ما الذي يمنعك في رمضان ؟!

يوسف العوض
1446/09/12 - 2025/03/12 13:53PM

الخطبة الأولى

عِبَادَ اللهِ : يقولُ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ﴾ وَيقولُ تَعَالَى: ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ ﴾ وَيقولُ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ ﴾ وَيقولُ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ﴾ وَيقولُ تَعَالَى: ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾ ، و يقولُ الخَلِيفةُ الرَّاشدُ عُمرُ بنُ الخطابِ رَضِي اللهُ عنهُ فِي حديثِ جبريلِ الطّويلِ :" بَيْنما نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْد رسولِ اللَّه ﷺ، ذَات يَوْمٍ إِذْ طَلع عَلَيْنَا رجُلٌ شَديدُ بياضِ الثِّيابِ، شديدُ سوادِ الشَّعْر، لا يُرَى عليْهِ أَثَر السَّفَرِ، وَلا يَعْرِفُهُ منَّا أَحدٌ، حتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَأَسْنَدَ رَكْبَتَيْهِ إِلَى رُكبَتيْهِ، وَوَضع كفَّيْه عَلَى فخِذيهِ ، إلى أَنْ قَالَ حينَ سألهُ جبريلُ قَالَ :-" فأَخْبِرْنِي عَنِ الإِحْسانِ ، قَالَ: أَنْ تَعْبُدَ اللَّه كَأَنَّكَ تَراهُ ، فإِنْ لَمْ تَكُنْ تَراهُ فإِنَّهُ يَراكَ " .

عِبَادَ اللهِ: المُرَاقِبُونَ للهِ عَزَّ وَجَلَّ هُمْ خِيَارُ خَلْقِ اللهِ عِنْدَ اللهِ تعالى، وَهُمُ الصَّفْوَةُ المُخْتَارَةُ مِنَ النَّاسِ، وَهُمْ أَرْبَابُ البَصَائِرِ الذينَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ تعالى بِالمِرْصَادِ لِأَهْلِ المَعَاصِي ، المُرَاقِبُونَ للهِ تعالى هُمُ الذينَ دَخَلُوا مَقَامَ الإِحْسَانِ، مِنْ خِلَالِ قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ ، المُرَاقِبُونَ للهِ تعالى هُمُ المَحْبُوبُونَ عِنْدَ اللهِ تعالى، قَالَ تعالى: ﴿وَاللهُ يُحِبُّ الْـمُحْسِنِينَ﴾ .

عِبَادَ اللهِ: مَنْ دَخَلَ مَقَامَ المُرَاقَبَةِ صَعُبَتْ عَلَيْهِ المَعْصِيَةُ، وإلا هَانَتْ عَلَيْهِ المَعْصِيَةُ؛ هَذِهِ امْرَأَةُ العَزِيزِ غَفَلَتْ عَنِ اللهِ تعالى، وَغَابَتْ مُرَاقَبَتُهَا للهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَمَاذَا كَانَتِ النَّتِيجَةُ؟ كَانَتِ النَّتِيجَةُ خِيَانَةً عَظِيمَةً ﴿وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ﴾.

وَلَكِنْ مَنْ دَخَلَ المُرَاقَبَةَ هَلْ يَجْتَرِئُ على الكَبِيرَةِ؟ مَعَاذَ اللهِ تعالى؛ لِذَلِكَ كَانَ جَوَابُ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: ﴿مَعَاذَ اللهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾.

عِبَادَ اللهِ: إِنَّ مُرَاقَبَةَ البَشَرِ للبَشَرِ قَاصِرَةٌ، أَمَّا مُرَاقَبَةُ اللهِ تعالى فَهِيَ مُرَاقَبَةٌ كَامِلَةٌ وَمُطْلَقَةٌ، فَلْنُسْقِطْ مُرَاقَبَةَ المَخْلُوقِينَ وَجَمِيعِ الكَائِنَاتِ مِنْ حِسَابِنَا، وَلْنَجْعَلْ مُرَاقَبَةَ اللهِ تعالى هِيَ الأَسَاسُ، لِأَنَّ الحِسَابَ على اللهِ تعالى.

تَذَكَّرُوا يَا مُسْلِمون بِأَنَّ اللهَ تعالى لَا تَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ، يَعْلَمُ السِّرَّ وَالعَلَانِيَةَ ﴿مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾.

الخطبة الثانية

عِبَادَ اللهِ: وَلَعَلَّ الصِّيَامَ مِنْ أَعْظَمِ الْعِبَادَاتِ الَّتِي تَتَجَلَّى بِهَا عُبُودِيَّةُ الْمُرَاقِبَةِ ، وَلِهَذَا خَصِّ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ الصِّيَامَ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْأَعْمَالِ بِأَنَّهُ لَهُ، وَهُوَ يَجْزِي بِهِ ، قالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ : قالَ اللَّهُ : " كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ له، إلَّا الصِّيَامَ؛ فإنَّه لي، وأَنَا أجْزِي به ..."  ذَلِكُمْ أَنَّ الصَّائِمَ يُمسِكُ عَنِ الْمُفْطِّرَاتِ طِيلَةَ النَّهَارِ، فَتَرَاهُ أَمِيناً عَلَى نَفْسِهِ، مُتَمَثِّلاً هَيْبَةَ مَوْلَاِهِ وَاِطِّلَاعِهِ، فَلَا تُحَدِثُّهُ نَفْسُهُ بِتَنَاوُلِ مُفْطِرٍ وَلَوْ قَلَّ، وَلَا يَخْطُرُ بِبَالِهِ أَنْ يَنْقُضَ صِيَامَهُ وَلَوْ تَوَارَى عَنِ الْأَعْيُنِ ؛ فَيَصِلُ بِذَلِكَ إِلَى مَرْتَبَةِ الْإحْسَانِ ، فَإِذَا اِسْتَشْعَرَ الصَّائِمُ هَذَا الْمَعَنى الْعَظِيمَ اِنْبَعَثَ إِلَى مُرَاقِبَةِ اللهِ تَعَالَى فِي شَتَّى شُؤُونِهِ ؛ فَالَّذِي يَطَّلِعُ عَلَيْهِ فِي صِيَامِهِ مُطَّلَعٌ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ وَسَائِرِ أَيَّامِهِ

المرفقات

1741856164_مراقبة.docx

المشاهدات 838 | التعليقات 0