ما أشبه الليلة بالبارحة ! المنافقون وحادثة الإفك .. مختصرة جدًا
عبدالرحمن المهيدب
الحمدُ لله عزَّ فاقْتَدَرَ ,وكُلُّ شيءٍ عِندَه بِقَضَاءٍ وَقَدَرٍ, وأشهدُ إلا اله إلا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ يُوفِّي أَجْرَ مَنْ صَابَرَ وَصَبَرَ, وأَشهدُ أنَّ مُحمَّدا خَيرُ البَشَرِ؛ شَرَحَ اللهُ صَدرَهُ ,وَوَضَعَ عَنْهُ وِزْرَهُ , وَرَفَعَ لَهُ ذِكْرَهُ, فاللهمَّ صَلِّ وسَلِّم وَبَارِكْ عليهِ وعلى آلِهِ واصحابه أجمعين
أمَّا بَعدُ:
فتاةٌ عفيفة, زوجها سيّدُ قومها, وأبوها ذو جاهٍ وشرف, بينما هي عائدة من إحدى الأسفار, وما إن وصلت بيتها, حتى قام أحد الفجار باتّهامِها في عرضها, والقدح في شرفها, وما هي إلا أيام حتى أصبحت حديثَ الناس, وخاضوا في أمرها بين مصدّقٍ ومكذِّب, فانعزلَت في بيت أبيها والحزن قد خيم عليها والدمع ما فارق مقلتيها
فجاءها زوجها رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فقال لها: ياعائشة؛ قد بلغني عنكِ كذا وكذا, فإن كنتِ بريئة فسيبرؤك الله, وإن كنتِ ألممتِ بذنب فاستغفري الله تعالى وتوبي إليه, فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب, تاب الله عليه, فتوقف نشيجها, وانقطع دمعها من هول السؤال, فالتفتت إلى أبيها فقالت: أجب عني رسول الله! فقال: والله ما أدري ما أقول لرسول الله! ثم التفتت إلى أمها قائلة: أجيبي عني رسول الله! فقالت: والله ما أدري ما أقول لرسول الله! فسكتت مليا ثم قالت: واللهِ أعلم أنكم سمعتم حديثًا تحدّث الناس به, واستقر في نفوسكم, فلئن قلت لكم إني بريئة لن تصدقوني, ولئنِ اعترفتُ لكم بأمرٍ والله يعلم أني منه بريئة لصدقتموني, ولا أجِد لي ولكم مثلًا إلا كما قال أبو يوسف –عليه السلام- : فصبرٌ جميلٌ والله المستعان على ما تصفون .
ومضى شهر على هذهِ الحال, ورسول الله –صلى الله عليه وسلم- ينتظر الوحي, يرى زوجه تتقطع حزنًا وألما, وصاحبُهُ قد خيَّم الحُزنُ على وجهه, وأطفأَ نضارة وجهه, حتى جاء الفرج وبرّأها الله من فوق سبع سماوات آياتٌ تتلى إلى يوم القيامة : (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنْ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ * لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ)
نعم .. لا تحسبوهُ شرًا لكم .. بل هو خيرٌ لكم .. أيّ بلاءٍ أعظم من هذا البلاء؟ أعظم البشر على الإطلاق يُتَّهم من شرار الخلق في عرضهِ وفي أحبّ الناس له ! والله يقول : ( لا تحسبوهُ شرًا لكم بل هو خيرٌ لكم ) .
فيا مَن ابتلاه الله في صحته , ويامن ابتلاه الله في ولده, ويا مَن ابتُلِي في عرضه , أو مالِهِ, أو شيءٍ من دُنياه .. لا تحسبوه شرًا لكم , بل هو خيرٌ لكم.
فأحسِنوا الظن بالله, فلن يضيّع الله من دعاه ولن يخيب من رجاه (أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).
الخطبة الثانية :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
ما أشبه الليلة بالبارحة .. فلئِن كان المنافقون في خير العصور ومع خير البشر أضرُّوا بعباد الله المؤمنين وأشاعوا قول الزور بينهم , ولما سنحت لهم الفرصة ما تأخروا ولا ترددوا, فاتهموا العفيفة في شرفها, وانتهكوا عرض رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فأخرجوا مافي قلوبهم من غيظ, وأظهروا حقدهم على المؤمنين, مع علمهم أن الله سيُبطِل فِريَتَهُم وينقض إفكهم, فالوحي مازال يتنزل على رسول الله – صلى الله عليه وسلم- ,إلا أن حب إشاعةِ الفاحشة في الذين ءامنوا أعماهم, وغيظ قلوبهم أنساهم, والله من وراء قصدهم, وهو حسبهم ونعم الوكيل.
وإن من أصلاب هؤلاء المنافقين من لا يزال يتربص بعباد الله المؤمنين ويسعى لكشف سترهم وهتك عرضهم. جلّى الله صفاتهم في كتابه, وأوضح معالمهم في تنزيله, هم أشد ضررا على المسلمين من اليهود الحاقدين, ومن النصارى المعتدين, أعدّ الله لهم قعر النار ودركها –والعياذ بالله- فقال تعالى: ( إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرًا ) وحذَّرَنا الله منهم فقال: ( هم العدوُّ فاحذرهم قاتلهم الله أنّى يؤفكون ) .
المنافقون هم المنافقون, فمهما تغيرت بيئتهم, وطاب معاشرهم, وتبدلت أسماؤهم, إلا أن صفاتهم لا تتغير, وأوصافهم لا تتبدل, فحُبُّ إشاعةِ الفاحشةِ طبعهم, والإضرار بالمؤمنين غايتهم, سلَّطوا أقلامهم في إيذاء المسلمين, وسخَّروا طاقاتهم لمحاربة الدين, حقًا .. هم العدو فاحذرهم! فلا تكن معهم ولا تلحق بركبهم, وكُن حيث كانت سهامهم.
اللَّهُمَّ إِنا نعُوذُ بِكَ مِنْ الِّشَقاقِ وَالنِّفَاقِ ومن سيئ الأَخْلاقِ, اللهم لا تُقِم للمنافقين راية, واجعلهم لمن خلفهم عبرةً وآية, اللهم اكشف سترهم, وافضح أمرهم, واكفِ المسلمين شرَّهم, اللهم إنا نسألك عزًا وتمكينا للإسلام والمسلمين, اللهم ولِّ على المسلمين خيارهم, واكفهم شر كل ذي شر يارب العالمين, اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى, وخذ بناصيته للبر والتقوى, اللهم اجعله سلمًا لأولياءك حربًا على أعداءك يارب العالمين.
اللهم نفِّس كَرب المكروبين وفرِّج هم المهمومين واقضِ الدين عن المدينين, واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين يارب العالمين..
عباد الله .. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكَّرون فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم وشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.