مَثَلُ الجَسد 13ـ 10 ـ 1446هـ
عبدالعزيز بن محمد
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَمَّا بَعْدُ:
· (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)
· (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)
· (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)
أَيُّهَا المُسْلِمُوْنَ: تَقْسُو القُلُوبُ وتَلِيْن، وتَغْلُظُ الطِّباعُ وتَرِقُّ، وتَحْيى الضَمائِرُ وتَمُوتُ، والولاءُ للمُؤْمِنِيْنَ دِيْنٌ، والرَحْمَةُ بالمُؤْمِنِيْنَ إِيْمانٌ، والنُصْرَةُ للمُؤْمِنِيْنَ شَرِيْعَة.
والمُؤْمِنُ يُدْرِكُ أَنَهُ مِنْ أُمَةٍ اصْطَفاها اللهُ وفَضَّلَها، وشَرَّفَها وكَرَّمَها. مِنْ أُمَةٍ واحِدَةٍ تَعْبُدُ رَباً واحداً، وتَدِيْنُ بِدِيْنٍ واحِدٍ، وتُصَلِّيْ لِقْبْلَةٍ واحِدَةٍ، تُؤْمِنُ بسائِرِ المُرْسَلِيْن، وتَقْتَدِيْ بِخاتَمِ النَّبِيينَ صلى الله عليه وسلم .
مُؤْمِنٌ يَعْمَلُ لِدِيْنِهِ، ويُخْلِصُ لَه، يُرْخِصُ لأَجْلِهِ نَفْسَهُ، يَبْذُلُ لأَجْلِهِ مَالَهُ، ويُنْفِقُ لأَجْلِهِ ما مَلَك. مُؤْمِنٌ يَنْصَحُ للهِ ولِكِتابِهِ ولِرَسُولِهِ ولأَئِمَةِ المُسْلِمِيْنَ وعامَّتِهِم. يَقُومُ للهِ بِما أَمَر. يَدْعُوا إِلى اللهِ على بَصِيْرَةٍ، يَمْتُثِلُ وَحْياً مِنَ اللهِ نَزَل {قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} مُؤْمِنٌ يَعْمَلُ لِدِيْنِهِ أَيْنَ ما حَلَّ وأَيْنَ ما ارْتَحَل. هَمُّهُ مَقْرُونٌ بِدِيْنِهِ، وهِمَّتُهُ تَسْمُو معَ إِسْلامِه. ولايَتُهُ للإِسلامِ وأَهْلِهِ، وبراءَتُهُ مِنْ الكُفْرِ وأَهْلِه.
لَهُ مِنَ الإِيْمانِ عِرْقُ نابِضٌ، لَهُ قَلْبٌ وبالتَّقْوَى اتَّصَل. أُخُوَّةُ الدِيْنِ قَدْ أَرْسَى دَعائِمَها، لا يَرْتَضِيْ العَيْشَ في مَنْأَى عَنِ الدِيْنِ. مُؤْمِنٌ يُدْرِكُ أَنَّ الإِيْمانَ أَهدَى قائِدٍ، ومَنْ قَادَهُ الإِيْمانُ والتَقْوَى وَصَل. مُؤْمِنٌ وللدِيْنَ وَلاؤُهُ، مُؤْمِنٌ وللإِسْلامِ هَواه. يَتَهَلَّلُ بِشْراً إِنْ رَفْرَفَتْ للإِسْلامِ رايَةٌ، والحُزْنُ يُؤْلِمُهُ إِنْ أَزْمَةٌ نَزَلَتْ.
مُؤْمِنٌ أَوْثَقَ ولاءَهُ للهِ ولرَسُولِهِ وللمُؤْمِنِيْن، والولاءُ للِدِيْنِ عَقِيْدَةٌ شُرِعَتْ. ولاءٌ للدِيْنِ وولاءٌ للمُؤْمِنِيْنِ، ولا حُدُودَ تَحُدُّ تِلْكَ الوَلايَةِ ولا حَواجِزَ تَحْجِزُهُا، ولا حَمِيَّةَ تُضْعِفُها ولا عَصَبِيَّةَ تُفَرِّقُها. فَأُمَةُ الإِسْلامِ جَسَدٌ واحِدٌ وإِنْ تَبَاعَدَتِ بَيْنَ المُسْلِمِيْنَ الدِيارُ، وإِنْ تَناءَتْ بَيْنَهُمُ الأَقْطار.
فَأَيْنَمَا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ في بَلَدٍ ** عَدَدْتُ ذَاكَ الحِمَى مِنْ صُلْبِ أَوْطَــانِي
الوَحْيُ مَدْرَسَتِيْ الكُبْرَى وَغَارُ حِرَا ** مِيْلادُ فَجْرِيْ وَتَوْحِيْدِيْ وإِيْمَانِيْ
وَثِيْقَتِيْ كُتِبَتْ فِي اللَّوْحِ وانْهَمَرَتْ ** آيَاتُها فَاسْأَلُوا يَا قَوْمُ قُـــرْآنِي
في القُرآنِ بَشَّرَ اللهُ المؤْمِنِيْنَ المُسْتَضْعَفِيْنَ في مَكَةَ، بأَنَ فَرَحاً سَيَغُمُرُهُم بَعْدَ بِضْعِ سِنِيْنَ. حِيْنَ يجَلْجَلُ خَبرُ نَصْرِ اللهِ للرومِ على الفُرْس. ـــ وكانَ الفُرْسُ أَهْلَ شِرْكٍ ووثَنِيْةٍ، وكانَ الرُومُ نَصارَى أَهْلَ كِتابٍ. وأَهْلُ الكِتابِ أَقْرَبُ إِلى الحَقِّ مِنْ أَهْلِ الشِرْكِ والوَثَنِيَّة ـــ فَرَحُ ولاءٍ أَقَرَّهُ اللُه في القُرآن {غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ}
وكُلَّما كَانَ قَومٌ إِلى الحَقِّ أَقْرَب، كَان الولاءُ لَهُم أَتَمُّ وأَوْجَب. ولا يَسْتَهِيْن بِوَلايَةِ المُؤْمِنِيْنَ مَنْ كَمُلَ إِيْمانُهُ وصَحَّ إِسْلامُه {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} ولا يَسْتَخِفُّ بِأُخَوَّةِ الإِيْمانِ مَنْ آمَنَ بالقُرآن {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}
ولا ولاءَ لِمَنْ كَفَرَ باللهِ {لَّا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ}
حَقِيْقَةٌ حُسِمَتْ، الكُفْرُ عَقِيْدَةُ أَهْلِ الشَقاءِ، والكَافِرُونَ بَعْضُهُم لِبَعْضٍ أَوْلِيْاء {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ}
وكُلُّ صَفِيٍّ وَلِيٌّ لِصَفِيِّه {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}
إِنَّها أُخُوَّةُ الإِيْمانُ، تَقْوَى بِها الأُمَةُ ويُحْمَى جَنابُها، ويَعْظُمُ عِزُّها، وتُصِيِبُ حِرابُها. مُؤْمِنُونَ مَتراحِمُونَ و«المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ لا يَظْلِمُهُ ولا يُسْلِمُه» و«المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ، لا يَظلِمُهُ ولا يَخذُلُهُ، ولا يَحقِرُهُ» و «المؤمنون تَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، وهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ، وَيَسْعَى بذِّمَّتِهِم أَدْنَاهُم» عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى» متفق عليه
لا يَهْنأُ مُؤْمِنٌ بِلَذِيْذِ عَيْشِ، وأَخٌ لَهُ فِيِ الدِيْنِ يُؤْذى في دِيْنِه. لا يَهْنأُ مُؤْمِنٌ بِطِيْبِ مُقامٍ، وإِخْوَةٌ لَهُ في الدِيْن قَدْ طَالَتْ بِهِم مِحَنٌ، قَدْ مَسَهُم نَصَبٌ، قَدْ هَدَّهُمْ أَلَمُ. الكُفْرُ عَرْبَدَ في كِبْرٍ وفي صَلَفٍ، الكُفْرُ يُمْطِرُهُم بالنَّارِ والحُمَمِ.
شَعْبٌ يُبادُ وأُمَةٌ مَقْهُورَةٌ. شَعْبٌ على أَيْدِيْ اليَهُودِ يُحَرَّقُ. شَعْبٌ يُعَانِيْ الكَرْبَ في أَوطَانِهِ، شَعْبٌ على حَدِّ الحِرابِ يُمَزَّقُ، قَصْفٌ وقَتْلٌ ودَمَار، جُوعٌ وجِراحٌ وحِصار.
دَمُ المُصَلِّيْنَ فِي المِحْرَابِ يَنْهَمِرُ ** والمُسْتَغِيْثُونَ لا رَجْعٌ ولا أَثَرُ
وَالقُدْسُ في قَيْدِهَا حَسْنَاءُ قَدْ سُلِبَتْ ** عُيُوْنُهَا في عَذَابِ ]القَهْرِ[ تَنْتَظِرُ
في غَزَّةَ للأُمَةِ أَفْضَعُ مُصَابٍ، فِيْها للمُسْلِمِيْنَ أَعْظَمُ مِحْنَةٍ، فِيْها يُسامُ المُسْتَضْعَفُونَ صُنُوفاً مِن العَذَاب. يُهُودُ تُعَرْبِدُ في البِلادِ، يَهُودُ تُسْرِفُ بالفَساد، وَهَنَتْ أُمَةُ الإِسْلامِ فَهَانَتْ، أَضَاعَتْ أَمْرَ رَبِها فَعَانَت. أُرْغِمَتْ عَلى الهَوانِ، بَعْدَ أَنْ بالعِزِّ كَانَت. على أُمَةِ الإِسْلامِ تَداعَتِ أُمَمٌ، على أَمَةِ الإِسْلامِ تَوافَدَ الأَحْزَابُ.
عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا»، فَقَالَ قَائِلٌ: وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: «بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ، وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ، وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ»، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الْوَهْنُ؟ قَالَ: «حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ» رواه أبو داود
يَا أُمَةَ الحَقِّ مَاذا بَعْدُ؟ قَدْ نَفَدَتْ ** كُلُّ الدَّعَاوَى، وكَلَّتْ دُونَها الفِكَرُ
مَاذا سِوَى عَوْدَةٌ للهِ صَادِقَةٌ ** عَسَى تُغَيَّرُ هَذِي الحَالُ والصُّوَرُ
عَسَى يَعُودُ لَنا مَاضٍ بِهِ ازْدَهَرَت ** كُلُّ الدُّنَى واهْتَدَى مِنْ نوْرِهِ البَشَرُ
وَعْدٌ مِنُ اللهِ لَنْ يُخْلَف، وعَدٌ يَنالُهُ مَنْ وَفَّى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} بارك الله لي ولكم
الخطبة الثانية :
الحمدُ للهِ رَبِّ العَالمين، وأَشْهَدُ أَن لا إله إلا اللهُ ولي الصالحين، وأَشْهَدُ أَنَّ محمداً رسول رب العالمين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، وسلم تسليماً أما بعد: فاتقوا الله عباد الله لعلكم ترحمون
أيها المسلمون: تَتَضاءَلُ هُمُومُ المرءِ حِيْنَ يُبْصِرُ هُمُوماً أَعْظَمَ مِنْها، وتَنْحَسِرُ آلامُهُ حِيْنَ يُبْصِرُ آلاماً أَقْسَى وأَفْظَعَ مِنْها. وأَوْجَاعُ الأُمَةِ أَعْظَمُ مِنْ أَوْجَاعِ الفَرْدِ، ومُصَابُ الأُمَةِ أَعْظَمُ مِنْ مُصَابِ أَفْرادِها. وما يَقَعُ في الأُمَةِ مِن آلامِ ومَصائِبَ وخُطُوبٍ، فإِنَما يَقَعُ بِعْلِمِ اللهِ وحِكْمَتِهِ وتَقْدِيْرِه، وذُنُوبُ العِبادِ أَعْظَمُ جَالِبٍ للبَلاءِ وأَعْظَمُ سَبب {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ}
وإِذا نَزَلَ بَلاءٌ بِشَعْبٍ مِنَ المُسْلِمِيْنَ، فَاعْتَدَى عَلِيْهِم عَدُوٌّ وصَال، وعَاثَ فِي أَرْضِهِم بالفَسادِ وَجَال، وَجَبَ على المُسْلِمِيْنَ أَنْ تَسْتَنْهِضَوا هِمَمَهُم، وأَنْ يَسْتَنْفِدُوا في النُّصْرَةِ طَاقَتَهُم في نُصْرَةِ إِخوانِهِم {وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ} {.. وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}
يَبْذُلُ المُسْلِمُ في الأَمْرِ طَاقَتَه، ولا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إلا ما آتاها. ودَعْوَةٌ صادِقَةٌ، مِنْ قَلْبٍ مُخْبِتٍ ونَفْسٍ إِلى رَبِها مُنْكَسِرَة، يَتَضَرَّعُ فِيْها المُسْلمُ إِلى رَبِهِ، يَسْتَغِيْثُهُ نَصْراً للمُسْتَضْعَفِيْنَ ورِفْعَةً وعِزّاً، عَمَلٌ مِنْ أَكْرَمِ الأَعْمالِ، وعِبادَةٌ مِنْ أَجَلِّ العِباداتِ، دَعُواتٌ لا تُحْتَقَر، دَعَواتُ يَنْزِلُ بِها النَّصْرُ ويُدْفَعُ بِها عَنِ الأُمَةِ البَلاءُ {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ} لَقَدْ خَلَّدَ القُرآنُ خَبَرَ أُولئِكَ العَاجِزِيْن، الذِيْنَ ضَاقَتْ بِهِمُ الحِيَلُ، وأَحاطَ بِهِمُ الفَقْرُ، فَجَادُوا بِالدَّمْعِ سَخِياً. فَكَانَ البُكاءُ مِنْهُم أَعْظَمَ بَذْلٍ، وكَانَ البُكاءُ مِنْهُم أَصْدَقَ عَطاءَ {وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ}
* وما دُفِعَتِ نَوازِلُ الأُمَةِ بِمِثْلِ عَوْدَةٍ إِلى اللهِ صَادِقَةٍ. تُقْبِلُ الأُمَةُ إِلى رَبِها إِقْبالَ المُنِيْبِيْن، تُقْبِلُ بِجُمُوعِها وأَفْرَادِها. فَيَتَطَهَّرُونَ مِنْ دَنَسِ الآثَام، ويَتَواضَعُونَ تَعْظِيْماً للمَلِكِ العَلّام. ومَنْ أَقَامُوا على الآثامِ في زَمَنِ البَلاءِ فَقَدْ اسْتَوْجَبوا حُلُولَ السَّخَط {وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ} فَما خَضَعُوا لِرَبِهِم ما انْقَادُوا، ولا تَوَسَلُوا إليهِ ولا تَضَرَّعُوا {فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ* فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ }
اللهمَّ إنه لا حول لنا ولا قوة إِلا بك.. كُن لنا ولياً ونصيراً..
المرفقات
1744340365_مَثَلُ الْجَسَدِ 13 ـ 10 ـ 1446هـ.docx