ما يفعله المسلم في ختام رمضان

علي محمد خواجي
1433/09/28 - 2012/08/16 09:01AM
[font="]بسم الله الرحمن الرحيم[/font]
[font="]ما يفعله المسلم في ختام رمضان[/font]
[font="]
[/font]
[font="]الشيخ/ ناصر بن محمد الأحمد[/font]

[font="] [/font]
[font="]الخطبة الأولى:[/font]
[font="]إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره... أما بعد:[/font]
[font="]إن شهر رمضان قد أوشك تمامُه وإسدالُ ستاره قاب قوسين أو أدنى، بعد أن ظلَّ المسلمون ثمانية وعشرون يوماً منه، ينالونَ من نفحات ربهم، فما أسرع ما انقضت الأيام، وتلاشت الذكريات، وكأنها أوراق الخريف عصفت بها ريح القدر.[/font]
[font="]شهر رمضان! أين هو شهر رمضان؟ ألم يكن بين أيدينا؟ ألم يكن ملء أسماعنا وملء أبصارنا؟ لم يكن إلا طرفة عين، حتى انقضى موسم التقوى، وبلابل الدوح قد هدأ تغريدُها وإلى الله المصير.[/font]
[font="]وهكذا أيها المسلمون تنطوي صحيفة رمضان، وتُقوَّضُ سوقٌ كانت عامرةٌ بالخيرات والحسنات، ربح فيها من ربح، وخسر فيها من خسر، وحُرِم فيها من حُرِم، على تفاوت كبير في درجات الربح والخسران أو الحرمان، وما لنا إلا الصَبر على ألم فراقه، نودِّعه وأشواقنا لم تزل، ودموعنا في المآقي والغصةُ في الحلوق جارحة. وأعيننا لانصرامه في أرق، وإن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، وإنَّا على فراق رمضان لمحزونون، فأحسن الله عزاءكم وجبر مصابكم، وتقبل منا ومنكم.[/font]
[font="]أيها المسلمون: لقد شرع الله لكم في ختام هذا الشهر المبارك أعمالاً تفعلونها: من ذلك إخراج زكاة الفطر وتسمى صدقة الفطر، ويقال للمخرج فطرة وهي المقصودة في قوله تعالى: {[/font][font="]قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى}[/font][font="] [/font][font="][(14) سورة الأعلى[/font][font="]][/font][font="]، وقد أضيفت إلى الفطر؛ لأنها تجب بالفطر من رمضان وهي صدقة عن البدن والنفس.[/font]
[font="]زكاة الفطر:[/font][font="] يخرجها المسلم قبل صلاة العيد شكراً لله تعالى على نعمة التوفيق لصيام رمضان وقيامه، يختم بها المسلم عمل رمضان.[/font]
[font="]زكاة الفطر:[/font][font="] يخرجها المسلم من غالب قوت البلد، والأصل فيها ما ثبت في الصحيحين عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: ((فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر من رمضان صاعاً من تمر أو صاعاً من أقط أو صاعاً من شعير على كل حر وعبد ذكر أو أنثى على الصغير والكبير)).[/font]
[font="]زكاة الفطر:[/font][font="] إحسان إلى الفقراء وكف لهم عن السؤال في أيام العيد ليشاركوا الأغنياء في فرحهم وسرورهم به، ويكون عيداً للجميع، وفيها الاتصاف بخلق الكرم وحب المواساة.[/font]
[font="]زكاة الفطر:[/font][font="] فيها تطهير للصائم مما يحصل في صيامه من نقص ولغو وإثم.[/font]
[font="]زكاة الفطر:[/font][font="] فيها إظهار شكر نعمة الله بإتمام صيام شهر رمضان وقيامه، وفعل ما تيسر من الأعمال الصالحة فيه.[/font]
[font="]إن الحكمة في زكاة الفطر مركبة من أمرين:[/font]
[font="]الأول:[/font][font="] يتعلق بالصائمين في شهر رمضان، وما عسى أن يكون قد شاب صيامهم من لغو القول ورفث الكلام، والصيام الكامل الذي يصوم فيه اللسان والجوارح كما يصوم البطن والفرج، فلا يسمح الصائم للسانه ولا لأذنه ولا لعينه ولا ليده ولا لرجله أن تتلوث بما نهى الله ورسوله عنه من قول أو فعل، وقل أن يسلم مسلم من ذلك فجاءت زكاة الفطر في ختام الشهر لتجبر ذلك كله وتغسل ما قد يكون علق بالصائم مما يكدر صومه وينقص أجره.[/font]
[font="]الثاني:[/font][font="] يتعلق بالمجتمع وإشاعة المحبة والمسرة في جميع أنحائه، وخاصة المساكين وأهل الحاجة فيه، ذلك أن العيد يوم فرح وسرور، فينبغي تعميم هذا الفرح والسرور ليشمل جميع فئات المجتمع ومنها الفقراء والمساكين، ولن يدخل السرور إلى قلوبهم إلا إذا أعطاهم إخوانهم وأشعروهم أن المجتمع يد واحدة يتألم بعضه بألم بعضه الآخر ويفرح لفرحه.[/font]
[font="]وأما عن وقتها:[/font][font="] فإن زكاة الفطر تجب بغروب الشمس ليلة العيد؛ لأنه الوقت الذي يكون به الفطر من رمضان، وزمن دفعها له وقتان وقت فضيلة ووقت جواز.[/font]
[font="]فأما وقت الفضيلة فهو صباح العيد قبل الصلاة، عن ابن عمر -رضي الله عنهما-: ((أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر بزكاة الفطر قبل خروج الناس إلى الصلاة)) [/font][font="][رواه البخاري ومسلم][/font][font="].[/font]
[font="]وأما وقت الجواز:[/font][font="] فهو قبل العيد بيوم أو يومين؛ لما ثبت عن نافع قال: كان ابن عمر يعطي عن الصغير والكبير حتى أنه كان يعطي عن بنيّ، وكان يعطيها الذين يقبلونها، وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين. ولا يجوز تأخيرها عن صلاة العيد فأن أخرها فهي صدقة من الصدقات.[/font]
[font="]أيها المسلمون: وتجب زكاة الفطر فريضة على الكبير والصغير والذكر والأنثى والحر والعبد من المسلمين؛ لما ثبت عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه قال: ((فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر من رمضان صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين)) [/font][font="][رواه البخاري ومسلم][/font][font="]، وتستحب عن الجنين فقد كان السلف -رضي الله عنهم- يخرجونها عنه.[/font]
[font="]ويجب أن يخرجها عن نفسه وكذلك عمن تلزمه مؤونته من زوجة أو قريب إذا لم يستطيعوا إخراجها عن أنفسهم، فإن استطاعوا فالأولى أن يخرجوها عن أنفسهم؛ لأنهم المخاطبون بها أصلاً وتجب زكاة الفطر على من وجدها فاضلة زائدة عما يحتاجه من نفقة يوم العيد وليلته، أو أقل من ذلك سقطت عنه ولم تجب عليه.[/font]
[font="]أيها المسلمون: والواجب في زكاة الفطر صاع من غالب قوت أهل البلد من بر أو شعير أو أرز أو تمر أو زبيب أو أقط، وكلما كان أجود فهو خير وأفضل، فعلى كل مسلم ذكر أو أنثى صغير أو كبير حر أو عبد أن يخرج صاعاً من طعام بصاع النبي -صلى الله عليه وسلم- أو ما يعادله كيلاً أو زناً، ولا يجزئ أقل من ذلك، والصاع بمقايسنا الحالية قرابة الكيلوين وأربعين جراماً.[/font]
[font="]أيها المسلمون: وزكاة الفطر تدفع إلى فقراء المكان الذي هو فيه وقت الإخراج، سواء كان محل إقامته أو غيره من بلاد المسلمين، فإن كان في بلد ليس فيه من يدفع إليه أو كان لا يعرف المستحقين فيه وكل من يدفعها عنه في مكان فيه مستحق، وبناء على ذلك فمن أقام في بلاده أكثر رمضان، ثم سافر إلى بلد آخر في أواخر رمضان فالأولى له أن يدفع زكاة الفطر في البلد الذي سافر إليه؛ لأنه البلد الذي غرب عليه فيه شمس آخر يوم من رمضان، وإن دفعها إلى فقراء بلده الذي يقم فيه أجزأه ولكنه خلاف الأولى.[/font]
[font="]وزكاة الفطر خاصة بالفقراء والمساكين، ولا تصرف لبقية المصارف الثمانية التي تصرف لها الزكاة إلا إذا اقتضت المصلحة ذلك، أو رأى الإمام أو نائبه ذلك، والأولى أن تصرف على فقراء نفس البلد إلا أن يكون في غيره من هو أشد حاجة فلا حرج حينئذ من نقله.[/font]
[font="]أيها المسلمون: ولا يجوز إخراج زكاة الفطر نقوداً، وإن أفتى به بعض المنتسبين إلى العلم فإن هذا خلاف الصحيح من قول أهل التحقيق من أهل العلم.[/font]
[font="]اعلموا رحمني الله وإياكم أن العبادات الأصل فيها التوقيف، فلا يجوز لأحد أن يتعبد بأي عبادة إلا بما أخذ عن المشرع الحكيم صلوات الله وسلامه عليه الذي قال الله -تبارك وتعالى- عنه: [/font][font="]{وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}[/font][font="] [/font][font="][(3، 4) سورة النجم][/font][font="]،[/font][font="] وقد شرع هو صلوات الله وسلامه عليه زكاة الفطر بما ثبت عنه في الأحاديث الصحيحة: ((صاعاً من طعام أو صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير أو صاعاً من زبيب أو صاعاً من أقط)) روى هذا الحديث البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عمر، وبناء عليه فلا يجوز إخراج القيمة في زكاة الفطر وإنما يجب أن تكون غالب قوت أهل البلد، فيقول العلماء: بأن إخراج القيمة لا يجزئ؛ لأنه مخالف لأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- ولأنه مخالف لعمل الصحابة -رضي الله عنهم- فإنهم كانوا يخرجونها صاعاً من طعام.[/font]
[font="]ولأن زكاة الفطر عبادة مفروضة من جنس معين في وقت معين، فلا يجزئ إخراجها من غير الجنس المعين، كما لا يجزئ إخراجها في غير الوقت المعين؛ لأن كل الذين يقولون بجواز إخراج القيمة يعللون القضية عقلياً في أذهانهم فلو تركت للعقل، فقد يقول قائل هذا الفقير كل الناس يعطونه الآن في رمضان فيتكدس لديه الطعام، مثلاً فأنا أعطيه إياه في ذو القعدة ولو فكرت في كلامه عقلياً قد يكون له شيء من الوجاهة، فحسماً للاجتهادات العقلية يقال كما أنه لا يجوز تغيير الوقت، فكذلك لا يجوز تغيير الجنس.[/font]
[font="]ثم إننا لو قلنا القيمة فقيمة صاع التمر يختلف سعره عن قيمة صاع القمح، ويختلف عن قيمة صاع الشعير، فبأي قيمة نأخذ هل بالأقل أم بالأكثر أم المتوسط، وإذا أخذنا بأحدهما فلماذا ليس بالآخر وهكذا لكن الصاع ثابت.[/font]
[font="]ثم إن إخراج القيمة يخرج الفطرة عن كونها شعيرة ظاهرة، فمقصود الشارع إظهار هذه الشعيرة، فلو صارت قيمة لأصبحت خفية مثل الصدقة يعطيها الإنسان سراً للفقير، وليس هذا هو المقصود من زكاة الفطر، وإنما مقصودها أن تكون ظاهرة بين المسلمين معلومة للصغير والكبير، يشاهدون كيلها وتوزيعها ويتبادلونها بينهم بخلاف ما لو كانت دراهم.[/font]
[font="]ثم إن هذا هو ما عليه الفتوى من علماء هذه البلاد، فمخالفة رأي العلماء أيضاً أمر صعب، فإنا لم نصل إلى ما وصلوا إليه من العلم الشرعي حتى نخالفهم، فيقال بأنه لا يجزئ إخراج القيمة في زكاة الفطر.[/font]
[font="]نفعني الله وإياكم بهدي كتابه...[/font]
[font="] [/font]
[font="]الخطبة الثانية:[/font]
[font="]الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في الربوبية والألوهية والأسماء والصفات، وأشهد أن محمد عبده ورسوله، الذي بين لأمته طرق النجاة وحذر من طريق الغيّ والهلكات، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين وسلم تسليماً مزيداً، أما بعد:[/font]
[font="]أيها المسلمون: أما الأمر الثاني: الذي شرع لكم في ختام هذا الشهر فهو التكبير، قال الله تعالى: [/font][font="]{وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[/font][font="] [/font][font="][(185) سورة البقرة][/font][font="].[/font]
[font="]ويبتدئ التكبير أيها الإخوة من غروب الشمس ليلة العيد، حتى حضور الإمام لصلاة العيد، ويكبر المسلمون ذكوراً وإناثاً، ويسن في حق الرجال الجهر بالتكبير في المساجد والأسواق والبيوت، إعلاناً لتعظيم الله وشكره، وأما النساء فإنهن يكبرن سراً؛ لأنهن مأمورات بالتستر وليسوا أهلاً بالتكبير جهراً، وصفة التكبير أن يقول: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.[/font]
[font="]وأما الأمر الثالث:[/font][font="] الذي شرع لكم في ختام شهركم هذا فهو صلاة العيد،[/font]
[font="]وصلاة العيد أمر بها النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى النساء أمرهن أن يخرجن، ولم يأمر -عليه الصلاة والسلام- النساء بالخروج لأي شيء سوى صلاة العيد، ولهذا ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- تعالى إلى أن صلاة العيد فرض عين، وإن قال بعض العلماء بأنها فرض كفاية، ومن السنة أن تصلى خارج البلد وذلك لإظهار هذه الشعيرة، وكذلك من السنة أن يذهب الإنسان من طريق وأن يعود من طريق آخر وذلك لنشر هذه الشعيرة في جميع أسواق البلد وشوارعها، ومن المؤسف أيها الإخوة إن بعض الناس تجده بعد التعب في أيام رمضان ولياليها تجده ينام عن صلاة العيد، ولا يشهد الخير مع المسلمين، وهذا حرمان عظيم، تقول أم عطية -رضي الله عنها-: أُمرنا أن نخرج الحيض وذوات الخدور يشهدن الخير ودعوة المسلمين، وقد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- الحيض أن يعتزلن المصلى ولكن أمرهن باستماع خطبة العيد وحضورهن دعوة المسلمين.[/font]
[font="]عباد الله: أدعوا نفسي وأدعوا إخواني المسلمين إلى الحرص على هذه الصلاة وحضورها مع المسلمين يدعون الله -عز وجل- ويكبرون فربما يصبهم نفحة خير وبركة.[/font]
[font="]وكيفية الخروج يا عباد الله: أن يخرج المسلم إليها متطيباً متجملاً، وذكر بعض العلماء أنه يستحب له الاغتسال لها أيضاً.[/font]
[font="]أيها المسلمون: إنه لا مانع من تناول الطيبات، وفعل المباحات وإظهار الفرح والسرور بالعيد، بل ذلك مستحب مع المحافظة على فعل ما أوجب الله وترك ما حرم الله وعدم الإسراف والخيلاء. إن كثيراً من الناس هداهم الله تضيع أوقاتهم بعد العيد بالسهرات واللهو واللعب، وربما تركوا أداء الصلوات في أوقاتها أو مع الجماعة، فكأنهم بفعلهم هذا يريدون أن يمحوا أثر رمضان من نفوسهم، ويجددوا عهدهم مع الشيطان، إن أولئك حريٌ أن لا تقبل منهم رمضان؛ لأن من شروط صحة التوبة العزم على عدم العودة إلى الذنب بعدها، وهؤلاء تركوا الذنوب تركاً مؤقتاً ثم عادوا إليها، وهذا لا يعتبر توبة؛ لأنهم إنما تركوها لعارض ثم عادوا إليه بعد زواله، فنعوذ بك اللهم من الحور بعد الكور.[/font]
[font="]أيها المسلمون: سنصلي بإذن الله تعالى صلاة العيد في هذا المسجد، وسنبدأ الصلاة بمشيئة الله تعالى الساعة السابعة إلاّ ربع.[/font]
[font="]اللهم...[/font]
المشاهدات 1904 | التعليقات 0