{مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ}        30/ 2/ 1445هـ

د عبدالعزيز التويجري
1445/02/29 - 2023/09/14 11:52AM

الخطبة الأولى : {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ}        30/ 2/ 1445هـ

    الحمدُ للهِ كم فينا لخالقنا   **  مواهبُ ليس يُحْصِيِ شُكرَها أحدُ

وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له عظيمٌ في ربوبيتهِ، عظيمٌ في الوهيتِه، عظيمٌ في أسمائهِ وصفاتهِ، وأشهد ان نبينا محمدا عبدالله ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله واصحابه وازواجه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .. أما بعد

{اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ * لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}

    لكلِّ خطبٍ مهمٍّ حسبيَ اللهُ   **  أرجو بهِ الأمنَ مما كنتُ أخشاهُ 

    وأستغيثُ بهِ في كــلِّ نائبــــــةٍ   **   وما ملاذيَ في الدارينِ إلا اللهُ 

{مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} ما يجري في هذا الكونِ إلا بتقديرِ اللهِ وعلمِهِ وقدَرِه، فَإِذَا قضى أمراً فلا رادَّ لقضائهِ ولا معقب لحكمهِ {إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} {ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين} .

ما تتحركُ ذرةٌ إلا بإذنهِ{وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}

لا تحِجبُ سماءٌ عن علمهِ سماءً، ولا أَرضُ أرضًا {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ} قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: تَبَارَكَ الَّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ الأَصْوَاتَ، لَقَدْ جَاءَتِ الْمُجَادِلَةُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ r تَشْكُو زَوْجَهَا، فَكَانَ يَخْفَى عَلَيَّ كَلَامُهَا، وَأَنَا فِي نَاحِيَةِ الْبَيْتِ . أخرجه البخاري.

 حَكِيمٌ فِي أَمْرِهِ، خَبِيرٌ بِخَلْقِهِ {وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ } الذي لا تجرى أحكامُه وقضاياه إلا على مقتضى العلمِ والحكمة {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ }.

      فالله أعظمُ مما جالَ في الفكرِ   **   وحكمه في البرايا حكم مقتدرِ

     مولى عظيمُ حكيمُ واحدُ صمدُ  **   حيُ قديرٌ مريدُ فاطــرُ الفطــرِ

هو الله جل جلاله{ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ} تعالى قدْره وعظُم شأْنه، واستعلى على سواهُ في ذاته وصفاته وأفعاله {وَهُوَ الْعلي الْكَبِير} الْعَلِيِّ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، عليُ بذاتِه وصفاتِه وقهرهِ وسلطانه .

 لا يفلت من قبضته شيء {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى}

 عزيز ٌلا يغالب قويُ لا يُقهر ..

       الغالبُ القهارُ فوق عباده   **   من ذا يكيد الغالبَ القهارا ؟

{وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} قدرتُه باهرةٌ، وسطوتهُ قاهرةٌ.. يُري عبادَهُ جل جلاله شيئاً من قدرتهِ، فيتحركُ جزءُ من الأرضِ بإذنهِ، أو يهيجُ البحرَ بأمرهِ فتُصبحُ الشواهقُ ركاما، والأجسادُ أشلاءَ، والعمارُ خرابا..

   فترى الديارَ على الديارِ أكبَها   **   وترى الجبالَ على الجبال أمالها

    وترى أعاصيرَ المياهِ أثارَهـــــــــــا    **   حرباً تسددُ للكبـــــودِ نِبالهــــــا

    فلربَّ دارٍ زجهـــَا في هــــــــــــــــوةٍ   **    فمحــا مبانيهــا وأقبر آلهــا

   وترى بها القتلى هنا وهناك قد    **  طمسَ الترابُ على الثرى أشكالهَا

   بينا قضوا في النومِ زلفةَ ليلهم **      في دورِهم متفيئين ظلالهَـــا

   إذ طافَ بالبلوى عليهمُ طائفٌ **    خسفَ الديارَ وعجلَ استئصالها

   دوّت دوي الرعدِ ثم تدكدكت **     بالآهلين وأخرجت اثقالها

     إنّ القيامةَ بالوبالِ نذيـــرةٌ    **      عفوا فانا لا نطيقُ وبالها

   والله ارحمُ راحمِ سبحانَه       **     وسعَ الخلائقَ رحمةً وأنالها

  شكراً لمن أولى الضحايا منةً **       ترضى ومد يدا لها فأطالها

  شكرا لمن آوى اليتامى واعتنى     **  بحياتها فاسترجعت آمالها

    غفرانــــك اللهـــــــم إنا أمــــــةٌ **        رزْحى يحملُها الهوى أحمالها

    فارفُق بأمةِ مصطفاكَ محمدٍ    **  واجعل إلى كنفِ السلامِ مآلها

المؤمنُ الفطن يلجأ لربه في السراء والضراء {هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} فهو الذي { يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ}

ويعلمُ المسلمُ دوماً أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ، وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ، ولو اجتمعت الخلائق على أن يردوا قضاء الله أو يوقفوا أمره لَمْ يَقْدِرُوا دفعه {أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلا}

 فَإِذَا سَأَلْتَ فَسَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الصبر عواقبه محمودة، وما قدَّره الله كائن, فالعاقل يقابل الشدائد والمحن بالرضا والتسليم ويلتجأ ويرجع إلى الله لينال ثواب الصبر، ويظفر بتدبير الأمر..

    إِذا عَقَدَ القَضاءُ عَلَيكَ أَمراً ... فَلَيسَ يَحُلُّهُ إِلا القَضاءُ

والآمنُ يشكرُ ربه على الطيباتِ من الرزق، والسلامةِ من الأخطار ، والخيرِ المدرار ..

والمسلمُ اليقظ يتقي ربه في كل حين وآن، فيحافظ على الفرائضِ والواجبات، ويبتعد عن المعاصي والمنكرات، ويؤدي الحقوق ويحذر العقوق، فلا يدري متى يفجأه الأجل، وينقطع عنه الأمل .. أمراضُ وأسقام ، وحوادثُ واخطار ، ومحنُ وزلزال وطوفان، أوموتُ على الفراش..

  كم غافلٍ عن حِياضِ الموْتِ في لَعبٍ   **   يُمسِي ، وَيُصْبحُ رَكّاباً لِما هَوِيَا

   يــــــا رُبَّ بــــاكٍ علَى ميــتٍ وباكيــــــةٍ    **   لمْ يلبَثَا بعدَ ذاكَ الميتِ أنْ بُكِيَا

   ورُبَّ نـــــاعٍ نَعَــى حينـــاً أحبَّتـــــــــهُ       **   ما زالَ يَنعى إلى أن قيلَ قد نُعيَا

يا أيها الناس جميعاً {اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ }

{وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ}.

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ: ..الْحَمْدُ لِلَّهِ وَكَفَى، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى عَبْدِهِ الْمُصْطَفَى، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اجْتَبَى. أَمَّا بَعْدُ:

المؤمن يملك قلبا حيا يهتم للمسلمين ويحزن لما يصيبهم من البلاء والمحن والظلم والمسغبة «مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ وَصَبٍ، وَلَا نَصَبٍ، وَلَا همٍ، وَلَا حَزَنٍ، إِلَّا كُفِّرَ بِهِ مِنْ سَيِّئَاتِهِ» أخرجه مسلم

يا ربّ ما أقربَ منكَ الفرجا ** أنتَ الرجاءُ وإليكَ الملتجا

يملك المسلم لإخوانه إنفاقا ولو بالقليل «تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ دِينَارِهِ، مِنْ دِرْهَمِهِ، مِنْ ثَوْبِهِ، مِنْ صَاعِ بُرِّهِ، مِنْ صَاعِ تَمْرِهِ ، وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ».

يملك المؤمنُ لسانا لايفتر بالدعاء بأن يغيث المسلمين ويرفع عنهم الضرَ البلاء.. قال أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه بعث النَّبِيُ r سَبْعِينَ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُمُ الْقُرَّاءُ، فَقُتِلوا قَبْلَ أَنْ يَبْلُغُوا الْمَكَانَ، قال أنس: « فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ r حَزِنَ حُزْنًا قَطُّ أَشَدَّ مِنْهُ، وقَنَتَ شَهْرًا فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ يَدْعُو عَلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ» متفق عليه.

 هذا هو المنهج الاحساس والشعور بالجسد الواحد وحمل الهمّ للإسلام والمسلمين.

 إن الأجيال برجالها ونسائها، بحاجةٍ إلى إحياء الضمائر وإدراك لأي شيءٍ نحيا ونسعى {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ} "ولن تَزُولَ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلاَهُ".

   إن أكبر نجاحات الأعداء على اختلاف مللهم أن يخدروا مشاعر المسلمين ويميتوا الأحاسيس، ويبثوا الخنا والفحش عبر كل تطبيق ودعاية وبرنامج ..

 إن على كلِ مسلمٍ يرجو الله والدار الآخرة أن يحمي سمعه وبصره وأهل بيته من هذه البرامج التي أثمها أكبر من نفعها ، وأن يربأ بنفسه أن لا يكون له همُ ولا همه..

   ومن يكن همه في العيش مأكله  **  فالموت أولى له من عِيشة الكدر

اللهم كن للمستضعفين والمتضررين والمشردين من المسلمين عونا ونصيرا .. اللهم آمنا في دورنا وأصلح ولاة امورنا .. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد ..

المرفقات

1694682860_{مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ}.docx

1694682900_{مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ}.pdf

المشاهدات 1649 | التعليقات 0