ما نستقبل من ساعات، ومسائل في زكاة الفطر

عبدالكريم الخنيفر
1445/09/26 - 2024/04/05 00:08AM
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له ومن يضللْ فلا هاديَ له، وأشهد ألا إلهَ إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.أما بعد،عبادَ الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فإنها خيرُ الزاد يوم الظمأ والنصب، وخيرُ اللباسِ يومَ يُحشرُ الناسُ حفاةً عُراةً غُرلا، ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾.﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا ونِسَاءً واتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ والْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾عبادَ الله، ما أسرعَ ما تصرّمتْ هذهِ الأيامُ الفاضلة، وكأنَّ تهانيَ الناسِ ومباركتَهم بالشهرِ الكريمِ لا تزالُ تَرِنُّ في الآذان، وهكذا جُبلت الحياة؛ فالأيامُ السعيدةُ تمرُّ سريعة، ويا بُشرى للمجتهدينَ منكم، الذين صاموا ما مضى من شهرهم وقاموه إيمانًا واحتسابًا، فنالوا بمغفرة الذنوبِ المقامَ الأسمى وتحققت لهم غاية الصيامِ التقوى، ونالوا مفتاحًا إلى الجنان.. عبر باب الريَّان.ومِنَ الناسِ من دَخَلَ عليهِ رمضانُ فغرّتهُ الأمانيُّ وأَسْلَاهُ التسويفُ، والأيامُ لا تقفُ ولا تنتظر، فلينظرِ الآنَ كم فاتهُ وليبصرْ.ومنهم من اشتعلتْ جذوةُ الإيمانِ في قلبِهِ أولَ الشَّهرِ ثمَّ انطفأتْ بمرورِ الأيام، وسلعةُ اللهِ غاليةٌ، لا يُلقَّاها إلا الذين صبروا.ولكن.. إلى كل فئة من أولئك، سؤالُ الساعةِ لكم:هل فاتتْ الفرصةُ وأُغلقتْ أبوابُ الرحمة؟أم لايزالُ في الوقتِ بقيةٌ لمغفرةِ الذنوبِ ومضاعفةِ الأجور؟أيها الصائمون،لم يفتِ الأمر؛ فلمَّا ينقضِ الشهر!فإن أمامَنَا ساعات.. من أعظمِ الأوقات.. وأفضلِها لأداء العبادات.. وأجلِّها عند ربِّ الأرض والسماوات..إننا يا عبادَ اللهِ نستقبلُ في ليلتِنَا هذهِ القادمةِ ليلةً هيَ مِن أَرجى الليالي أنْ تكونَ ليلةَ القدر، وما أدراكَ ما ليلةُ القدر! في مكانتِها وفضْلِهَا.إننا حينَ نتأملُ قيمةَ هذه الليلةِ العظيمةِ نجدها تتركزُ في ثلاثةِ أمور:الأول: أنَّ القرآنَ الكريمَ نزلَ في هذهِ الليلةِ المباركة: ﴿إِنَّا أَنـزلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ﴾، فما أعظمَ شرفَها أَنِ اختُصَّتْ بنزولِ القرآنِ فيها!فيا عبادَ الله، ألا يقتضي هذا الاختصاصُ مِنَّا عنايةً أكبرَ بالقرآنِ قراءةً وتدبرًا، ولاسيما في صلاةِ الليل؟ وقد نبَّهَ اللهُ في تتمةِ الآيةِ إلى غايةِ من غايات ِنزولِ القرآنِ وهيَ النِّذارة: ﴿إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ﴾، فهذا يستدعي بذلَ الجهدِ بالتفكيرِ والتأملِ فيما قاله جلَّ ذكرُه وأنذرَ به في كتابه العزيز.والأمرُ الثاني مما يبين قيمةَ هذه الليلة: أن أقدارَ السنةِ تُقضى فيها ﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾، فتصوَّرْ يا عبدَ الله لو دَعَوتَ ربَّكَ في هذهِ الليلةِ بما ترجو من خيرِ الدنيا والآخرةِ، ثم َفَصَلَ اللهُ لَكَ ذَلك وأَحْكَمَهُ فهو مُتَحَقِّقٌ لا محالة، ما أسعدَكَ وأَهنأَكَ حينَها، قال رجل للحسن البصري: يا أبا سعيد، ليلةُ القدرِ في كلّ رمضان؟ قال: إيّ والله، إنها لفي كلِّ رمضان، وإنها الليلةُ التي يُفرق فيها كل أمر حكيم، فيها يقضي اللهُ كلَّ أجلٍ وأملٍ ورزقٍ إلى مثلها.هاهي الفرصةُ مشرَّعةٌ أمامَك يا عبدَ الله، فاجمع حاجاتِكَ وتفكّرْ في ضرورياتِكَ، واجلب معها جوامع الدعاء من مأثور الكتاب والسنة، ثم استدعِ مع تلك المعاريضِ قلبًا متضرِّعًا وبالًا خائفًا ولسانًا خافتًا، وأبشر بتحقق الأماني ونيل الجوائز.أما ثالث الأمور: فهو أن هذه الليلةَ ليلةٌ مباركةٌ كثيرةُ الخير، مِنْ بركتها أن العمل فيها خيرٌ من عملِ ألف شهر: ﴿لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْر﴾ فما أعظمَ ما قدَّره الله من الأجور في هذه الليلة، وإنك لن تدركَ هذا المقدارَ إلا حينَ ترى في صحيفتِكَ ذلك الصعودَ العجيبَ لأعمالِكَ الصالحةِ من صلاةٍ وتلاوةٍ وصدقةٍ وصِلَةٍ وغيرِها مما أديتهُ في هذه الليلة، إنها والله لغبطةٌ عظيمةٌ لا ينالها إلا ذو حظٍّ عظيم.بسم الله الرحمن الرحيم: ﴿إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ فِي لَيۡلَةِ ٱلۡقَدۡرِ  (1)   وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا لَيۡلَةُ ٱلۡقَدۡرِ  (2)   لَيۡلَةُ ٱلۡقَدۡرِ خَيۡرٞ مِّنۡ أَلۡفِ شَهۡرٖ  (3)   تَنَزَّلُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ وَٱلرُّوحُ فِيهَا بِإِذۡنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمۡرٖ  (4)   سَلَٰمٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطۡلَعِ ٱلۡفَجۡرِ  (5) ﴾.اللهم وفقنا لقيام ليلةِ القدر، واكتبْ لنا فيها أوفرَ الحظِّ من العبادة، وتقبَّلها منا يا الله.أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
 الخطبة الثانية:الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، أما بعد:عبادَ الله، إن من شعائرِ اللهِ التي افترضها على عبادِهِ أداءَ زكاةِ الفطر، فعن ابن عمرَ رضي الله عنهما قال: "فرضَ رسولُ الله ﷺ زكاةَ الفطر صاعًا من تمرٍ أو صاعًا من شعيرٍ، على العبدِ والحرّ ِوالذكرِ والأنثى والصَّغيرِ والكبير من المسلمين، وأمرَ بها أن تُؤدَّى قبلَ خروجِ الناسِ إلى الصلاة". متَّفقٌ عليه.فهذا الحديث يتضمن عدةَ أحكام:الأول: فريضةُ زكاةِ الفطرِ على الصغير والكبير والذكر والأنثى والحر والعبد من المسلمين.الثاني: نوعُ هذه الزكاةِ يكونُ طعامًا، والواجبُ أن يكونَ الطعامُ مما يقتاته الناسُ من غالبِ قوتِ أهلِ البلد، وأشهرُ ما يَقتاته أهلُ البلدِ اليومَ هو الأرز.الثالث: مقدارُ زكاةِ الفطر: صاعٌ بِصَاعِ النبي ﷺ، ويعادلُ كيلوين وربعًا من الأرز تقريبًا، والأحوطُ أن يخرجَها ثلاثةَ كيلوجرامات، فما زاد فهو صدقة.الرابع: وقتُ وجوبها: تجبُ زكاةُ الفطرِ بغروبِ الشمسِ ليلةَ العيد، ويجوزُ إخراجُها قبلَ العيدِ بيومٍ أو يومين، فيكونُ أولُ وقتٍ لإخراج زكاةِ الفطرِ هو غروبُ شمسِ اليومِ الثامنِ والعشرينَ من رمضان، أي مغربَ يومِ الأحدِ بعدَ غد.ويمتدُّ وقتُ زكاةِ الفِطرِ إلى صلاةِ العيد.والمستحقون لها هم الفقراءُ والمساكين، ويجوزُ إعطاؤها لمن يقبلُها ممن لم يظهرْ عليه غِنى، ويجوزُ دفعُ عددٍ من الفِطَرِ لمسكينٍ واحد، ويجوزُ إعطاءُ الفِطْرَةِ الواحدةِ لأكثرَ من مسكين.وإن من تعظيمِ هذهِ الشعيرةِ إظهارَها، فاحرصوا على تطبيقِ السنةِ في إخراجِهِا.اللهم اختم لنا شهرَ رمضانَ بغفرانِك والعتقِ من نيرانك، واجعلنَا ممن تحققتْ له التقوى بالصيام، واغفر لنا ذنوبنا وإسرافَنَا في أمرنا.اللهم اجعلنا ممن وفّقته وأعنته على قيام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا.اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنَّا.اللهم آتِ نفوسنا تقوها وزكِّها أنت خير من زكاها، أنت وليُّها ومولاها.سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
المرفقات

1712264819_هل أغلقت أبواب الرحمة؟ ومسائل في زكاة الفطر.pdf

المشاهدات 937 | التعليقات 0