظر إلى اللـه ويريهم، وينقاد إلى اللـه ويقودهم.
فلا تكنْ يا أمير المؤمنين فيما ملكك اللـه عز وجل كعبد ائتمنه سيده واستحفظه ماله وعياله، فبدد المال وشرد العيال، فأفقر أهله وفرق ماله.......)الخ ما قال
حكم طلب المناصب :
عن أبي ذر -رضي الله عنه- قال :قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلاَ تَسْتَعْمِلُنِي؟ قَالَ: فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى مَنْكِبِي ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا ذَرٍّ إِنَّكَ ضَعِيفٌ وَإِنَّهَا أَمَانَةٌ وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْىٌ وَنَدَامَةٌ إِلاَّ مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا) رواه مسلم.
وحديث ( لاَ تَسْأَلِ الإِمَارَةَ فَإِنَّكَ إِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِلْتَ إِلَيْهَا وَإِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا) متفق عليه..
وسلفنا كانوا أزهد الناس في ذلك :
فعن عامر بن سعد بن أبي وقاص قال: (كان سعد في إبلٍ له وغنم فأتاه ابنه عمر فلما رآه قال: أعوذ بالله من شر هذا الراكب!!!
فلما انتهى إليه قال: يا أبت! أرضيتَ أن تكون أعرابياً في إبلك وغنمك والناس يتنازعون في الملك؟!
قال: فضرب سعدٌ صدر عمر وقال: اسكت يا بني فإني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي)
وقال بعض السلف: ما أحب أحدٌ الرياسة إلا أحب ذكر الناس بالنقائص والعيوب، ليتميز هو بالكمال، ويكره أن يذكر الناس أحداً عنده بخير

والعلماء على أنه يجوز طلب الإمارة إذا تعين ذلك على الإنسان، وعلم من نفسه أنه قادر على القيام بذلك،وخاصة إذا تولاها غيره فأفسد فيها أو ظلم وعدم وجود الكفء الذي يتحمل المسؤولية كما طلبها يوسف عليه الصلاة والسلام: (اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ )يوسف:55
بل لو كان هناك ظالم أو خائن، ربما يأثم لو لم يتقدم لإنقاذ الأمر، لأنه يريد مصلحة المسلمين، لا مصلحته الشخصية
وأما قول الله عز وجل: وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً [الفرقان:74]
فقد قال العلماء معناها :واجعلنا أئمة يقتدى بنا من بعدنا، اجعلنا على درجة من العمل الصالح والخير حتى نكون قدوة للناس بأعمالنا، فهم لا يقولون للناس: يا أيها الناس! هلمُوا إلينا، قلدونا، اعملوا مثلنا.
وإنما يطلبون من الله، وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً أئمة في الخير يقتدى بنا من بعدنا
تقدموا يا أصحاب الأيدي المتوضئة
نعم تقدموا لهذه المناصب التي شغلها المفسدون فأفسدوا وضيعوا وخربوا فإذا تولى المفسدون وتأخر المصلحون عن دورهم فهذا معناه دوام الفوضى في بلادنا
نسأل الله أن يولى أمورنا خيارنا وألا يولي أمورنا شرارنا
العدل مع الزوجة
وينبغي على الرجل أن يعدل في معاملته لزوجته وأن يعلم أن القوامة ليست هي ضرب الزوجة وإهانتها أو التضييق عليها أو الطلاق والتفريق بينها وبين أولادها
فكل هذا من الظلم الذي لايرضي الله
العدل مع الأولاد :
أجمع العلماء على مشروعية العدل بين الأولاد في العطية، فلا يخص أحدهم أو بعضهم بشيء دون الآخرين. لما رواه البخاري ومسلم عن النعمان بن بشير أن أباه أتى النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال: إني نحلت ابني هذا غلاماً كان لي، فقال الرسول – صلى الله عليه وسلم -: "أكلَّ ولدك نحلته مثل هذا؟ فقال: لا، فقال عليه الصلاة والسلام فأرجعه". وفي لفظ لهما أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: فاتقوا الله وأعدلوا بين أولادكم، قال فرجع فرد عطيته.


و التفضيل بين الأولاد يفضي كثيراً إلى التباغض وقطع الأرحام والعقوق، وقطع الرحم والعقوق محرمان، فما يؤدي إليهما يكون محرماً. و لا يجب على الوالد التسوية في النفقة والكسوة ، بل الواجب الإنفاق على المحتاج كل فيما يخصه حسب كفايته وحاجته؛ لأنها إنما شرعت لدفع الحاجة، وهذا في الحاجة المعتادة، أما في الحاجة غير المعتادة فإنه يكون بالمعروف، فإذا زاد عن المعروف فلا يجوز .
و العدل بين الأولاد مطلوب حتى في الأمور غير المالية، والتي تدل على التفضيل كتقريب بعضهم في المجلس أو تخصيصه بالكلام من غير حاجة، أو تخصيص بعضهم فيما إذا كانوا صغاراً بالتقبيل، لما ينجم عن التفضيل من العداوة وقطيعة الرحم بينهم وبين والديهم.


في ظلال عرش الله
(2)" شاب نشأ في عبادةالله "


وقد خَصَّ الرسول صلى الله عليه وسلم الشَّابّ بالذكر لِكَوْنِهِ مَظِنَّة غَلَبَة الشَّهْوَة لِمَا فِيهِ مِنْ قُوَّة الْبَاعِث عَلَى مُتَابَعَة الْهَوَى ؛ فإن الشباب شعبة من الجنون ، وَهُوَ داع للنفس إلى استيفاء الغرض من شهوات الدنيا ولذاتها المحظورة ، فمن سلم مِنْهُ فَقَدْ سلم ، وَ مُلازَمَة الْعِبَادَة مَعَ ذَلِكَ أَشَدُّ وَأَدَلّ عَلَى غَلَبَة التَّقْوَى . وفي الحَدِيْث : ( عجب ربك من شاب ليست لَهُ صبوة) . حسنه الهيثمي في مجمع الزوائد وقال الألباني إسناده جيد ومن حرصه صلى الله عليه وسلم على شباب أمته أنه حذرهم من التفريط في ذلك العمر؛ لأنه زمن القوة والاكتمال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم( اغتنم خمساً قبل خمس ـ وذكر منها ـ وشبابك قبل هرمك ) أخرجه الحاكم عن ابن عباس


فعدّ رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الشباب غنيمة، وحث على تداركها قبل فواتها؛ وذلك لأن تلك المرحلة يستطيع العبد أن يحصّل فيها ما يعجز بعد فواته.
ومن حرص الشارع الحكيم على تلك المرحلة أنه بين أن العبد مسؤول عنها بعينها، لعظم شأنها.
عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه؟ وعن شبابه فيما أبلاه ...)أخرجه الترمذي
فهو يسأل عن عمره كله مرة واحدة ثم سؤالا خاصا بمرحلة الشباب إشارة إلى أهميتها .

والنبي صلى الله عليه وسلم قال نشأ في عبادة الله وهذا يشير إلى أثر البيئة التي ينشأ فيها الشاب وقوله (نشأ في) ولم يقل( نشأ على) وكأن عبادة الله كانت له كالحقل ينبت فيه أو كالبيت تربى فيه . وهو ما يشير إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم(كل مولود يولد على الفطرة ....)ولذلك لابد من الاهتمام بالتربية الإيمانية لأبنائنا من الصغر فالتعويد على الصلاة والصيام والآداب والأخلاقيات الإسلامية من الصغر أمر لا يغفل أبدا ، فمن أحسن الغرس جنى الثمر ومن زرع الشوك جنى الجراح ، ومن شب على شئ شاب عليه .
- والإشكالية هنا في أن بعض الآباء يغفل عن أبنائه حتى إذا شبوا وصاروا في الخامسة عشر أو أكثر انتبه لابنه أو ابنته ويسأل ماذا أفعل الآن ابني كبر ابنتي كبرت ؛كلا (فإن الأغصان إذا قومتها اعتدلت ولا يلين إذا قومته الخشب )
- ومن الآباء من جعل كل همه أن يوفر لأبنائه الطعام والشراب مما لذ وطاب وأن يلبسهم أحسن الثياب ونسي أن هذا كله إنفاق وليس تربية فالأب ليس مورد مالي ولا أمين خزينة إنما مهمته التربية والتوجيه وتنشئة الجيل الصالح .
فأولادنا غرس ينبغي أن نتعاهده من الصغر بتربيته وتشكيل عقليته وتصوراته بالصورة الإسلامية فينشأون ويشبون كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء .
- كما أن في الحديث توجيها لمجانبة رفقاء السوء خوفا من التأثر بهم لأن الصاحب ساحب و (المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل )
"شاب نشأ في عبادةالله "
- والبعض يظن من أول وهلة أن قوله صلى الله عليه وسلم " شاب نشأ في عبادةالله " معناه شاب تنشأ ليكون ملازما للمسجد وحفظ القرآن فقط ، وهذا قد فعله بعض الشباب حين تركوا دراساتهم العلمية في الكليات المختلفة بحجة طلب العلم الشرعي !!!
وهذا يدل على عدم فهمنا للمعنى الحقيقي للعبادة وحصرها في مفهوم أنها هي الصلاة وقراءة القرآن .... أو بمعنى أدق حصر مفهوم العبادة في الشعائر التعبدية
كلا فإن العبادة كما عرفها ابن تيمية (اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة.)
وعلى هذا فالعبادة تتضمن:
- الفرائض والأركان التعبدية:الصلوات الخمس، والزكاة الواجبة، وصوم رمضان والحج. - السنن والمستحبات التعبدية:السنن المؤكدة والنفل المطلق من الصلوات، وصدقة التطوع. -الأخلاق القلبية : الصبر والرضا والتأني وحسن الظن. - آداب الأكل والنوم والحديث والطريق ....الخ .
- المعاملات الاجتماعية مع الغير:حسن المعاملة، والوفاء بالحقوق والوعود، وأداء الأمانات، والصدق في الحديث، وبر الوالدين، وصلة الرحم، والإحسان إلى اليتامى والمساكين والضعفاء. - المعاملات المالية : أداء الحقوق وحفظ الأمانة .
والحياة ميدان رحب للعبادة إذا قرن العمل بالنية الصالحة قال الله تعالى (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)
وعن كعب بن عجرة أن رجلا مر على أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم فرأى أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم من جلده ونشاطه ما أعجبهم ، فقالوا : يا رسول الله ، لو كان هذا فى سبيل الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ان كان يسعى على ولده صغارا فهو فى سبيل الله ، وان كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين ففى سبيل الله ، وان كان خرج يسعى على نفسه ليعفها ففى سبيل الله ، وان كان خرج يسعى على أهله ففى سبيل الله ، وان كان خرج يسعى تفاخرا وتكاثرا ففى سبيل الطاغوت" أخرجه الطبرانى وهوحديث حسن
وعلى هذا نقول للشاب أن أي حركة وأي عمل صحت فيه النية والقصد فهو عبادة لله فدخول الشاب إلى جامعة يتعلم فيها العلم النافع ويدرس ويتفوق وينفع الله به فهذا العمل عبادة .
وخروجه من بيته لعمل حلال وكسب طيب يعف نفسه وأهله هذا عبادة لله
وإذا أراد الزواج بذات الدين التي أوصانا الشرع بها فزواجه عبادة لله .
وإذا ربى أولاده رباهم على الإسلام وأحسن تربيتهم حتى يشبوا ويكبروا فهذا عبادة لله
وهكذا إخواني كل قول أو فعل صحت في النية والقصد فهو عبادة لله .

قوة الأمة بقوة شبابها :
فثروة الأمم ليست في المذخور في باطن الأرض ولا في المنشور على ظاهرها فقط .
ليست ثروتها في معادنها ولا في ذهبها وفضتها ؛وليست ثروتها فيما تملكه من أرصدة البنوك .
ليست هذه هي الثروة كما يتصور البعض
الثروة الحقيقية هي :الإنسان
الإنسان هو أعظم ثروة ، والشباب هم العنصر الأهم لهذه الثروة الإنسانية ولهذا إذا أحببت أن تعرف مستقبل أمة فاسأل ما موقع شبابها ؟ما الذي يهمهم ؟وما أهدافهم في الحياة ماذا يصنعون ؟ وفيم يفكرون ؟

مفاهيم عجيبة للشباب
بعض الشباب ظن أن كلمة شاب معناها النوم والراحة والكسل أو سجائر ومخدرات وصحبة السوء أو لعب للكرة ومشاهدة المباريات ومتابعة الأخبار والقنوات الرياضية فصارت الكرة كأنها وثن يعبد .
ومنهم من عكف على سماع الأغاني ومتابعة الأحدث منها ومعظم الأغاني التي تسمع في هذا العصر تدور حول محور واحد هو الحب والغرام والعشق والهجر والوصال ،كأنه ليس في الدنيا شئ إلا الحب وكأنه ليس هناك حب إلا حب المرأة وحب جسدها.... وحب المرأة الأجنبية لاحب المرأة الزوجة ولا حب المرأة الأم
ومنهم من جعل الشباب مصادقة الشاب للفتاة والفتاة للشاب وحب هذه والجري وراء تلك
أو أن كلمة شاب معناها أن يتخنث الشاب فيلبس سلسلة في رقبته وانسيالا وحليا كالنساء وتسترجل الفتاة ، الإسلام لايريد أن يمشي الواحد في الطريق فلا يعرف من أمامه أهو رجل فيتحسر على الرجولة الضائعة أم فتاة فيتحسر على ضياع الحياء ... سبحان الله
جمال الرجل ليس في إظهاره لشعر صدره تتدلى من رقبته سلسلة إنما جمال الرجل في خشونته ،أن يبقى الرجل رجلا .
وليست الأنوثة أن تسترجل الفتاة ، أو إبراز مفاتنها وإثارة الغرائز ؛إنما جمال أي فتاة في حيائها ،فإذا نزع الحياء من فتاة نزع منها أغلى شئ .
عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال رواه البخاري تحديد الهدف :
ومن العجب أن تجد شابا يهيم على وجهه في الدنيا كالريشة في مهب الريح
فالشاب الضائع أو المائع الذي ينقاد لغيره ، ألغى شخصيته فذابت مع غيره .
لابد وأن يوطن نفسه ويستقل بذاته عن غيره كما علمنا الرسول صلى الله عليه وسلم (لا تكونوا إمعة تقولون إن أحسن الناس أحسنا وإن ظلموا ظلمنا ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساءوا فلا تظلموا ) سنن الترمذي

ومن ندامة أهل سقر في النار والعياذ بالله (وكنا نخوض مع الخائضين )

وأذكر أن أحد مشايخنا سألنا في درس له سؤالا قال :
لماذا يجري 22 لاعبا في مباراة كرة القدم وراء الكرة هذا يضربها والآخر يركلها ؟
فذهب الناس مذاهب فمنا من قال لاحراز الهدف ...لا للفوز بالمباراة .....لا لاثبات المهارة في اللعب

فقال كلا ؛ إن السبب أن هذه الكرة منفوخة على الفاضي ( منفوخة هواء )
وأي واحد منفوخ هواء سهل أن يُشاط (كالكرة )
الشخصية التافهة المائعة لا وزن لها .

فتحديد الهدف وتكوين الشخصية المتزنة القويمة أمر هام جدا لأن الذي يعرف هدفه ينطلق إليه وبسرعة كالسهم .
إذن فنحن نريد الشاب
القوي في جسمه
القوي في روحه
القوي في تفكيره
القوي في إيمانه
القوي في سلوكه.
اللهم احفظ شباب المسلمين وأجرهم من الفتن واحفظهم من كل سوء
وأظلنا بظل عرشك يا أكرم الأكرمين
آمين


edit.png

115336d7cfhb5.jpg
هذا الرجل مات وهو ساجد يصلي في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم نسأل الله حسن الخاتمة
في ظلال عرش الله
(3)" رجل قلبه معلق بالمساجد"



قوله صلى الله عليه وسلم (ورجل قلبه معلق بالمساجد ) إشارة إلى شدة تعلق قلبه بها وحبه للجلوس فيها، فهو متعلق القلب بالمسجد كلما خرج منه حتى يعود إليه، ويدل لهذا ما في رواية مالك في الموطأ، ومسلم في الصحيح، والترمذي في السنن: (ورجل قلبه معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه.)
قال المناوي في فيض القدير عند شرح قوله ( إذا خرج منه حتى يعود إليه)
كنى به عن التردد إليه في جميع أوقات الصلاة فلا يصلي صلاة إلا في المسجد، ولا يخرج منه إلا وهو ينتظر أخرى ليعود فيصليها فيه، فهو ملازم للمسجد بقلبه، فليس المراد دوام الجلوس فيه. اهـ
قال تعالى (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأبْصَارُ (٣٧،٣٦) النور
كل مسجد رفع وبني، إنما رفع وبني بإذن الله تعالى.. فالله تعالى هو الذي اختار مكان بناء هذا المسجد.. ولهذه الآية علاقة وثيقة بالآية السابقة لها وهي قوله تعالى:{ الله نور السموات والأرض} النور 35

فماذا يقول العلماء عن هذه العلاقة؟!

يقولون: مصدر النور هو الله عز وجل.. فالله هو الذي أنار السموات والأرض.. فأين ينزل هذا النور؟
ينزل في بيوت الله جل وعلا.. إذن نور الله يتجلى في المساجد.

على من ينزل هذا النور؟


ينزل على من ذكرهم الله تعالى في قوله:{ رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله} النور 37

هذا عمن تعرض لنور الله، فماذا عمن لا يريد أن يتعرض لنور الله جل وعلا؟! وإجابة هذا السؤال تتضح في الآية التي تليها:{ والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء} النور 39، والتي بعدها:{ أو كظلمات في بحر لجيّ يغشاه موج من فوق سحاب، ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها، ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور} النور 40.
وقوله تعالى: { رِجَال } فيه إشعار بهممهم السامية، ونياتهم وعزائمهم العالية، التي بها صاروا عُمَّارا للمساجد، التي هي بيوت الله في أرضه،


فأما النساء فَصَلاتهن في بيوتهن أفضل لهن؛ لما رواه أبو داود، عن عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها، وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها" (سنن أبي داود) .
روى مسلم في صحيحه عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قال : ( لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ) وقال ( لا تمنعوا النساء أن يخرجن إلى المساجد وبيوتهن خير لهن )
وإن كان حضور المرأة إلى المسجد لسماع موعظة أو تعلم أمر دينها أفضل من صلاتها في بيتها حينئذ .


ترك العمل باسم التفرغ للعبادة

وليس معنى الحديث الدعوة إلى ملازمة المساجد والانقطاع للعبادة ؛إنما المقصود تعلق القلب بالمسجد مع أخذه بالأسباب وتوكله على الله في طلب رزقه .

فلا يجوز للمسلم ترك العمل باسم التفرغ للعبادة ولو عمل في أقل الأعمال فهو خير من أن يسأل الناس كما قال صلى الله عليه وسلم (لأن يأخذ أحدكم حبله ثم يغدو إلى الجبل فيحتطب فيبيع فيأكل ويتصدق خير له من أن يسأل الناس) وأما أهل الصفة وبقاؤهم في المسجد على عهد رسول الله فإنهم كانوا فقراء(أو بالتعبير العصري لاجئين ) ليس لهم أهل ولا مكان ولا عمل ،وكانوا تارة يكثرون وتارة يقلون، فتارة يكونون عشرة وتارة يكونون ستين وسبعين، و جملتهم نحو أربعمائة من الصحابة.ولم تكن فرص العمل كثيرة في هذا الوقت فقد كانت دولة الإسلام ناشئة محاصرة ولذلك لما تهيأ لهم العمل تحركوا وتركوا المسجد ،وأغنى الله الكثير من فضله .

فضل المساجد على سائر الأماكن:

روى الإمام مسلم من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: "أحب البلاد إلى الله مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها".

صفات المعلقة قلوبهم بالمساجد
1. حب صلاة الجماعة

:عن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- "صلاة الرجل في الجماعة تضعف على صلاته في بيته وفي سوقه خمساً وعشرين درجة، وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة، لم يخط خطوة إلا رفعت له بها درجة، وحطَّ عنه بها خطيئة، فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه، ما دام في مصلاه: اللهم صلِّ عليه، اللهم ارحمه، ولا يزال في صلاة ما انتظر الصلاة"
. وفي رواية: "اللهم اغفر له، اللهم تب عليه، ما لم يؤذ فيه، ما لم يُحدث فيه". رواه البخاري ومسلم.

و(من مشى إلى صلاة مكتوبة في الجماعة فهي كحجة و من مشى إلى صلاة تطوع فهي كعمرة نافلة) صحيح الجامع رقم 6556

و في حديث أخر قال صلى عليه وسلم(من خرج من بيته متطهرا إلى صلاة مكتوبة فأجره كأجر الحاج المحرم و من خرج إلى تسبيح الضحى لا ينصبه إلا إياه فأجره كأجر المعتمر )صحيح الجامع

قال في عون المعبود شرح سنن أبي داود: شبه بالحاج المحرم لكون التطهر من الصلاة بمنزلة الإحرام من الحج لعدم جوازهما بدونهما ثم إن الحاج إذا كان محرما كان ثوابه أتم، فكذلك الخارج إلى الصلاة إذا كان متطهراً كان ثوابه أفضل. انتهى

عن سعيد بن المسيب، قال: من حافظ على الصلوات الخمس في جماعة فقد ملأ البر والبحر عبادة.

و عنه أنه قال: ما فاتتني الصلاة في الجماعة منذ أربعين سنة
. وحدثنا سفيان بن أبي سهل قال: سمعت سعيد بن المسيب، يقول: ما أذن المؤذن منذ ثلاثين سنة إلا وأنا في المسجد.
وكان الربيع بن خثيم بعد ما سقط شقه (أصيب بالشلل ) يهادى بين رجلين إلى مسجد قومه ، و كان أصحاب عبد الله يقولون له :
لقد رخص الله لك لو صليت في بيتك فيقول : إنه كما تقولون ، و لكني أستحي أن أسمع منادي الله حي على الصلاة ، حي على الفلاح فلا أجيبه .

وكان عبد الله بن مسعود إذا نظر إلى الربيع بن خثيم قال : لو رآك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحبك و لأوسع لك إلى جنبه . ثم يقول : و بشر المخبتين .

يقول الشيرازي (إذا أقيمت الصلاة ،ولم تروني في الصف فاطلبوني في المقبرة )


2.كثرة الخطا للمساجد :
عن عثمان –رضي الله عنه- أنه قال: سمعت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يقول: "من توضأ فأسبغ الوضوء، ثم مشى إلى صلاة مكتوبة، فصلاها مع الإمام غفر له ذنبه". رواه ابن خزيمة، وصححه الألباني. وعن أبي هريرة –رضي الله عنه- عن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: "الأبعد فالأبعد من المسجد أعظم أجراً". رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه. وصحَّحه الألباني.
وعن عقبة بن عامر –رضي الله عنه- عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إذا تطهَّر الرجل ثم أتى المسجد يرعى الصلاة، كتب له كاتباه أو كاتبه بكل خطوة يخطوها إلى المسجد عشر حسنات، والقاعد يرعى الصلاة كالقانت، ويكتب من المصلين، من حيث يخرج من بيته حتى يرجع إليه" رواه أحمد، وصحَّحه الألباني.
وعن جابر –رضي الله عنه- قال: "خلت البقاع حول المسجد، فأراد بنو سلمة أن ينتقلوا قرب المسجد، فبلغ ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال لهم "بلغني أنكم تريدون أن تنتقلوا قرب المسجد" قالوا: نعم يا رسول الله، قد أردنا ذلك، فقال: "يا بني سلمة، ديارَكم تُكتَبْ آثاركم، ديارّكم تكتب آثاركم" فقالوا ما يسرنا أنا كنا تحولنا" رواه مسلم.
وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "إن أعظم الناس أجراً في الصلاة أبعدهم إليها ممشى فأبعدهم، والذي ينتظر الصلاة حتى يصليها مع الإمام، أعظم أجراً من الذي يصليها ثم ينام" أخرجه البخاري ومسلم.

وعن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا قالوا: بلى يا رسول الله! قال إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، كررها ثلاث مرات". أخرجه مسلم
ومعنى إسباغ الوضوء: أي تعميم العضو بالماء وعدم ترك جزء أو شيء منه، ومعنى على المكاره: أي في الأوقات التي يكره فيها الوضوء كالبرد والشتاء ونحو ذلك..
وقوله:" فذلكم الرباط" أي المرابطة في سبيل الله، أي كأنك تحمي منطقة أو ثغرا من ثغور(حدود ) المسلمين!


سبحان الله وهذا من عظيم نعم الله وفضله علينا، فالجالس في المسجد في إنتظار الصلاة كالقائم على الثغور في المناطق التي يقاتل فيها المسلمون!
وليس هذا بعجيب، لأن الذي يرابط في سبيل الله يمكث مرابطا مدة محدودة، أما المحافظ على الصلاة دائما فكالمرابط عليها طوال العمر!! إنه يمنع نفسه من الشهوات خمس مرات في اليوم والليلة ويذهب ليرابط في سبيل الله تعالى.


3.الصلاة لوقتها :
عن ابن مسعود ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( أحب الأعمال إلى الله الصلاة لوقتها ثم بر الوالدين ثم الجهاد في سبيل الله ) حديث صحيح
4.الحرص على الصف الأول وتكبيرة الإحرام :
عن أنس مرفوعا: من صلى لله أربعين يوما في جماعة يدرك التكبيرة الأولى كتبت له براءتان براءة من النار وبراءة من النفاق . انظر الصحيحة 2652

نسأل الله أن يحققّ ذلك فينا جميعا، وهذا أمر صعب يحتاج إلى مجاهدة للنفس وحرص شديد، ولا يتأتى لنا ذلك إلا إذا بكّرنا في كل صلاة؛ لا يؤذن إلا ونحن حول المسجد أو فيه.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو يعلم الناس مافي النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا(الاستهام الاقتراع ) عليه لاستهموا ولو يعلمون مافي التهجير(التبكير لحضور الصلوات ) لاستبقوا اليه , ولو يعلمون مافي العتمة والصبح لأتوهما ولو حبواً ". رواه البخاري، ومسلم

5. انتظار الصلاة بعد الصلاة :


فضل المكث في المسجد عموماً:
عن أبي الدرداء –رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يقول: "المسجد بيت كل تقي، وتكفل الله لمن كان المسجد بيته بالروح والرحمة، والجواز على الصراط إلى رضوان الله، إلى الجنة" رواه الطبراني والبزار وصحَّحه الألباني.
وعن أبي هريرة –رضي الله عنه- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يزال أحدكم في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه، لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة" رواه البخاري ومسلم

وللبخاري "إن أحدكم في صلاة مادامت الصلاة تحبسه والملائكة تقول: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، ما لم يقم من مصلاه أو يحدث".
وعن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: "صلينا مع رسول الله –صلى الله عليه وسلم- المغرب، فرجع من رجع، وعقَّب من عقَّب، فجاء رسول الله –صلى الله عليه وسلم- مسرعاً قد حفزه النفس قد حسر عن ركبتيه، قال: "أبشروا، هذا ربكم قد فتح باباً من أبواب السماء يباهي بكم الملائكة، يقول: انظروا إلى عبادي، قد قضوا فريضة وهم ينتظرون أخرى" رواه ابن ماجه، وصحَّحه الألباني.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم(من غدا إلى المسجد لا يريد إلا أن يتعلم خيرا أو يعلمه كان له كأجر حاج تامًا حجته) صحيح الترغيب

فضل المكث في المسجد بعد صلاة الفجر:
عن جابر بن سمرة –رضي الله عنه- قال: "كان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- إذا صلى الفجر تربع في مجلسه حتى تطلع الشمس حسناًء" صححه الألباني.
وروى الترمذي أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: "من صلىّ الصبح في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة". رواه الترمذي، وصحَّحه الألباني في صحيح الجامع
وعن أنس بن مالك –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- "لأن أقعد مع قوم يذكرون الله من صلاة الغداة حتى تطلع الشمس أحب إليَّ من أن أعتق أربعة من ولد إسماعيل.... الحديث" أخرجه أبو داود، وحسَّنه الألباني.
وعن سهل بن معاذ عن أبيه –رضي الله عنه- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: "من قعد في مصلاه حين ينصرف من صلاة الصبح حتى يسبح ركعتي الضحى لا يقول إلا خيراً غفر له خطاياه وإن كانت أكثر من زبد البحر" رواه أحمد وحسنه ابن حجر .


فضل المكث بعد صلاة العصر: جاء في حديث أنس بن مالك السابق "ولأن أقعد مع قوم يذكرون الله من صلاة العصر إلى أن تغرب الشمس أحب إلي من أن أعتق أربعة" رواه أبو داود وحسنه الألباني.
وعن أبي أمامة –رضي الله عنه- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: "لأن أقعد أذكر الله تعالى وأكبره وأحمده وأسبحه وأهلله حتى تطلع الشمس أحب إلي من أن أعتق رقبتين أو أكثر من ولد إسماعيل، ومن بعد العصر حتى تغرب الشمس أحب إلي من أن أعتق أربع رقاب من ولد إسماعيل" رواه الإمام أحمد، وحسَّنه الألباني.

6.عمارة المساجد والإنفاق عليها

عمارة المساجد من علامات الإيمان بالله والخشية، قال الله: (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ) التوبة: 18
والعمارة في الآية هنا المراد بها إقامة البناء وتشييده، يؤكد ذلك حديث الصحيحين أن النبي – صلى الله عليه وسلم- قال: (من بنى مسجدًا يبتغي به وجه الله بنى الله له مثله في الجنة)

يعني: بيتًا في الجنة، فالمثلية الواردة في الحديث جاءت لإيضاح أن الجزاء من جنس العمل، فهي تعني المثلية في الكم لا في الكيف ؛ لأن موضع شبر في الجنة خير من الدنيا وما فيها، كما ورد بذلك الخبر عن الصادق المصدوق.

وهذا شامل لكل مسجد صغيرًا كان أو كبيرًا، أو كان بعض مسجد، فالحديث هنا جاء من باب إطلاق الكل وإرادة الجزء، فالمسهم مع غيره في بناء مسجد والمجدد له ومن أدخل توسعةً عليه يكون داخلاً في مضمون الحديث السابق، ويؤيد هذا المعنى ما ورد من أحاديث صحيحة؛ فعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله : (من بنى لله مسجدًا قدر مفحص قطاة بنى الله له بيتًا في الجنة)
وهذا بالطبع لا يحصل إلا بمشاركة جماعة في بناء مسجد تكون حصة الواحد منهم قدرًا معينًا.
وقوله: (ولو كمفحص قطاة) مفحص القطاة موضع بروكها على بيضها، وهو مشتق من الفحص أي البحث، فالدجاجة والقطاة تفحص في الأرض برجليها لتتخذ لنفسها مفحصاً تبرك فيه أو تبيض فيه ، والقطاة : نوع من الحمام الصحراوي


ومعلوم أن ذلك المكان صغير جدًا، ومفحص القطاة لا يمكن بحال أن يتسع لمصلي، فدل على أن أيّ تبرع يُسهم في بناء مسجد موعودٌ صاحبه ببيت في الجنة، فلله الحمد والشكر والمنة.
بقي التأكيد على أمرين :
الأول: أهمية الإخلاص في نص الحديث من قوله : (يبتغي به وجه الله).
الثاني: من تخصيص القطاة بالذكر دون غيرها؛ لأن العرب يضربون بها المثل في الصدق ‌ .

نسأل الله أن يجعلنا من المعلقة قلوبهم بالمساجد وأن يظلنا بظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله .... اللهم آمين


في ظلال عرش الله (4) رجلان تحابا في الله
قوله صلى الله عليه وسلم (ورجلان )هذا على الغالب ولايراد ظاهره على الحقيقة فقد يحب مجموعة من الرجال بعضهم البعض في الله ، وكذلك الحال في النساء سواء امرأتان أو مجموعة من النساء يحببن بعضهن في الله .


وقد يتصور هذا بين الرجل وإحدى محارمه ،أو بين الزوج وزوجته ....وهكذا ويشهد لهذا حديث الصحيحين عن أنس مرفوعا : ( ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان : أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله ، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار) .
فلفظة (من )في قوله (من كن فيه) تفيد العموم فتشمل الرجل والمرأة والمفرد والمثنى والجمع .

وقوله (تحابا )أصله تحاببا في الله فحذفت إحدى الباءين للتخفيف .

والمعنى هنا أوقع من قوله (وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله) لأنه قد يكون حب من طرف واحد .
أما قوله (تحابا في الله ) فيفيد معنى المشاركة في الحب وأن كليهما يحب صاحبه في الله فكل منهما محب ومحبوب .
وفيه بيان حقيقة المحبة مع الدوام عليها، محبة صادقة خالصة، محبة نشأت لله فتدوم لوجه الله، ومن أحبك لشيء أبغضك عند فقده....
فمن أحبك لدنياك كرهك لفقرك
ومن أحبك لوظيفتك فارقك لعزلك
ومن أحبك لمنصبك فارقك عند تغير أحوالك
إذاً فانظر من تحب؟
وما أكثر الذين يدعون المحبة! ما أكثر من تلقاه فيقول: أخي، إني أحبك في الله، ولكن هل هو صادق أم صاحب مصلحة أو منفعة ؟


إذن ما هو الحب في الله ؟


معنى الحب في الله : أن تكون المحبة خالصة لله لا يراد بها إلا وجهه الكريم، حب خالٍ من أي غرض، خال من شوائب الدنيا، حب لا يقوم على الإعجاب بشخص ،أو تجارة ،أو نسب ،أو رحم، بل يقوم على التقوى والصلاح.

وليس معنى هذا نفي المحبة بين الأقارب والشركاء في التجارة مثلا ....كلا فإنما المقصود أن تكون محبة الله هي الأساس .

ونلاحظ من الحديث

أن الحب في الله لن يتأتى إلا بمحبة الله أولا لأن محبة الله هي الأصل وكل محبة لها تبع ، والمحبة في الله محض فضل منه سبحانه كما قال :
(وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ًما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم ) الأنفال 63
وقد امتن الله عز وجل بهذا التأليف للقلوب فقال سبحانه (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا ً وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تعقلون )آل عمران 103

وهنا فائدة أخرى وهي أن النفوس جبلت على حب من أحسن إليها سواء بجلب النفع أو بدفع الضر ؛ ولذلك أوضح النبي صلى الله عليه وسلم أن الهدية من موجبات المحبة فقال (تهادوا تحابوا )

ومما يعزز المحبة إفشاء السلام : روى مسلم من حديث أبي هريرة « والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم ) .


فاثنان تحابا في الله يعني بذل كل منهما موجبات الحب للآخر لا لشيء إلا لوجه الله .


ومن هذا أيضا انطباع نفس المؤمن على محبة من يستقيم على أمر الله وهذا من القبول الذي وضعه الله في القلوب كما في قوله :

(إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا (٩٦) مريم
أي محبة في قلوب عباده
وحديث "إن الله إذا أحب عبداً دعا جبريل، فقال: إني أحب فلاناً فأحبه، قال : فيحبه جبريل ، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلاناً فأحبوه فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض.

وإذا أبغض عبداً دعا جبريل فيقول: إني أبغض فلاناً فأبغضه قال: فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً فأبغضوه، قال: فيبغضونه ثم يوضع له البغضاء في الأرض"
رواه مسلم عن أبي هريرة .


إخبار من تحب :
وينبغي أن يخبر من يحبه في الله بحبه له لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا أحب أحدكم أخاه في الله فليعلمه ، فإنه أبقى في الألفة ، وأثبت في المودة ) صحيح الجامع


(فليعلمه) لأنه أبقى للألفة وأثبت للمودة وبه يتزايد الحب ويتضاعف وتجتمع الكلمة وينتظم الشمل بين المسلمين وتزول المفاسد والضغائن ، وجاء في حديث أن المقول له يقول له : أحبك الذي أحببتني من أجله

و( إذا أحب أحدكم صاحبه فليأته في منزله فليخبره أنه يحبه لله ) صحيح الجامع
لأنه إذا أخبره به فقد استمال قلبه واجتلب وده , فإنه إذا علم أنه يحبه قبل نصحه , ولم يرد عليه قوله في عيب فيه أخبره به ليتركه فتحصل البركة
و( إذا أحب أحدكم أخاه فليعلمه , فإنه يجد له مثل الذي عنده ) السلسلة الصحيحة للألباني

ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم (اجتمعا عليه ) أي على مبدأ طاعة الله فهذا عامل دوام محبتهم وإن طال الزمان .


وهل يحب في الله ويبغض في الله إلا من يحب الله ويمتلئ قلبه بالإيمان به؟


فالعلاقة بين الإيمان والحب في الله علاقة طردية متلازمة، فإذا وجد الإيمان كان الحب في الله والبغض فيه.

وإن كان هناك حب في الله وجد المسلم حلاوة الإيمان في جوفه.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان وطعمه: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما .. وأن يحب في الله ويبغض في الله .. وأن توقد نار عظيمة فيقع فيها أحب إليه من أن يشرك بالله شيئا".

وقال صلى الله عليه وسلم : (إن أوثق عرى الإيمان أن تحب في الله، وتبغض في الله)

أرأيت حين تعقد عقدة ويحكم شدها كيف تكون متينة ثابتة، فإن أحببت في الله المؤمنين وأبغضت في الله الفاسقين، فذلك أشد وأوثق رابطة محكمة ثابتة في إيمانك.

ويقول صلى الله عليه وسلم أيضا :"من أحب لله، وأبغض وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان".

وقوله (وافترقا عليه ) معناه إذا أحدث أحدهم حدثا (معصية ) لم يوافقه صاحبه عليها وإنما ينصحه بتركها فمن ارتكب معصية سرا أو علانية من المسلمين فليس علينا أن نقطع مودته تماما و نهمل أخوته، بل ننتظر توبته وأوبته، فإن أصر على ذنوبه فلنا أن نقاطعه وننبذه، أو نبقى على شيء من الود لإسداء النصيحة ومواصلة الموعظة رجاء أن يتوب، فيتوب الله عليه.
كما في سورة العصر
(وَالْعَصْرِ (١) إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (٢) إِلا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (٣)


من أجل ذلك كان الرجلان من أصحاب رسول الله إذا التقيا لم يتفرقا حتى يقرأها أحدهما على الآخر ثم يسلم أحدهما على الآخر..) حسنه الألباني


لقد كانا يتعاهدان على الإيمان والصلاح ... يتعاهدان على التواصي بالحق والتواصي بالصبر...

قال أبو الدرداء رضي الله عنه : إذا تغير أخوك وحال عما كان عليه، فلا تدعه لذلك فإن أخاك يعوج مرة ويستقيم أخرى.

وبعد النصح إن أصر على المعصية فارقه حتى يعود إلى الله وإلى ما يرضى الله .


وإذا نشأت محبة لله فلن تبقى إلا بطاعته، ولن تزكو إلا ببعد المتحابين معا عن النفاق والفساد، فإذا تسربت المعصية إلى أحدهما تغيرت القلوب وذهب الحب. ففي الحديث "... والذي نفسي بيده ما تواد اثنان فيفرق بينهما إلا بذنب يحدثه أحدهما" .

وعن أبي الدرداء أنه قال: فليحذر امرؤ أن تبغضه قلوب المؤمنين من حيث لا يشعر

ثم قال أتدري ما هذا؟
قلت لا قال: عبد يخلو بمعاصي الله عز وجل فيلقى الله بغضه في قلوب المؤمنين".

تنبيه وليس المراد هنا من قوله (وافترقا عليه ) الفراق بالموت أو السفر فهذا لا يقطع المحبة أبدا طالما كانت لله ،إنما المقصود ما سبق آنفا .


آثار الحب في الله :


1. محبة الله لهذين المتحابين :


فعن أبي إدريس الخولاني قال دخلت مسجد دمشق فإذا فتى براق الثنايا ( أي أبيض الثغر كثير التبسم ) وإذا الناس معه فإذا اختلفوا في شيء أسندوه إليه وصدروا عن رأيه فسألت عنه فقيل هذا معاذ بن جبل رضي الله عنه

فلما كان من الغد هجرت(بكرت بالصلاة ) فوجدته قد سبقني بالتهجير ووجدته يصلي فانتظرته حتى قضى صلاته ثم جئته من قبل وجهه فسلمت عليه ثم قلت:
والله إني لأحبك في الله
فقال آالله ؟ فقلت الله
فقال آلله ؟ فقلت الله
فأخذني بحبوة ردائي فجبذني إليه ، فقال أبشر فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
« قال الله تعالى : وجبت محبتي للمتحابين في والمتجالسين في والمتباذلين في » . رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي


وروى مسلم من حديث أبي هريرة إن رجلاً زار أخًا في قرية ، فأرصد الله له على مدرجته (طريقه ) ملكًا ، فلما أتى عليه قال : أين تريد ؟ قال : أريد أخًا لي ‏في هذه القرية . قال : هل لك عليه من نعمة تربُّها ؟ قال : لا ، غير أني أحببته في الله ، عز وجل ، قال : فإني ‏رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه )

2.دوام هذا الحب في الله

فما كان لله دام واتصل(الأخلاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلا الْمُتَّقِينَ (٦٧) الزخرف

ورغم شدة وهول هذا اليوم يجمع الله المتحابين فيه يوم القيامة معا في هذا اليوم العظيم كما في حديثنا (سبعة يظلهم .....)

و (إن الله تعالى يقول يوم القيامة : أين المتحابون لجلالي اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي .) صحيح

وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليبعثن الله أقواما يوم القيامة في وجوههم النور على منابر اللؤلؤ يغبطهم الناس ليسوا بأنبياء ولا شهداء .
قال فجثا أعرابي على ركبتيه فقال يا رسول الله حلهم(صفهم ) لنا نعرفهم قال هم المتحابون في الله من قبائل شتى وبلاد شتى يجتمعون على ذكر الله يذكرونه)
رواه الطبراني بإسناد حسن


وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن لله جلساء يوم القيامة عن يمين العرش وكلتا يدي الله يمين على منابر من نور وجوههم من نور ليسوا بأنبياء ولا شهداء ولا صديقين
قيل يا رسول الله من هم قال هم المتحابون
صحيح( بجلال الله تبارك وتعالى المتحابون بجلال الله تبارك وتعالى

3- الإحساس والشعور بالأخوة


فيشعر الأخ بالتألم والحزن لما يصيب أخاه من ألم ونصب، وهذا مصداق قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :"مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى".


وصدق من قال إخواني في الشدة خففوا مصابي وفي الفرح زادت بهم فرحتي.


4-سلامة الصدر:


فالأخوة الحقة هي التي تقوم على عواطف الحب والود والتعاون المتبادل والمجاملات الرقيقة، بل هي كما وصفها القرآن: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ).

5- يحشر المرء مع من أحب :
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، متى الساعة؟

فقام النبي صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة، فلما قضى صلاته قال:
(أين السائل عن قيام الساعة؟)
فقال الرجل: أنا يا رسول الله
قال: (ما أعددت لها؟)
قال: يا رسول الله، ما أعددت لها كبير صلاة ولا صوم إلا أني أحب الله ورسوله
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(المرء مع من أحب، وأنت مع من أحببت)
قال أنس: فما رأيت فرح المسلمون بعد الإسلام فرحهم بهذا. أخرجه الترمذي.

الحب بين الشباب والفتيات :
من الأشياء العجيبة أن نقصر كلمة الحب على الحب بين الشباب والفتيات رغم أن الحب في الإسلام أعم وأشمل وأسمى من قصره على صورة واحدة وهي الحب بين الرجل والمرأة، بل هناك مجالات أشمل وأرحب وأسمى؟

فهناك حب الله تعالى وحب رسوله صلى الله عليه وسلم وصحابته وحب أهل الخير والصلاح وحب الدين ونصرته، وحب الزوجة الصالحة وهناك محاب كثيرة؛ فمن الخطأ والخطر إذن قصر هذا المعنى الواسع على هذا النوع من الحب.


الحياة الزوجية والأسرية الناجحة إنما تقوم على المودة والرحمة:

لعل البعض متأثراً بما تبثه وسائل الإعلام والأفلام والمسلسلات ليل نهار، لعله يظن أنه لا يمكن أن ينشأ زواج ناجح إلا إذا قامت علاقة حب كما يقولون بين الشاب والفتاة حتى يتحقق الانسجام التام بينهما ومن ثم تكون حياة زوجية – إن وجدت – ناجحة. وناهيك عما في ذلك الكلام من دعوة للاختلاط والانحلال وكثير من الانحرافات الخلقية وما ينشأ عنه من فساد كبير وجرائم عظيمة وضياع للحرمات والأعراض.

والصلة بين الزوجين صلة مودة ورحمة وليست علاقة عشق وهيام وصبابة وغرام؛ فهي صلة محبة هادئة (مودة) وصلة (رحمة) متبادلة، لا أوهام عشقية لا تثبت على أرض الواقع، ولا خيالات غرامية لم يقم عليها أي زواج ناجح.

ولكن لا يفهم أحد من كلامنا أننا ندعو إلى إغفال العواطف بين الأزواج أو جفاف المشاعر والأحاسيس بين الزوجين ...
فهذا رسولنا عليه صلى الله عليه وسلم يضرب لنا أروع الأمثلة في محبته لأهل بيته كما جاء في السنة المطهرة :فيحرص صلى الله عليه وسلم أن يشرب من الموضع الذي شربت منه زوجه عائشة رضي الله عنها
وفي مرض موته يستاك بسواكها ويموت صلى الله عليه وسلم على صدرها،بين سحرها ونحرها فأي حب أشرف وأسمى من هذا؟!
أمّا ما كان على صعيد حبّه لزوجاته، فالرسول صلى الله عليه وسلم كان مثالا للحب دون منازع.
فبينما كانت تتخافت الأصوات عند ذكر الصحابة أسماء نسائهم، نجد رسولنا الكريم يجاهر بحبه لزوجاته أمام الجميع.
فعن عمرو بن العاص أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم:
"أي الناس أحب إليك؟
قال: عائشة
فقلت من الرجال؟
قال: أبوها".
وقد جعل معيار الخير في الرجل بمقدار حبّه ورفقه بأهل بيته فقال صلى الله عليه وسلم "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي".

والإسلام كنظام واقعي لا يمنع من التمتّع بالطيبات، ولكنه يمنع من أن يتحول الإنسان الكريم إلى بهيمة سائمة من دون قيم أو موازين، ومن غير عقل يتفكر ويتدبر.. وبلا روح تسبح وترفرف في عوالم الغيب..
والخلاصة : أن الحب الحلال حلال والحب الحرام حرام

اللّهم ارزقنا حبَّك..
وحبَّ من يُحبُّك

وحبَّ كلِّ عملٍ يُقرِّبُنا الى حبِّك
وأن تغفرَ لنا وترحمَنا
واذا أردت بقومٍ فتنةً
فاقبِضْنا اليكَ غيرَ مفتونين
برحمتكَ يا أرحمَ الراحمين


في ظلال عرش الله
(5)رجل تصدق بصدقة فأخفاها


أولا ماهي الصدقة ؟
الصدقة هي: ما يعطى على وجه التقرب إلى الله تعالى،سميت بذلك لأنها تدل على صدق إيمان صاحبها،وتصديقه بوعد الله على ما وعد من جزاء وعوض كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (والصدقة برهان )
والصدقة هي إخراج جزء من المال من يد المتصدق وأي إنسان يخرج شيئا من ماله يخرجه بمقابل ،والمتصدق يخرج من ماله بدون مقابل ممن أنفق عليه ؛فما الدافع لذلك ؟
إنما دفعه لذلك صدق إيمانه بوعد الله كما قال تعالى (وما لأحد عنده من نعمة تجزى (19) إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى (20) ولسوف يرضى (21) الليل
فالمتصدق إنما يتعامل مع الله لا مع المساكين أو كما هو حال الناس مع الضرائب فقد يكذب أو يزور في أرباحه ليدفع أقل قدر ممكن من الضرائب ، أما المتصدق فهو إنما يعامل الله الذي يعطي الكثير على القليل فهو يجتهد أن يعطي أكثر مما وجب عليه لا أقل .

والصدقة هى الزكاة والزكاة هى الصدقة يفترق الاسم ويتفق المسمى .
والمشهور إطلاقهـا على التطوع فقط ولكن الصحيح شرعاً أن الاثنان بمعنى واحد لقوله تعالى:
} خذ من أموالهم صدقة {التوبة 103 و} إنما الصدقات للفقراء { التوبة 60
والمقصود من قوله : (
رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه )
حتى لا يعلم من حوله بنفقته ،لدرجة أن لو كانت الشمال تعقل ما علمت شيئا عما أنفقته اليمين (وهذا يسمونه في اللغة بالمجاز )

فهويخفيها عن جوارحه فكيف بالناس؟!"

وبعض الناس لم يفقه الحديث فكان إذا أراد أن يتصدق أدخل يده اليسرى في جيبه ثم أدخل المال يمده هكذا يظن أن الشمال تنظر إلى اليمين فحينئذ يخبئها في جيبه ، وليس هذا هو المقصود، إنما المقصود أن صدقته خفية لا يعلم بها الناس، يتحرى فيها أوقات السر، ولا يريد الإعلان بها .

فخير الصدقة ما كان سراً لوجه الله جل وعلا.
هب أن الناس علموا بصدقتك هل يقبلونها منك؟
هل يرفعونها إلى السماء؟
هل يخرجونك من النار؟
هل يدخلونك الجنة؟
وهب أن الناس لا يعلمون !!!
إن عدم علم الناس أقرب إلى إخلاصك وأتقى لقلبك، وأقرب منك إلى ربك، وأدعى إلى ثباتك، وأحوط ألا يصيبك العجب فيما أنت فيه،

وقال بعض أهل العلم: يحتمل أن يكون هذا رجل يشتري من فقير متكسب فيعطيه أكثر من سلعته، أو يقصده بالشراء لكي يعينه على أسباب الكسب.

مثال ذلك: أنت حينما تعرف رجلاً فقيراً أو مسكيناً ويبيع سلعة من السلع بعشرين ، فتشتري منه واحدة بثلاثين ًوتذهب، أنت بهذا تعينه على الاستمرار في الكسب، واشتريت منه إعانة له، وما زاد عن قيمة السلعة هو صدقة، وهذا من أفضل أنواع الصدقة أيضاً، هو من خير ما يتصدق به العبد بإذن الله جل وعلا.


ومن الصدقة المخفية إنظار المعسر


إنظار المعسر من مكارم الأخلاق، وأفضل منه التجاوز عنه،أو عن بعض دينه.
- قال الله تعالى: (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) (البقرة/280).
وعن أبي اليسر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من أنظر معسراً أو وضع عنه، أظله الله في ظله)أخرجه مسلم
(أنظر معسراً )أي أمهله

الصدقة بين الإسرار والجهر
إخفاء الصدقة حين تكون تطوعاً أولى وأحب إلى الله؛ وأجدر أن تبرأ من شوائب التظاهر والرياء .
فأما حين تكون أداء للفريضة فإن إظهارها فيه معنى الطاعة ، وفشو هذا المعنى وظهوره خير . . ومن ثم تقول الآية :
(إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) (البقرة:271)..


وقد ذهب جمهور المفسرين إلى أن هذه الآية في صدقة التطوع، لان الاخفاء فيها أفضل من الإظهار، وكذلك سائر العبادات الإخفاء أفضل في تطوعها لانتفاء الرياء عنها، وليس كذلك الواجبات.

قال الحسن: إظهار الزكاة أحسن، وإخفاء التطوع أفضل، لأنه أدل على أنه يراد الله عز وجل به وحده.
وكذلك جميع الفرائض والنوافل في الاشياء كلها.


وفى صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة "

وذلك أن الفرائض لا يدخلها رياء والنوافل عرضة لذلك.

وفى الحديث: " صدقة السر تطفئ غضب الرب ".


إذن فالجهر يكون أفضل في عدة حالات :


1. أداء فريضة الزكاة وإعلانها كشعيرة من شعائر الإسلام وهذا مستفيض من حال الصحابة مع رسول الله في أدائهم الزكاة فعن عبد الله بن أبي أوفى قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه قوم بصدقتهم قال : اللهم صل على آل فلان . فأتاه أبي بصدقته ، فقال : اللهم صل على آل أبي أوفى . رواه البخاري ومسلم .


2. المصلحة العامة للمسلمين كالنفقة في سبيل الله أو بناء مسجد أو مدرسة أو مستشفى ...الخ وهو الظاهر من النصوص أن الإعلان عنها أفضل إذا كان الأمر يتعلق بمجموع المسلمين من باب التنافس على الخير والمسابقة للخيرات كما في غزوة تبوك حينما دعا النبي صلى الله عليه وسلم للإنفاق ووعد المنفقين بالأجر العظيم من الله ،واستجاب الصحابة رضوان الله عليهم ، فأنفق كل حسب مقدرته.
وكان عثمان صاحب القِدْح المُعَلَّى في الإنفاق فهذا عبد الرحمن بن حباب يحدثنا عن نفقة عثمان حيث قال:

شهدت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحث على جيش العسرة،
فقام عثمان بن عفان فقال: يا رسول الله, عليَّ مائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله،
ثم حض على الجيش فقام عثمان بن عفان، فقال: يا رسول الله, عليَّ مائتا بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله،
ثم حض على الجيش فقام عثمان بن عفان فقال: يا رسول الله, عليَّ ثلاثمائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله،
فأنا رأيت رسول الله ينزل عن المنبر وهو يقول:
ما على عثمان ما عمل بعد هذه، ما على عثمان ما عمل بعد هذه) سنن الترمذي
وعن عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنهما قال:
جاء عثمان بن عفان إلى النبي صلى الله عليه وسلم بألف دينار في ثوبه حين جهز النبي صلى الله عليه وسلم جيش العسرة، قال: فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقبلها بيده ويقول: «ما ضر ابن عفان ما عمل بعد اليوم -يرددها مرارًا- ) مسند أحمد (5/63).
وأما عمر فقد تصدق بنصف ماله وظن أنه سيسبق أبا بكر بذلك, وهذا الفاروق يحدثنا بنفسه عن ذلك حيث قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا أن نتصدق، فوافق ذلك مالا عندي, فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يومًا، فجئت بنصف مالي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أبقيت لأهلك؟» قلت: مثله،
قال: وأتى أبو بكربكل ما عنده، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أبقيت لأهلك؟» قال: أبقيت لهم الله ورسوله، قلت: لا أسابقك إلى شيء أبدا.
وروى أن عبد الرحمن بن عوف أنفق ألفي درهم وهي نصف أمواله لتجهيز جيش العسرة.

3. فتح باب الخير بالتنافس على الإنفاق حينما يكون الأمر متعلقا بكفالة بعض المنكوبين من المسلمين كما في حديث جرير وهذا مثل الذي تقوم به بعض الهيئات والجمعيات الخيرية من كفالة الأيتام ومساعدة الفقراء والمعوزين ،وضحايا المذابح والحروب كما في فلسطين وسوريا ...نسأل الله أن يرفع عنهم البلاء وأن يحقن دماء المسلمين في كل مكان .

عن جرير بن عبد الله قال : كنا في صدر النهار عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه قوم عراة مجتابي النمار (جمع نمرة ، وهي : كساء من صوف مخطط ، لابسيها قد خرقوها في رؤوسهم)متقلدي السيوف ، عامتهم من مضر ، بل كلهم من مضر : فتمعر(تغير ) وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى بهم من الفاقة : فدخل ثم خرج ، فأمر بلالاً فأذن وأقام ، فصلى ثم خطب : فقال : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ) إلى آخر الآية : ( إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) (النساء:1) ، والآية الأخرى التي في آخر الحشر : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ) (الحشر:18) تصدق رجل من ديناره ، من درهمه ، من ثوبه ، من صاع بره ، من صاع تمره ، حتى قال : ولو بشق تمرة ) فجاء ، رجل من الأنصار بصرة كادت كفه تعجز عنها ، بل قد عجزت ، ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب ، حتى رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلل كأنه مذهبة (يشبه الذهب من الفرح ) ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها ، وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء ، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء ) . رواه مسلم.

4. الإظهار ترغيبا للناس في الإقتداء وخاصة ممن يقتدي بهم من أهل العلم والفضل ، وسن السنة الحسنة ليقتدي بها فيهتدي، وفي صحيح مسلم من حديث جرير بن عبد الله: "من سن سنة حسنة، فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، من غير أن ينقص من أجورهم شيء".


وقد أمر الأنبياء والرسل بالإظهار للطاعات؛ لأن الله تعالى جعلهم أسوة لأتباعهم، كما قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا} (الأحزاب:21).
ومثل الأنبياء: خلفاؤهم وورثتهم من العلماء والدعاة والصالحين، من كل من يقتدي به.

ولا ننس أن الله أثنى على المنفقين سرا وعلانية فالعبادة بالإنفاق تكون علانية كما تكون سرا قال تعالى (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً) البقرة الآية 274.


وقال علي رضي الله عنه: "تصدقت بدرهم في ليل وآخر في النهار، وبدرهم سرًا، وآخر علانية، عملاً بالآية".

قال الغزالي معلقا على الآية ( ندب إلى العلانية أيضا لما فيها من فائدة الترغيب فليكن العبد دقيق التأمل في وزن هذه الفائدة بالمحذور الذي فيه فإن ذلك يختلف بالأحوال والأشخاص فقد يكون الإعلان في بعض الأحوال لبعض الأشخاص أفضل ومن عرف الفوائد والغوائل ولم ينظر بعين الشهوة اتضح له الأولى والأليق بكل حال )

ودائما التنافس على الدنيا يولد في النفوس البغضاء والحقد ويشيع التحاسد والضيق في الصدور ، أما التنافس على الآخرة فإنه يسبب السمو الروحي والرقي بالنفس والحب بين الجميع فأنا حينما أرى فلانا وقد أنفق كذا وكذا من ماله أحبه في الله وتتطلع نفسي إلى تقليده ، وملمح آخر لقد رأيت من يحضر ليشاهد فقط فلا يخرج إلا وقد أنفق من ماله الكثير حرك فيه ذلك رؤيته للمنفقين فلو أن رجلا أو امرأة حضر حفلا لجمع التبرعات وكانت نيته أن ينفق مائة فإذا به يرىمن ينفق عشرة ألاف فتسمو نفسه إلى الزيادة فيستقل المائة بعد أن كان يراها كثيرة ،بل ويزيد عليها .

متى يكون الإخفاء أفضل : الإخفاء يكون أفضل في حالات :

1. إذا كان متعلقا بشخص بعينه لأن ذلك ألطف به ومراعاة لشعوره وفي الإظهار هتك ستر الفقير وهذا هو المفهوم من قوله تعالى (وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) (البقرة:271) خاصة إن كان من المستورين المتعففين الذين وصفهم القرآن بقوله: {يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لا يَسْأَلونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} (البقرة: من الآية 273).
قال الغزالي :وقد بالغ في الإخفاء جماعة حتى اجتهدوا أن لا يعرف القابض المعطى فكان بعضهم يلقيه في يد أعمى وبعضهم يلقيه في طريق الفقير وفي موضع جلوسه حيث يراه ولا يرى المعطى وبعضهم كان يصره في ثوب الفقير وهو نائم وبعضهم كان يوصل إلى يد الفقير على يد غيره بحيث لا يعرف المعطي (يعني من خلال وكيل )
وكان علي زين العابدين كثير التصدُّق على فقراء المدينة ، لا سِيَّما التصدُّق في السِّر .وجاء في كتاب ( الحلية ) أنه كان يحمل جراب الخبز على ظهره بالليل ، فيتصدَّق به ، ويقول : ( إنَّ صَدَقة السِّرِّ تُطفِئُ غَضَب الرَّبِّ عَزَّ وَجلَّ ) .فلما توفي تَبيَّن أنه كان يُعيلُ مِائة عائلة من عوائل المدينة ، وكان أهل المدينة يقولون : ما فقدنا صَدقَةَ السر حتى مات علي بن الحسين .

2. إن رأى من نفسه تطلعا إلى ثناء الناس وحمدهم له وخصوصا إذا خشي على نفسه الرياء، والفتنة بمحمدة الناس فالإخفاء أولى .
والواجب عليه أن يفتش عن دخيلة نفسه، ويحترس من خداعها، فإنها أمارة بالسوء، خداعة غرارة، وليحذر ما استطاع من الرياء، فربما كان هناك رياء في غاية الخفاء، يتسلل إليه، وهو لا يشعر، فيحبط عمله، وهو يحسب أنه يحسن صنعا، وهنا لا بد له من الاستعانة بالله جل وعلا، والبراءة من الحول والقوة، واللجوء إلى حول الله سبحانه وقوته، ومن الدعاء المأثور: "اللهم إنا نعوذ بك أن نشرك بك شيئا نعلمه، ونستغفرك لما لا نعلمه".
قال الغزالي : (ومهما كانت الشهرة مقصودة له حبط عمله لأن الزكاة إزالة للبخل وتضعيف لحب المال،‏ وحب الجاه أشد استيلاء على النفس من حب المال وكل واحد منهما مهلك في الآخرة )

ومن علامات الإخلاص : أنك لا يختلف عملك ، وأنت في ملأ ، أو أنت وحدك .
وقال بعض العلماء : " الإخلاص أن تكون الحركة والسكون في السر والعلانية لله تعالى " .
قال: شيخ الإسلام: "مَن عَبَدَ الله وأحسن إلى الناس فهذا قائم بحقوق الله وحق عباد الله في إخلاص الدين له، ومن طلب من العباد العِوض ثناءً أو دعاءً أو غير ذلك لم يكن مُحسناً إليهم لله".

وكان أكثر دعاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (اللهم اجعل عملي كله صالحًا، واجعله لوجهك خالصًا، ولا تجعل لأحد فيه شيئًا).
وإذا أخلصت في العمل ثم أثنى عليك الخلق وأنت غير متطلع إلى مدحهم فليس هذا من الرياء، إنما الرياء أن تزين عملك من أجلهم.
سُئل النبي عن الرجل يعمل العمل من الخير يحمده الناس عليه، فقال:
(تلك عاجل بشرى المؤمن) رواه مسلم.
وأخيراً أذكر نفسي وإخواني بهذا الحديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم :
{ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً
ويقول الآخر اللهم أعط ممسكاً تلفاً}
متفق عليه.

نسأل الله اليقين بأن ما أنفقنا خير مما أمسكنا وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل والسر والعلن إنه على كل شئ قدير


في ظلال عرش الله
(6) رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال
إن فتنة النساء من أخطر الفتن ،وإن كثيراً من الناس ربما يصمد أمام المدفعية وربما يصمد أمام الرشاش، ولكنه لا يصمد أمام امرأة ً؛ لأن فتنة النساء عظيمة.
ففي الصحيحين عن أسامة بن زيد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:

( ما تركت بعدي فتنة أضرعلى الرجال من النساء )
وجعل الله جزاء العفة والصبر عليها الجنة كما في صحيح البخاري
عن سهل بن سعدقال: قال صلى الله عليه وسلم:

(من يضمن لي ما بين رجليه وما بين لحييه ضمنت له الجنة)
أي: من حفظ فرجه وحفظ لسانه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كفيل له بالجنة بإذن الله جل وعلا.

(رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال ) إلى نفسها، دعته إلى الفاحشة، فقال: إني أخاف الله.
وذات المنصب والجمال كثيرا ما يسعى الرجال في استرضائها .

وعظم الفتنة هنا في أن المرأة كانت على أكمل الأوصاف، وبذلك تعظم فتنتها. بالإضافة إلى ما غرز في الرجال من الميل للنساء، فضلاً عن أنه قد يكون شابًا فميله يكون أشد.
والرجل غالبا هو الذي يرغب في المرأة ،فإذا تعرضت المرأة وهي تتمتع بالجمال الذي يرغب فيه الرجال والمنصب - فلا يقدر على محاسبتها أو معاقبتها أحد من الناس في الغالب- فالداعي هنا أقوى والفتنة أشد .
والرجل هنا لا يناله السوء إذا وقع بها ،بل ربما يصيبه العكس إذا امتنع عنها !!!


والرجل إذا توافرت له الأسباب المأمونة التي يفعل معها الفاحشة، لن يمنعه إلا الخوف من الله وحده، وأما المرأة فيشوب خوفها ربما أنواع أخرى من الخوف: "كالحمل - وفض البكارة - والعار – و الفضيحة ... و نحو ذلك...

والشهوة إذا استحكمت من الإنسان تحوله إلى بهيمة لا عقل له ، ولا عاصم للإنسان وقتها إلا خوف من الله غالب يستعلى على شهوة النفس ،فيكون السلطان للإيمان والروح والعقل ، وليس للعاطفة والغرائز والجسد .

وتدخل المرأة في هذا الباب:

لو أن رجلاً ذا منصب وجمال دعاها إلى نفسه فأغراها بالمال، وامتنعت من ذلك، وقالت: إني أخاف الله، فهي تدخل في ظل عرش الله، فهي من السبعة الذين يكونون في ظل عرش الله يوم لا ظل إلا ظله والقرآن ذكر المؤمنين والمؤمنات في مقام العفة (وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ) (الأحزاب:35).
كما في قصة سارة زوجة الخليل إبراهيم مع ملك مصر التي رواها البخاري ومسلم
، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لم يكذب إبراهيم النبي عليه السلام قط إلا ثلاث كذبات: ثنتين منها في ذات الله، قوله: إِنِّي سَقِيمٌ [الصافات:89]، وقوله: بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا [الأنبياء:63]، وواحدةً في شأن سارة، فإنه قد قَدِم أرض جبارٍ ومعه سارة، وكانت أحسن النساء، فقال لها -إبراهيم يقول لزوجته سارة-:

إن هذا الجبارإن يعلم أنك امرأتي يغلبني عليك، فإن سألك فأخبريه أنك أختي، فإنك أختي في الإسلام، فإني لا أعلم في الأرض مسلماً غيري وغيرك.

فلما دخل أرضه رآها بعض أهل الجبار، أتاه فقال له: لقد قدم أرضَك امرأةٌ لا ينبغي لها أن تكون إلا لك، فأرسل إليها، فأُتي بها، فقام إبراهيم عليه السلام إلى الصلاة.

فلما دخلت عليه لم يتمالك أن بسط يده إليها، فقبِضت يده قبضةً شديدة، فقال: ادْعِي الله أن يُطْلِق يدي ولا أضرك،
ففعلت، فعاد،
فقبِضت أشد من القبضة الأولى، فقال لها مثل ذلك،
ففعلت، فعاد،
فقُبِضت أشد من القبضتين الأولَيَين،
فقال: ادعِي الله أن يطلق يدي، فلكِ الله ألا أضرك،
ففعلت وأُطْلِقت يده،
ودعا الذي جاء بها، فقال له: إنك إنما أتيتني بشيطان، ولم تأتني بإنسان، فأخْرِجْها من أرضي وأعطها هاجر
، قال: فأقبلت تمشي، فلما رآها إبراهيم عليه السلام انصرف، فقال: مَهْيَمْ؟(ما الخبر ) قالت: خيراً، كف الله يد الفاجر، وأخدم هاجر).

أو ربما يتعفف الاثنان معا كما في قصة أحد الثلاثة أصحاب الغار:

قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (
بَيْنَمَا ثَلاَثَةُ نَفَرٍ يَتَمَشَّوْنَ أَخَذَهُمُ الْمَطَرُ فَأَوَوْا إِلَى غَارٍ فِي جَبَلٍ فَانْحَطَّتْ عَلَى فَمِ غَارِهِمْ صَخْرَةٌ مِنَ الْجَبَلِ فَانْطَبَقَتْ عَلَيْهِمْ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ انْظُرُوا أَعْمَالاً عَمِلْتُمُوهَا صَالِحَةً لِلَّهِ فَادْعُوا اللَّهَ تَعَالَى بِهَا لَعَلَّ اللَّهَ يَفْرُجُهَا عَنْكُمْ...
وفيه: وَقَالَ الآخَرُ اللَّهُمَّ إِنَّهُ كَانَتْ لِىَ ابْنَةُ عَمٍّ أَحْبَبْتُهَا كَأَشَدِّ مَا يُحِبُّ الرِّجَالُ النِّسَاءَ وَطَلَبْتُ إِلَيْهَا نَفْسَهَا فَأَبَتْ حَتَّى آتِيَهَا بِمِائَةِ دِينَارٍ فَتَعِبْتُ حَتَّى جَمَعْتُ مِائَةَ دِينَارٍ فَجِئْتُهَا بِهَا فَلَمَّا وَقَعْتُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا قَالَتْ يَا عَبْدَ اللَّهِ اتَّقِ اللَّهَ وَلاَ تَفْتَحِ الْخَاتَمَ إِلاَّ بِحَقِّهِ.
فَقُمْتُ عَنْهَا فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّى فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ لَنَا مِنْهَا فُرْجَةً. فَفَرَجَ لَهُمْ)
(متفق عليه).
فهنا اجتمع الإغراء بكل عوامله والتمكين منها واستسلامها النهائي وجلس منها مجلس الرجل من زوجته ،إذا بها تستحي من الله فتذكره وتوقظ وازع الإيمان في قلبه ،فإنها رغم فقرها وحاجتها لم يغب عنها خوف الله ولم تصم أذنها عن نداء العفة والكرامة .
وهو أيضا لم يغلق قلبه عن نصيحتها وتذكيرها بالله فما إن ذكرته بالله حتى انتبه من غفوته ، وانتزع نفسه من مكانه انتزاع الروح من الجسد فما هو إلا التسامي عن دناءة الشهوة إلى سمو الروح بخوفها وحيائها من الله ،ويكفي أنها لم تستعن بقواها لرده إنما كلمات خرجت من قلب استحى من إطلاع الله عليه فقالت
كلمات صادقة (يَا عَبْدَ اللَّهِ اتَّقِ اللَّهَ وَلاَ تَفْتَحِ الْخَاتَمَ إِلاَّ بِحَقِّهِ. ) فقام عنها

وقفة مع قصة يوسف وامرأة العزيز


قص علينا القرآن قصة يوسف وامرأة العزيز ليتخذ شبابنا منها قدوة ودرسًا عمليًا في كيفية التعامل مع مثل هذه المواقف، ويتعرف على الأسباب المعينة على الخلاص منها.إن الواقع الذي عاشه يوسف عليه السلام هو في الحقيقة أشد من أي واقع يقابله شاب منا، فلقد تهيأت له كل أسباب الفاحشة ودواعيها :
شباب وقوة وشهوة ؛ فقد كان في عنفوان شبابه، وهو يحتاج لتصريف شهوته وهو أعزب، وقد بذلت له ولم يسع إليها..

والمرأة جميلة؛ فهي زوجة العزيز ومثله لا يتزوج إلا بأجمل النساء.
ولا خوف من العقوبة؛ فالمرأة هي الطالبة والراغبة، وقد طلبت وأرادت بل وراودت، وأغلقت الأبواب عليهما ليكونا في مأمن، ولترفع عنه حرج الخوف من الفضيحة.
ثم هو غريب في بلد لا يعرفه أحد؛ فلا خوف من أن يفتضح، وهو خادم وهي سيدته، فهو تحت سلطانها وقهرها، فيخاف إن لم يجبها أن يطوله أذاها.فدخلت وغلقت الأبواب كل الأبواب، وقالت هيت لك ، ومثل هذه لابد أنها تزينت بكل زينة وجمعت كل فتنة، فقال بلسان المؤمن الصادق (معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون )

تكرر الإغراءوتكرر الموقف، وفي هذه المرة هددته وتوعدته وخوفته بالسجن، بل والإعلان بذلك أمام النسوة بلا حياء أو خوف، مع أمنها مكر زوجها؛ فهو كأكثر رجال هذه الطبقة لا يمثل الطهر والشرف كبير قيمة لديهم وهذا ظاهر من موقفه: {يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين} يوسف:29.لقد أعلنتها صريحة: {ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ولئن لم يفعل ما آمره ليسجننَّ وليكونًا من الصاغرين}[يوسف:32].

فما وجد الصدّيق بعد كل هذا إلا أن يعتصم بالله، وأن يقدم رضًا الله على هوى النفس، بل ويرضى بالسجن ،ترك اللذة والشهوة، وآثر عليها السجن بما فيه، وهو لا يدري متى سيخرج منه، ولعله لا يخرج أبدًا، لكنه كان أحب إليه من رغبة الشباب ولذة الحرام، فأطلقها صريحة: {رب السجن أحب إليَّ مما يدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهنَّ أصب إليهنَّ وأكن من الجاهلين}[يوسف:33].إننا يا شباب نحتاج إلى استحضار هذا الموقف وأشباهه لنتخذه أنموذجًا يحتذى، ومثلاً يقتدى، ونتشبث بما تشبث به يوسف لننجو من أغلال الشهوة وذل المعصية.


قصة شبيه يوسف
محمد المسكي :

كان هناك شاب يدعى محمد يبيع الحليب ويطوف في الحارات لبيع الحليب
وفي أحد الأيام طرق باب أحد البيوت ...
وفتح الباب وطلبت صاحبة المنزل وعاءين من الحليب
فوضعهما عند حافة الباب وهم بالانصراف
ولكن نادت عليه صاحبة المنزل أن يقربهما أكثر إلى داخل المنزل حتى لا تظهر لمن هم في الشارع
وعندما تقدم أكثر وأراد أن يضع الحليب جذبته صاحبة المنزل من يده إلى داخل المنزل وأغلقت الباب عليه ...
مزقت ملابسها سريعا وأبلغته بأنها مفتونة به وأنه إذا لم يلبي لها رغبتها سوف تصيح عليه وتجمع عليه الناس وتتهمه بمحاولة اغتصابها.
كان الموقف حرجا ... فما كان من هذا الشاب إلا أن طلب منها أن تقوده إلى الحمام أولا قبل الاستجابة لرغبتها
وما إن أصبح داخل الحمام حتى مرّغ نفسه بالنجاسة ...
وما هي إلا لحظات وأصبحت رائحته كريهة فخرج إليها ...
فما كان منها إلا أن أدرات وجهها عنه وقالت أنت مجنون اخرج أخرج من البيت
فأبدله الله بما فعل جزاء حسنا
أصبح رائحته تشم من بعد وهي تفوح برائحة كالمسك ... وعندما يعرق تزداد رائحته طيبة
ومن يومها أصبح يدعى هذا الرجل محمد المسكي


قوارب النجاة
لقد تمسك الصادق العفيف "يوسف" بأمور كانت سببًا بعد توفيق الله وحفظه في عصمته وصيانته، ولو تمسك بها كل واحد منا لبلغ بأمر الله بر الأمان كما بلغه يوسف:
أولها: خوف الله ومراقبته:
لقد كان في خلوة لا يراه من البشر أحد، والضغوط كلها عليه، ومداخل الشيطان كثيرة، فما بحث عن تبريرات، ولا استسلم لوخز الشهوات واستحضر في ذلك الموقف العظيم خوفه من الله تعالى ومراقبته له، وتعظيمه لحق الله تعالى فقال لما راودته بملء فيه:
{معاذ الله}،
{إنه لا يفلح الظالمون}.
وما أجمل هذا الخوف وما أجل عاقبته التي أخبر بها نبينا صلى الله عليه وسلم في حديثنا أنه من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله .
ثانيها: توفيق الله وحفظه لعبده:
فلما رأى الله تعالى منه صدقه وصبره صرف عنه السوء وصرفه هو عن السوء صيانة له وتكريما وجزاء على عفته: {كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين}يوسف:24.
فلما رأى منها ما رأى، وخاف على نفسه فر منها وهرب إلى الباب يريد الخروج، وهي تمسك بثوبه وهو يشد نفسه وينازعها حتى قدت قميصه من شدة جذبها له وشدة هربه منها.
وهذا الفرار هو أعظم أسباب النجاة، فالفرار من الخلوة بالأجنبيات، وصيانة النظر عن رؤية المحرمات والعورات، والبعد عن مواقع الشهوة والعري في النت والفضائيات، كلها من أسباب الفرار بالدين من الفتن .. وخلاصتها غض الأبصار عن الوقوع في حمى الأخطار.
كل الحوادث مبدأهـــا من النظــر ومعظم النار من مستصغر الشرر
كم نظرة بلغت من قلب صاحبها كمبلغ السهم بين القــــــوس والوتر
يســــر مقلته ما ضــــــر مهجته لا مرحـــــبا بسرور جاء بالضرر
ومن صدق الفرار أن يفر الواحد منا من قرناء السوء الذين يذكرونه بالمعاصي، ويحدثونه عنها وعن سبلها ووسائلها وكيفية الوصول إليها، بل ويمدونه بها وييسرونها عليه،، فهؤلاء معرفتهم في الدنيا عار وفي الآخرة خزي وبوار .
ومن أراد السلامة فليلزم أهل التقى ومواطن الخير وأصحاب العبادة كما قال العالم لقاتل المائة نفس: "ودع أرضك هذه فإنها أرض سوء واذهب إلى أرض كذا فإن فيها قوما يعبدون الله تعالى فاعبد الله معهم".
ثالثها: الدعاء والالتجاء إلى الله:
فقلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها ويصرفها كيف يشاء، فهو سبحانه القادر أن يثبت قلبك ويصرف همم أهل السوء عنك، والتوفيق كله بيده، والخذلان أن يكلك إلى نفسك.

وقد علم يوسف ذلك؛ فالتجأ إلى الحصن الحصين والركن الركين: {وإلا تصرف عني كيدهم أصب إليهنَّ وأكن من الجاهلين * فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهنَّ إنه هو السميع العليم} يوسف:33، 34

فإذا أردت العصمة فاعتصم بربك: {ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم}آل عمران:101
رابعها: تهويل خطر المعصية:
فقد رأى يوسف الكريم أن الفاحشة أمر عظيم وخطب جليل، وتجرؤ على حدود الله خطير، وتفكر في عقوبة الآخرة، فهانت عليه عقوبة الدنيا، فاختار السجن ومرارته على أن يلغ في عرض لا يحل له، أو أن يقضي وطرًا في غير محله:
{قال رب السجن أحبُّ إلي مما يدعونني إليه}[يوسف:33].
خامسها: الاعتصام بالإيمان:
فالإيمان يصون أهله ويحمي أصحابه، ومن حفظ الله تعالى حفظه الله في دينه ودنياه وأهله وأخراه، وما عصم يوسف عليه السلام إلا الإيمان بربه وصدقه معه وإخلاصه له،
وقد سجل الله له ذلك فقال: {إنه من عبادناالمخلصين}[يوسف:24].
المخلصين بكسر اللام جمع مخلِص وهو الذي أخلص عبادته لله تعالى فلم يشرك به شيئا، فهو بهذا اسم فاعل،
وأما المخلََصين بفتح اللام فهو جمع مخلص أي من أخلصه الله تعالى واختاره فهو اسم مفعول،
وقد قرئ هنا بكسر اللام وبفتحها.
قال ابن جرير الطبري:.. بفتح اللام من المخلصين بتأويل أن يوسف من عبادنا الذين أخلصناهم لأنفسنا واخترناهم لنبوتنا ورسالتنا...... بكسر اللام بمعنى أن يوسف من عبادنا الذين أخلصوا توحيدنا وعبادتنا فلم يشركوا بنا شيئا غيرنا..
اهـ. مختصرا.
الزواج أو الصوم:
لقد عالج رسول الله صلى الله عليه وسلم مشكلة الشهوة عمليًا بدعوة القادرين على سرعة إعفاف النفس، وكذلك الآباء على سرعة تزويج أبنائهم لرفع الحرج عنهم ودفع القلق وجلب الاستقرار النفسي والاجتماعي، فإن دعت الظروف وامتنعت القدرة فاللجوء إلى الصوم، فإنه يقطع الشهوة ويحطم جموح النفس: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج. ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء".
تذكر عاقبة العفة :
وهو معين للشاب على هجر الفاحشة ومقاومة الشهوة الجامحة أن يتذكر عاقبة العفة الدنيوية والأخروية.
فأهل العفة هم أهل ثناء الله وفلاح الآخرة: {والذين هم لفروجهم حافظون.... أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون}[المؤمنون:5]. وأهل العفة هم أهل المغفرة والأجر العظيم: {والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرًا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرًا عظيمًا}[الأحزاب:35].

وأهل العفة هم أهل الجنة: "من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة".
ثم تذكر الإحساس بلذة الانتصار على النفس والشيطان، والتخلص من رقة المعصية ومذلة الذنب وكسرة النفس والقلب، وخوف عقوبة الآخرة.
وللأسرة دور أيضًا :
إننا ونحن ندعو شبابنا للعفة ومقاومة الشهوة لا ينبغي أن نغفل دورنا كآباء وولاة أمور، بل الواجب على الوالدين تيسير أسباب العفة للأبناء، ودفع غوائل الشهوة عنهم.
فغرس الإيمان في القلوب بحسن التربية والتنشئة، وسد ذرائع الشهوة ، والعلاقة الأخوية ورابطة الصداقة مع أبنائنا التي تحمي من قرناء السوء، وحسن الاستماع والإنصات لمشكلات الأبناء، مع البحث عن العلاج السليم دون التأنيب والاندفاع، مع فتح باب المصارحة لإيجاد أيسر الحلول من أقرب الطرق.. كلها معينات للأبناء، ولا تنسوا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته".نسأل الله أن يصرف عن شباب المسلمين كل مكروه وسوء.
والله خير حافظا وهو أرحم الراحمين .

الأفلام والمواقع الإباحية خطر يهدد الإيمان ويدمر الأسر

من أكبر معاول هدم إيمان الشباب الدخول إلى المواقع الإباحية الخليعة، أو مشاهدات القنوات الجنسية المقيتة، أو غيرها من تلكم المواقع الشاذة.
والشباب الذين كانوا على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم مروا بمثل هذه المرحلة ـ مرحلة فوران الشهوة، وفقدان ما يصرفهاـ وقد أرشدهم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى علاج هذه الشهوة الشديدة، وبيًّن لهم أن خير سبيل لدفع هذه الفتنة هو الزواج بامرأة مسلمة تحصنك وتمنعك من الحرام.

فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:"يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء". رواه البخاري ومسلم.

ومن المعلوم أن المسلم مطالب بغض بصره، وألا يطلع نظره على النساء الأجنبيات( اللاتي يحل له الزواج منهن)، وذلك لأن نعمة البصر من النعم التي يمتن الله بها على عباده ليؤدوا شكرها وهي كثيرة لا تحصى، وشكر النعمة لا يكون باللسان فقط بل باستخدام هذه النعمة فيما أحلَّ الله، وحفظها عما حرم الله.

وإطلاق البصر إلى المحرمات له أضرار عديدة يكفي أنها تجعل صاحبها من المقصرين، ويكفي في زجر النفس عنها أن يُعلم أن الله سبحانه مطلع على هذه الخيانة من العين يقول تعالى: {يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور}.

ومن يطلق نظره ويشبعه من النظر إلى الحرام لا شك أنه واقع في الإثم، وعليه أن يقطع عنه الأسباب التي أدت إلى عدم غض البصر.

قد يقول البعض أنا أحاول جهدي أن أغض بصري، ولكني أضعف وتفتر مقاومتي وأدخل على هذه المواقع
أقول لك: عليك بجملة أمور اجتهد في تحقيقها فإنها – بفضل الله- ستعصم نفسك من الدخول على هذا المستنقع القذر ومنها:-

* إذا راودتك نفسك الدخول إلى المواقع الإباحية
فاجعلها تنظر أولا لصور الشهداء من الأطفال والنساء والشيوخ اللذين حصدتهم الحروب ، فمشاهدة مثل هذه الصور تجعلك تتذكر الواجب الذي عليك تجاه إخوانك، فكل شهيد وأسير له حق في رقبتك، وعليك أن تؤديه، من أبسط حقوقهم عليك أن تحاول نصرهم بكل ما أوتيت من قوة، ولو بالدعاء، ومن السفه أن أمة أطفالها تذبح، ونساؤها يقتلن وشيوخها يدفنوا أحياء وشبابها قابع أمام قنوات الفجور والفسق والعري.

* إذا راودتك نفسك الدخول إلى المواقع الإباحية
فتذكر أنك تعصي الله عز وجل، ولا تنظر إلى صغر الذنب، ولكن انظر من عصيت، فقد عصيت جبار السموات والأرض، عصيت الذي خلقك فسواك فعدلك، عصيت من خلقك لطاعته وعبادته فإذا أنت قائم على معصيته!!، عصيت الله الذي حباك النعم، وأنت تستخدم هذه النعم في محاربته بالمعصية.

* إذا أردت أن تدخل على هذه المواقع الإباحية
تذكر أن الله يسترك دائما، ولو شاء لفضحك، ومن شاء الله أن يفضحه لفضحه في جوف داره.

* إذا أردت أن تدخل على هذه المواقع الإباحية
تذكر أنك ستقف أمام الله عز وجل وأنه سيسألك عن كل أعمالك، فبماذا ستجيب رب العالمين إذا قررك بهذا الذنب وبتلكم المعصية؟!. قال تعالى:[وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤولُونَ] الصافات: 24.}
وقال أيضا: فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ {الحجر: 92-93.}
وقال صلى الله عليه وسلم: لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيم أفناه؟ وعن علمه ما فعل به؟ وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟ وعن جسمه فيم أبلاه؟ رواه الترمذي وقال هذا حديث حسن.

* إذا أردت أن تدخل على هذه المواقع الإباحية
فاعلم أنك صرت أداة في يد أعداء الأمة، وقد انتصروا عليك شخصيا في مجال الأخلاق، وسلبوك تلك الأخلاق النبيلة التي كان العرب يتحلون بها في الجاهلية قبل الإسلام، يقول شاعر الجاهلية عنترة:

وَأَغَضُّ طَرفي ما بَدَت لي جارَتي*** حَتّى يُواري جارَتي مَأواها
إِنّي اِمرُؤٌ سَمحُ الخَليقَةِ ماجِدٌ*** لا أُتبِعُ النَفسَ اللَجوجَ هَواها


فهذا الرجل الجاهلي قد عاش على الفطرة ولم يتخلق بأخلاق الإسلام لأنه لم يعاصره، فهاهو يفتخر بنفسه أنه يعصي نفسه اللجوج، ولا يتبع هواها بل هي تتبعه، وليس هو يتبعها، ومن الشواهد على هذا أنه يغض طرفه (بصره) إذا ما ظهرت جارته حتى تختفي عنه، ولا يقف يحملق فيها، ويتفحصها، لأن هذا من الخزي والعار بمكان، وفطرة الرجل الأبي الحر النبيل تأبى هذا الفعل الخسيس، وعلى هذا فمن يدخل لهذه المواقع الإباحية لا هو متخلق بأخلاق الإسلام ولا حتى أخلاق الجاهلية.


* ومما يساعد على التخلص من هذه الآفة اللعينة
بعد هذا كله الإخلاص فبغيره لا يتحقق النصر على العدو الأزلي المتربص بنا وهو "الشيطان". قال الله تعالى عن الشيطان: (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ [صّ:82-83]..
وانظر إلى يوسف عليه الصلاة والسلام، كيف صرف الله عنه الفاحشة بإخلاصه: كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ [يوسف:24].
ومن الإجراءات العملية التي بإمكانك أن تتبعها
إذا كنت تشاهد ذلك من خلال الإنترنت فقم ببيع كارت المودم فورا، أو تخلص منه حتى يشفيك الله عز وجل، ولا تتعلل بأهميته وفوائده.

إذا كنت تشاهد ذلك من خلال الدش فقم بالتخلص منه، أو بتشفير القنوات الجنسية.

وبعد هذا كله يمكنك أن تعاهد الله عز وجل على عدم الدخول لهذه المواقع الإباحية أبدا، وبعدما تعاهده سبحانه عليك الوفاء بما عاهدت الله عليه، فالوفاء بالعهد من شيم المؤمنين، وخلف الوعد سمة من سمات المنافقين.



453.jpg الإيدز في انتظاركم قصة حقيقية

كتبت احدى الصحف عن قصة فتاة كانت تتردد على المطار بشكل دائم مع وصول الطائرات القادمة من الخليج بالتحديد .

وعند عودتها من المطار تكون بصحبة احد الرجال من الخليج والسبب معروف طبعاً.
ولاحظ أحد السائقين بالمطار ذلك وكان يقوم بتوصيلها إما ذهاباً أو إيابا وقد وقعت في نفسه لجمالها وشدة تعريهاوفي إحدى الأيام ركبت معه وأمرته بالتوجه إلى المطار وكان الوقت ليلاً فانتهز الفرصة واختلى بها في طريق نائية وأمرها بتلبية رغبته فرفضت بشدة ونصحته بالابتعاد عنها مخاطبة إياه بأخي
فأجابها الآن أصبحتي شريفة علي لأني ابن بلادك أما مع الخليجيين فلا مانع وقام باغتصابها.
وبعد فتره زمنية مرض السائق واتضح انه مصاب بالإيدز!!!
وأخذ يتساءل كيف ولم تسبق له أي تجربة جنسية سوى قصته مع تلك فأسرع بالإبلاغ عنها وتم القبض عليها في المطار.
واعترفت الفتاة بأنها أصيبت بالإيدز من قبل أحد الخليجيين فقررت الانتقام منهم فكانت تذهب للمطار لاصطيادهم ونقل العدوى إليهم وعند سؤالها عن عدد الأشخاص الذين مارست معهم الجنس منذ إصابتها بالمرض أجابت أنهم بالمئات وكلهم من الخليجيين فقد استمرت الإيقاع بضحاياها لعدة سنين.

اللهم ارزق شبابنا عفة يوسف وارزق فتياتنا طهارة مريم
وامنحنا العفة والطهارة والنقاء والحياء ويسر الزواج لجميع شبابنا وفتياتنا
اللهم آمين


في ظلال عرش الله

(7) رجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه
وقد نال هذه المكانة بثلاث صفات
الأولى: لأنه كان من الذاكرين

الثانية: لأنه كان في خلوة بربه بعيدًا عن الناس.

الثالثة: لأنه فاضت عيناه بالدموع


قوله : (ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه ) وهذا دليل الإخلاص فذكره لله خاليا منفردا أبعد عن الشبهة وعن الرياء والسمعة .
ذكَرَ الله خالي القلب ، لا يفكر في شيء غير الله ، لو فكر في شيء لم يحصل له البكاء من خشية الله أو الشوق إليه ؛ لأنه لا يمكن أن يبكي الإنسان وقلبه مشغول بشيء آخر ، كيف تبكي شوقاً إلى الله وخوفاً منه وقلبك مشغول بغيره؟! ولهذا قال:
( ذكر الله) وذكر الله قد يكون بتلاوة القرآن أو التسبيح والتحميد أو بالدعاء أو بتذكر الذنوب والتوبة إلى الله منها( وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135)آل عمران
فمعنى (ذكروا الله) هنا ذكروه بالخوف من عقابه والحياء منه.
وقال الضحاك: ذكروا العرض الاكبر على الله.
وقيل تفكروا في أنفسهم أن الله سائلهم عن هذا الذنب .
(خالياً) فهو خالي القلب مما سوى الله عز وجل ، خالي الجسم أيضاً، ليس عنده أحد حتى لا يكون بكاؤه رياء وسمعة، فهو مخلص القلب .

(ففاضت عيناه)هذا على سبيل المجاز إما بالحذف أي ففاضت دموع عينيه وفيه غرض بلاغي وهو إسناد الفيضان للعينين مع أن الفيضان هو زيادة الماء على سعة الإناء تقول فاض النهر وفاض الحوض أي زاد الماء على سعته ففاض من الجوانب .
أو أن العين وهي المبصرة أصبحت ذات إحساس وفيضان ،وهذا كله مبالغة في إظهار صورة شدة الخوف من الله

(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ... ) (الأنفال:2)
وهناك رواية: (فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ مِنْ خَشْيَة اللَّه).
ما أكثر الذين يبكون إذا رأوا الناس يبكون !بل ما أسرع ذلك عند النساء؛ وهذا من باب التأثر والانفعال بالموقف كالمواقف الحزينة ، والمشاهد الدامية أو تأثرا بصوت قارئ يصلى وراءه ،أو شيخ واعظ ....

وهذه طبيعة الإنسان إذا حضر مع قوم يضحكون ليس من الغريب أن يضحك معهم، وحينما يجلس مع قوم يبكون ليس غريباً أن يبكي أو يتباكى معهم.

ولكن قوة الإيمان وصدق اليقين أن يبكي وحده، أن يبكي ولا يراه إلا الله، أن يبكي بكاءً لا يعرفه من حوله، تنحدر من عينه قطرات ساخنة ودمع حار متتابع، يسيل على وجنتيه ولا يعرف من بجواره أنه بكى.

أما الصياح والضجيج ورفع الأصوات والمبالغة فليس من ذلك في شئ.
مر الشافعي
برجل يبكي في المسجد، فقال: ما أطيب هذه الدموع ولو كانت وحدك لكانت أطيب.


أنواع البكاء:

ذكرالإمام ابن القيم رحمه تعالى عشرة أنواع للبكاء هي:-
بكاء الخوف والخشية .
-بكاء الرحمة والرقة .
- بكاء المحبة والشوق .
- بكاء الفرح والسرور .
- بكاء الجزع من ورود الألم وعدم احتماله .
- بكاء الحزن ....
وفرقه عن بكاء الخوف : أن الأول -" الحزن " - يكون على ما مضى من حصول مكروه أو فوات محبوب وبكاء الخوف : يكون لما يتوقع في المستقبل من ذلك ، والفرق بين بكاء السرور والفرح وبكاء الحزن أن دمعة السرور باردة والقلب فرحان ، ودمعة الحزن : حارة والقلب حزين ، ولهذا يقال لما يُفرح به هو " قرة عين " وأقرّ به عينه ، ولما يُحزن : هو سخينة العين ، وأسخن الله به عينه .
- بكاء الخور والضعف .

- بكاء النفاق وهو : أن تدمع العين والقلب قاس .
- البكاء المستعار والمستأجر عليه ، كبكاء النائحة بالأجرة فإنها كما قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه : تبيع عبرتها وتبكي شجو غيرها .
- بكاء الموافقة : فهو أن يرى الرجل الناس يبكون لأمر فيبكي معهم ولا يدري لأي شيء يبكون.
ولقد أثنى الله في كتابة الكريم في أكثر من موضع على البكائين من خشيته تعالى فقال جل شأنه :

[وقرءاناً فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا قل آمنوا به أولا تؤمنوا إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا] الإسراء 106-109 .

وقال تعالى COLOR=#ff0000]أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذريه آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذريه إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا واجتبينا إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجداً وبكيا[/COLOR مريم 58 .

وعن أبى هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [ لا يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع ولا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم ] رواة الترمذى .

و قوله [ لا يلج ] أي لا يدخل
[ رجل بكى من خشية الله ] فإن الغالب من الخشية امتثال الطاعة واجتناب المعصية
[ حتى يعود اللبن في الضرع ] هذا من باب التعليق بالمحال كقوله تعالى COLOR=#ff0000]حتى يلج الجمل في سم الخياط[/COLOR الأعراف 40 .

فكما أن اللبن لا يعود في الضرع فكذلك من بكى من خشية الله لا يدخل النار.

وروى الترمذى عن ابن عباس قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول [عينان لا تمسهما النار :
عين بكت من خشيه الله
وعين باتت تحرس في سبيل الله]
( عينان لا تمسهما النار) أي لا تمس صاحبهما فعبر بالجزء عن الكل وعبر بالمس إشارة إلى أنه معافى من العذاب فلا يمسه مجرد المس
COLOR=#ff0000]عين بكت من خشية الله[/COLOR وهى مرتبة المجاهدين مع النفس التائبين عن المعصية
COLOR=#ff0000]وعين باتت تحرس في سبيل الله[/COLOR وهى عين الحارس للمجاهدين لحفظهم عن الكفار أن يهجموا عليهم بغتة أو غدرا .

وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ليس شيء أحب إلى الله من قطرتين وأثرين : قطرة من دموع في خشية الله ، وقطرة دم تهراق في سبيل الله ، وأما الأثران : فأثر في سبيل الله ، وأثر في فريضة من فرائض الله ". رواه الترمذي وحسنه الألباني

1247134393.jpg بكاء النبي صلى الله عليه وسلم:
عَن ابن مَسعودٍ - رضي اللَّه عنه – قالَ : قال لي النبيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : " اقْرَأْ علي القُرآنَ " قلتُ : يا رسُولَ اللَّه ، أَقْرَأُ عَلَيْكَ ، وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ ؟ ، قالَ : " إِني أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي " فقرَأْتُ عليه سورَةَ النِّساء ، حتى جِئْتُ إلى هذِهِ الآية : ( فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّة بِشَهيد وِجئْنا بِكَ عَلى هَؤلاءِ شَهِيداً ) [ النساء / 40 ] قال " حَسْبُكَ الآن " فَالْتَفَتُّ إِليْهِ ، فَإِذَا عِيْناهُ تَذْرِفانِ .

ولما رأى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه يحفرون قبرا لدفن أحد المسلمين وقف على القبر وبكى ثم قال : " أي إخواني، لمثل هذا فأعدوا " .

أما عبد اللَّه بنِ الشِّخِّير - رضي اللَّه عنه – فيقول : أَتَيْتُ رسُولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وَهُو يُصلِّي ولجوْفِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ المرْجَلِ مِنَ البُكَاءِ (أي كغليان الماء في قدر الطعام ).

وعن أنس بن مالك أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال لأبيِّ بن كعب : "إن الله أمرني أن أقرأ عليك سورة البينة " قال أالله سماني لك ؟ قال :" نعم" ، قال : وقد ذُكرت عند رب العالمين ؟ قال : "نعم" ، فذرفت عيناه - وفي رواية : فجعل أبيٌّ يبكي.

وكان السلف يعرفون قيمة البكاء من خشية الله تعالى
فهذا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقول : " لأن أدمع من خشية الله أحب إلي من أن أتصدق بألف دينار ! " .

وقال كعب الأحبار : لأن أبكى من خشية الله فتسيل دموعي على وجنتي أحب إلى من أن أتصدق بوزني ذهباً.
وبكى الحسن فقيل له : ما يبكيك ؟ قال : أخاف أن يطرحني الله غداً في النار ولا يبالي .

وعن تميم الداري رضى الله عنه أنه قرأ هذه الآية : ( أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات ) [ الجاثية / 21 ] فجعل يرددها إلى الصباح ويبكي .
وكان ابن مسعود يمشي فمَّر بالحدَّادين و قد أخرجوا حديداً من النار فقام ينظر إلى الحديد المذاب ويبكي .
وكأنه رضي الله عنه تذكر النار وعذاب أهلها حين رأى هذا المشهد .


وعن نافع قال : كان ابن عمر إذا قرأ( ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله ) [ الحديد / 16 ] بكى حتى يغلبه البكاء .

وقال مسروق رحمه الله : " قرأت على عائشة هذه الآية : ( فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ ) [ الطور / 27 ] فبكت ، وقالت: " اللهم مُنَّ علي وقني عذاب السموم إنك أنت البر الرحيم " .

وبالتأمل في سيرة هؤلاء الصالحين الباكين من خشية الله تعالى نجد أنهم اشتركوا في صفة واحدة على تنوع عباداتهم واجتهاداتهم في طاعة الله تعالى تلك الصفة هي الإخلاص المنافي للرياء فلقد كانوا رضي الله عنهم أبعد الناس عن أن يراهم أحد حال البكاء حرصاً منهم أن لا يدخل العُجْب قلوبهم فتبطل عبادتهم وتراهم شددوا بلسان الحال والمقال على هذه الصفة ابتغاء نيل الأجر كاملاً غير منقوص من رب العالمين لا من مدح المادحين .

قال الحسن البصري : إن كان الرجل ليجلس المجلس فتجيئه عبرته فيردها فإذا خشي أن تسبقه قام .
وكان أيوب السختيانى إذا وعظ ترقرق الدمع في عينه فيمسح وجهه ويقول : ما أشد الزكام حذرا من الرياء .
وقال ابن الجوزى : كان ابن سيرين يتحدث بالنهار ويضحك فإذا جاء الليل فكأنه قتل أهل القرية .
* طلب الحسن البصرى ماء ليفطر عليه فلما أتوه به أدناه إلى فيه فبكى وقال ذكرت أمنية أهل النار قولهم [أن أفيضوا علينا من الماء] فرقت عيني خوفا من مآلهم .
ذاك هو الإيمان الحق الذي ليس بالتمني ولا بالتحلي ولكن ما وقر في القلب وصدقة العمل وهؤلاء هم أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولاهم يحزنون وإن لم يكن هؤلاء أولياء الله فمن يكونوا؟!

والسؤال الذي يفرض نفسه الآن أين نحن من هؤلاء ؟ وما سر هذه الانتكاسة التي نمر بها ؟
إن حياة هؤلاء الصالحين تشير ببساطة إلى موضوع الخلل في حياتنا .
إنها ظاهرة ضعف الإيمان في القلوب .إنها المادية التي طغت علينا في كل شيء .
إنه التشبث الأعمى بالحياة ونسيان رب الحياة ألا فلنعود إلى الله كما عادوا لكي ننهض بأمتنا كما نهضوا.

مثيرات البكاء
1- الخلوة الصالحة في أوقات إجابة الدعاء:
فالخلوة الصالحة هي خليلة الصالحين والعبّاد وكل قلب يفتقر إلى خلوة، وأنا هنا أنعتها بالصالحة وهي الخلوة التي يقصدها المرء بنية التعبد لله والخلوص له سبحانه وتعالى قال الله سبحانه: { وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً }..
وهذه الخلوة الصالحة يكون فيها التدبر في شأن الإنسان وحاله مع ربه، ويكون فيها محاسبة المرء لنفسه، وتكون فيها المصارحة والمكاشفة بين كل امرئ وقلبه، فيعرف مقامه وتقصيره وكم هو مذنب وعندها يسارع إلى الاستغفار والبكاء من خشيته سبحانه.
2- الإنصات والتدبر للتذكرة والموعظة:
فكم من كلمة طيبة كانت سببا في تغيير حياة إنسان من الغفلة إلى الاستقامة، وقد حذر العلماء من إغفال التذكرة وعدم التأثر بها لأنها من علامات قسوة القلب كما في حديث العرباض بن سارية قال: "وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة سالت منها العيون ووجلت منها القلوب..." (أخرجه أحمد والترمذي).

3- محاسبة النفس ومخاطبتها:
يتحسر المسلم يوم يذكر طاعة لم يتمها، وخيرا لم يشارك فيه، ويوم يمر عليه وقت لا يذكر الله تعالى فيه.
فينظر إلى كل جارحة من جوارحه ويخاطبها:
كم من ذنب شاركت فيه؟
وكم من طاعة قصرت عنها؟
وكم من توبة تمنعت عنها؟
وكم من استغفار غفلت عنه؟
.. ويذكر قول الله تعالى: {حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ . وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ } [ فصلت ] .
4- كثرة ذكر الله :
لما شكا بعضهم لشيخه قسوة قلبه فقال له :أذب قسوة قلبك بكثرة الذكر.
يقول ابن القيم رحمه الله : ( صدأ القلب بأمرين : بالغفلة والذنب ، وجلاؤه بشيئين بالاستغفار والذكر ...)..

البكاء و الإخلاص
تساؤل يثار كثيرا حول الموقف من البكاء أمام الناس وفي حضرتهم رغم ما يمكن أن يكتنف هذا من التماس ببعض شبهات المراءاة للناس وتصوير النفس بالخشوع والتقوى، فكثير من الناس يمتنعون عن ذلك البكاء ولا يبدونه مهما كانت الأحوال مخافة الاتهام بالرياء أو مخافة مداخلة النفس العجب.
وعلى جانب آخر يرى البعض أن البكاء في المجالس وفى المواعظ شيء طبيعي لأصحاب القلوب الرقيقة لا يمكن إنكاره أو اتهام صاحبه بسوء نية، فما هو الموقف الصائب إذن؟.
الناظر إلى أحوال السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن تابعهم ونهج نهجهم من علماء الأمة ليرى بوضوح أن البكاء كان سمة مميزة لهم -كما سبق أن بينا
ولكن هناك أيضا من الآثار ما حض على إخفاء ذلك البكاء وجعله في الخلوة ومنفردا فقط:
قال سفيان بن عيينة: "اكتم حسناتك كما تكتم سيئاتك"
وخلاصة القول في ذلك أن يعلم الإنسان نفسه البكاء من خشية الله وعند سماع الموعظة والذكر والتذكرة وعند محاسبته لنفسه أو غير ذلك، والأصل في البكاء أن يكون في الوحدة ومنفردا وفي الخلوات، ولكن إذا كان المرء بين الناس وغلبه البكاء فلا شيء في ذلك أبدا إذا اطمأن من نفسه الصدق والإخلاص بل إن ذلك كان حال الصالحين.
وعن التباكي قال ابن القيم - بعد ذكره أنواع البكاء - :
وما كان منه مستدعىً متكلفاً فهو التباكي
وهو نوعان :
محمود ومذموم
فالمحمود : أن يُستحلب لرقة القلب ولخشية الله ، لا للرياء والسمعة ،
والمذموم : يُجتلب لأجل الخلق .
وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم وقد رآه يبكي هو وأبو بكر في شأن أسارى بدر : أخبرني ما يبكيك يا رسول الله ؟ فإن وجدت بكاء بكيت ، وإن لم أجد تباكيت لبكائكما ) أخرجه مسلم
ولم ينكر عليه صلى الله عليه وسلم ، وقد قال بعض السلف : ابكوا من خشية الله فإن لم تبكوا فتباكوا ." زاد المعاد " ( 1 / 185 ، 186 ) .
اللهم أذهب عنا قسوة قلوبنا
اللهم ارزقناعينين فياضتين بالدمع من خشيتك
وإخلاصا لا يشوبه رياء
وإيمانا لا يفسده نفاق
آآآآآآآآمين


في ظلال عرش الله [IMG]http://1.bp.blogspot.com/_bmbQ6hDjm5s/SmlrXvarICI/AAAAAAAAAJY/nOGHwGTeTNE/s400/untitled.bmp[/IMG]
(8) إنظار المعسر
ندب الإسلام أتباعه إلى عدم شغل ذمتهم بالديون والقروض ،لأن الدين هم بالليل ومذلة بالنهار ، فيبقى المسلم منغمسا في الدنيا مهموما مكروبا كاسف البال ،وربما يموت فيبقى دينه معلقا به
ولذلك يرى كثير من أهل العلم أن المسلم لا ينبغي أن يقترض إلا في حالات الضرورة،أو الحاجة ، لا مجرد توسع في الكماليات.
والضرورة هي الأشياء التي لا يمكن الاستغناء عنها ، بحيث إذا فقدها الشخص أصبح معرضا للهلاك كالقوت والملبس والعلاج الذي لا بد منه.


والحاجة هي التي يصيب الإنسان الحرج بفقدها وتكون حياة الإنسان بدونها شديدة.

والإسلام يأمر أتباعه بالاعتدال في حياته والاقتصاد في المعيشة: (ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين) الأعراف:31

(ولا تبذر تبذيرا إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين) سورة الإسراء:26-27.

ومن شأن هذا التوسط والاعتدال ألا يحوج المسلم إلى الاستدانة، وخصوصا أن النبي صلى الله عليه وسلم كرهها للمسلم

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله منه ويقول: "اللهم إني أعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال".

وكان يقول في صلاته كثيرا: "اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم (الدين) فقيل له: إنك تستعيذ من المغرم كثيرا يا رسول الله؟

فقال: إن الرجل إذا غرم (استدان) حدث فكذب ووعد فأخلف".

فبين ما في الاستدانة من خطر على الأخلاق نفسها.

وكان لا يصلي على الميت إذا عرف أنه مات وعليه ديون لم يترك وفاءها، تخويفا للناس من هذه العاقبة، حتى أفاء الله عليه من الغنائم والأنفال، فكان يقوم هو بسدادها.

وقال: "يغفر للشهيد كل شيء إلا الدين".

وفي ضوء هذه التوجيهات لا يلجأ المسلم إلى الدين إلا للحاجة الشديدة، وهو حين يلجأ إليه لا تفارقه نية الوفاء أبدا.

وفي الحديث: "من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله".
فإذا اقترض المسلم من أخيه مالا وعجز عن الوفاء فإن الإسلام يعلمنا كيف نكون رحماء بيننا بإمهال المعسر وإعطائه الفرصة للسداد ،وحرم أخذ الفائدة الربوية أبدا على المسلم ،أو أن يخفف عنه الدين ليستطيع السداد ، أو أن يعفو عنه فيجعله صدقة بل عند بعض الفقهاء له أن يحسبه من الزكاة المفروضة طالما أن المعسر من مستحقيها .

في مجتمع الاستغلال : الربا ، وفي مجتمع الإحسان : القرض الحسن ،

من يريد الدنيا يرابي ، و من يريد الآخرة يقرض القرض الحسن .

وقد جاءت أحاديث كثيرة تبين فضل إنظار المعسر ،والتخفيف عنه منها :

أولا ظل عرش الله
كما في الحديث (مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا أَوْ وَضَعَ عَنْهُ أَظَلَّهُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ) رواه مسلم

وعَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ:

(مَنْ نَفَّسَ عَنْ غَرِيمِهِ أَوْ مَحَا عَنْهُ كَانَ فِي ظِلِّ الْعَرْشِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) رواه مسلم

لأن الإعسار من أعظم كرب الدنيا، بل هو أعظمها، فجوزي من نفس عن أحد من المعسرين بتفريج أعظم كرب الآخرة وهو هول الموقف وشدائده بأن يستظل بظل عرش الله

ثانيا: نجاة منظر المعسرين من كرب يوم القيامة
كما في الحديث(مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُنْجِيَهُ اللَّهُ مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلْيُنَفِّسْ عَنْ مُعْسِرٍ أَوْ يَضَعْ عَنْهُ) رواه مسلم

ثالثا : السلامة من فيح جهنم
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ(مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا أَوْ وَضَعَ لَهُ وَقَاهُ اللَّهُ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ) رواه أحمد
رابعا: دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له بالرحمة
عن جابر رضي الله عنه أنَّ رسول الله قَالَ: (رَحِمَ اللهُ رَجُلاً سَمْحًا إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى(أخذ الدين الذي له) رواه البخاري
الحضُ على السماحة وحسن المعاملة، واستعمال معالي الأخلاق ومكارمها، وترك المشاحة والدقة في البيع، وذلك سبب لوجود البركة فيه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يحض أمته إلا على ما فيه النفع لهم في الدنيا والآخرة، فأما فضل ذلك في الآخرة فقد دعا صلى الله عليه وسلم بالرحمة لمن فعل ذلك، فمن أحب أن تناله بركة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم فليقتد بهذا الحديث ويعمل به.

وفي قوله صلى الله عليه وسلم : (إذا اقتضى) حض على ترك التضييق على الناس عند طلب الحقوق وأخذ العفو منهم

وفي رواية (وإذا قضى )أي الدين الذي عليه

خامسا: إنظار المعسر بالمال المطالب به كالصدقة به عليه وأكثر
فعن بريدة رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ صَدَقَةٌ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ الدَّيْنُ، فَإِذَا حَلَّ الدَّيْنُ فَأَنْظَرَهُ فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْليهِ صَدَقَة) رواه أحمد وصححه الألباني في الصحيحة


سادسا: أن الجزاء من جنس العمل

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو رضي الله عنهما عن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمْ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا أَهْلَ الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ أَهْلُ السَّمَاءِ) رواه أحمد

ولا شك أن من الرحمة بالمعسر إنظاره
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (كَانَ رَجُلٌ يُدَايِنُ النَّاسَ، فَكَانَ يَقُولُ لِفَتَاهُ: إِذَا أَتَيْتَ مُعْسِرًا فَتَجَاوَزْ عَنْهُ لَعَلَّ اللَّهَ يَتَجَاوَزُ عَنَّا، فَلَقِي اللَّهَ فَتَجَاوَزَ عَنْهُ) رواه البخاري ومسلم
وعن حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
(تَلَقَّتِ الْمَلاَئِكَةُ رُوحَ رَجُلٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَقَالُوا: أَعَمِلْتَ مِنَ الْخَيْرِ شَيْئًا؟
قَالَ: لاَ
قَالُوا: تَذَكَّرْ
قَالَ: كُنْتُ أُدَايِنُ النَّاسَ فَآمُرُ فِتْيَانِي أَنْ يُنْظِرُوا الْمُعْسِرَ وَيَتَجَوَّزُوا عَنِ الْمُوسِرِ،
قَالَ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ تَجَوَّزُوا عَنْهُ) رواه البخاري ومسلم

ورواه مسلم بلفظ: (أُتِيَ اللَّهُ بِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِهِ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً فَقَالَ لَهُ:
مَاذَا عَمِلْتَ فِي الدُّنْيَا؟
ـ قَالَ: وَلاَ يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا ـ
قَالَ: يَا رَبِّ، آتَيْتَنِي مَالَكَ فَكُنْتُ أُبَايِعُ النَّاسَ، وَكَانَ مِنْ خُلُقِي الْجَوَازُ، فَكُنْتُ أَتَيَسَّرُ عَلَى الْمُوسِرِ وَأُنْظِرُ الْمُعْسِرَ،
فَقَالَ اللَّهُ: أَنَا أَحَقُّ بِذَا مِنْكَ، تَجَاوَزُوا عَنْ عَبْدِي)


الاستعانة بالله في قضاء الديون


الدعاء له فضل عظيم على وجه العموم، وهو من أهم أسباب قضاء الحاجات، ومنها الديون التي في الذمة
وقد جاءت أحاديث تبين أنه صلى الله عليه وسلم كان يدعو الله أن يقضي عنه دينه، بل كان يدعو بذلك كل ليلة قبل أن ينام
ومن ذلك حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن ينام يقول: "اللهم رب السماوات ورب الأرض، ورب العرش العظيم، ربنا ورب كل شيء، فالق الحب والنوى، ومنزل التوراة والإنجيل والفرقان، أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته، اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء اقض عنا الدين وأغننا من الفقر" أخرجه مسلم
ومن الأدعية التي علمها النبي صلى الله عليه وسلم بعض من عليهم دين :
عن أبي سعيد الخدري قال: دخل رسول الله ذات يوم المسجد، فإذا هو برجل يقال له أبو أمامة،
فقال: "يا أبا أمامة مالي أراك خالياً في المسجد في غير وقت الصلاة؟
قال: هموم لزمتني وديون يا رسول الله،
قال: أفلا أعلمك كلاماً إذا أنت قلته أذهب الله همك، وقضى عنك دينك؟
قال: قلت: بلى يا رسول الله،
قال: قل إذا أصبحت وإذا أمسيت:
اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال،
قال: فقلت ذلك، فأذهب الله همي،وقضى عني ديني"، أخرجه أبو داود

وعن علي أن مكاتباً (عبد يريد الحرية بدفع مال لمالكه )جاءه فقال:
إني عجزت عن كتابتي فأعني،
قال: ألا أعلمك كلمات علمنيهن رسول الله لو كان عليك مثل جبل صبير ديناً أداه الله عنك؟
قال: "قل اللهم اكفني بحلالك عن حرامك، وأغنني بفضلك عمن سواك"
أخرجه الترمذي وحسنه الألباني

وعن أنس قال: كنت أسمع النبي يكثر أن يقول: "اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والجبن والبخل، وضلع الدين، وغلبة الرجال" أخرجه البخاري

وضلع الدين: المراد ثقل الدين وشدته، كأن ثقله يصل إلى أضلاعه.

وهناك أدعية أخرى ذكرها الحافظ المنذري في كتابه: (الترغيب والترهيب) وغيره، لكن أحاديثها ضعيفة جداً لا تصح فلذا تركت إيرادها مكتفياً بذلك والله المستعان.

اللهم فرج هم المهمومين، ونفس كرب المكروبين، واقض الدين عن المدينين،
اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وأغننا بفضلك عمن سواك
اللهم وفقنا للطيبات، وجنبنا الربا والمحرمات.
اللهم ارفع عنا الغلا والوبا والزنا والربا
والزلازل والمحن يا أرحم الراحمين