متى نشعر بحال إخواننا

فهد عبدالله الصالح
1438/07/27 - 2017/04/24 14:24PM
الحمد لله رب العالمين , الرحمن الرحيم , ألف بين قلوب المؤمنين , وجعلهم إخوة متحابين , فبدينه يجتمعون , وفيه يوالون ويعادون , وعليه يتعاضدون ويتناصرون , نحمده حمداً كثيراً , ونشكره شكراً مزيداً , وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له , فاوت بين عباده في الدرجات والأرزاق ليبتليهم فيما أتاهم , وليكون بعضهم سخرة لبعض , واشهد أن محمدا عبده ورسوله , كان يجوع ليشبع غيره , ولا يستأثر بشيء من الدنيا لنفسه حتى يشرك فيه معه أحدا من أصحابه , وأخبر عنه خادمه أنس رضي الله عنه أنه لم يجتمع له غداء ولا عشاء من خبز ولحم إلا على ضفف ) صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى اله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين .
أما بعـــد :
فاتقوا الله تعالى وأطيعوه , وأحيوا رابطة الإيمان في قلوبكم , واعتزوا بها دون غيرها , فإن الله تعالى سماكم المسلمين , وجعل الفخر به أحسن القول فقال سبحانه (ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إننى من المسلمين ).
أيها الناس : إذا عمر قلب العبد بالإيمان امتلاء بالرحمة والإحسان , فيحس بإخوانه ويتمنى الخير لهم , ويتألم لما يصيبهم , لأن رابطة الإيمان في قلبه لا تنازعها رابطة أخرى فيستحضر قول الله تعالى ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ) وقوله تعالى (إنما المؤمنون إخوة ) ويحول ذلك إلى واقع عملي في حياته فإن رأى مريضاً تألم لمرضه , وسعى في التخفيف عنه , وان أبصر فقيراً معدماً بذل له ما يعينه على عيشه , وإن سمع من مصاب مسلم انزعج ودعا له , وإن أحس تغييراً في الجو بحر لافح أو برد قارس أو مطر مغرق قلق على إخوانه المسلمين وتذكر أحوال الضعفة والعاجزين .
أيها المؤمنون : إن الشعور بالإخوة الإيمانية هو أعظم شعور في العلاقات البشرية كلها , لأنه لله تعالى , ومن أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان كما جاء ذلك عنه صلى الله عليه وسلم, ومن تأمل الأحاديث النبوية وجدها مملوءة بتنمية هذا الشعور في قلوب المؤمنين بعضهم مع بعض , وذلك حين يعلق النبي صلى الله عليه وسلم كمال الإيمان على اكتمال العلاقة بينهم , وحين يجعلهم بناءاً شامخاً قوياً متيناً , ويجعل ما يصيب بعضهم كأنه أصاب جميعهم , فيتألم المصاب وغير المصاب , لان ألمه بمصاب أخيه لا يقل عن الم أخيه بمصيبته , وذلك في أحاديث كثيرة منها ( لا تؤمنوا حتى تحابوا ) ومنها (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) ومنها ( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا) ومنها ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) , وطبق النبي صلى الله عليه وسلم هذه المحبة تطبيقاً عملياً , فما كان يستأثر بشي لنفسه دون المؤمنين , ولما اختصه بعض الصحابة بطعام يوم الخندق حين رأى فيه أثر الجوع صاح عليه السلام في الناس كلهم يدعوهم لما اختص به , ولما وفد عليه وفد مضر وهم حفاة عراة تمعر وجهه صلى الله عليه وسلم لما رأى فيهم من الفاقة , فخطب الناس , يحثهم على الصدقة , فلما تتابع الناس بالصدقة كثرت وسدت حاجتهم , تهلل وجهه عليه السلام من الفرح لرحمته بالمحتاجين وشعوره بحاجتهم .
ولما أصيب القراء في وقعة بئر معونة شعر بمصابهم , ووجد عليهم وجداً شديداً حتى قال أنس رضي الله عنه ( فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حزن حزناً قط أشد منه ) وفى رواية ( فما رايته وجد على أحد ما وجد عليهم ) , ولما خفر المشركون ذمة بني كعب ونقضوا عهدهم , خرج عليه السلام لنصرتهم وهو يقول ( لا نصرت إن لم أنصر بني كعب مما أنصر منه نفسي ) فكان فتح مكة المبين . ويلخص عثمان رضي الله عنه ذلك بقوله (إنا والله قد صحبنا رسول الله في السفر والحضر , يعود مرضانا ويتبع جنائزنا , ويغزوا معنا ويواسينا بالقليل والكثير ) رواه أحمد .
هكذا كان صلى الله عليه وسلم إحساسا بالمؤمنين , ومحبة لهم , ورحمة بهم , وسعياً في نصرتهم ونجدتهم , وأخذ الصحابة رضي الله عنهم هذا الخلق النبيل عنه عليه الصلاة والسلام , فكان الواحد منهم يقدم أخاه على نفسه , ويؤثر غيره على أهله , ويحس بمصاب إخوانه , ويشعر بمعاناتهم ويقف معهم في شدتهم وكروبهم , فعائشة بعث معاوية رضي الله عنهما إليها بمائة ألف درهم فما أمست حتى فرقتها , فقالت لها مولاتها ( لو اشتريت لنا منها بدرهم لحماً ؟ فقالت ألا قلت لي ) لقد نسيت نفسها أثناء اهتمامها بغيرها , علماً أنها كانت صائمة ذلك اليوم ولا فطور عندها , وقد فرقت على الضعفاء مئة ألف ولم تبق درهما لفطورها , وكان سلمان الفارسي رضي الله عنه يعمل بيده فإذا أصاب شيئاً اشترى به لحماً أو سمكاً ثم يدعوا المجذومين فيأكلون معه , ولما غلا السمن في عهد عمر رضي الله عنه اكتفى بالزيت , فقرقر بطنه منه , فقال رضي الله عنه ( قرقر ما شئت فو الله لا تأكل السمن حتى يأكله الناس , ومرض ابن عمر , فاشتهى عنباً فاشترى له , فسمع سائلاً يسال , فقدمه على نفسه وهو مريض ودفع إليه العنب , وجاء من بعدهم من التابعين وأتباعهم , من خلفاء وعلماء وصالحين فحملوا ذلك عنهم , وأحيوا الإخوة الإيمانية في قلوبهم , ولم يحيدوا عن أخلاق أسلافهم , وواسوا غيرهم في مصابهم , قال أبو حازم الأعرج رحمه الله تعالى ( لقد رأينا في مجلس زيد بن اسلم أربعين فقيهاً أدنى خصلة فينا التواسى بما في أيدينا ) , وكان أويس القرني رحمه الله إذا أمسى تصدق بما في بيته من فضل الطعام والثياب ثم يقول (اللهم من مات جوعا فلا تؤاخذني به , ومن مات عرياناً فلا تؤاخذني به ), وذكرت فاطمة امرأة عمر بن عبد العزيز رحمهما الله تعالى أنها دخلت على عمر فإذا هو جالس في مصلاه معتمداً يده على خده , سائلة دموعه على لحيته فقلت ( يا أمير المؤمنين ألشيء حدث ؟ قال يا فاطمة أنى تقلدت أمر أمة محمد أحمرها وأسودها فتفكرت في الفقير الجائع , والمريض الضائع , والغازي المجهود , والمظلوم المقهور، والغريب الأسير , والشيخ الكبير وذي العيال الكثير والمال القليل , وأشباههم في أقطار الأرض وأطراف البلاد , فعلمت أن ربى سيسألني عنهم يوم القيامة , وإن خصمي دونهم محمد صلى الله عليه وسلم فخشيت أن لا يثبت لي حجة عند خصومته , فرحمت نفسي فبكيت , ولما سقط بيت المقدس في أيدي الصليبيين ارتج العالم الإسلامي من أدناه إلى أقصاه , وبكى الناس بكاءاً مراً لما ورد عليهم من أخبار الفظائع التي ارتكبها الصليبيون بحق المسلمين في بيت المقدس , حتى إن جموعا ً منهم ما قدروا على الصيام من البكاء والإغماء , غماً على حال إخوانهم , وكان ذلك في رمضان .
وكذلك لما اجتاح التتار بلاد المسلمين كتب المؤرخون جرائمهم بزفرات قلوبهم , ودمع عيونهم , وكتب التاريخ مملوءة بحسرات المدونين للحوادث والمصائب التي أصابت المسلمين واسترجاعهم وحوقلتهم فيها رغم أنهم بعيدون عنها مكانا وزماناً , ولكن الشعور بمحنة إخوانهم المسلمين ومصابهم ولو تباعد بهم الزمان , أو تناءى عنهم المكان .
نسال الله تعالى أن يحيى الشعور بالإخوة في قلوبنا وقلوب المسلمين , وأن يجعل ولاءنا لله تعالى ولرسوله وللمؤمنين .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ( إنما وليكم الله ورسوله والذين امنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون * ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فان حزب الله هم الغالبون ) , بارك الله لى ولكم فى القران العظيم .....
الخطبة الثانية :
أما بعد : فاتقوا الله تعالى وأطيعوه واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين .
أيها المسلمون : من تأمل واقعنا وواقع المسلمين اليوم وجد أن الأثرة قد استحكمت على القلوب , وإن حب الذات قد ملك النفوس , ولذا لا يتأثر كثير منهم بمصاب إخوانهم , ولا يأبهون بما حل بغيرهم وفى موجة البرد التي عشناها رأينا كثيراً من الناس حصنوا أنفسهم وأولادهم وبيوتهم منها بأنواع التدفئة وهذا أمر مشروع , لكن من منا تذكر حال الفقراء الذين لا يجدون ما يتدفئون به ؟؟ من منا من فكر في حال من يسكنون الصفيح , يتجمد فيه أطفالهم ونساءهم من شدة البرد وهم إخواننا وعلى مقربة منا ؟؟ من منا تذكر المشردين الذين يعيشون في مخيمات بالية , في فلسطين واللاجئين السوريين في تركيا والأردن وغيرها يفترشون أرضا بيضاء من الزمهرير , ليس بين أجسادهم وأجساد أطفالهم وبين الجليد إلا قطعة حصير ينخر البرد الغارس عظامهم وعظام أطفالهم , مع ما هم فيه من الخوف والجوع والظلم والقهر ؟؟ من منا أحس بهم فجافاه النوم لأجلهم ؟؟ مع أن صورهم تنقل إلينا لحظة بلحظة , وشدتهم وكربهم يحكيها لسان حالهم ومقالهم , لا يجدون كساءاً يحتمون به من البرد , ولا طعاماً كافياً يمد أجسادهم بالدفء , فلماذا تغير حال المسلمين حتى أصبح الواحد منهم يعيش لنفسه ولا يهتم لغيره ؟ أهو الترف الذي ألهاهم عن غيرهم ؟ أم هي الجدة التي بطرت بهم ويظنون استدامتها لهم ؟ أم هي كثرة الصوارف والأخبار التي يرقق بعضها بعضا حتى كثر المساس ففقد معه الشعور والإحساس ؟ كل هذه أسباب صحيحة ومؤثرة , ولكن السبب الأهم والأعظم هو ضعف الرابطة الإيمانية ضعف الشعور بالأمة الواحدة والجسد الواحد
لقد عمل الكفار والمنافقون عقودا من الزمن على فصم عرى هذه الرابطة , وإحلال روابط جاهلية مكانها , ليكون الولاء والبراءة معقوداً عليها , ولتستبدل برابطة الإيمان التي رسخها الإسلام بروابط أخرى, ولما سادت العالم الرأسمالية الاقتصادية , واللبرالية الفكرية وانتشرت في أرجاء الأرض وكان قانونها البقاء للأصلح , والأصلح هو الأقوى , احترقت في جحيمها القيم والأخلاق وتلاشت الرحمة والإحسان وكرست بها الفردية في الناس , وأضحى الواحد لا يأبه بغيره إن اكتملت له دنياه , فيلهوا ويضحك ويأنس في الوقت الذي يرى فيه ألوفا من البشر تتعذب وتتألم .
لقد رقت رابطة الإيمان , فضعف معها داعي الاحتساب , وطلب الأجر والثواب , وغاب خلق المواساة فضلاً عن الإيثار وانتشر حب الذات , ولا يكاد يوجد في الناس من يطبق قول الله تعالى ( ويطعمون الطعام على حبة مسكيناً ويتيماً وأسيرا* إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءاً ولا شكورا) فارحموا إخوانكم يرحمكم الله تعالى , وواسوا الفقراء والمعدمين واللاجئين , فان لهم حقوقاً عليكم , وتصدقوا فان الله يجزى المتصدقين .
وصلوا وسلموا على نبيكم ...........
المشاهدات 816 | التعليقات 0