مَا أَهْوَنَ الخَلْقَ !
يوسف العوض
الخطبة الأولى
عِبَادَ اللهِ: مَا أَهْوَنَ الخَلْقَ عَلَى اللهِ تعالى إِنْ هُمْ أَضَاعُوا أَمْرَهُ، وَجَاهَرُوا بِمَعْصِيَتِهِ، لِأَنَّ الجَزَاءَ مِنْ جِنْسِ العَمَلِ، هَانَ عَلَى الخَلْقِ شَرْعُ اللهِ تعالى فَهَانُوا عَلَى اللهِ تعالى، وَهَلْ عُذِّبَتْ أُمَّةٌ مِنَ الأُمَمِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا إِلَّا بِسَبَبِ ذُنُوبِهَا؟
قَالَ تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾.
عِبَادَ اللهِ: المَعَاصِي وَالذُّنُوبُ لَهَا أَثَرٌ بَالِغٌ عَلَى الأَبْدَانِ وَالقُلُوبِ، وَشُؤْمٌ وَاضِحٌ في حَيَاةِ الأُمَّةِ، تَسَاءَلُوا يَا عِبَادَ اللهِ مَعَ أَنْفُسِكُمْ:
مَا الذي أَخْرَجَ أَبَانَا آدَمَ مِنَ الجَنَّةِ؟ إِلَّا المَعْصِيَةُ؛ وَالحَمْدُ للهِ تَابَ إلى اللهِ مِنْهَا.
مَا الذي أَخْرَجَ إِبْلِيسَ مِنْ مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ، وَطَرَدَهُ اللهُ تعالى وَلَعَنَهُ، وَفَضَحَ اللهُ ظَاهِرَهُ وَبَاطِنَهُ، وَبَدَّلَهُ بِالقُرْبِ بُعْدًا، وَبِالرَّحْمَةِ لَعْنَةً، وَبِالجَمَالِ قُبْحًا، وَبِالجَنَّةِ نَارًا؟ إِلَّا المَعْصِيَةُ وَإِصْرَارُهُ عَلَيْهَا.
مَا الذي أَغْرَقَ أَهْلَ الأَرْضِ جَمِيعًا، حَيْثُ فُتِحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ، وَفُجِّرَتِ الأَرْضُ عُيُونًا فَالْتَقَى المَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ؟ إِلَّا المَعْصِيَةُ وَإِصْرَارُهُمْ عَلَيْهَا.
عِبَادَ اللهِ: أَمَا تَقْرَؤُونَ وَتَسْمَعُونَ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ﴾؟
عِبَادَ اللهِ: مَا الذي أَخْرَجَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ ﴿مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ﴾ إِلَّا المَعَاصِي وَالإِصْرَارُ عَلَيْهَا؛ فَكَانَ الغَرَقُ عَاقِبَتَهُمْ في الدُّنْيَا وَالنَّارُ مَثْوَاهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ﴾.
عِبَادَ اللهِ: احْذَرُوا المَعَاصِيَ وَالمُخَالَفَاتِ التي دَمَّرَتِ العِبَادَ وَالبِلَادَ، وَصَدَقَ قَوْلُ اللهِ تعالى: ﴿فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾.
الخطبة الثانية
عِبَادَ اللهِ: أَعْظَمُ المَصَائِبِ أَنْ يَنْسَى العَبْدُ رَبَّهُ، قَالَ تعالى: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ أَعْظَمُ المَصَائِبِ أَنْ يَنْسَى العَبْدُ أَنَّهُ في نِسْيَانٍ، وَهَذَا هُوَ البَلَاءُ المُرَكَّبُ ، ومَا أَعْظَمَ الغَفْلَةَ عَنِ اللهِ تعالى وَعَنِ اليَوْمِ الآخِرِ، ومَا أَعْظَمَ إِعْرَاضَ المُعْرِضِ عَنِ اللهِ تعالى، ومَا أَعْظَمَ الإِصْرَارَ على الذُّنُوبِ وَالمَعَاصِي، مَا أَعْظَمَ الغُرُورَ، مَا أَعْظَمَ الأَمْنَ مِنْ مَكْرِ اللهِ تعالى ﴿أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتَاً وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ﴾ ، قَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا رَأَيْتَ اللهَ يُعْطِي الْعَبْدَ مِنَ الدُّنْيَا عَلَى مَعَاصِيهِ مَا يُحِبُّ، فَإِنَّمَا هُوَ اسْتِدْرَاجٌ ، ثُمَّ تَلَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ﴾».
المرفقات
1733222133_ذنبي.docx