ما يشرع آخر رمضان وكيف نودعه: 1446/9/28هـ
عبد الله بن علي الطريف
ما يشرع آخر رمضان وكيف نودعه: 1446/9/28هـ
الحمدُ للهِ على نعمائِه.. والشكرُ له على توفيقِه وعطائِه.. وأشهدُ ألا إله إلا الله وحدَهُ لا شريكَ له المتفردُ بكبريائِه، أعطى فأجزل ومنحَ فتفَضَّل.. وأشهدُ أن محمداً عَبدُه ورسولُه ومصطفاهُ وخليلُه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه.. النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
أما بعد أيها الإخوة: اتقوا الله حقَ التقوى واستمسكوا من الإسلامِ بالعروة اِلوثقى.. واعلموا أن شهرَ رمضان قد تهيأ للرحيل، ولم يبق منه إلا النزر القليل؛ فاستثمروا ما بقي من دقائقه وثوانيه بما يقربُكم إلى ربكم..
واعلموا وفقني الله وإياكم أن الله قد شرع لنا في ختام الشهر عبادات جليلة نزداد بها إيماناً، وتكملُ بها عبادتُنا، شرع لنا زكاةَ الفطرِ، والتكبيرَ، وصلاةَ العيد. أما زكاة الفطر فإنها فريضةٌ فرضَها رَسُولُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على المسلمينَ، وما فرضَهُ رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أوْ أمَرَ به فلَهُ حكمُ ما فرضَه اللهُ تعالى أو أمَرَ به. فَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قَالَ: «فَرَضَ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى النَّاسِ، صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، مِنَ الْمُسْلِمِينَ» متفق عليه.. ويجبُ عَلَى المُسلِمِ أَنْ يُخرجَها عن نفسِه وكذلك عمن تَلْزَمُه مَؤُونَتُه من زوجةٍ أو قريبٍ إذا لم يستطيعوا إخراجَها عن أنفسِهم. فإن استطاعوا فالأولى أن يُخرجُوهَا عن أنفسِهم لأنَّهُم المخاطَبُون بها أصْلًا.. وهي تطهيرُ للصائمِ مما يحصلُ في صيامِه من نقصٍ ولَغْوٍ وإثْمٍ، فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما، قَالَ: «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ، مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ، فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ» رواه أبو داود وابن ماجة وحسنه الألباني.. وسميت الأعمال الصالحة زكاة لأنه ينمو بها عمل فاعلها ويرتفع قدره..
والواجبُ في الفطرة أن تخرج من طعام الآدميين من تمر، أو بر، أو رز، أو زبيب، أو أقط، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «كُنَّا نُخْرِجُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ الفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ»، وَقَالَ: «وَكَانَ طَعَامَنَا الشَّعِيرُ وَالزَّبِيبُ وَالأَقِطُ وَالتَّمْرُ» رواه البخاري..
أيها الإخوة: أخرجوها مما فرضَ رسولُ الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الطعام ولا تخرجوها من النقود؛ لأن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فرضها من الطعام؛ فلا يُتعدى ما عيَّنه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.. أما إخراجُ القيمةِ فهو مخالف لفعل الصحابةِ -رضي الله عنهم- فقد كانوا يخرجونها صاعاً من طعام وهم أقربُ الناسِ وأعلمُهم بهدي النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثم إن إخراج الفطرة من الدراهم يُخرج الفطرة عن كونها شعيرة ظاهرة إلى صدقة خفية..
ومقدارها صاع ومقدارُ الصاع النبوي كلويين وأربعين غراماً بالبر الجيد كما حدده شيخنا محمد بن عثيمين رحمه الله.. وتجب بغروب الشمس ليلة العيد، ويجوز إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين، ومن أخرجها بعد صلاة العيد بلا عذر فهي صدقة من الصدقات لا تبرأ بها ذمته، وادفعوها إلى فقراء المكان الذي أنتم فيه وقت الإخراج.. وحسنوها وكملوها، ولتكن من أطيب أموالكم الذي تجدون، فلن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون.
أيها الأحبة: ومما يشرع لكم بعد إكمال العدة التكبير ووقته من غروب الشمس ليلة العيد إلى صلاة العيد، قال الله تعالى: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [البقرة:185] ويسن الجهرُ به للرجال في المساجد والأسواق والبيوت، إعلانًا بتعظيم الله وإظهارًا لعبادته وشكره...
واخرجوا وفقكم الله إلى صلاة العيد متنظفين متطيبين والبسوا أحسن الثياب واخرجوا نساءكم ومن تحت أيديكم من الذرية لأمر الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذلك..
أخرجوا امتثالاً لأمر رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وابتغاء الخير، ودعوة المسلمين، فكم في ذلك المصلى من خيراتٍ تنـزل وجوائزَ من الرب الكريم تحصُل، ودعوات طيبات تقبل..
والسنة أن يأكل قبل الخروج إلى المصلى تمرات وترًا ثلاثاً أو خمساً أو أكثر إن أحب، ويقطعهن على وتر لفعل النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.. والأفضل الخروج لصلاة العيد مشيًا إلا من عذر كعجز أو بعد، وستقامُ الصلاة إن شاء الله هذا العام الساعة السادسة واثني عشرة دقيقة.
ومن السنة في صلاة العيد التكبير في الركعة الأولى ست تكبيرات بعد تكبيرة الإحرام وبعد دعاء الاستفتاح وَقَبْلَ التَّعَوُّذِ وَالْقِرَاءَةِ، وفي الركعة الثانية خمسًا بعد تكبيرة الانتقال، والسنة رفع اليدين مع كل تكبيرة ولا يجهر المأموم بها.. قال سماحة الشيخ ابن باز: وإن قال بينها: اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا، فهذا حسن كما جاء في حديث ابن مسعود. ومن فاتته التكبيرات بأن حضر والإمام قد شرع بالفاتحة فلا يقضيها، ومن فاتته ركعة فإنه يأتي بالتكبيرات إذا أراد قضاء الركعة الفائتة، ومن أتى والإمام بالتشهد يقضي الصلاة كما هي بتكبيراتها..
أحبتي: أدوا الصلاة بخشوع وحضور قلب، وتذكروا بجمعكم اجتماع الناس في يوم الجمع الأكبر يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم؛ بلغنا الله يوم العيد من عمرٍ مديدٍ بطاعة الله، ومنَّ علينا بالقبول إنه جواد كريم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ ربِ العالمين وأشهدُ ألا إلهَ الا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له إله الأولين والآخرين، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه سيد المرسلين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد أيها الإخوة: تقوى الله خيرُ زاد، يقول ربنا: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ) [البقرة:197].. والشكرُ سبب للقبولِ ونَيْلِ عظيمِ الأجر.. واعلموا أنَّ من أعظم ما يودع به الصائم شهره ويختم به صيامه، هو الإكثار من الاستغفار، فمن هديه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ختمُ الأعمال الصالحة بالاستغفار، وكذلك كان سلفنا الصالح يكثرون من الاستغفار والتوبة تعويضا عن أي تقصير قد حدث منهم بعد انتهائهم من الطاعات.. قال الحسن البصري -رحمه الله-: "لا تملُّوا من الاستغفارِ، واكثِرُوا مِنه في بُيُوتِكم، وعَلَى موائِدِكم، وفي طُرُقِكم، وفي أسواقِكُم، فإنَّكم ما تدرُون متى تَنْزِلُ المغفرةُ"..
أحبتي: ليلة أو ليلتين ونودعُ شهرنا حقٌ علينا أن نغالب أنفسنا في استثمِار بقية ساعاته ودقائقه، ونَحرِصَ على إتمام العِدة فالأعمال بالخواتيم.. ومن نعم الله علينا في هذا الشهر المبارك أن عُمرت المساجدُ فيه بالتراويح، وتعطرت لياليه بتلاوة القرآن والذكر والدعاء، ورفعت فيه أكف الضراعة إلى الله بالدعاء والثناء، وأمَ المسلمين فيها شبابٌ من أبنائهم تحملوا المسؤولية وآثروا نفع الناس، واحتسبوا الأجر بالإمامة، واطرحوا الكسل، فما أعظمه من عمل، وما أجمله من بذل للخير غفل عنه بعضُ القادرين أو تكالافوه فحُرموا فضلَه، نسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يُجزل لهؤلاء الأجر والمثوبة وينفع بهم إنه جواد كريم.
أيها الإخوة: أما شهرنا فقد دار الدهرُ دورتَه... ومضت الأيامُ تلو الأيام... وإذا بشهرنا قد قاربَ أفول نجمه بعد أن سطع... وقارب إظلام ليله بعد أن لمع... وسيخيم السكون على الكون بعدما كان الوجود كل الوجود يتأهب للقاء هذا الضيف الكريم... نعم سينقضي رمضان... فيا ولهي عليه... ذهبت معظم أيامِه ولياليه... ذهبت... لتعود على من يكتبُ اللهُ له منا الحياة... وليودعَ من كان أجله قد حان... نعم... ذهبت يا رمضان فجرت منا عليك المدامع.. طوبى لمن حل فيه بروضة الأبرار، وختم شهره بالتوبة والاستغفار.
يا غافلاً وليالي الصومِ قد ذَهبتْ.... زَادتْ خَطايَاك قِفْ بالبابِ وابْكِيها
وتبْ لعلَك تحْــــــــــــــــــظَى بالقبولِ عـــــــــــــسـى أنْ تبلغَ النفسُ بالتقوى أمانِيها
وقلْ إلهي أنا العبدُ الذليلُ وقد .... أتيتُ أرجو أجوراً فازَ راجيها
فلا تَكِلني إلى نفسي ولا عملـي ..... واغفرْ ذنوبي فإني غـارقٌ فيها
أحبتي وبعد: من كان منا أحسن فيما مضى فعليه بالتمام، ومن فرط فليختم بالحسنى فالعمل بالختام.. وودعوا شهركم بأزكى تحية وسلام. وصلوا على نبيكم أزكى صلاة وسلام..
https://t.me/+iSRXA4HV_oFmMDc0 قناة التلجرام