ما علامة حب الوطن !!
إبراهيم بن سلطان العريفان
1437/12/22 - 2016/09/23 07:29AM
الحمد لله الذي أنعَم علينا بنعمة الإسلام، وحبانا من فضله وجوده بجليل الإحسان وجزيل الإنعام، وجبَلنا على المحبة الصادقة للأوطان، وأُصلي وأُسلِّم على سيد الأنام ورسول السلام، سيدنا محمد الصادق الأمين، والمبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه الغُر الميامين، صلاةً وسلاماً دائمين إلى يوم الدين.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ )
إخوة الإيمان والدين ... ( ما أطيبَك من بلدٍ! وما أحبَّك إليَّ! ولولا أن قومي أخرجوني منك، ما سكنتُ غيرَك ).
ما أروعَكِ من كلمات!
كلمات قالها الحبيب صلى الله عليه وسلم وهو يودِّع وطنه، قالها بلهجة حزينة مليئة أسفًا وحنينًا وحسرةً وشوقًا مخاطبًا إياه، إنها تكشف عن حبٍّ عميق، وتعلُّق كبير بالوطن، بمكة المكرمة، بحلِّها وحَرَمها، بجبالها ووديانها، برملها وصخورها، بمائها وهوائها، هواؤها عليل ولو كان محمَّلًا بالغبار، وماؤها زلال ولو خالطه الأكدار، وتربتُها دواء ولو كانت قفارًا.
عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في الرقية ( باسم الله، تُرْبَةُ أَرْضِنا، ورِيقَةُ بَعْضِنا، يَشْفَى سقيمُنا بإذن ربنا )
إنها الأرض التي ولد فيها، ونشأ فيها، وشبَّ فيها، وتزوَّج فيها، فيها ذكرياتٌ لا تُنسى، فالوطن ذاكرة الإنسان، فيها الأحباب والأصحاب، فيها الآباء والأجداد. ولقد كانت العرب إذا غزَتْ، أو سافرتْ، حملتْ معها من تربة بلدها رملًا وعفرًا تستنشقه.
والبشر يألَفُون أرضَهم على ما بها، ولو كانت قفرًا مستوحَشًا، وحبُّ الوطن غريزةٌ متأصِّلة في النفوس، تجعل الإنسانَ يستريح إلى البقاء فيه، ويحنُّ إليه إذا غاب عنه، ويدافع عنه إذا هُوجِم، ويَغضب له إذا انتقص.
إنه صلى الله عليه وسلم يحب وطنه، وهذا من طبيعة الإنسان، فقد فَطَرَه الله على حبِّ الأرض والديار.
إنه صلى الله عليه وسلم يحب مكةَ، ويكره الخروجَ منها، والرسول صلى الله عليه وسلم ما خرج من بلده مكة المكرمة، إلا بعد أن لاقى من المشركين أصنافَ العذاب والأذى، فصَبَر؛ لعله يلقى من قومه رقةً واستجابة، وأقام ورحل، وذهب وعاد، يريد من بلده أن يَحتضن دعوتَه، ولكن يريد الله - لحكمة عظيمة - أن يَخرُج، فما كان منه إلا أنْ خرج استجابةً لأمر الله، فدِينُ الله أغلى وأعلى.
ولكن عندما حانتْ ساعةُ الرَّحيل، فاض القلبُ بكلمات الوداع، وسَكبتِ العينُ دموعَ الحبِّ، وعبَّر اللسانُ عن الحزن.
أُخرج من وطنه، أَخرجه قومُه ( إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ) وعندما هاجر إلى المدينة، كان يدعو اللهَ أن يرزقه حبَّها، فمكة وطنه، وحبُّها يملك قلبَه، وهواها فطرة فُطر عليها، كما هو الحال عند الناس؛ لذلك لا يمكن أن يكرهها، وإن أصابه فيها ما أصابه.
بِلاَدِي وَإِنْ جَارَتْ عَلَيَّ عَزِيزَةٌ ♦♦♦ وَأَهْلِي وَإِنْ ضَنُّوا عَلَيَّ كِرَامُ
أما المدينة، فهي بلد جديد استوطنه صلى الله عليه وسلم ، وشاء الله أن تكون عاصمةَ دولةِ الإسلام الناشئة؛ لذلك كان يدعو الله أن يحبِّبَها إليه فيقول ( اللهم حبِّبْ إلينا المدينةَ كحُبِّنا مكةَ أو أشدَّ ) إنه يدعو الله أن يحبِّب إليه المدينةَ أكثرَ من حبِّه لمكة؛ فحبُّ مكة فطرةٌ؛ لأنها وطنه، أما حبُّ المدينة فمنحةٌ وهِبة، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم ربَّه أن يحبِّبها إليه حبًّا يفوق حبَّه لمكة؛ لما لها من الفضل في احتضان الدعوة، ونشر الرسالة.
وقد استجاب الله دعاءه، فكان يحبُّ المدينة حبًّا عظيمًا، وكان يُسرُّ عندما يرى معالِمَها التي تدلُّ على قرب وصوله إليها، فكان رسول الله إذا قدم من سفرٍ، فأبصر درجات المدينة، أوضع ناقتَه - أي: أسرع بها - وإن كانت دابة حرَّكَها من حبِّها.
ولقد أحبَّ الصحابةُ ديارَهم، ولكنهم آثروا دين الله عز وجل فقد أُخرجوا رضي الله عنهم من مكة، فهاجَرَ مَن هاجر منهم إلى الحبشة، وهاجروا إلى المدينة، خرجوا حمايةً لدينهم، ورغبةً في نشر دين الإسلام.
وما أقساه من خروج وما أشدَّه! لذلك وصف الله الصحابةَ الذين أُخرجوا من ديارهم بالمهاجرين، وجعل هذا الوصفَ مدحًا لهم على مدى الأيام، يُعلي قدرَهم، ويبيِّن فضلَهم ( لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ).
ولما كان الخروج من الوطن يبعث على كل هذا الحزن، ويُسبِّب كلَّ هذا الألم، قرن الله - عز وجل - حبَّ الأرض في القرآن الكريم بحبِّ النفس ( وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ ).
بل قرنه في موضعٍ آخرَ بالدِّين، والدين أغلى من النفس، ومقدَّمٌ عليها لمن يفقه ( لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ).
أيها المؤمنون ... الحبُّ للوطن لا يقتصر على المشاعر والأحاسيس؛ بل يتجلَّى في الأقوال والأفعال، وأجمل ما يتجلى به حبُّ الوطن الدعاء.
الدعاءُ تعبيرٌ صادق عن مكنون الفؤاد، ولا يخالطه كذبٌ، أو مبالغة، أو نفاق؛ لأنه علاقة مباشرة مع الله، لقد دعا الرسول صلى الله عليه وسلم للمدينة ( اللهم اجعل بالمدينة ضِعْفَي ما جعلتَ بمكة من البركة ) وقال أيضًا ( اللهم باركْ لنا في تمرنا، وبارك لنا في مدينتنا، وبارك لنا في صاعِنا، وبارك لنا في مُدِّنا، اللهم إن إبراهيمَ عبدُك وخليلُك ونبيُّك، وإني عبدُك ونبيُّك، وإنه دعاك لمكة، وأنا أدعوك للمدينة بمثل ما دعا لمكة، ومثله معه ) وقد حكى الله سبحانه وتعالى عن نبيِّه إبراهيمَ عليه الصلاة والسلام أنه دعا لمكة المكرمة بهذا الدعاء ( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ) لقد دعا لمكة بالأمن والرِّزق، وهما أهم عوامل البقاء، وإذا فُقِد أحدُهما أو كلاهما فُقِدت مقوماتُ السعادة، فتُهجَر الأوطانُ، وتَعُود الديارُ خاليةً من مظاهر الحياة.
وقد دعا الإسلامُ إلى فِعل كلِّ ما يُقوِّي الروابطَ والصلات بين أبناء الوطن الواحد، ثم بين أبناء الأُمَّة، ثم بين بني الإنسان.
فنسأل الله أن يحفظ الأمن والأمان في بلادنا وبلاد المسلمين.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
معاشر المؤمنين ... الوطن.. كلمة عذبة جميلة.. لا يعرف قدرها إلا من فقدها. ما أعذب هذه الكلمة في أفواه المغتربين، وما ألذ وقرها في أسماع المحرومين والمضطهدين
حب الوطن في الإسلام: هو محبة الفرد لوطنه وبلده، وتقوية الرابطة بين أبناء الوطن الواحد، وقيامه بحقوق وطنه المشروعة في الإسلام، ووفاؤه بها.
حب الوطن في الإسلام: لا يعني: العصبيةَ، التي يُراد بها تقسيمُ الأمة إلى طوائفَ متناحرةٍ، متباغضة، متنافرة، يَكِيد بعضها لبعض، قال رسول الله صلى الها عليه وسلم ( من قُتِلَ تحتَ رايةٍ عِمِّيَّةٍ يقاتلُ عصبةً ويغضبُ لعصبةٍ فقِتلةٌ جاهليَّةٌ ).
وحب الوطن في الإسلام: لا يعني: الانفصال عن جسد الأمة الإسلامية، أو نسيان مبدأ الإنسانية، فلا ننصر مظلومًا، ولا نغيث ملهوفًا، ولا نعين مكروبًا .. والنبي صلى الله عليه وسلم يقول ( مَثَلُ المؤمنين في تراحمهم وتوادِّهم وتعاطفهم مثلُ الجسد الواحد؛ إذا اشتكى منه عضوٌ تَداعَى له سائر الجسد بالسهر والحمى ) إن حدود الوطن التي تلزم التضحية في سبيل حريته وخيره، لا تقتصر على حدود قطعة الأرض التي يولد عليها المرء؛ بل إن الوطن يشمل القطر الخاص أولاً، ثم يمتد إلى الأقطار الإسلامية الأخرى.
فَأَيْنَمَا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ فِي بَلَدٍ ♦♦♦ عَدَدْتُ ذَاكَ الحِمَى مِنْ صُلْبِ أَوْطَانِي
عباد الله ... حب الوطن: يكون بحفظه من الضياع, وضياعُ الأوطان يكون بتضييع أمر الله, فما أهون الخلق على الله إذا عصوا أمره.
وحفظ الأوطان في الحقيقة يكون بالأمرِ بالمعروف والتناهي عن المنكر, والأطْرِ على الحق، وإقامةِ الحدود, والتناصحِ بين الخاصة والعامة.
هذه البلاد – ولله الحمد - وطن الرسالة، وطن الهداية، وطن نبع من أرضه النور الذي أنار للبشرية طريقها، ورسم لها دروب الخير الصلاح.
وجوهر الوطنية: عقيدة صحيحة، وبيعة في العنق، وأداء للحق، وولاء وطاعة لولي الأمر، وعدمُ خروجٍ على الجماعة.
بهذا تحفظ الأوطان وبهذا تجتمع الكلمة, والدين النصيحة.. لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم من العلماء والأمراء. وبهذا تحفظ النعم، وبهذا يتم من الله الزيادة كما وعد, والله لا يخلف الميعاد.
إن المسلم يحب وطنه، ويعمل كل خير لبلده، ويتفانى في خدمته، ويضحي للدفاع عنه.
إن المسلم يعمل للأمة، ويحزن لحزنها، ويفرح لفرحها، ويدافع عنها، ويسعى لوحدتها.
إن المسلم يقدِّم الأقرب فالأقرب، ولا ينسى من هو بعيد.
وكل مسلم على ثغر، فلْيحذر أن يُؤتى وطنُه، أو تؤتى أُمتُه مِن قِبَله.
بِلاَدِي هَوَاهَا فِي لِسَانِي وَفِي دَمِي ♦♦♦ يُمَجِّدُهَا قَلْبِي وَيَدْعُو لَهَا فَمِي
إنَّ حبَّ الوطن ليس يوماً في السنة فقط!! أو صورةً أو علماً..بل حب الوطن في كل يوم وفي كل حين.
لن أصدق ثريا يحتفل بيوم للوطن وهو لم يقدم مشروعاً يسهم برفعتنا الدينية والثقافية والصناعية أو يشارك في مشروع كذلك
لن أصدق مسؤولاً يحتفل بيومٍ للوطن ودائرته تتأخر في عصر التقدم وتسير على خلاف النظام وهي مسؤولة عن النظام
لن أصدق إعلاماً يحتفل بالوطن وهو يصبِّح المواطنين بما يسوؤهم ويُسَوِّقُ من الأفكار ما يزعجهم ويفرق جماعتهم
لن أصدق من يحتفل بيوم الوطن وهو يسرقه أو يحتفل بيوم الوطن وهو يخونه أو يحتفل بيوم الوطن وهو يكذب عليه
تاريخ وطني هو أساس حاضره ومن أراد فصل تاريخه عن حاضره فقد سعى لفصل رأسه عن جسده
نسأل الله أن يصلح الراعي والرعية، وأن يهدي شبابنا ويسلك بهم سبيل الرشاد.. وأن يجعلهم مواطنين صالحين.. مصلحين في أسرهم ومجتمعهم، إنه جواد كريم .اللهم احفظ بلاد المسلمين آمنة مطمئنة، والحمد لله رب العالمين
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ )
إخوة الإيمان والدين ... ( ما أطيبَك من بلدٍ! وما أحبَّك إليَّ! ولولا أن قومي أخرجوني منك، ما سكنتُ غيرَك ).
ما أروعَكِ من كلمات!
كلمات قالها الحبيب صلى الله عليه وسلم وهو يودِّع وطنه، قالها بلهجة حزينة مليئة أسفًا وحنينًا وحسرةً وشوقًا مخاطبًا إياه، إنها تكشف عن حبٍّ عميق، وتعلُّق كبير بالوطن، بمكة المكرمة، بحلِّها وحَرَمها، بجبالها ووديانها، برملها وصخورها، بمائها وهوائها، هواؤها عليل ولو كان محمَّلًا بالغبار، وماؤها زلال ولو خالطه الأكدار، وتربتُها دواء ولو كانت قفارًا.
عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في الرقية ( باسم الله، تُرْبَةُ أَرْضِنا، ورِيقَةُ بَعْضِنا، يَشْفَى سقيمُنا بإذن ربنا )
إنها الأرض التي ولد فيها، ونشأ فيها، وشبَّ فيها، وتزوَّج فيها، فيها ذكرياتٌ لا تُنسى، فالوطن ذاكرة الإنسان، فيها الأحباب والأصحاب، فيها الآباء والأجداد. ولقد كانت العرب إذا غزَتْ، أو سافرتْ، حملتْ معها من تربة بلدها رملًا وعفرًا تستنشقه.
والبشر يألَفُون أرضَهم على ما بها، ولو كانت قفرًا مستوحَشًا، وحبُّ الوطن غريزةٌ متأصِّلة في النفوس، تجعل الإنسانَ يستريح إلى البقاء فيه، ويحنُّ إليه إذا غاب عنه، ويدافع عنه إذا هُوجِم، ويَغضب له إذا انتقص.
إنه صلى الله عليه وسلم يحب وطنه، وهذا من طبيعة الإنسان، فقد فَطَرَه الله على حبِّ الأرض والديار.
إنه صلى الله عليه وسلم يحب مكةَ، ويكره الخروجَ منها، والرسول صلى الله عليه وسلم ما خرج من بلده مكة المكرمة، إلا بعد أن لاقى من المشركين أصنافَ العذاب والأذى، فصَبَر؛ لعله يلقى من قومه رقةً واستجابة، وأقام ورحل، وذهب وعاد، يريد من بلده أن يَحتضن دعوتَه، ولكن يريد الله - لحكمة عظيمة - أن يَخرُج، فما كان منه إلا أنْ خرج استجابةً لأمر الله، فدِينُ الله أغلى وأعلى.
ولكن عندما حانتْ ساعةُ الرَّحيل، فاض القلبُ بكلمات الوداع، وسَكبتِ العينُ دموعَ الحبِّ، وعبَّر اللسانُ عن الحزن.
أُخرج من وطنه، أَخرجه قومُه ( إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ) وعندما هاجر إلى المدينة، كان يدعو اللهَ أن يرزقه حبَّها، فمكة وطنه، وحبُّها يملك قلبَه، وهواها فطرة فُطر عليها، كما هو الحال عند الناس؛ لذلك لا يمكن أن يكرهها، وإن أصابه فيها ما أصابه.
بِلاَدِي وَإِنْ جَارَتْ عَلَيَّ عَزِيزَةٌ ♦♦♦ وَأَهْلِي وَإِنْ ضَنُّوا عَلَيَّ كِرَامُ
أما المدينة، فهي بلد جديد استوطنه صلى الله عليه وسلم ، وشاء الله أن تكون عاصمةَ دولةِ الإسلام الناشئة؛ لذلك كان يدعو الله أن يحبِّبَها إليه فيقول ( اللهم حبِّبْ إلينا المدينةَ كحُبِّنا مكةَ أو أشدَّ ) إنه يدعو الله أن يحبِّب إليه المدينةَ أكثرَ من حبِّه لمكة؛ فحبُّ مكة فطرةٌ؛ لأنها وطنه، أما حبُّ المدينة فمنحةٌ وهِبة، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم ربَّه أن يحبِّبها إليه حبًّا يفوق حبَّه لمكة؛ لما لها من الفضل في احتضان الدعوة، ونشر الرسالة.
وقد استجاب الله دعاءه، فكان يحبُّ المدينة حبًّا عظيمًا، وكان يُسرُّ عندما يرى معالِمَها التي تدلُّ على قرب وصوله إليها، فكان رسول الله إذا قدم من سفرٍ، فأبصر درجات المدينة، أوضع ناقتَه - أي: أسرع بها - وإن كانت دابة حرَّكَها من حبِّها.
ولقد أحبَّ الصحابةُ ديارَهم، ولكنهم آثروا دين الله عز وجل فقد أُخرجوا رضي الله عنهم من مكة، فهاجَرَ مَن هاجر منهم إلى الحبشة، وهاجروا إلى المدينة، خرجوا حمايةً لدينهم، ورغبةً في نشر دين الإسلام.
وما أقساه من خروج وما أشدَّه! لذلك وصف الله الصحابةَ الذين أُخرجوا من ديارهم بالمهاجرين، وجعل هذا الوصفَ مدحًا لهم على مدى الأيام، يُعلي قدرَهم، ويبيِّن فضلَهم ( لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ).
ولما كان الخروج من الوطن يبعث على كل هذا الحزن، ويُسبِّب كلَّ هذا الألم، قرن الله - عز وجل - حبَّ الأرض في القرآن الكريم بحبِّ النفس ( وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ ).
بل قرنه في موضعٍ آخرَ بالدِّين، والدين أغلى من النفس، ومقدَّمٌ عليها لمن يفقه ( لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ).
أيها المؤمنون ... الحبُّ للوطن لا يقتصر على المشاعر والأحاسيس؛ بل يتجلَّى في الأقوال والأفعال، وأجمل ما يتجلى به حبُّ الوطن الدعاء.
الدعاءُ تعبيرٌ صادق عن مكنون الفؤاد، ولا يخالطه كذبٌ، أو مبالغة، أو نفاق؛ لأنه علاقة مباشرة مع الله، لقد دعا الرسول صلى الله عليه وسلم للمدينة ( اللهم اجعل بالمدينة ضِعْفَي ما جعلتَ بمكة من البركة ) وقال أيضًا ( اللهم باركْ لنا في تمرنا، وبارك لنا في مدينتنا، وبارك لنا في صاعِنا، وبارك لنا في مُدِّنا، اللهم إن إبراهيمَ عبدُك وخليلُك ونبيُّك، وإني عبدُك ونبيُّك، وإنه دعاك لمكة، وأنا أدعوك للمدينة بمثل ما دعا لمكة، ومثله معه ) وقد حكى الله سبحانه وتعالى عن نبيِّه إبراهيمَ عليه الصلاة والسلام أنه دعا لمكة المكرمة بهذا الدعاء ( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ) لقد دعا لمكة بالأمن والرِّزق، وهما أهم عوامل البقاء، وإذا فُقِد أحدُهما أو كلاهما فُقِدت مقوماتُ السعادة، فتُهجَر الأوطانُ، وتَعُود الديارُ خاليةً من مظاهر الحياة.
وقد دعا الإسلامُ إلى فِعل كلِّ ما يُقوِّي الروابطَ والصلات بين أبناء الوطن الواحد، ثم بين أبناء الأُمَّة، ثم بين بني الإنسان.
فنسأل الله أن يحفظ الأمن والأمان في بلادنا وبلاد المسلمين.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
معاشر المؤمنين ... الوطن.. كلمة عذبة جميلة.. لا يعرف قدرها إلا من فقدها. ما أعذب هذه الكلمة في أفواه المغتربين، وما ألذ وقرها في أسماع المحرومين والمضطهدين
حب الوطن في الإسلام: هو محبة الفرد لوطنه وبلده، وتقوية الرابطة بين أبناء الوطن الواحد، وقيامه بحقوق وطنه المشروعة في الإسلام، ووفاؤه بها.
حب الوطن في الإسلام: لا يعني: العصبيةَ، التي يُراد بها تقسيمُ الأمة إلى طوائفَ متناحرةٍ، متباغضة، متنافرة، يَكِيد بعضها لبعض، قال رسول الله صلى الها عليه وسلم ( من قُتِلَ تحتَ رايةٍ عِمِّيَّةٍ يقاتلُ عصبةً ويغضبُ لعصبةٍ فقِتلةٌ جاهليَّةٌ ).
وحب الوطن في الإسلام: لا يعني: الانفصال عن جسد الأمة الإسلامية، أو نسيان مبدأ الإنسانية، فلا ننصر مظلومًا، ولا نغيث ملهوفًا، ولا نعين مكروبًا .. والنبي صلى الله عليه وسلم يقول ( مَثَلُ المؤمنين في تراحمهم وتوادِّهم وتعاطفهم مثلُ الجسد الواحد؛ إذا اشتكى منه عضوٌ تَداعَى له سائر الجسد بالسهر والحمى ) إن حدود الوطن التي تلزم التضحية في سبيل حريته وخيره، لا تقتصر على حدود قطعة الأرض التي يولد عليها المرء؛ بل إن الوطن يشمل القطر الخاص أولاً، ثم يمتد إلى الأقطار الإسلامية الأخرى.
فَأَيْنَمَا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ فِي بَلَدٍ ♦♦♦ عَدَدْتُ ذَاكَ الحِمَى مِنْ صُلْبِ أَوْطَانِي
عباد الله ... حب الوطن: يكون بحفظه من الضياع, وضياعُ الأوطان يكون بتضييع أمر الله, فما أهون الخلق على الله إذا عصوا أمره.
وحفظ الأوطان في الحقيقة يكون بالأمرِ بالمعروف والتناهي عن المنكر, والأطْرِ على الحق، وإقامةِ الحدود, والتناصحِ بين الخاصة والعامة.
هذه البلاد – ولله الحمد - وطن الرسالة، وطن الهداية، وطن نبع من أرضه النور الذي أنار للبشرية طريقها، ورسم لها دروب الخير الصلاح.
وجوهر الوطنية: عقيدة صحيحة، وبيعة في العنق، وأداء للحق، وولاء وطاعة لولي الأمر، وعدمُ خروجٍ على الجماعة.
بهذا تحفظ الأوطان وبهذا تجتمع الكلمة, والدين النصيحة.. لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم من العلماء والأمراء. وبهذا تحفظ النعم، وبهذا يتم من الله الزيادة كما وعد, والله لا يخلف الميعاد.
إن المسلم يحب وطنه، ويعمل كل خير لبلده، ويتفانى في خدمته، ويضحي للدفاع عنه.
إن المسلم يعمل للأمة، ويحزن لحزنها، ويفرح لفرحها، ويدافع عنها، ويسعى لوحدتها.
إن المسلم يقدِّم الأقرب فالأقرب، ولا ينسى من هو بعيد.
وكل مسلم على ثغر، فلْيحذر أن يُؤتى وطنُه، أو تؤتى أُمتُه مِن قِبَله.
بِلاَدِي هَوَاهَا فِي لِسَانِي وَفِي دَمِي ♦♦♦ يُمَجِّدُهَا قَلْبِي وَيَدْعُو لَهَا فَمِي
إنَّ حبَّ الوطن ليس يوماً في السنة فقط!! أو صورةً أو علماً..بل حب الوطن في كل يوم وفي كل حين.
لن أصدق ثريا يحتفل بيوم للوطن وهو لم يقدم مشروعاً يسهم برفعتنا الدينية والثقافية والصناعية أو يشارك في مشروع كذلك
لن أصدق مسؤولاً يحتفل بيومٍ للوطن ودائرته تتأخر في عصر التقدم وتسير على خلاف النظام وهي مسؤولة عن النظام
لن أصدق إعلاماً يحتفل بالوطن وهو يصبِّح المواطنين بما يسوؤهم ويُسَوِّقُ من الأفكار ما يزعجهم ويفرق جماعتهم
لن أصدق من يحتفل بيوم الوطن وهو يسرقه أو يحتفل بيوم الوطن وهو يخونه أو يحتفل بيوم الوطن وهو يكذب عليه
تاريخ وطني هو أساس حاضره ومن أراد فصل تاريخه عن حاضره فقد سعى لفصل رأسه عن جسده
نسأل الله أن يصلح الراعي والرعية، وأن يهدي شبابنا ويسلك بهم سبيل الرشاد.. وأن يجعلهم مواطنين صالحين.. مصلحين في أسرهم ومجتمعهم، إنه جواد كريم .اللهم احفظ بلاد المسلمين آمنة مطمئنة، والحمد لله رب العالمين