مَا يُؤَمنَّا أَنْ يَكُونَ عَذَاب

عبدالله حمود الحبيشي
1443/01/18 - 2021/08/26 15:06PM

مَا يُؤَمنَّا أَنْ يَكُونَ عَذَاب

خطبة الجمعة 19 محرم 1442هـ

إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ .. أَمَّا بَعْدُ .. عِبَادَ اللَّهِ .. يَتَسَاءَلُ كَثِيرُ مِنَّا فِي عَجَبٍ وَذُهُولٍ ، عَمَّا يَجْرِي فِي اَلْعَالَمِ اَلْيَوْمِ .. وَبَاءُ كُورُونَا غَزَا اَلْأَرْضَ قَاطِبَةً ، وَجَاسَ خِلَالَ اَلدِّيَارِ ، وَلَهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ تَحَوُّرٌ جَدِيدٌ ، وَالْأَمْطَارُ اَلْغَزِيرَةُ وَالْفَيَضَانَاتُ تَجُوبُ اَلْأَرْجَاءَ ، وَدَرَجَاتُ اَلْحَرَارَةِ فِي اِرْتِفَاعٍ مُسْتَمِرٍّ ، وَزَلَازِلُ مُدَمِّرَةٌ ، وَأَعَاصِيرُ مُهْلِكَةٌ ، وَبَرَاكِينُ عَلَى وَشْكِ أَنْ تَثُورَ !!

اَلصِّينُ تَشْهَدُ أَمْطَارًا لَمْ تَرَ مِثْلَهَا مُنْذُ أَلْفِ عَامٍ ، وَأَنْهَارُ أُورُبَّا تَفِيضُ عَلَى غَيْرِ اَلْعَادَةِ ، وَأَمْطَارُ شَهْرٍ تَهْطِلُ عَلَى لَنْدَن فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ ، وَكَنَدَا اَلَّتِي تَقَعُ عَلَى مَرْمَى حَجَرٍ مِنْ اَلْقُطْبِ اَلشَّمَالِيِّ تُسَجِّلُ دَرَجَةَ حَرَارَةٍ تَبْلُغُ اَلْخَمْسِينَ .!!

وَهَا هِيَ اَلْحَرَائِقُ تَأْكُلُ اَلْأَخْضَرَ وَالْيَابِسَ ، اَلشَّجَرَ وَالْحَجْرَ وَالْمَزَارِعَ وَالْغَابَاتَ ، وَالدَّوْرَ وَالْمُمْتَلَكَاتَ ، بل والبشر .

اَلْعَالَمُ يَحْتَرِقُ .. اَلْحَرَائِقُ تَسْتَعِرُ فِي خَمْسِ قَارَّاتٍ : آسْيَا وَأُورُوبَّا وَأَفْرِيقْيَا وَأَمِيرِكَا اَلشَّمَالِيَّة وَالْجَنُوبِيَّة .

تَمْتَدَّ اَلْحَرَائِقُ مِنْ سَيْبِيرِيَا شَرْقًا إِلَى بُولِيفْيَا وَوِلَايَةِ كَالِيفُورْنِيَا اَلْأَمِيرِكِيَّةِ، القدس والْجَزَائِر والمغرب ، وَتُونِس فِي شَمَالِ أَفْرِيقْيَا ، وَتُرْكِيَا وَاَلْيُونَانُ والبرتغال واسبانيا وَفَرَنْسَا فِي أُورُوبَّا .

نَشَرَتْ لَجْنَةُ اَلْمُنَاخِ بِالْأُمَمِ اَلْمُتَّحِدَةِ تَقْرِيرًا جَاءَ فِيهِ : إِنَّ غَازَاتِ اَلِاحْتِبَاسِ اَلْحَرَارِيِّ فِي اَلْغِلَافِ اَلْجَوِّيِّ مُرْتَفِعَة بِمَا يَكْفِي لِضَمَانِ اِضْطِرَابِ اَلْمُنَاخِ لِعَشَرَاتِ إِنْ لَمْ يَكُنْ لِمِئَاتٍ مِنْ اَلسِّنِينَ .

إنَّهَا آيَاتٌ كَوْنِيَّةٌ عَظِيمَةٌ ، وَتَغَيُّرَاتٌ كَبِيرَةٌ ، وَتَحَوُّلَاتٌ هَائِلَةٌ .. لَوْ حَصَلَ أَقَلَّ مِنْهَا فِي زَمَنِ اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَالصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ ، لَمَا نَامَتْ عَيْنٌ ، وَلَا سَكَنَ قَلْبٌ .. كَسَفَتِ الشمسُ على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ففزعَ ، وخرجَ مسرعاً ، حتى إنَّه أخطأ بِدِرْعٍ لأحدِ أزواجِه ، يَخشى أن تكونَ الساعةُ ، وكانَ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ، إذَا رَأَى مَخِيلَةً في السَّمَاءِ ، أقْبَلَ وأَدْبَرَ ، ودَخَلَ وخَرَجَ ، وتَغَيَّرَ وجْهُهُ ، فَإِذَا أمْطَرَتِ السَّمَاءُ سُرِّيَ عنْه ، وكان يقول: مَا يُؤْمِنِّي أَنْ يَكُونَ فِيهِ عَذَابٌ .. وكَانَتِ الرِّيحُ الشَّدِيدَةُ إذَا هَبَّتْ عُرِفَ ذلكَ في وجْهِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ .. وكان يقول : عُذِّبَ قَوْمٌ بِالرِّيحِ .

أَمَّا حَال اَلْبَشَرِيَّةِ اَلْيَوْمِ فَمَا زَالَتْ تَعْزُوْا كُلُّ هَذِهِ اَلْأَحْدَاثِ ، وَهَذِهِ اَلتَّغَيُّرَاتِ إِلَى اِحْتِبَاسٍ حَرَارِيٍّ ، أَوْ تَغَيُّرٍ مُنَاخِيٍّ ، أَوْ تَقَلُّبَاتٍ جَوِّيَّةٍ ، وَغَيْرَهَا مِنْ اَلتَّفْسِيرَاتِ اَلَّتِي تَعَوَّدْنَا عَلَى سَمَاعِهَا ، كُلُّهَا أَسْبَابٌ مَادِّيَّةٌ.. ويغفلون عَنْ أَسْبَابٍ رَبَّانِيَّةٍ ، وَسُنَن إِلَهِيَّةٍ .. ﴿أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾ إِنَّهُ تَوْبِيخٌ مِنْ اَللَّهِ .. أَلَّا يَرَى اَلنَّاسُ؟ .. أَلَّا تَرَى اَلْبَشَرِيَّةُ؟ ، أَنَّهُمْ يُصَابُونَ بِالْمَصَائِبِ وَالْكَوَارِثِ مَرَّاتٍ وَمَرَّاتٍ ، وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ عَنْ اَلتَّوْبَةِ وَالتَّذَكُّرِ .. ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ اِسْتَعْلَنَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ.. فَسَادُ مُعَايِشِهِمْ وَنَقْصِهَا، وَحُلُول الآفات بِهَا، وَفِي أَنْفُسِهِمْ مِنَ الْأَمْرَاضِ وَالْوَبَاءِ ، وَذَلِكَ بِسَبَبِ مَا قَدَّمَتْ أَيْدِيْهمْ مَنَ الْأَعْمَالِ الْفَاسِدَةِ الْمُفْسِدَةِ بِطَبْعِهَا .

مَا يُؤَمنَّا أَنْ يَكُونَ عَذَاب ؟ وَكِتَابُ اَللَّهِ يُخْبِرُنَا عَنْ قَصَصٍ كَثِيرَةٍ مُمَاثِلَةٍ اِسْتَخَفَّ فِيهَا أَقْوَامُ ذَلِكَ اَلزَّمَانِ بِشَكْلٍ يُشْبِهُ كَثِيرًا اِسْتِخْفَافَنَا بِظَوَاهِرَ هَذَا اَلزَّمَانِ ، فَلَحِقَ بِهمْ مَا لَحِقَ مِنْ عَذَابٍ وَدَمَارٍ .

﴿فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَٰذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا﴾ إِنَّهُ سَحَابٌ فِيهِ اَلْمَطَرُ .. يَنْظُرُونَ إِلَيْهَا عَلَى أَنَّهَا ظَاهِرَةٌ مُنَاخِيَّةٌ وَحَالَةٌ جَوِّيَّةٌ دُونَ اَلتَّأَمُّلِ فِي جَوَانِبِهَا اَلْأُخْرَى ﴿بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ إِذَا جَاءَتْ مُقَدِّمَات اَلْعَذَابِ ، أَوْ لَاحَتْ أَسْبَابَهُ لَا يَرَاهَا إِلَّا اَلصَّالِحُونَ اَلْمُصْلِحُونَ ، أُمَرَاء كَانُوا أَوْ عُلَمَاء أَوْ أَفْرَادًا مِنْ عَامَّةٍ اَلنَّاسِ .. وَهِيَ بَصِيرَةٌ مِنْ اَللَّهِ يُبْصِرُونَ بِهَا اَلْمَصَالِح وَالْمَفَاسِد فَيُحَذِّرُونَ اَلنَّاسَ ، وَيَعِظُونَهُمْ ، وَيَحْرِصُونَ عَلَى سَلَامَتِهِمْ .. فَمنْ اِسْتَجَابَ نَجَّى وَسَلِمَ ، وَمنْ أَعْرَضَ وَاسْتَكْبَرَ فَأَمْرُهُ فُرْطا وَحَالُهُ إِلَى شَتَاتٍ وَضَيَاعٍ .. وَقَدْ حَدَّثَنَا اَللَّهُ عَنْ أَقْوَامٍ عَلَى اَلرَّغْمِ مِنْ وُضُوحِ اَلصُّورَةِ إِلَّا أَنَّهُمْ تَعَامَلُوا مَعَهَا بِاسْتِكْبَارٍ لَا يَخْلُو مِنْ اَلْغَبَاءِ حِينَمَا فَاضَلُوا بَيْنُ اَلْبَقَاءِ وَبَيْنَ اَلتَّمَسُّكِ بِطَرِيقِ اَلْهَلَاكِ ﴿وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَٰذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ .

مِنْ مِنَّا يَجْهَلُ أَوْ يَغْفَلُ أَنَّ عَالَمَ اَلْيَوْمِ قَدْ خَطَا خُطُوَاتٍ كَبِيرَة عَلَى طَرِيقِ اَلْفَسَادِ وَالْإِفْسَادِ ، وَلَمْ يَكْتَفِ بِجَرَائِمِهِ اَلْقَائِمَةِ عَلَى اَلْمُحَرَّمَاتِ مِنْ رَبًّا وَزْنًا وَمُخَدِّرَاتٍ وَمُسْكِرَاتٍ وَدَعَارَةٍ وَقَتْلٍ وَإِبَادَةٍ وَاَلَّتِي تَسْتَوْجِبُ كُل وَاحِدَةٍ مِنْهَا عُقُوبَةً لَا تَقِلُّ عَنْ عُقُوبَةٍ عَاد وَثَمُود ، وَإِنَّمَا تَعَدَّاهَا إِلَى اَلتَّعَدِّي عَلَى خَالِقٍ اَلْكَوْنِ وَتَحَدِّيهِ بِشَكْلٍ سَافِرٍ عِنْدَمَا اِسْتَحَلُّوا اَلشُّذُوذ وَشَرَّعُوهُ وَفَرَضُوهُ بِالْقُوَّةِ وَسَنُّوا اَلْقَوَانِينَ لِمُعَاقَبَةٍ مَنْ يُخَالِفُهُ أَوْ يَسْتَنْكِرُهُ أَوْ رُبَّمَا مَنْ لَا يَعْمَلُ بِهِ .

يَقُولَ رَئِيسُ دَوْلَةٍ تُعَدُّ عُظْمَى : "انتصارٌ لِدَوْلَتِنَا.. وانتصارٌ لِلْحُبّ والْمُساواة" يَصِفُ اَلْحُكْمَ اَلَّذِي صَدَرَ مِنْ اَلْمَحْكَمَةِ اَلْعُلْيَا وَاَلَّذِي يَقْضِي بِمَنْحِ اَلْحَقِّ لِلشَّاذِّينَ جِنْسِيًّا بِالزَّوَاجِ .. أَيُّ خِسَّةٍ وَصَلَ إِلَيْهَا هَؤُلَاءِ اَلْقَوْمِ ، حِينَمَا يُشْرِّعُ رُؤَسَاؤُهُمْ وَسَاسَتُهُمْ وَكُبَرَاؤهُمْ هَذَا اَلشُّذُوذ .

لَقَدْ أَصْبَحَ رَفْعُ أَعْلَامِ اَلشَّوَاذِّ وَفَرْضِ شِعَارِهِمْ عَلَى اَلْعَالَمِ يَسْتَنِدُ إِلَى اَلْقَانُونِ اَلدَّوْلِيِّ ، وَأَنَّ جِنْسًا غَيْرَ مُحَدَّدٍ أَصْبَحَ رَسْمِيًّا ، وَيَقِفُ جَنْبًا إِلَى جَنْبٍ مَعَ جِنْسِ اَلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى .

اَلشُّذُوذُ مُخَالَفَةُ فِطْرَةِ اَللَّهِ اَلَّتِي فَطْرَ اَلنَّاسَ عَلَيْهَا فِي غَرَائِزِهِمْ ، وَهُوَ اِنْتِهَاكٌ لِلنَّامُوسِ اَلسَّائِدِ فِي اَلْكَوْنِ ، فَضْلاً عَنْ نَسْفِهِ مِلَّةَ اَلْإِسْلَامِ وَالْفِطْرَةِ اَلسَّوِيَّةِ ، وَيَزْدَادُ ذَلِكُمْ اَلشُّذُوذُ شُذُوذًا ، حِينَمَا يَتَحَوَّلُ اَلْمُتَلَوثُونَ بِهِ مِنْ حَالِ اَلدِّفَاعِ عَنْ شُذُوذِهِمْ إِلَى حَالِ اَلْهُجُومِ لِفَرْضِهِ وَاقِعًا مَلْمُوسًا ، عَبْرَ اَلِانْتِقَالِ مِنْ اَللَّفْظِ اَلْوَحْشِيِّ لِلشُّذُوذِ إِلَى اَلْإِغْرَاءِ بِلَفْظِ " اَلْمِثْلِيَّةِ " ؛ مِنْ أَجْلِ أَنْ تَخِفَّ وَطْأَةُ اَللَّفْظِ عَلَى مَسَامِعِ اَلنَّاسِ، حَتَّى تَأْلَفَهُ ؛ وَمِنْ ثَمَّ تَتَوَهمُهُ حَقًّا شَخْصِيًّا سَائِغًا وَلَوْ عَلَى تَخَوُّفٍ أَوْ اِسْتِحْيَاءٍ .. وَإِذَا مَا نُوقِشَتْ هَذِهِ اَلْقَضِيَّةُ فِي اَلْفَضَائِيَّاتِ اَلْعَرَبِيَّةِ وَالْإِسْلَامِيَّةِ تُطْرَحُ عَلَى أَنَّهَا رَأْيٌ ، وَحُرِّيَّةٌ شَخْصِيَّةٌ ، وَيَكْتَفِي اَلْمُشَارِكُ اَلْمُحَافِظُ فِي تِلْكَ اَللِّقَاءَاتِ أَنْ يَقُولَ إِنَّهُ يَحْتَرِمُ تِلْكَ اَلتَّوَجُّهَاتِ وَإِنْ كَانَ لَا يُحَبِّذُهَا .. أَيُّ اِحْتِرَامٍ؟ ، وَأَيُّ رَأْيٍ؟ فِي قَضِيَّةٍ اِنْتَكَسَتْ فِيهَا اَلْفِطْرَةُ .. هَلْ يَعُدُّونَ هَذَا مِنْ اَلْمَدَنِيَّةِ وَالْحَضَارَةِ .. بَلْ يَصِلُ اَلْحَالُ أَنْ يَعْلُوا أَهْلُ اَلْفَاحِشَةِ ، وَيُطْرَدُ أَهْلُ اَلْعِفَّةِ وَالطَّهَارَةِ ، وَقَدْ كَانَ هَذَا ﴿فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾ .

اَلْمُنَظَّمَاتُ اَلْحُقُوقِيَّةُ اَلْيَوْم وَالدُّوَلُ اَلْغَرْبِيَّة ، تَغْرَقُ فِي وَحَلِ اَلضَّيَاعِ ، فَهْم يَدَّعُونَ اَلْحُقُوق وَالِانْتِصَارِ لَهَا ، وَيَرْفُضُونَ اَلتَّمْيِيزَ بَيْنَ اَلرَّجُلِ اَلْمَرْأَةِ ، وَيُطَالِبُونَ بِجِنْسٍ غَيْرِ مُحَدَّدٍ ، فَكَيْفَ سَيَحْفَظُونَ حُقُوقَ اَلْمَرْأَةِ وَهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ تَحْدِيدَ وَصَفٍ لَهَا .. لَدَيْهِمْ اَلرَّجُلُ يَتَزَوَّجُ اَلرَّجُل ، وَالْمَرْأَةُ تَتَزَوَّجُ اَلْمَرْأَةَ ، فَأَيّ حُقُوقٍ يَجْعَلُونَهَا لِلْمَرْأَةِ .. وَصْفُ اَلْأُنْثَى ضَائِعٌ لَدَيْهِمْ .. وَلِذَلِكَ وَصَلُوا لِحَدِّ اَلْبَهِيمِيَّةِ ، وَبَلَغُوا أَقْصَى اَلْجُنُوح فِي قَضَايَا إِلَهِيَّةٍ رَبَّانِيَّةٍ حَكَمَ اَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ، وَفَصَل فِيهَا .. اَلْغَرْبُ بِحَاجَةٍ لَيْسَ لِمَنْ يَدْعُوهُمْ إِلَى اَلْإِسْلَامِ ، بَلْ منْ يُرْجِعُهُمْ إِلَى اَلْبَشَرِيَّةِ، وَالْفِطْرَةِ اَلسَّلِيمَةِ .. فاَلْفِطْرَةُ لَمْ تَنْتَكِسْ عَلَى مَرِّ اَلتَّارِيخِ إِلَّا مَرَّتَيْنِ ، فِي زَمَنِ لُوطٍ ، وَهَذَا اَلزَمَنُ اَلَّذِي نَحْنُ فِيهِ ، لِمَا فِيهِ مِنْ مَسْخٍ لَمْ تَشْهَدْهُ اَلْبَشَرِيَّةُ .. فَفِيهِ قَوَانِين وَدَسَاتِيرَ يُرَادُ نَشْرُهَا وَتَصْدِيرُهَا لِلْعَالَمِ كَافَّةً وَالْعَرَبِيَّةِ وَالْإِسْلَامِيةِ خَاصَّةً ، وَكَثِيرٌ مِنْ اَلدُّوَلِ مَعَ كُلِّ أَسَفٍ وَقَّعَتْ عَلَى مِثْلِ هَذِهِ اَلدَّسَاتِيرِ ، كَمَوَاثِيق مُنَظَّمَة سِيدَاوْ وَغَيْرهَا والتي تنص بِعَدَمِ اَلتَّمْيِيزِ بَيْنَ اَلْجِنْسَيْنِ.. حَتَّى وَصَلُوا إِلَى أَنَّ اَلرَّجُلَ يَأْخُذُ جَوَازَ اَلسَّفَرِ وَفِيهِ أَنَّ فُلَانَ اِبْنِ فُلَانِ زَوْجَتُه فُلَانَ اِبْنِ فُلَانٍ ، ثُمَّ يُسَافِرُ مَعَهُ بِالطَّائِرَةِ إِلَى جَمِيعِ دُوَلِ اَلْعَالَمِ ، هَذَا لَمْ يَحْدُثْ فِي تَارِيخِ اَلْبَشَرِيَّةِ حَتَّى فِي قَوْمِ لُوطْ .. وَمَعَ هَذَا يَنْبَهِرُ اَلْكَثِيرُ بِالْغَرْبِ وَيَصِفُهُمْ بِالتَّقَدُّمِ وَالْحَضَارَةِ وَالرُّقِيِّ ، لِمَاذَا ؟ لِأَنَّ لَدَيْهِمْ طَائِرَةٌ تَطِيرُ ، وَلَدَيْهِمْ حَاسِبٌ ، وَلَدَيْهِمْ جَوَّالٌ ، وَنَسِيَ اَلْفِطْرَةَ اَلَّتِي فَطَرَنَا اَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهَا .

حَضَارَةُ اَلْيَوْمِ بِمَلَاحِدَتِهَا ومَادِييهَا تَسِيرُ مُسْرِعَةً عَلَى مُنْحَدَرِ اَلِانْحِرَافِ ، كَفَرُوا بِاَللَّهِ وَبِالْغَيْبِ ، وَأَمِنُوا بِعُقُولِهِمْ ، وَاسْتَعْبَدَتْهُمْ آلَاتُهُمْ وَحَاسِبَاتُهُمْ ، يُخَطِّطُونَ لِلدُّنْيَا وَيُدَبِّرُونَ فِي اَلْكَوْنِ بَعِيدًا عَنْ اَللَّهِ ، يُقَرِّرُونَ فِي مُؤْتَمَرَاتِهِمْ اَلْعَالَمِيَّةِ مَشَاكِلَ صَنَعُوهَا وَيَضَعُونَ لَهَا حُلُولاً كنَشْرِ اَلْإِبَاحِيَّةِ اَلْمُطْلَقَةِ ، وَإِقْرَارِ اَللِّوَاطِ ، وَزَوَاجِ اَلشَّوَاذِّ ، وَفَوْضَى اَلْجِنْسِ بَيْنَ اَلْمُرَاهِقِينَ وَالْأَحْدَاث وَالْعُزَّاب وَالْمُتَزَوِّجِينَ ، وَشَرْعِيَّةُ اَلْإِنْجَابِ مِنْ غَيْرِ زَوَاجٍ ، وَتَمَرُّد اَلْأَبْنَاءِ عَلَى وِلَايَةِ اَلْآبَاءِ ، وَالتَّنْفِيرُ مِنْ اَلزَّوَاجِ اَلْمُبَكِّرِ ، وَإِبَاحَةُ اَلْإِجْهَاضِ .. كُلُّ هَذَا تَقَرَّرَ فِي مُؤْتَمَرِ اَلسُّكَّانِ لِلتَّنْمِيَةِ اَلَّذِي أُقِيمَ فِي عَامِ 1994 فِي إِحْدَى اَلدُّوَلِ اَلْعَرَبِيَّةِ .. تَمَرُّدٌ عَلَى كُلِّ اَلشَّرَائِعِ اَلسَّمَاوِيَّةِ ، وَالْقَوَانِينِ اَلشَّرِيفَةِ ، وَالْأَخْلَاقِ اَلسَّامِيَّةِ ، وَالْفُطْرِ اَلسَّلِيمَةِ ، وَإِلْحَادٍ صَارِخٍ وَكَفْرٍ بَوَاحٍ .. وهَذَا اَلْحَرَاك ، وَهَذَا اَلتَّغْيِير لَا يَجْرِي فِي سَاحَاتِ اَلشَّوَاذِّ اَلَّتِي تَنْتَشِرُ فِي اَلدُّوَلِ الغربية .. بَلْ هُوَ قَانُونٌ وَتَشْرِيعٌ يَلْزَمُ جَمِيعَ اَلدُّوَلِ إِقْرَارُهُ وَقَبُولهُ وَالتَّعَامُلَ مَعَهُ ، وَعَلَى كُلِّ اَلدُّوَلِ فَتْحُ أَبْوَابِهَا لِاسْتِقْبَالِ هَذَا اَلتَّغْيِيرِ ..

نَسْأَلُ اَللَّه أَنْ يَحْفَظَنَا مِنْ اَلْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطْن ، وَيَكْفِينَا أَسْبَاب اَلْعَذَابِ وَالْعِقَابِ ، وَأَنْ يَصْلُحَ أَحْوَالَنَا وَيَرُدنا إِلَيْهِ رَدًّا جَمِيلاً .. أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَاسْتَغْفِرُ اَللَّه ..

الخطبة الثانية ..

اَلْحَمْدُ لِلَّهِ ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اَللَّهِ ، وَعَلِى آلِهِ ، وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ .

أَمَّا بَعْدُ .. إِنَّ مِنَ اَلسُّنَنِ اَلْإِلَهِيَّةِ أَنَّ اَلْأُمَمَ تَنْهَارُ ، وَتَفْنَى حِينَ تَسْتَسْلِمُ لِشَهَوَاتِهَا ، وتَرْتَكِسُ فِي حَمْأةِ اَلْفِتَنِ وَالشَّهَوَاتِ ، وَتَظْهَرُ فِيهَا اَلْفَوَاحِش قَالَ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لم تَظْهرِ الفاحِشةُ في قومٍ قطُّ حتى يُعلِنُوا بِها ؛ إلا فَشَا فِيهمُ الطاعونُ والأَوجاعُ التِي لم تكنْ مَضتْ في أسلافِهم الَّذين مَضَوَا) .. وقال اَلصَّادِقُ عَلَيْهِ اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ (ليشرَبنَّ ناسٌ من أمَّتي الخمرَ يُسمُّونَها بغيرِ اسمِها، يُعزَفُ علَى رءوسِهِم بالمعازفِ ، والمغنِّياتِ ، يخسِفُ اللَّهُ بِهِمُ الأرضَ ، ويجعَلُ منهمُ القِرَدةَ والخَنازيرَ) نعوذُ باللهِ من سخطِه وعِقابِه .

يُخْبِرُنَا اَلْقُرْآنُ اَلْكَرِيمُ أَنَّ أَبا اَلْأَنْبِيَاءِ إِبْرَاهِيم قَدْ حَاوَلَ كَثِيرًا إثْنَاءَ رُسُل اَللَّهِ اَلَّذِينَ مَرُّوا بِهِ عَنْ تَدْمِيرِ قُرَى قَوْمِ لُوطٍ ، أَوْ تَأْجِيلِ اَلْمَوْعِدِ عَلَى أَقَلِّ تَقْدِيرٍ ، وَلَكِنَّهُمْ أَجَابُوهُ ﴿يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَٰذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ﴾ إِنَّهَا اَلْفَاحِشَةُ اَلَّتِي تُوجِبُ نُزُولَ اَلْعَذَابِ عَلَى اَلْبِلَادِ بِكُلِّ مَا فِيهَا وَمِنْ فِيهَا ، مِنْ بَشَرٍ وَحَجَرٍ .

فالحذر الحذر .. اَلْحَذَرُ مِنْ أَنْ يَنْشَأَ جِيلٌ لَا يَعْرِفُ اَلْحَلَالَ مِنَ اَلْحَرَامِ ، يَنْشَأُ عَلَى اَلْمُنْكَرَاتِ ، فَتَكُونُ قُلُوبُهُمْ كَمَا قَالَ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا، ولا يُنْكِرُ مُنْكَرًا، إلَّا ما أُشْرِبَ مِن هَواهُ) ..

وَقَالَ عَلَيْهِ اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ (يا أمَّةَ محمدٍ، واللهِ ما من أحدٍ أغيرُ من اللهِ أن يَزنيَ عبدُه أو تزني أمَتُه) هَذَا فِي اَلزِّنَا فَكَيْفَ بِمَا هُوَ أَشْنَعُ وَأَقْذَرُ وَأَفْحَشُ .. يَجِبَ أَنْ يَكُونَ اَلْمُؤَمَّنُ عَلَى حَذَرِ مِنْ أَسْبَابِ اَلْعَذَابِ ﴿أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ﴾.. وقَدْ قَرَّبَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مَسَافَةَ الْعَذَابِ بَيْنَ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَبَيْنَ إِخْوَانِهِمْ فِي الْعَمَلِ ، فَقَالَ مُخَوِّفًا لَهُمْ أَنْ يَقَعَ الْوَعِيدُ (وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ) .. وَأَعْظَمُ أَسْبَابِ اَلْعَذَابِ هِيَ اَلْغَفْلَةُ عَنْ اَلسُّنَنِ ، وَمِنْهَا شَرْعَنَةُ اَلْبَاطِلِ وَالْفَسَادِ ، وَقَبُولِهِ وَالرِّضَى بِهِ ، فَمَنْ عَجِزَ عَنْ رَدِّهِ وَإِنْكَارِهِ بِالْيَدِ أَوْ اَللِّسَانِ ، فَلَا أَقَلَّ مِنْ إِنْكَارِ اَلْقَلْبِ لَهُ ، سَلَامَةً مِنَ اَلْعَذَابِ .. ولنتذكر : إِذَا لَمْ يَنْهَ أَهْلُ اَلْمَعْرُوفِ عَنِ اَلْمُنْكَرِ ، نَهَاهُمْ أَهْلُ اَلْمُنْكَرِ عَنِ اَلْمَعْرُوفِ .

نَسْأَلُ اَللَّه أَنْ يُلْهِمَنَا رُشْدَنَا وَيَحْفَظَنَا مِنَ اَلْعَذَابِ وَأَسْبَابِهِ ، وَأَنْ يُبْعِدَنَا عَنِ اَلْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطْنَ .

المشاهدات 835 | التعليقات 0