ماهِي أُمنِيتُك؟! 1444/5/15هـ

يوسف العوض
1444/05/12 - 2022/12/06 16:33PM

الخطبة الأولى

أيُّها المسلمون: أخرج الإمام مسلم في صحيحه عَنْ ربيعة بن كعب الأسلمي، رضي الله عنه، قال: (كُنْتُ أَبيتُ مَعَ رَسُولِ الله، صلى الله عليه وسلم، فَأَتَيْتُهُ بوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ، فَقَالَ لِي: «سَلْ» فَقُلْتُ: أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الجَنَّةِ، قَالَ: «أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ؟» قُلْتُ: هُوَ ذَاكَ، قَالَ: «فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بكَثْرَةِ السُّجُودِ») أخرجه مسلم.

أيُّها المسلمون: من المعلوم أن المسلم في هذه الحياة يعبد ربه آناء الليل وأطراف النهار، ويدعوه سبحانه وتعالى أن يحقق أمانيه بأن يجعله من أهل الجنة، ونتعرف من الحديث السابق على مدى اهتمام الصحابة، رضي الله عنهم أجمعين، بالآخرة وشوقهم إلى الجنة، وتمنيهم بلوغها، كما نتعرف على مدى محبة الصحابة الكرام رضي الله عنهم أجمعين، للرسول، صلى الله عليه وسلم، وحرصهم على صحبته ،عليه الصلاة والسلام، في الدنيا ومرافقته في الجنة، ولكي يحقق الإنسان أمنيته يجب عليه أن يسير على الطريق الموصلة إلى الجنة، حتى يصل إليها بسلام إن شاء الله، فالجنة فيها ما لا عينٌ رأت، ولا أُذُنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وثمَنُ الجنة غالٍ ونفيس، فقد عَلَّمنا رسولنا، صلى الله عليه وسلم، أن الأمنية تحتاج إلى عمل مخلص، وطاعة صادقة، وعبادة موافقة للشرع، وصبر على مغريات الحياة حتى يفوز الإنسان بالجنة إن شاء الله، كما جاء في الحديث الشريف: (أَلا إِنَّ سِلْعَةَ اللهِ غَالِيَةٌ، أَلا إِنَّ سِلْعَةَ اللهِ الْجَنَّةُ) أخرجه الترمذي، وقديماً قالوا: ومن يخطب الحسناء لم يُغْلِه المهر، فعلينا أن نعمل من أجل مرضاة الله سبحانه وتعالى، ومن ثمَّ نيل نعيمه وجنته.

أيُّها المسلمون: لقد خُلق الإنسان في هذه الحياة لعبادة الله وطاعته، كما جاء في قوله سبحانه وتعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ}  فالإنسان المؤمن يعلم أن أعمار الأمة بين الستين والسبعين والقليل من يتجاوز، لذلك فإن المسلم يجعل له في الحياة أمنية يرجو تحقيقها، فهو يسعى من أجلها، ويحرص على بلوغها، ويضحي بكل ما لديه للوصول إليها، فهل هناك أمنية أعظم من الجنة؟!. ولا شكَّ أن كلَّ إنسان في هذه الحياة الدنيا يتمنى السعادة ويرجو تحقيقها، ويعمل ما وَسِعَهُ الجهد لبلوغها لكنْ، وللأسف، نجد أن البعض يقف عند حدود التمني فقط، ويريد أن يكون سعيداً دون أن يقوم بواجبه، ودون أن يبذل جهده، وهذا خطأ كبير، وعند قراءتنا للقرآن الكريم نجد أن الله سبحانه وتعالى يرشدنا إلى طريق الفوز بالجنة، فيقول سبحانه وتعالى: (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى) .

أيُّها المسلمون: لقد بشَّر القرآن الكريم المؤمنين الذين يطيعون الله ورسوله بالثواب العظيم والنعيم المقيم، كما في قوله تعالى: {وَمَن يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللهِ وَكَفَى باللهِ عَلِيمًا} ، ذكر الإمام ابن كثير في تفسيره سبب نزول هذه الآية، (عن ابن جرير عن سعيد بن جبير قال: جاء رجل من الأنصار إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهو محزون، فقال له النبي، صلى الله عليه وسلم: «يا فلان مالي أراك محزوناً؟» فقال: يا نبيّ الله شيءٌ فَكَّرتُ فيه، فقال: ما هو؟ قال: نحن نغدو عليك ونروح ننظر إلى وجهك ونجالسك، وغداً تُرفع مع النبيين فلا نَصِلُ إليك، فلم يرد النبي، صلى الله عليه وسلم، شيئاً، فأتاه جبريل بهذه الآية:{ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبيِّينَ}...الآية، فبعث النبي، صلى الله عليه وسلم، فَبَشَّره).

أيُّها المسلمون: إنَّ بناء النفوس وتشييدها على أساس الحق، وتزكيتها بالصلاح والطهر، مطلب عظيم وغاية عليا وهدف من أعزّ الأهداف، فقد ورد أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، وقف في مسجد النبي، صلى الله عليه وسلم، يقول لبعض الصحابة: ليذكرْ لي كلٌ منكم أعظم شيء يتمناه، قال أحدهم: أتمنى أن يكون لي مثل أُحد ذهباً أُنفقه في سبيل الله، وقال آخر: أتمنى أن يكون لي مِلءُ المدينة خيلاً أغزو به في سبيل الله، وقال ثالث: أتمنى أن يكون لي ألفُ عبدٍ أعتقهم ابتغاء مرضاة الله، وأخذ كلٌ منهم يذكر ما يتمنى، وأمير المؤمنين يدير النقاش بينهم، ثم توجهوا إليه قائلين: فماذا تتمنى أنت يا أمير المؤمنين؟ قال عمر رضي الله عنه: أتمنى مِلْءَ هذا المسجد رجالاً أمثال أبي بكر الصديق، رضي الله عنه!! لقد أصبتَ كبد الحقيقة يا أمير المؤمنين، فلو وُزِن إيمان أبى بكر، رضي الله عنه، بإيمان الأمة لرجح إيمان أبي بكر على إيمان الأمة. فأبو بكر الصديق، رضي الله عنه: هو أول من آمن بالرسول، صلى الله عليه وسلم، من الرجال، والثاني معه في الغار، ومعه في الهجرة، وهو أول العشرة الذين بشرهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بالجنة، وهو أول من أخرج جميع أمواله كلها في سبيل الله، وأسلم على يديه عدد من الصحابة السابقين، ويكفيه، رضي الله عنه، شهادة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، له، حيث قال، صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبَو بَكْرٍ وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلاً لاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الإِسْلامِ وَمَوَدَّتُهُ) أخرجه البخاري، وقوله، صلى الله عليه وسلم، أيضاً: (إِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي إِلَيْكُمْ، فَقُلْتُمْ: كَذَبْتَ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: صَدَقَ، وَوَاسَانِي بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ) أخرجه البخاري.

 

الخطبة الثانية

أيُّها المسلمون: ونتعلم من حديث ربيعة السابق أهمية السجود في الصلاة والحث على الإكثار منه والخشوع فيه، كما جاء في الحديث عن ثوبان، رضي الله عنه، قال: سمعتُ رَسُولُ الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: «عَلَيْكَ بكَثْرَةِ السُّجُودِ للهِ، فَإنَّكَ لا تَسْجُدُ للهِ سَجْدَةً إلا رَفَعَكَ الله بهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْكَ بهَا خَطِيئَةً» أخرجه مسلم، ومن معاني السجود الخضوع والانقياد لأوامر الله عز وجل وطاعته سبحانه وتعالى في السرِّ والعلانية، وهذا ما يتفق مع معنى الإسلام المتمثل في الاستسلام والانقياد لله عز وجل، لذلك فإن السجود لله في الصلاة والتزام الطاعة في جميع الأوقات، هما طريق النجاح والفوز برضى الله سبحانه وتعالى.

المشاهدات 1055 | التعليقات 0