متدين وكفى!!
HAMZAH HAMZAH
يتدلّى أمامَك كالقمر المنير والدر النثير استقامةً وحلاوة فيشع أنواراً زكية، وأخلاقاً رضية، فقد تدين وانشرح صدره وأشرق عقله وبدره وصبّ الله عليه أنوار الهداية ورأى من أفانين الرواية ما جعله يؤثر الإسلام على مهازل الأوهام، فانطلق للدروس والمساجد ولم يبال بجلسات أبي مشاري والرفقة الأماجد! من أضاعوا وقتهم وزال همم وبات شأنهم في ضحك ولذاذة والجلوس على ورقة وسذاجة! وبعد مدة! وقد رسخت القدمان، وما زلّت العينان اختبأ على ذاته وانكفأ على شغَلاته، باحثا عن صرح دنيوي وعمل تجاري ذكوي، وتناسى واجبَ الديانة، وحقوق الناس والأمانة، فلا دعوة ولا عمل، أو جد ونصح وبذل!.
ظن أن استقامتَه كافية، وعبادته هي القضية الباقية، ولا تحرك أو انطلاق، أو وعظ وهمة واستباق!. وقال: مالي والخلائق لهم رب هادٍ وخالق! ةنفسي نفسي ومستقبلي مستقبلي! يحاول الفرار والمغادرة، وترك الدعوة والمذاكرة، حتى القرآن وقد حفظه، والحديث وقد ضبطه، كنَزه في المكانز، ونسي أن فيه زكاة وهزاهز، قال المولى الحكيم:( وجاهدهم به جهاداً كبيرا) قال الحبر المقدّم المفهام: أي بالقرآن، والمعنى : جهادا لا يعرف الفتور، واصصلى بالقوة والظهور .
ولكنّ صاحبنا ذلك المتدين، لا يزال مترددا ويهوّن!
قالوا الإمامة قال: عنها مشغول مسفار، والخطابة! ليس لي احتفال وإيثار، والوعظ أنا عنه في نشاط محض، لا أجد الوقت ولا الساعات، وأكتفي بتلك الومضات!.
وبارك راحتَه وكسله بعضُ المتدينين، من كانوا من تفكيره نابتين، وعلى طريقته ماضين !يرددون! لسنا علماء، ولا ربانيين فقهاء، تكفينا استقامتُنا ولو عُيرنا بالتكاسل، فما زال الناس في شغل وتداول، وهكذا الدنا هموم ومشاغل، وتنافس على الراحة وتناول! وإن صح ذلك لبعض أهل الأعذار، وكان حجة السذج والأغمار، فليس معيارًا لذوي الهمم العاليات، ولا غرضا لذوي الجد والعزمات، من أيقنوا وجوب الدعوة والإصلاح، وأن ينضموا لفريق النصاح، وقد زكت قلوبهم، وطهرت نفوسهم، وأن تديّنهم الذاتي ليس يكفي لحياتهم وحياتي!.
ذلك ما ينبغي أن يفقهه المتدين القديم والجديد، وأن العزلة الكسَلية ليست إلا جهالة غبية، وطريقة مذمومة رديّة، لا سيما وهم يطالعون احتياج الأنام، ومبتغَى الأمة والعوام، وأن القرآن يجب أن يُتلى ويحيا، والسنة تعلو وتروى، فالمعاصي أضرت والذنوب أتعبت وأملت، وتضخمت في الناس التعاسة، وظلوا يعيشون وراء اللذة والوناسة!.
فزَكّ نفسكَ مما قد يدنّسُها/ واختر لها ماتَرَى من خالصِ العملِ قد هيّؤوكَ لأمرٍ لو فطنتَ لهُ/ فاربأ بنفسكَ أن ترعى مع الهملِ!!
وهل يصح ترك الزملاء والحارة، أو بيع الصداقة والمارة، وننام في دوائرنا وليس لنا من مرامٍ في مجامعنا!. كلا، إن التدين يعلو بِنَا ويتسامى، ويباهي بِنَا ويترامى، ولا يزال يقلّدنا تاج الهم والاهتمام، والبلاغ والإفهام، وتلك وظيفة الرسل وأهل العلم، وتابعيهم من ذوي التدين والعزم، فلا تتقالَّ كلمة وراية، وقد سمعت المختار يردد: (بلغوا عني ولو آية) آية ترقّيك وترفعك، وآية تظللك وتمنحك، وآية تهديك وتهذبك!.
فاعزم الآن عزمَك، وخذ معك شأنَك ورحلك، فقد بلغتْ الحجة، واشتعلت الفرصة والمحجة ، وشاركْ مع أهل الإيمان دعوتهم، وانصح لأمتك غايتَهم، وانطلق بلا تردد، فما أذلنا إلا التخوف والتهجد، وأتعسنا الكسل والتمدد!.( خذوا ما آتيناكم بقوة). استعذ بالله منه، فما أفلح إلا متعوذ، وراكض مجاهد متوقّد!.( اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل. غيّر في يومك البرنامج، وجالس الأفاضل المباهج، واقرأ ولو القليل، فما فاز إلا القارئ النبيل، وسوف تنبُل بعد زمن، وتدرك أنك كنت في غفلة ووهَن!.
كانت لا تليق بك، وقد حل فيك الكتَاب وزانتك السننُ العِذاب، وعرفتَ طريقَك للمولى، وكنت بالآخرة أحرص وأبقى!.
ولا تنس في المعالجة: نبذ الكسل والنوم، ومجالسة الأباة من القوم، فقد جدّ جدهم، وبزّ بزهم، وبانت مع الحياة عزائمهم، وبذخت تطلعاتهم وروائعهم، إنهم من وعوا الإسلام، وأدركوا حقيقة التدين التمام، وأن المسألة تفاعلية حركيّة تقدمية، واهتدِ بالجن الصالحين مَن ( ولوا إلى قومهم منذرين).
أما نستحي وقد وُلدنا في الإسلام ورشفنا رحائقَ التوحيد والأحكام! وهاهنا نتردد ونعتذر، ونسوّف وننكسر، بينما الدنيا بها عوارفٌ دواهٍ، ومخابر نواهٍ.
(اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا).
ومن العلاج: تأمل الكسل وما فيه من اللجاج، لا إنتاج ولا قيمة، ولا إبداع ولا غنيمة، وحتى من ولي منهم دوائر ومؤسسات، زجوا بفتورهم فيها، فشابها الخلل، وانهالت عليها صواريخ الكسل فباتت في خبر كان ولعل، ولحقهم فيها الونى ومن تسلى! لم يستعذ رسولنا الكريم من الكسل إلا وفيه داء، ويحمل إصرا وشقاء، ويعيق عن مراتب النجباء! ويؤسف كل ذي لب ولباب، وهَنُ الثقات وجلد الغرب الأغراب ، يتقدمون علينا علما وحضارة، ونحن أهل الدين والمنارة، لدينا القرآن والسنة ، وعندهم الضلال والمتعة، وبرغم ذلك قصرنا وسبقوا، ونمنا وانتفضوا!
استرشدَ الغربُ بالماضي فأرشده
ونحن كان لنا ماضٍ نسيناه!.
وهذا عامل للنهصة واليقظة: استحضار التاريخ الماضي، وما فيه من أنوار ومواضي، وقد شع بالجد والاحتمال، وقطع الصعب والأجبال.
رجال تكسرت على أيديهم المحازن، وأحرزوا من خلالها النفائس والمعادن! قال صلى الله عليه وسلم: (المؤمن الذي يخالط الناس، ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم) فخالطهم دعوة وعملا، ونازلهم تواضعا ونبلا، واستثمر قربهم بالأخلاق، وبالعظات الرقاق، فما أحوجَ القلوب لطبيب ماهر، وخبير باهر، إذا تلا القرآن خشعوا، وإن نضح السنة خضعوا! (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم) الناس في احتياج ولا زال بعضنا في بلاد الواق الهجهاج!
متى نستيقظ، وتجري دماء الدعوة في عروقنا كما جرت لنوح عليه السلام( قال رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا) فناصحهم إقبالا وإدبارا، ولم يدع لهم وقتا ولا اختيارا، حتى ملوا منه ملالة، وتمكنت منهم الضلالة (قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا). ومتى نكون بعزمةٍ إبراهيم الخليل(وتالله لأكيدنّ أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين)، فنمتطي صهوة الإصرار ونعيش عيش الأحرار.
وهل لنا في منهاج المصطفى الفريد، وصبره في الطائف وهو طريد (فخرجتُ مهموما على وجهي ولم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب)! هنا درس في علو الهمة والصبر، ودرس في الأمل وعدم استعجال النصر، ودرس في الرحلة والبحث عن بشر! ولا يزال المتدينون في ابتلاء ولو انعزلوا، فلربما دعوتهم وحركتهم كانت ثباتا لهم ونجاحا، وحازوا من ورائها طيبا وفلاحا.
فدافع بالعمل، وارسخْ بالانطلاق، فما فاق إلا المقدامُ الخلاق!
ولو اكتفنينا بالتدين لما عرفنا عليا ومصعبا، أو أسامة المُلهبا، ولا ذاك ابن زرارة، أو سعدا عظيم المجد والشارة.
قومٌ كرامٌ لهم في كل محفلِ / تفاعل إيمان وهمةُ بازلِ تديّنك جميل، والأجمل منه ترسيخ هذا التدين، وحفاظه من الضعف والتليّن، وصباغته برداء الثبات، وجعله في قرار وإخبات، والسلام.
ومضة/ الكسل عقدة يصنعها الجهل، ويهيجها التعنت، ولا يحلها إلا العلم والوعي.