متى تفتح أبواب السماء؟

متى تفتح أبواب السماء؟!
30/8/1438ه
الْحَمْدُ لِلَّهِ الْكَرِيمِ الْمَنَّانِ؛ بَاسِطِ الْخَيْرَاتِ، وَمُقِيلِ الْعَثَرَاتِ، وَمُجِيبِ الدَّعَوَاتِ، يُطَاعُ فَيَشْكُرُ، وَيُعْصَى فَيَغْفِرُ، وَهُوَ الْغَفُورُ الشَّكُورُ، نَحْمَدُهُ حَمْدَ الشَّاكِرِينَ، وَنَسْتَغْفِرُهُ اسْتِغْفَارَ التَّائِبِينَ، وَنَسْأَلُهُ مِنْ فَضْلِهِ الْعَظِيمِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ لَهُ مَوَاسِمُ مِنَ الْخَيْرِ تَعْظُمُ فِيهَا الْبَرَكَةُ، وَتَزْدَادُ فِيهَا الطَّاعَةُ، وَتَقِلُّ فِيهَا الْمَعْصِيَةُ، وَتَكْثُرُ فِيهَا الْمَغْفِرَةُ؛ فَالْمُوَفَّقُ مَنْ أَخَذَ حَظَّهُ مِنْهَا، وَالْمَحْرُومُ مَنْ عَزَفَ عَنْهَا، وَحُرِمَ خَيْرَهَا، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ كَانَ يَسْتَبْشِرُ بِرَمَضَانَ وَيُبَشِّرُ أَصْحَابَهُ بِهِ، وَيَقُولُ: «قَدْ جَاءَكُمْ رَمَضَانُ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ، افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ الشَّيَاطِينُ، فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ» صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَاسْتَقْبِلُوا هَذَا الشَّهْرَ الْكَرِيمَ بِتَجْدِيدِ التَّوْبَةِ، وَتَرْكِ الْمَعْصِيَةِ، وَالْعَزْمِ عَلَى الطَّاعَةِ؛ فَإِنَّهُ أَيَّامٌ مَعْدُودَةٌ، يَرْبَحُ فِيهِ الْعَامِلُونَ الْمُخْلِصُونَ، وَيَخْسَرُ فِيهِ الْعَابِثُونَ الْمُبْطِلُونَ، وَكُلُّهُمْ يَجِدُونَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴿وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ﴾ [الْأَعْرَافِ: 8 - 9].
أَيُّهَا النَّاسُ: تُفْتَحُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ لِعَمَلٍ صَالِحٍ يَصْعَدُ، أَوْ لِدَعْوَةٍ مَقْبُولَةٍ تُجَابُ. وَتُفْتَحُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ أَوْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فِي أَزْمِنَةٍ فَاضِلَةٍ؛ لِحَفْزِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى اسْتِثْمَارِهَا، وَمُضَاعَفَةِ الْعَمَلِ الصَّالِحِ فِيهَا. وَتُفْتَحُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ لِرُوحِ الْمُؤْمِنِ بَعْدَ قَبْضِهَا لِتُبَشَّرَ بِنَعِيمٍ يَنْتَظِرُهَا.
أَمَّا فَتْحُ أَبْوَابِ السَّمَاءِ لِعَمَلٍ صَالِحٍ مُتَقَبَّلٍ يُرْفَعُ فَفِيهِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا قَالَ عَبْدٌ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ قَطُّ مُخْلِصًا، إِلَّا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، حَتَّى تُفْضِيَ إِلَى الْعَرْشِ مَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ.
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى فَضْلِ التَّهْلِيلِ، وَأَنَّ كَلِمَةَ الْإِخْلَاصِ لَا يَرُدُّهَا عَنِ الرَّفْعِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى شَيْءٌ. قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: «وَأَمَّا التَّهْلِيلُ وَحْدَهُ فَإِنَّهُ يَصِلُ إِلَى اللَّهِ مِنْ غَيْرِ حِجَابٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ».
وَالصَّلَاةُ كَذَلِكَ تُفْتَحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ؛ لِعَظَمَةِ الصَّلَاةِ وَمَنْزِلَتِهَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى. كَيْفَ؟ وَقَدْ فُرِضَتْ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْأَعْمَالِ فَوْقَ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ. رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ، فُتِحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَاسْتُجِيبَ الدُّعَاءُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ.

وَفِي حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «سَاعَتَانِ تُفْتَحُ فِيهِمَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ: عِنْدَ حُضُورِ الصَّلَاةِ وَعِنْدَ الصَّفِّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.
وَهَذَا الْفَتْحُ لِأَبْوَابِ السَّمَاءِ هُوَ لِقَبُولِ الدُّعَاءِ وَاسْتِجَابَتِهِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ أَبِي دَاوُدَ: «ثِنْتَانِ لَا تُرَدَّانِ، أَوْ قَلَّمَا تُرَدَّانِ: الدُّعَاءُ عِنْدَ النِّدَاءِ وَعِنْدَ الْبَأْسِ حِيْنَ يُلْحِمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا».
وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: صَلَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَغْرِبَ، فَعَقَّبَ مَنْ عَقَّبَ، وَرَجَعَ مَنْ رَجَعَ، فَجَاءَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ كَادَ يَحْسِرُ ثِيَابَهُ عَنْ رُكْبَتَيْهِ، فَقَالَ: «أَبْشِرُوا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، هَذَا رَبُّكُمْ قَدْ فَتَحَ بَابًا مِنْ أَبْوَابِ السَّمَاءِ، يُبَاهِي بِكُمُ الْمَلَائِكَةَ، يَقُولُ: هَؤُلَاءِ عِبَادِي قَضَوْا فَرِيضَةً، وَهُمْ يَنْتَظِرُونَ أُخْرَى» وَهَذَا مِنْ فَضَائِلِ الرِّبَاطِ عَلَى الصَّلَاةِ، وَهُوَ انْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ.
وَمِنْ أَذْكَارِ الصَّلَاةِ ذِكْرٌ تُفْتَحُ لَهُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ؛ كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: «بَيْنَمَا نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنِ الْقَائِلُ كَلِمَةَ كَذَا وَكَذَا؟ قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: عَجِبْتُ لَهَا، فُتِحَتْ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَمَا تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ذَلِكَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَهُوَ مِنْ أَذْكَارِ الاسْتِفْتَاحِ فِي الصَّلَاةِ بَعْدَ تَكْبِيرَةِ الإِحْرَامِ.
وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَجُلٌ: الْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنِ الْقَائِلُ؟ قَالَ الرَّجُلُ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا أَرَدْتُ إِلَّا الْخَيْرَ، فَقَالَ: لَقَدْ فُتِحَتْ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ، فَلَمْ يُنَهْنِهَّا دُونَ الْعَرْشِ» وَالْمَعْنَى: فَلَمْ يَكُفَّهَا وَلَمْ يَمْنَعْهَا شَيْءٌ دُونَ الْوُصُولِ إِلَى الْعَرْشِ.
وَتُفْتَحُ السَّمَاءُ لِدَعَوَاتٍ مَخْصُوصَةٍ؛ كَدَعْوَةِ الْمَظْلُومِ؛ لِفَدَاحَةِ الظُّلْمِ وَسُوءِ أَثَرِهِ؛ وَلِعَظِيمِ حَقِّ الْمَظْلُومِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى؛ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ تُحْمَلُ عَلَى الْغَمَامِ، وَتُفْتَحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاوَاتِ، وَيَقُولُ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: وَعِزَّتِي لَأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ» صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.
وَأَمَّا فَتْحُ أَبْوَابِ السَّمَاءِ فِي أَزْمِنَةٍ مَخْصُوصَةٍ، فَهُوَ فَتْحٌ لِتَنَزُّلِ رَحَمَاتِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ، وَأَوْلَى الْخَلْقِ بِرَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى أَقْوَاهُمْ إِيمَانًا، وَأَكْثَرُهُمْ عِبَادَةً؛ وَذَلِكَ أَنَّ هَذَا الْفَتْحَ لِأَبْوَابِ السَّمَاءِ كَانَ فِي أَزْمِنَةٍ مَخْصُوصَةٍ بِطَاعَةٍ، كَمَا فِي سَاعَاتٍ مِنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ تُفْتَحُ فِيهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ. وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ مَا جَاءَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَانَ يُصَلِّي أَرْبَعًا بَعْدَ أَنْ تَزُولَ الشَّمْسُ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَقَالَ: إِنَّهَا سَاعَةٌ تُفْتَحُ فِيهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَأُحِبُّ أَنْ يَصْعَدَ لِي فِيهَا عَمَلٌ صَالِحٌ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ.
وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ أَيْضًا فَتْحُ أَبْوَابِ السَّمَاءِ فِي ثُلُثِ اللَّيْلِ الْآخِرِ حَيْثُ فَضِيلَةُ الصَّلَاةِ، وَنُزُولُ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا، كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا كَانَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الْبَاقِي يَهْبِطُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، ثُمَّ يَفْتَحُ أَبْوَابَ السَّمَاءِ، ثُمَّ يَبْسُطُ يَدَهُ فَيَقُولُ: هَلْ مِنْ سَائِلٍ يُعْطَى سُؤْلَهُ؟ وَلَا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يَسْطَعَ الْفَجْرُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَفِي حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ الثَّقَفِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «تُفْتَحُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ نِصْفَ اللَّيْلِ فَيُنَادِي مُنَادٍ: هَلْ مِنْ دَاعٍ فَيُسْتَجَابَ لَهُ؟ هَلْ مِنْ سَائِلٍ فَيُعْطَى؟ هَلْ مِنْ مَكْرُوبٍ فَيُفَرَّجَ عَنْهُ؟ فَلَا يَبْقَى مُسْلِمٌ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ إِلَّا زَانِيَةٌ تَسْعَى بِفَرْجِهَا أَوْ عَشَّارٌ» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ. وَالْعَشَّارُ هُوَ: آخِذُ الْعُشُورِ مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ عَلَى عَادَةِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ.
وَكَذَلِكَ تُفْتَحُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ لِأَجْلِ الْمَغْفِرَةِ، كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا، إِلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَالْمُؤْمِنُ إِذَا مَاتَ عُرِجَ بِرُوحِهِ إِلَى السَّمَاءِ فَفُتِحَتْ لِرُوحِهِ أَبْوَابُهَا، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَيَصْعَدُونَ بِهَا، فَلَا يَمُرُّونَ؛ يَعْنِي بِهَا عَلَى مَلَإٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، إِلَّا قَالُوا: مَا هَذَا الرُّوحُ الطَّيِّبُ؟ فَيَقُولُونَ: فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ، بِأَحْسَنِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانُوا يُسَمُّونَهُ بِهَا فِي الدُّنْيَا، حَتَّى يَنْتَهُوا بِهَا إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَسْتَفْتِحُونَ لَهُ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ فَيُشَيِّعُهُ مِنْ كُلِّ سَمَاءٍ مُقَرَّبُوهَا إِلَى السَّمَاءِ الَّتِي تَلِيهَا، حَتَّى يُنْتَهَى بِهِ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: اكْتُبُوا كِتَابَ عَبْدِي فِي عِلِّيِّينَ، وَأَعِيدُوهُ إِلَى الْأَرْضِ، فَإِنِّي مِنْهَا خَلَقْتُهُمْ، وَفِيهَا أُعِيدُهُمْ، وَمِنْهَا أُخْرِجُهُمْ تَارَةً أُخْرَى» رَوَاهُ أَحْمَدُ.
فَيَا لَهَا مِنْ كَرَامَةٍ عَظِيمَةٍ، وَمَنْزِلَةٍ عَالِيَةٍ رَفِيعَةٍ، نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُنِيلَنَا إِيَّاهَا، وَأَنْ يَفْتَحَ لِدَعَوَاتِنَا وَأَعْمَالِنَا الصَّالِحَةِ أَبْوَابَ سَمَاوَاتِهِ فَيَقْبَلَهَا، وَأَنْ يَفْتَحَهَا لِأَرْوَاحِنَا بَعْدَ مَمَاتِنَا فَنَنَالَ كَرَامَتَهُ وَنَفُوزَ بِرَحْمَتِهِ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.
وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، نَحْمَدُهُ وَنَشْكُرُهُ، وَنَتُوبُ إِلَيْهِ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَأَكْثِرُوا مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ قُبَالَةَ هَذَا الشَّهْرِ الْعَظِيمِ ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ﴾ [الْأَنْبِيَاءِ: 94].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: رَمَضَانُ مَوْسِمٌ مُبَارَكٌ تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَتُرْفَعُ فِيهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى الْأَعْمَالُ، وَيُجَابُ الدُّعَاءُ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ» وَفِي رِوَايَةٍ: «إِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ، وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
فَلَا يَلِيقُ بِأَهْلِ الْإِيمَانِ إِلَّا أَنْ يَقْضُوا رَمَضَانَ فِي الطَّاعَاتِ، وَيَتَنَقَّلُوا فِيهِ بَيْنَ أَبْوَابِ الْبِرِّ وَالْإِحْسَانِ؛ فَلَهُمْ مِنْ كُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ نَصِيبٌ، بِحَيْثُ يَسْتَغْرِقُوا الشَّهْرَ فِيمَا يُرْضِي اللَّهَ تَعَالَى حَتَّى تُرْفَعَ أَعْمَالُهُمْ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ، فَتُفْتَحَ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَيُكْتَبَ لَهَا الْقَبُولُ. وَلَا يَلِيقُ بِهِمْ أَنْ يَقْضُوا رَمَضَانَ فِي اللَّهْوِ وَالْغَفْلَةِ، وَالنَّوْمِ وَالْبِطَالَةِ، وَالِاجْتِمَاعِ فِي مَجَالِسِ الزُّورِ أَمَامَ الْفَضَائِيَّاتِ الْفَاسِدَةِ الْمُفْسِدَةِ الَّتِي أَخَذَ أَصْحَابُهَا عَلَى عَوَاتِقِهِمْ حَرْبَ اللَّهِ تَعَالَى فِي أَرْضِهِ، وَإِخْرَاجَ النَّاسِ مِنْ دِينِهِ، وَصَرْفَهُمْ إِلَى أَوْدِيَةٍ سَحِيقَةٍ مُظْلِمَةٍ مِنَ الشَّهَوَاتِ وَالشُّبُهَاتِ. لَا يَلِيقُ بِمَنْ أَنْعَمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ بِإِدْرَاكِ رَمَضَانَ إِلَّا أَنْ يَكُونُوا حَيْثُ أَمَرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى، وَيَصْطَبِرُوا أَنْفُسَهُمْ عَمَّا حُرِّمَ عَلَيْهِمْ؛ فَإِنَّ الْفَوْزَ عَظِيمٌ، وَالْجَزَاءَ كَبِيرٌ، وَالدُّنْيَا إِلَى زَوَالٍ، وَلَا يَنْفَعُ الْعَبْدَ إِلَّا صَالِحُ الْأَعْمَالِ ﴿قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [الزُّمَرِ: 10].
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...


المرفقات

متى تفتح أبواب السماء مشكولة.doc

متى تفتح أبواب السماء مشكولة.doc

متى تفتح أبواب السماء..doc

متى تفتح أبواب السماء..doc

المشاهدات 1927 | التعليقات 3

جزاك ربي كل خير


جزاك الله خيرا


وإياكما
وشكر الله تعالى لكما