ما هو مشروعك الرمضاني هذا العام؟

ناصر محمد الأحمد
1439/08/21 - 2018/05/07 05:05AM

ما هو مشروعك الرمضاني هذا العام؟

25/8/1439ه

د. ناصر بن محمد الأحمد

الخطبة الأولى :

إن الحمد لله ..

أما بعد: أيها المسلمون: سيدخل علينا رمضان بعد أيام، فهل فكرت في مشروعك الرمضاني هذا العام؟ أم لا زلت تنتظر تباريك الشهر بعد؟ وهل عزمت النية هذا العام أن تكتب لنفسك مشروعاً يُعبّر عن شخصيتك ويكتب عن أثرك في الأرض، أم لا زلت تائهاً لم تحدد شيئاً بعد كالأعوام السابقة؟. ها هو شهر رمضان بقي على دخوله أيام، فهل من جديد؟ بدأت الخطوات الأولى فيه، وها هو بروحه ومشاعره وآثاره وصفاء ليله ونهاره أكبر من أن يتحدث عنه إنسان، وها أنت ما زلت حيّاً وغيرك قد رحل، ومعافىً وغيرك مريض، وحرّاً طليقاً وغيرك في غياهب السجون، فماذا تنتظر؟ إنني أود أن أقول لك: إنك طاقة هائلة، وقدرات مكنونة، وإرادة قوية مستكنة في نفسك، ورمضان الوقت المناسب لتفجير هذه الطاقات، وإطلاق هذه القدرات، وفسح المجال لإرادة قلبك ومشاعر حياتك أن تحلِّق بهمومك إلى المعالي.

إن رمضان فرصة قد لا تتكرر في تاريخ إنسان لكونه مرة واحدة في العام، وزمنه محدود، وروح الإنسان ومشاعره في أيامه قابلة للتحليق إلى أوسع طاقات الإنسان وقدراته، وهو كذلك أكبر من أن يُستهلَك في أعمال بسيطة، وجهود غير مرتَّبة، وأولويات غير منتظمة، ولهذا لابد أن يكون لك مشروع رمضاني هذا العام.

إننا نحتاج منك إلى مشروع تقف فيه أولاً مع نفسك وترتب أولوياتك وتستعرض فيه عدداً من المشاريع الممكنة وتمايز بينها على قدر حجمها وأثرها على نفسك وواقعك، ثم تختار مشروعك الرمضاني المناسب.

إن تحديدك لمشروعك الرمضاني يجعلك ترتِّب أولوياتك في شهر رمضان، وتستنفر كل طاقاتك لتحقيق هذا المشروع، ويجعل لك هدفاً عريضاً تسعى لتحقيقه وتشعر بعد ذلك بأهميته.

كم هي الأعوام التي عانقنا فيها رمضان وبكينا فيها أسفاً لفوات حظنا منه ليلة العيد؟.

إن مشروعك هذا العام يمكن أن يكون توبة خالصة لله تعالى: تُقبِل في هذا الشهر على إعلان عزِّك بالهداية، وتَمَيُّزك بالاستقامة، وتعلن فيها أنك حر من ضغط الأصدقاء ورغبات الأخِلاَّء وتتجرد من كل شهواتك العارضة لتكون في هذا الشهر إنساناً كبيراً بهمِّه وهدفه ورسالته، وتعود أنت ذاتك مشروعاً كبيراً في مشروعات الأمة.

وكم من إنسان ألبسه رمضان أعظم حلل التوفيق، وأخرجه يوم العيد في أبهى مباهج الأفراح! ولو لم يكن من ذلك إلا أفراح قلبك وسموُّ روحك لكان كافياً، فكيف إذا علمت حديث رسولك صلى الله عليه وسلم وهو يصف أثر توبتك على ربك: \\\\\\\"لَلَّهُ أفرح بتوبة العبد من رجل نزل منـزلاً وبه مهلكة ومعه راحلته عليها طعامه وشرابه فوضع رأسه فنام نومة فاستيقظ وقد ذهبت راحلته فطلبها، حتى إذا اشتد عليه الحر والعطش قال: أرجع إلى مكاني الذي كنت فيه فأنام حتى أموت، ثم رفع رأسه فإذا راحلته عنده عليها زاده: طعامه وشرابه. فالله أشد فرحاً بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلته وزاده\\\\\\\" متفق عليه.

ويمكن أن يكون مشروعك الرمضاني هذا العام تجديد الصلة بالله تعالى: فكثير من الناس يعيش شعثاً في وقته وعبادته وصلته بالله تعالى، فليس له وِرْد محدد: من صلاة أو صدقة أو قراءة قرآن أو بر وصلة ومعروف. أو له وِرْد ثابت لكنه وِرْد ضعيف لا يرتقي لمعالم الكبار، فيمكن أن يكون مشروعك الرمضاني هذا العام توثيق الصلة بالله تعالى، فترتِّب قبل دخول الشهر وِرْداً ثابتاً في هذا المشروع لا تتنازل عنه في أيام وليالي شهر رمضان كله، وستجد من صفاء قلبك ورقَّة مشاعرك وحياة روحك ما لا تسعه مشاعر إنسان.

ويمكن أن يكون مشروعك الرمضاني هذا العام تدبُّر كتاب الله تعالى: والوقوف على معاني آيات هذا القرآن العظيم، والشرب من معينه الصافي، بحيث يجعل الإنسان لنفسه أوقاتاً محددة لهذا المشروع بعد أن يحدد له كتباً من كتب التفسير تعينه على تحقيق مشروعه.

ويمكن أن يكون مشروعك الرمضاني هذا العام المحافظة على السنن الرواتب التي كثيراً ما كنت تفرط فيها طوال العام، وكذلك المحافظة التامة على الوتر، فيكون وترك مع الإمام كل ليلة بداية لأن تحافظ عليه بقية حياتك.

ويمكن أن يكون مشروعك الرمضاني هذا العام تجديد الصلة بالكتاب: فتحدد عدداً من الكتب في فنه الذي تريد أن تتخصص فيه أو مشروعِك الذي تريد أن تبنيه وتبدأ رحلة العلاقة بالكتاب من جديد، ويمكنك أن تحدد الوقت المناسب والساعات التي تود أن تمضيها في مشروعك حتى تقف على نهايته كما أردت.

ويمكن أن يكون مشروعك الرمضاني هذا العام: إغاثة الفقراء والأيتام والأرامل والمساكين، والقيام على رعايتهم في هذا الشهر، وإيصال كل صاحب فضل إليهم وترتيب أوضاعهم والقيام على خدمتهم.

ويمكن أن يكون مشروعك أن تبني مشروعات دعوية وتربوية واجتماعية: توصل رسالتها للناس في حُلَّة مؤثرة وتكتب بآثارها أروع أحداث ترقبها الأمة في حياة أجيالها.

ويمكن للإنسان أن يكون له أكثر من مشروع في رمضان، فيكون الأصل تجديد الصلة بالله تعالى وتحقيق التقوى التي أشار الله تعالى لها في شرعية رمضان بقوله: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون) (البقرة: 183) ثم يمضي بعد ذلك في تحقيق أهداف أخرى تصب في ذات الهدف العام وتصنع مشاريع أخرى كبرى في حياة الإنسان.

 

بارك الله ..

الخطبة الثانية:

الحمد لله..

أما بعد: أيها المسلمون: إن رمضان فرصة لإحداث نقلة مشاعرية وجسدية في حياتنا، ونقلة لتجريب رحلة المشروع وأثره في أوقاتنا، وفرصة لنقف على الفرق الكبير بين العمل العشوائي غير المرتب، وبين المشروع في حياة الإنسان.

وأذكِّر بأن القناعة بالدون دناءة، وأردد هنا قول القائل:

وتَعْظُم في عين الصغير صغارُها         وتصغر في عين الكبير العظائمُ

لقد آن الوقت أن نخطوَ خطوات أكبر من الواقع الذي نعيشه حتى نُحْدِث الأثر الذي ننشده، وأجزم أن الوقت غير مناسب لتكرير مشاريع ميِّتة أو مستهلكة أو مشاريع تجاوزها الواقع ولم يعد لها رصيد من التأثير، أو حتى من غير المناسب أن نخوض مشاريع أقل من طاقاتنا بكثير.

وأذكرك أخي بأن مشروعك الرمضاني هو صلتك الحقيقية بشهر رمضان ودليل قدرتك على تفجير طاقاتك، وتحريك إرادتك وهمتك، وإطلاقك لقدراتك نحو مستقبلك العريض.

وستأتي إن شاء الله تعالى اللحظة التي تقف فيها على تكبيرات المسلمين بفوات رمضان ودخول العيد وقد كتبتَ في تاريخ حياتك أروع الأمثلة على قدرتك على إدارة مشروع حياتك، وقد مددت في خَطْو الأمة خطوات واسعة إلى الأمام.

 

اللهم ..

المشاهدات 1836 | التعليقات 0